مُمَهِدَاتْ... وحقيق أن تبادر المرأة المثقّفة الملتزمة الواعية فتمهد الطريق وتفتح الآفاق.

التوأم.. عالم مزدوج

التوأم.. عالم مزدوج

معظم الأهالي يقلقون عندما يعلمون أنهم ينتظرون توأما، وبالفعل فإن قلقهم مبرر، إذ إن التوأم يتطلبان مجهودا مضاعفا من قبل الأم والأب معا. لكن معظم أهالي التوائم يؤكدون مع مرور الأسابيع الأولى بعد الولادة ومع توطيد برنامج حياتي يؤمن احتياجات الجميع ضمن الأسرة، أن خبرة التوأم هي من أجمل الخبرات الحياتية للأم كما للأب، وأنها تفوق بإيجابياتها كل التعب والإرهاق المقرون بها....

عالم مزدوج:

لا نستطيع أن نفهم أو نحلل تصرفات وتطور التوأم إلا من خلال منظار مزدوج: فنحن أمام ولدين يكتشفان العالم الخارجي سويًا، وهما معًا في كل الظروف: على مائدة الطعام، وفي الحمام، وفي النزهة؛ زهما معا في نطق الكلمات الأولى، وفي الخطوات الأولى، وفي ابتسامتهما الأولى لوالدتهما!
إن هذه الازدواجية تجعل الوالدان متكافلين بشكل حاد، إذ إننا نلاحظ أنه عندما ننادي أحدهما، يهرول الإثنان إلينا معا، أو في بعض الأحيان، يخترعان اسما رمزيا مشتركا بينهما لينادي أحدهما الآخر به. إن هذه الازدواجية قد تكون هي السبب وراء التأخر النسبي الذي نلمسه عند التوأم في اكتساب الهوية الشخصية، أو "الأنا" إذ أنهما يعيشان في عالم "النحن" لمدة طويلة قبل أن يستوعبا فرديتهما. وفي الإطار نفسه، نلاحظ أنه، بينما يستطيع ابن الثلاث سنوات أن يتعرف إلى صورته أمام المرآة، يجد التوأم صعوبة في تمييز أحدهما عن الآخر، وكذلك في الصور الفوتوغرافية.
إضافة إلى ذلك، نلاحظ في بعض الاحيان، أن التوأم يبتكران لغة سرية بينهما (ما يسميه الخبراء "الكريبتوفازيا")، وهي غير مفهومة من الآخرين، وقد يحافظان على بعض كلماتها حتى في سن الرشد. إن هذه اللغة السرية غالبا ما تقلق والدي التوأم إذ أنها تؤكد مدى انغلاق التوأم عن العالم الخارجي: فمن خلال لغتهما هذه، يبدو وكأنهما مكتفيان معا إلى أكمل وجه، ومتكاملان إلى أقصى حد، فلا يبديان أي مجهود للتواصل مع محيطهما.... وكلنا نعلم مدى أهمية هذا التواصل في عملية اكتساب النطق عند الأولاد! وقد يؤدّي ذلك إلى تأخر في هذا المجال، وبالفعل، غالبا ما نلاحظ أن التوأم يتأخران في اكتساب النطق مقارنة بأقرانهما غير التوأم.

الشخصيتان:
يلاحظ الجميع اختلاف الشخصيتين عند التوأم، وذلك حتى منذ الولادة، فالعديد من أهالي التوأم يؤكدون هذا الاختلاف بالملاحظات التالية: "كان سامي شديد البكاء منذ الأيام الأولى، بينما كان فادي هانئا وهادئا، ونادرا ما نسمع صوته!" أو "سناء عنيدة وسريعة الانفعال منذ الصغر، عكس أختها تماما، فندى سهلة المزاج وعذبة المعشر...".
مختلفان نعم، لكن متضامنان إلى حد عميق جدا: يعيش التوأمان إجمالا في عالم منغلق على ذاته، فهما يكتفيان أحدهما بالآخر ولا يحتاجان لأحد، حتى أنهما أحيانا يستغنيان عن وجود أمهما لدرجة أنها تشعر وكأنها غير مرغوبة منهما...
إن ميزة هذا التضامن هي قدرة التوأم على تنظيم الأمور بينهما بشكل دقيق جدا، فهما يتوزعان المسؤوليات فيما بينهما بمهارة مدهشة، ويستثمران مواهبهما الخاصة بشكل متكامل، فالأول مثلا يتميز بقوة جسدية تجعله يميل إلى النشاطات الرياضية، بينما يتحلى الثاني بدرجة عالية من الفضول الفكري، مما يجعله يتفوق على أقرانه بثقافته العامة وتطلعاته العلمية.... يهتم الأول ببناء العلاقات مع المحيط الخارجي ويؤمن الصاقات والرفاق، بينما ينهمك الثاني في ترتيب الأمور الداخلية للعلاقة، فهو الذي يرتّب الألعاب في الغرفة ويتفقدها، وهو الذي يهتم بتقسيم أموال "الخرجية" فيما بينهما، وأيضًا هو الذي يخطط للنشاطات، يبنما يتولى الآخر مسؤولية التنفيذ، وفي بعض الأحيان، وقد يصل هذا التضامن إلى درجة تقاسم العقاب!

صعوبة الانفصال:
إن هذا التضامن التوأمي قد يبدو ظريفا جدا عند الصغر، ولكن مع مرور الزمن، وخاصة عند مرحلة المراهقة، يثور التوأمان ضد هذه الازدواجية وهذا الانغلاق على العالم الخارجي، ويبحثان من تحرّر أحدهما من الآخر، ويعتبر الخبراء أن هذه الانتفاضة علامة تطورية سليمة في حياة التوأم وإشارة إلى البحث عن هوية مستقلة.
إن عدم حصول هذه الانتفاضة قد يسيء لمستقبل التوأم، فقد يجدان صعوبة في بناء صداقات وعلاقات خارج إطار علاقتهما، وقد يتألمان من أية محاولة انفصال بينهما، حتى أنه في بعض الأاحيان يبدو الزواج مشروعًا مستحيلا!
لذلك، نلاحظ اليوم أن طريقة التعامل مع الأولاد التوائم تختلف عما كانت عليه في الماضي، وكأن الأهل أدركوا أهمية التأكيد على فردية واستقلالية كلا من الولدين منذ الصغر، وذلك بغية التحضير لانفصال أحدهما عن الآخر، وتكوين هوية شخصية ومميزة لمواجهة الحياة بشكل فردي وليس من خلال أعين وأفعال وأقوال الآخر!

هذا ولا بد من أن نذكّر ببعض الإرشادات للأهالي في هذا الإطار:
 منذ البدء من الأأفضل اختيار أسماء مختلفة جدًا للولدين، عكس ما يجري في العادة، وننصح بالأخص بتجنب الأاسماء ذات الإيقاع الشبيه جدا، مثل "فادي" و "شادي" أو "جمال" و "كمال" وكذلك الأسماء المقرونة ببعض الشخصيات البارزة في التاريخ الأدبي أو السياسي، مثل "طه" و "حسين"، أو "أحمد" و "شوقي"، أو حتى "هتلر" و "موسوليني"!!!
 من الأفضل مناداة التوأم باسميهما لا "بالتوأم"، مثلما نلاحظ في معظم الأحيان.
 اختيار ملابس مختلفة لكل واحد منهما، مما يساعد على التمييز بينهما.
 لكل واحد ألعابه! منذ الصغر، علينا تشجيع وتعزيز خصوصية الولد، فلا داعي لشراء ألعاب متشابهة للاثنين، ومن الأفضل ترتيب الألعاب في موقعين مختلفين.
 تهيئة التوأم منذ الصغر لانفصال أحدهما عن الآخر، حيث يمضي أحدهما بعض الوقت عند جدته أو خالته ويبقى الآخر في المنزل مع والديه، على أن يبدّل الوضع في المرة القادمة، مما يساعد أولا في الاعتياد على فكرة الانفصال، وثانيا يسمح للوالدين أن يتمتعا بكلِّ من التوأمين على حدة، كما أن ذلك مهم جدا لمساعدة الولد على التعبير الذاتي بعيدا عن أخته أو أخيه...
 على الأهل أن يساعدوا التوأم على بناء صداقات مختلفة، فوضع كل من الولدين في شعبة مختلفة في الصف يسهل عملية اختيار أصدقاء جدد.
 هناك وضع يجب تجنبه، وهو أن يتقاسم الوالدان المسؤوليات بشكل ثابت، فيهتم الأب بأحد الوالدين على أن تهتم الأم بالآخر. إن مثل هذه الممارسة خاطئة لأن كل واحد من التوأمين بحاجة ماسة إلى كلا والديه!
 كلمة أخيرة حول تطور النطق عند التوأم: لقد ذكرنا سابقا أن النطق قد يتأخر عندهما لأنهما لا يمضيان وقتا وافرا في التواصل مع العالم الخارجي، فهما مكتفيان بنفسهما. لذلك على الأهل أن يلتفتوا لهذا الأمر وتعزيز فردية كل واحد منهما ممّا يساعد الولد على الانفتاح للمحيط حوله، ويشجعه على التعبير بعيدا عن ظل أخيه أو أخته... هذا وإننا ننصح بتشجيع التوأم على مصادقة أولاد من المدرسة أو خارجها، وعلى الأم أن تسعى لتأمين مثل هذه الصداقات لولديها، وأن توفر الظروف الملائمة لكي يتطور كل من التوأمين باستقلالية عن الآخر بهدف تحقيق تكيّف أكبر مع العالم الخارجي.

المصدر: أولادنا (من الولادة حتى المراهقة): ريتا مرهج، أكاديميا، بيروت، لبنان. ٢٠٠١م.

التعليقات (0)

اترك تعليق