مُمَهِدَاتْ... وحقيق أن تبادر المرأة المثقّفة الملتزمة الواعية فتمهد الطريق وتفتح الآفاق.

كيف تتعاملين مع غضب طفلتك

كيف تتعاملين مع غضب طفلتك

الغضب: حالة نفسية، وظاهرة انفعالية، يحس بها الطفل في الأيام الأولى من حياته، وتصحبه في جميع مراحل العمر إلى الممات، فهو خُلُق متأصل في الإنسان منذ ولادته، ومن الخطأ اعتباره من الظواهر المستقبحة؛ لأن الله سبحانه لما خلق الإنسان، وركب فيه الغرائز، والميول، والمشاعر، كان ذلك لحكمة بالغة، ومصلحة اجتماعية ظاهرة.
والطفلة من ٢-٦ سنوات تتميز بسرعة انفاعلاتها، وسرعة غضبها، وثورتها العارمة التي سرعان ما تنطفي لتعود مرة أخرى إلى حالتها الطبيعية، وتتحكم في ذلك عوامل داخلية منها الطاقة الزائدة والكامنة في الطفلة، ومنها عوامل خارجية كأسلوب المعاملة الوالدية. ولا يعتبر الغضب ذا صفة مَرَضِيَّة إلا حينما يكون عنيفًا جدًا، ومتكررًا بشكل زائد، ويأخذ فترة طويلة نسبيًا.
وأساليب تعبير الطفلة عن انفعال الغضب قد تكون مباشرة تتجه إلى المثير نفسه بالاعتداء عليه بالأساليب البدائية كالضرب والعض، وقد تكون بالاعتداء على ككتلكاته وما يتصل به وذلك بالتدمير والسلب، وقد يكون كذلك باللجوء إلى التهديدات والشتائم، وهناك أساليب غير مباشرة قد تتبعها الطفلة مثل السرقة، والاستغراق في النوم، وفي كلتا الحالتين من الأساليب تكون صاحبتها ذات شخصية إيجابية. وأما الشخصية السلبية فتلجأ صاحبتها إلى الانطواء على نفسها، والابتعاد عن الآخرين، أو الإضراب عن الكلام أو الطعام، وقد تصل نوبات الغضب إلى درجة شديدة كاحتقان الوجه، واحتباس الكلام، أو الإغماء أو كثرة البكاء، وغير ذلك من الأساليب التي تلجأ إليها الطفلة لا شعوريًا للحصول علة حاجاتها المادية والمعنوية.
أما عن أسباب الغضب فمتعددة منها ما يرجع إلى اتباع الوالدين لمعاملات غير عادلة بين أولادهم، ومنها ما يكون بسبب القيود الموضوعة عليها، وعلى حركتها، وتصرفاتها، وانفعالاتها، ومنها ما يرجع إلى التدليل؛ حيث تعتاد على إجابة جميع مطالبها بلا استثناء خاصة أثناء نوبة غضبها، وهذا من شأنه أن يجعل منها إنسانة غير قادرة على تحمل المسؤولية في الكبر، وهذا مما لا يتسم به المؤمن القوي، وهذه المعاملة من شأنها أن تجعل من الطفلة إنسانة تميل إلى الحياة السهلة الرغدة بعيدًا عن متاعب الحياة، ومصاعبها، ومشاكلها.
ومن فوائد الغضب المحافظة على النفس، وعلى الدين، وعلى العرض، وعلى الوطن الإسلامي من كيد المعتدين، ومؤامرات المستعمرين، وهذا لا شك من الغضب المحمود، إلا أن الغضب يصبح من الرذائل الممقوتة، والعادات المذمومة عندما يؤدي إلى آثار سيئة وعواقب وخيمة، وذلك حين الانفعال والغضب من أجل المصالح الشخصية، أو الأنانية، يقول عز وجل: «وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ»(1).
وخير علاج يمكن أن يستخدمه الوالدان لمعالجة ظاهرة الغضب عند الطفلة:
تجنيبها دواعي الغضب وأسبابه حتى لا يصبح لها خلقًا وعادة. فإذا كان من دواعي غضبها الجوع فعلى الوالدين أن يسعيا إلى إطعامها في الوقت المخصص، وإذا كان من دواعيه المرض فإنه يدعو إلى أن يسعيا لمعالجتها، وإن كان من دواعيه تقريعها وإهانتها بدون موجب فينبغي أن ينزها لسانيهما عن كلمات التحقير والإهانة، وإذا كان من دواعيه محاكاة البنت لوالديها في ظاهرة الغضب فعليهما أن يعطياها القدوة الصالحة في الحلم، والأناة، وضبط النفس، وإذا كان من دواعيه الدلال المفرط والتنعم البالغ فعليهما أن يكونا معتدلين في محبتهما لها، وأن يكونا طبيعيين في الرحمة بها والإنفاق عليها.
ومن العلاج الناجح في معالجة الغضب لدى الطفلة تعويدها المنهج التربوي الشرعي في تسكين الغضب. 
ويمكن للوالدين أن يقبِّحا للطفلة ظاهرة الغضب بأن يرياها حالة إنسان غضبان وكيف تتسع عيناه، وتنتفخ أوداجه، وتتغير ملامحه، ويحمرُّ وجهه، ويرتفع صوته، فإظهار هذه الصورة الحسية للطفلة أدعى لزجرها، وتنشئتها على الحلم، والأناة، والاتزان العقلي، وضبط النفس.

الهامش:
(1) سورة آل عمران، الآية:134.



المصدر: مشاكل الأسرة بين الشرع والعرف: الشيخ حسان محمود عبد الله. ط١، دار الهادي، بيروت، لبنان، ١٤٢٨ھ - ٢٠٠٧م.

التعليقات (0)

اترك تعليق