صفراء حديثي الولادة
يظهر على ما يقرب 30 % من الأطفال حديثي الولادة الطبيعيين لون أصفر في الجلد أو العين، ويطلق على هذه الحالة (الصفراء الفسيولوجية) أي الطبيعية.
وتختلف درجاتها من مجرد اصفرار بسيط غالبا لا تلاحظه الأم إلى درجة أشد من الاصفرار، ويصبح الطفل في الحالات القصوى برتقالي اللون. ويستلزم الأمر في هذه الحالة إجراء تحليل دم لمعرفة نسبة الصفراء في الجسم للتأكد من أنّ السبب فسيولوجي، وليس السبب حالة مرضية في الدم أو في الجسم يجب تشخيصها وعلاجها. فبالنسبة للصفراء الفسيولوجية، يرجع السبب إلى حالة كسل مؤقت في الكبد وخمائره المسؤولة عن عملية تمثيل مادة الصفراء التي تتكون تلقائيا داخل الجسم ويتم إفرازها خارج الكبد إلى البول والأمعاء. وحالة الكسل إنما هي من الظواهر الفسيولوجية الطبيعية الانتقالية التي تحدث في الأسبوع الأول من العمر وسرعان ما تنشط هذه الخمائر ويكتمل نضجها وتبدأ الصفراء الفسيولوجية في الزوال تدريجيا في كل الحالات، طالما أن النسبة لم تصل إلى درجة خمسة عشر مجم في المائة حيث يلزم في هذه الحالة علاج الطفل بالطريقة الحديثة بالأشعة فوق البنفسجيّة. وفي حالة الطفل المبستر أي الطفل المولود قبل أن يكتمل عمره الرحمي 37 أسبوعاً من الحمل، تزداد عامة حالة كسل الكبد وخمائره نتيجة عدم اكتمال نمو أنسجته ونضجها، وتشتد حالة الصفراء الفسيولوجية بل تستمر بعد الأسبوع الأول. وأنصح دائماً إذا ما وصلت نسبة الصفراء إلى عشرة مجم في المائة عند الطفل المبستر بالإسراع في وضعه تحت الأشعة فوق البنفسجية فترة أربعة أو خمسة أيام حتى تبدأ الصفراء في الاختفاء.
هل ارتفاع نسبة الصفراء ضار بالجسم؟
إذا تجاوزت نسبة الصفراء حداً معيناً، حتى لو كانت نتيجة الكسل الفسيولوجي، قد يلحق بالمخ أو السمع بأضرار بالغة. فإذا تعدت نسبة خمسة عشر مجم في المائة في الطفل المبستر أو عشرين مجم في المائة في الطفل الكامل النمو الرحمي فهناك احتمال حدوث إعاقات ذهنيّة أو تأخر في المهارات الحركيّة أو ضعف في السمع ولذلك يلزم الأمر التدخل بالعلاج قبل الوصول إلى هذه النسبة (أي بدءاً من عشرة مجم في المائة للمبستر وخمسة عشر مجم في المائة للطفل العادي) في الأيام الخمسة الأولى من العمر، وهي الفترة الحرجة بالنسبة لخلايا المخ من حيث تأثير الصفراء عليها.
ما هي طرق العلاج؟
هناك ثلاث طرق وهي: إما تغيير دم الطفل أي استبدال دم الطفل المحتوى على مادة الصفراء بدم متطوع خال من الصفراء مع مراعاة استعمال فصيلة الدم الموافقة، أو استعمال عقاقير تنشيط خلايا الكبد، أو الطريقة الجديدة وهي المعالجة بالضوء الطبي. وفي هذه الطريقة الثالثة يوضع الطفل في جهاز خاص أو في محضن أو حضَّانة مزود بها الجهاز الذي يتكون من مصابيح تصدر أشعة علاجيّة ذات نوع خاص، ويجرد الطفل من ملابسه، وينام إما على البطن أو على الظهر مع تغطية عينيه والأعضاء التناسلية، مع تغيير وضع نومه كل ست ساعات. وبعد أن يتعرض الطفل مدة يومين للعلاج يبدأ لون اصفرار الجسم في التحسن ويستمر العلاج حتى يبدأ اللون في الاختفاء ونستطيع التأكد من تحسن الحالة عن طريق تحليل الصفراء في الدم قبل إيقاف العلاج. وتتوفر الآن في معظم مستشفيات التوليد أجهزة لقياس نسبة الصفراء عن طريق الجلد دون اللجوء إلى سحب الدم من الوريد.
وطريقة العلاج بالضوء الطبي لا تصاحبها مضاعفات ونتيجتها فعالة في أغلب الحالات, وقد توصل الطب إلى اكتشاف هذا النوع من العلاج عن طريق الصدفة نتيجة ملاحظات ذكرها القائمون بمباشرة الأطفال الذين تظهر عليهم الصفراء. الملاحظة الأولى تمت في قسم العناية بالأطفال المبتسرين وحديثي الولادة في أحد المستشفيات في إنجلترا. فقد لاحظت بعض الممرضات أنّ الأطفال الموجودين في أسرة أو حضّانات موضوعة بجوار النافذة وضوء الشمس لا ترتفع عندهم نسبة الصفراء بعكس ما يحدث للأطفال الذين لا يتعرضون لضوء الشمس أي الموجودين بعيداً عن النافذة. فقام هذا الفريق من الممرضات بتغيير مكان الأطفال وبعد أيام قليلة لاحظن انخفاض نسبة الصفراء في مجموعة الأطفال التي اقتربت من ضوء الشمس وارتفاعها في المجموعة التي تمّ نقلها بعيداً عن الضوء.
كما حدث في نفس الفترة ملاحظة مماثلة في معمل من معامل التحاليل، فقد وضع طبيب المعمل أنبوبة بها دم من مريض بمرض الصفراء بجوار النافذة خلال فترة النهار وتركها معرّضة لضوء الشمس، وفي فترة المساء عند إجراء تحليل نسبة الصفراء في العينة تبين أنّ نسبة الصفراء تكاد تكون منعدمة في الدم بالرغم من ظهور الصفراء على جلد المريض وعينيه، وأثارت هذه النتيجة دهشة الطبيب فهرع ليأخذ عينة أخرى من نفس المريض قام بتحليلها في الحال وجاءت النتيجة مشيرة إلى ارتفاع في نسبة الصفراء. وبعد مراجعة ظروف أخذ وتحليل العينتين توصل إلى أنه قد يكون لضوء الشمس دور في تغير نسبة الصفراء في الدم الموجود في أنبوبة الاختبار وبالتالي قد يكون للضوء نفس المفعول على نسبة الصفراء في جسم المريض. وهكذا بدأ تطبيق العلاج بالضوء الطبي لحالات صفراء الأطفال حديثي الولادة.
ويفضل الأطباء هذه الطريقة عن إجراء عمليات تغيير دم الطفل، غير أنّ الأمر يستدعي أحياناً تغير الدم في حالات الصفراء الناتجة عن عدم توافق دم الطفل مع دم أمه عندما تكون الأم سلبيّة عامل (ريزوس) ومولودها إيجابي الفصيلة مثل أبيه.
إنّ فصائل الدم عبارة عن 4 مجموعات يرمز إليها بحروف O- AB- B- A وكل من هذه المجاميع من نوعين إما RH-VE أو RH+VE والغالبية العظمى للبشر ذكوراً أو إناثاً RH+VE وأقليّة منهم RH-VE (15% فقط). فإذا تمّ الزواج بين RH+VE رجل و RH+VE أنثى لا يحدث أي مشكلة بالنسبة للطفل، كما هي الحال عندما يتزوج RH-VE رجل من RH+VE امرأة. وتبدأ المشاكل عندما يتزوج RH+VE رجل من RH-VE امرأة ويولد الطفل RH+VE أي عكس والدته (إذا ولد RH-VE فلا ضرر عليه). المولود الأول عامة لا يصاب بأذى أما المواليد التالية الثاني والثالث وما يليهما يُصابون في أغلب الأحوال بحالة تفتيت في الدم وارتفاع نسبة الصفراء إذا كانوا RH+VE أيضاً. وإذا لم تعالج الحالة بتغيير الدم فقد تودي بحياة الطفل أو إصابته بتخلف عقلي إذا نجا من الموت. كما أن هناك نوعاً آخر من عدم توافق فصائل الدم بخلاف عامل ريزوس وهو عند بعض الأمهات من فصيلة دم O عندما تلد طفلاً فصيلة دمه A أو B مثل أبيه. وتعرف هذه الحالة بعدم توافق AB Oإلا أنها أقل خطورة من عدم توافق عامل RH.
المصدر: أنا وطفلي والطبيب: د. إبراهيم شكرى. طبعة مزيدة ومنقحة، دار الشروق، 2007م.
اترك تعليق