مُمَهِدَاتْ... وحقيق أن تبادر المرأة المثقّفة الملتزمة الواعية فتمهد الطريق وتفتح الآفاق.

حديث خولة الحنفيّة

حديث خولة الحنفيّة

قال: حدثنا أبو عبد الله الحسين بن أحمد المدني، قال: حدثني الحسين بن عبد الله البعرمي بالبصرة ، قال : حدثني عبد الله بن هشام ، عن الكلبي، قال: حدثني مهران بن مصعب المكي، قال: كنا عند (أبي العباس بن) (1) سابور المكي(2) فأجرينا حديث أهل الردة، فذكرنا خولة الحنفية، ونكاح أمير المؤمنين(ع) لها. فقال: أخبرني عبد الله بن الخير الحسيني، قال: بلغني أن الباقر (ع) قد كان جالسا ذات يوم، إذ جاءه رجلان، فقالا: يا أبا جعفر (الست القائل)(3) أن أمير المؤمنين (ع) لم يرض بإمامة من تقدمه؟ قال: بلى فقالا له: هذه خولة الحنفية نكحها من سبيهم، ولم يخالفهم على أمرهم مدة حياتهم .
فقال الباقر(ع): من فيكم يأتيني بجابر بن عبد الله محجوبا قد كف بصره، فحضر وسلم على الباقر(ع)، فسلم عليه وأجلسه إلى جانبه، وقال له يا جابر، عندي رجلان ذكر أن عليا(ع) رضي بإمامة من تقدمه، فسألهما ما الحجة في ذلك؟ فذكرا له حديث خولة، فبكى جابر، حتى أخضلت لحيته بالدموع. ثم قال: والله يا مولاي، إني خشيت أن أفارق الدنيا، ولا أسأل عن هذه المسألة، وإني والله قد كنت جالسا إلى جنب أبي بكر، وقد أتت حنفية مع هاني بن نويرة من قبل خالد بن الوليد، وبينهم جارية مراهقة، فلما دخلت المسجد، قالت: أيها الناس ما فعل محمد(ص)؟ قالوا: قبض. قالت: فهل له بنية نقصدها؟ فقالوا: نعم هذه تربته وبنيته، فنادت وقالت: السلام عليك يا رسول الله، أشهد أنك تسمع كلامي، وتقدر على رد جوابي وإنا سبينا من بعدك ونحن نشهد أن لا إله إلا الله، وأنك محمد رسول الله. فجلست، ووثب رجلان من المهاجرين والأنصار: أحدهما، طلحة، والآخر: الزبير، وطرحا عليها ثوبيهما. فقالت: ما بالكم يا معاشر العرب، تصونون حلائلكم وتهتكون حلائل غيركم؟ فقيل لها: لأنكم قلتم: لا نصلي (ولا نصوم)(4) ولا نزكي فقالت: ليس الأمر على ما زعمتم، إنما قلنا: إن رسول الله(ص) كان يبعث كل سنة رجلا يأخذ منا صدقاتنا من الأغنياء من جملتنا، يفرقها على فقرائنا. فافعل أنت كذلك فقال الرجلان اللذان طرحا عليها ثوبيهما: إنا لغالون في ثمنك.
فقالت: أقسمت بالله، وبمحمد رسول الله(ص)، أن لا يملكني ويأخذ برقبتي(5) إلا من يخبرني بما رأت أمي، وهي حاملة بي؟ وأي شيء. قالت لي عند ولادتي وما العلامة التي بيني وبينها؟ وإلا ما يملكني منكم إلا من يخبرني بذلك، وإلا بقرت بطني بيدي، فيذهب بثمني ويطالب بدمي. فقالوا لها: (أبدي رؤياك، حتى نذكرها، ونقول بعبارتها)(6) فقالت: الذي يملكني هو أعلم بالرؤيا مني وبالعبارة من الرؤيا. فأخذ طلحة والزبير ثوبيهما، وجلسا، فدخل أمير المؤمنين(ع). وقال: ما هذا الرجف في مسجد رسول الله(ص)؟ فقالوا: يا أمير المؤمنين، امرأة (حنفية) حرمت ثمنها على المسلمين، وقالت: من أخبرني بالرؤيا التي رأت أمي وهي حاملة بي، والعبارة يملكني فقال أمير المؤمنين(ع): ما ادعت باطلا، أخبروها تملكوها. فقالوا: يا أبا الحسن، ما فينا من يعلم الغيب، أما علمت أن ابن عمك رسول الله(ص) قد قبض وأن أخبار السماء قد انقطعت من بعده. فقال أمير المؤمنين(ع) أخبرها، أملكها بغير اعتراض (منكم)(7) قالوا: نعم. قال(ع): يا حنفية، أخبرك وأملكك؟ فقالت: من أنت أيها المجترئ دون أصحابه؟ فقال: علي بن أبي طالب فقالت: لعلك الرجل الذي نصبه لنا رسول الله(ص) في صبيحة يوم الجمعة في غدير خم، علما للناس؟ فقال : أنا ذلك الرجل.
فقالت: من أجلك أصبنا، ومن نحوك قصدنا، لأن رجالنا قالوا: لا نسلم صدقات أموالنا، ولا طاعة نفوسنا إلا لمن نصبه محمد رسول الله(ص) فينا وفيكم علما قال أمير المؤمنين(ع): إن أجركم غير ضائع، وإن الله يؤتي كل نفس ما عملت من خير ثم قال: يا حنفية، ألم تحمل بك أمك في زمان قحط، حيث منعت السماء قطرها، والأرض نباتها ، وغارت العيون والأنهار. حتى أن البهائم كانت تريد مرعى، فلا تجد شيئا، وكانت أمك تقول: إنك حمل مشؤوم في زمان غير مبارك فلما كان بعد تسعة أشهر، رأت في منامها بأنها وضعتك، وأنها تقول: إنك حمل مشؤوم في زمان غير مبارك، وكأنك تقولين يا أم، لا تنظرين لي فإني حمل مبارك، أنشأ منشأ مباركا صالحا ، ويملكني سيد أرزق منه ولدا، يكون لحنفية عزا.
فقالت: صدقت.
فقال(ع): إنه كذلك، وبه قد أخبرني ابن عمي رسول الله(ص) فقالت: ما العلامة التي بيني وبين أمي؟ فقال لها: لما وضعتك كتبت كلامك والرؤيا في لوح من نحاس، وأودعته عتبة الباب. فلما كان بعد حولين عرضته عليك، فأقررت به، فلما كان بعد ست(8) سنين، عرضته عليك. فأقررت به ثم جمعت بينك وبين اللوح، وقالت لك: يا بنية، إذا نزل بساحتكم سافك لدمائكم، وناهب لأموالكم، وسالب لذراريكم فسبيت فيمن سبي، فخذي اللوح معك، واجتهدي أن لا يملكك من الجماعة إلا من يخبرك بالرؤيا، وبما في هذا اللوح. قالت: صدقت يا أمير المؤمنين، فأين اللوح؟ قال: هو في عقيصتك، (9) فعند ذلك دفعت اللوح إلى أمير المؤمنين (ع) فملكها -والله- يا أبا جعفر، بما ظهر من حجته، وبين من بينته. فلعن الله من اتضح له الحق، وجحد حقه، وجعل بينه وبين الحق سترا. (10)



الهوامش:
1- ليس في الأصل.
2- في البحار: جاء السند هكذا، (حدثنا أبو عبد الله الحسين بن أحمد المدائني، قال: حدثني عبد الله بن هاشم، عن الكلبي، قال: أخبرني ميمون بن صعب المكي.
3- ما أثبتناه من البحار، وفي الأصل: (ألا من قائل). أقول: في الأصل السند فيه تأمل فراجع.
4- ليس في الأصل وأثبتناه من البحار.
5- في نسخة: (ويأخذني، ويأخذ رقبتي).
6- ما بين القوسين في البحار: (أذكري رؤياك حتى نعبرها لك).
7- ليس في الأصل.
8- في نسخة والبحار: (كانت ثمان).
9- قال المجلسي (رضي الله عنه): العقيقة: الشعر المنسوج على الرأس عرضا.
10- عنه البحار: 29/ 457 ح 46 وعن الفضائل: 99.



المصدر: الروضة في فضائل أمير المؤمنين: شاذان بن جبرئيل القمي. ط1، 1423هـ.

التعليقات (0)

اترك تعليق