مُمَهِدَاتْ... وحقيق أن تبادر المرأة المثقّفة الملتزمة الواعية فتمهد الطريق وتفتح الآفاق.

من كرامات ابنة الإمام الكاظم(ع) السيدة فاطمة المعصومة(ع)

من كرامات ابنة الإمام الكاظم(ع) السيدة فاطمة المعصومة(ع)

تتفاوت مراتب البشر في قربهم المعنوي وبعدهم عن الله سبحانه وتعالى، لتفاوت قابلياتهم واستعداداتهم، كما هو الحال في شؤونهم الأخرى، وذلك أمر طبيعي تقتضيه حياة البشر في هذا العالم الذي جعله الخالق الحكيم ظرفاً للتنافس وزوّد الإنسان بالعقل والاختيار والطّاقات المختلفة، وأودع فيه غريزة حبّ الكمال والسعي إليه، وهيّأ له الأسباب المؤدية إلى ذلك، بمقتضى لطفه بالعباد.
وإذا كان ثمّة ما يعيق أو يمنع فمردّه إلى الإنسان نفسه، وقد تكفّلت المباحث الاعتقادية بالبرهنة على ذلك.
وقد اختصّ الله بعض عباده بعنايات وألطاف خاصّة بلغوا بها أعلى درجات الكمال البشري الممكن، وأدنى مراتب القرب المعنوي من الله تعالى، فجعلهم مظاهر لطفه ومجالي رحمته ومجاري فيضه، وذلك لطهارة ذواتهم، وصفاء نفوسهم، وخلوصهم التام لله تعالى، فكانوا مظاهر أسمائه وصفاته، حتى أنّه تعالى مكّنهم من التصرّف في هذا الكون وسخّر لهم الأشياء فاستجابت لهم طائعة، فصدر عنهم ما خرقوا به نواميس الطبيعية، وخالف السّنن المألوفة، وهو ما يعرف بالمعجزة والكرامة، لأنّهم يتمتّعون بقوى خاصّة هي فوق هذا العالم المادي، ممّا لم تبلغ له قوى الناس وقدراتهم، فعجزوا عنه وعن مثله، ومن أجله سمّيت المعجزة بالمعجزة وممّا كان فيه إظهاراً للمنزلة والمكانة، ومن أجله سمّيت الكرامة بالكرامة.
وليست المعجزة أو الكرامة أمراً مستحيلاً، وقد اعترف الفلاسفة بذلك، بل ذكروا أنّ لها أصولاً ثلاثة(1)، قرّروا فيه إمكان ذلك بل وقوعه، على ما شرحوه في كتبهم وأقاموا عليه أدلّتهم.
ولسنا بحاجة -بعد القرآن الكريم والروايات المتواترة عن المعصومين(ع)- إلى ما ذكروه إلا بعنوان المؤيد لهذه الحقيقة الثابتة، فإنّ كتاب الله تعالى وروايات أهل البيت(ع) قد تكفّلت ببيانها بما لا تدع مجالاً للرّيب أو التشكيك.
ويأتي الحبيب المصطفى محمد(ص) في المرتبة الأولى الذي كان في قربه من الله تعالى كـ{قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى} والذي هو المجلى الأتم لاسم الله الأعظم، والذي ما عرفت ولن تعرف البشريّة في تاريخها شخصاً في عظمته وكماله ومقامه كالنبي محمد(ص)، إلا أن يكون أمير المؤمنين علي بن أبي طالب(ع) فإنّهما من نور واحد ويتلوه في المرتبة.
وإنّه لمن قصور البيان بل من سوء الأدب أن يقرن النبي(ص) أو يقاس بسائر الناس، وأنّى للناس أن يدركوا مقامه وهو القائل(ص): (كنت نبيّاً وآدم بين الماء والطين)(2)، و(عليّ مني وأنا منه)(3).
وأنّى للبشر أن تحوم أفهامهم حول تلك العظمة وذلك الكمال وهو القائل(ص) يخاطب عليّاً (عليهما السلام): (يا علي النّور اسمي والمشكاة أنت)(4)، و(أنت منّي كروحي من جسدي)(5) و(أنت منّي كالضّوء من الضّوء)(6).
ويتلو مرتبتي المصطفى والمرتضى مرتبة الأئمة المعصومين(ع) والصديقة الزهراء(ع)، فإنّهم الأنوار الذين خلقهم الله وجعلهم بعرشه محدقين، حتى منّ بهم علينا فجعلهم في بيوت أذن الله أن ترفع ويذكر فيها اسمه، وجعل صلواتنا عليهم وما خصنا به من ولايتهم طيباً لخلقنا، وطهارة لأنفسنا وتزكية لنا وكفارة لذنوبنا.
ويتلوهم مقامات الرسل والأنبياء والأولياء على اختلاف منازلهم ومراتبهم.
وغرضنا من ذلك كلّه الإشارة إلى أن الله تعالى قد اختصّ بعض عباده بمميّزات وقدرات خاصة، ومعاجز وكرامات، هي مظاهر لقدرة الله تعالى، وعلائم على القرب منه، والمنزلة عنده، والوجاهة لديه، وأردنا به الاستطراق إلى ما نحن فيه.
فإنّ السيدة فاطمة المعصومة وهي بنت وليّ من أولياء الله، وأخت وليّ من أوليائه، وعمّة وليّ من أوليائه، وحظيت برعاية المعصوم واهتمامه، وهي أهل لذلك فبلغت من المنزلة والشأن ما قد عرفت، فكان لها من الكرامات نصيب وافر، ولا زال حرمها الشريف ملاذاً لذوي الحاجات فتقضى حاجاتهم، ولذوي الدعوات فتستجاب دعواتهم، ولذوي الكربات فتكشف كرباتهم، ولذوي الآمال فتتحقق آمالهم، وذلك من آثار التوسّل بها، ووجهاتها عند الله، ولا سيما عند انسداد أبواب الأسباب الطبيعية وتعسّر أو تعذر الطّرق المألوفة.
وقد تواتر نقل الحوادث المختلفة، حتى أصبح من المألوف أن يسمع الإنسان عن كرامة للسيدة فاطمة المعصومة(ع) في شفاء مرض مستعصٍ قد عجز الأطباء عن علاجه، أو نجاة من هلكة تبدو محقّقة الوقوع، أو استجابة دعاء صالح يُرى أنّه بعيد الاستجابة، أو قضاء حاجة تبدو مستحيلة، أو حلّ مسألة علميّة معضلة لا يظهر وجهها، وغير ذلك من القضايا والحوادث، وكم سمعنا من مشايخنا وأساتذتنا عن كثير من العلماء أنّهم لجأوا إلى حرمها الشّريف ولاذوا بقبرها وتوسلوا بها(ع) لكشف ما أبهم واستعصى عليهم من المسائل العلميّة الدقيقة فوجدوا آثار ذلك ونالوا ما أرادوا، وكذا نقل الثقات عن كثير من المؤمنين أنّهم قصدوها في كثير من الشؤون المختلفة فظفروا بما كانوا يبتغون، ولا زال اللائذون بحرمها يرون آثار الخير والبركة والألطاف الخفيّة والجليّة عند التوسل بها إلى الله، فإنّه تعالى قد جعلها باباً من أبواب الرحمة، وملاذاً يلوذ به ذوو الحاجات.

وأمّا ما أثبتته الأقلام فهو أيضاً كثير، ومن ذلك:


ما ذكره المحدّث النوري في دار السلام حيث قال:
ومن آيات الله العجيبة التي تطهّر القلوب عن رجز الشياطين، أنّه في أيام مجاورتنا في بلد الكاظمين(ع) كان رجل نصراني ببغداد يسمّى يعقوب، عرض له مرض الاستسقاء، فرجع إلى الأطباء فلم ينفعه علاجهم، واشتدّ به المرض، وصار نحيفاً ضعيفاً، إلى أن عجز عن المشي، قال: وكنت أسأل الله تعالى مكرّراً الشفاء أو الموت إلى أن رأيت ليلة في المنام ـوكان ذلك في حدود الثمانين بعد المائتين والألف، وكنت نائماً على السريرـ سيّداً جليلاً نورانياً طويلاً حضر عندي فهزّ السرير، وقال: إن أدرت الشّفاء فالشرط بيني وبينك أن تدخل بلد الكاظمين(ع) وتزور فإنّك تبرأ من هذا المرض، فانتبهت من النوم، وقصصت رؤياي على أمّي، فقالت: هذه من الشياطين، وأتت بالصّليب والزنّار وعلّقتهما عليّ، ونمت ثانياً، فرأيت امرأة منقبّة عليها إزارها، فهزّت السرير، وقالت: قم فقد طلع الفجر، ألم يشترط عليك أبي أن تزوره فيشفيك؟
فقلت: ومن أبوك؟
قالت: الإمام موسى بن جعفر(ع).
فقلت: ومن أنت؟
قالت: أنا المعصومة أخت الرضا(ع)، فانتبهت متحيّراً في أمري ما أصنع وأين أذهب؟ فوقع في قلبي أن أذهب إلى بيت السّيد الراضي البغدادي، الساكن في محلّة الرّواق منه، فمشيت إليه فلمّا دققت الباب نادى من أنت؟
فقلت: افتح الباب، فلمّا سمع صوتي نادى بنته افتحي الباب، فإنّه نصراني يريد أن يدخل في الإسلام، فقلت له بعد الدخول: من أين عرفت ذلك؟
فقال: أخبرني بذلك جدّي(ع) في النوم، فذهب بي إلى الكاظمين(ع)، ودخل بي على الشيخ الأجل الشيخ عبد الحسين الطّهراني أعلى الله مقامه فحكيت له القصّة، فأمر أن يذهب بي إلى الحرم المطهّر، فذهبوا بي إليه وطافوا بي حول الشبّاك ولم يظهر لي أثر.
فلمّا خرجت منه تألّمت هنيئة وعرض لي عطش فشربت الماء، فعرض لي اختلاط، فوقعت على الأرض، فكأنه كان على ظهري جبل فحطّ عني، وخرج نفخ بدني، وبدّل اصفرار وجهي إلى الحمرة، ولم يبق فيّ أثر من المرض، فرجعت إلى بغداد لأخذ مؤنتي من مالي، فاطّلع أهلي وأقاربي، فأخذوني وذهبوا بي إلى بيت فيه جماعة فيها أمّي، فقالت لي:سوّد الله وجهك، ذهبت وكفرت.
فقلت: ترين ما بقي من مرضي أثر.
فقالت: هذا من السّحر، ونظر سفير الدولة الإنكليزية إلى عمّي، وقال: ائذن لي أن أؤدبه، فإنّه قد كفر اليوم، وغداً يكفر جميع طائفتنا، فأمر بي فجرّدوني وأضجعوني وضربوني بالآلة المعروفة بقرباچ، وهو مشتمل على شعب من السّيم الموضوعة على رأس شبه الإبر، فجرى الدّم من أطراف بدني، ولكن لم يؤثّر فيّ من جهة الوجع والألم، إلى أن وقعت أختي نفسها عليّ فكفّوا عنّي، وقالوا لي: اقبل على شأنك، فرجعت إلى الكاظمين(ع)، ودخلت على الشيخ المعظم فلقّنني الشهادتين، وأسلمت على يديه، فلمّا كان وقت العصر بعث المتعصّب العنيد (نامق باشا) رسولاً إلى الشيخ ومعه كتاب فيه: إنّ رجلاً أتى إليك ليسلم، وهو من رعايانا وتبعة الإفرنج، فلا بدّ أن يسلم عند القاضي، فأجابه: إنّ الذي ذكرته أتى عندي ثم ذهب لشأنه، وأخفاني وبعثني إلى كربلاء، واختتنت هناك، وزرت المشهد الغروي، ورجعت، ثم بعثني مع رجل صالح من أهل اصطهبانات من توابع شيراز إلى العجم، وكنت في القرية المذكورة سنة، فلمّا دخلت بلد الكاظم(ع) تحرّك فيّ عرق الرّحم، واشتقت إلى لقائهم، وذكرت ذلك للشيخ الأجل الأفقه الشيخ محمد حسن الكاظمي المدعو بياسين جعله الله في درعه الحصين، فمنعني وقال: أخاف أن يلزموك، فإمّا أن تعذّب أو ترجع إلى النصرانيّة، فرجعت عن قصدي، ورأيت في تلك الليلة في النوم كأنّي في بريّة واسعة مخضرّة من النبات، وفيها جماعة من السادة وكان رجل واقف فيها، فقال لي: لم لا تسلّم على نبيّك؟
فسلّمت عليهم.
فقال لي أحد السيّدين اللّذين كانا مقدّمين على جميعهم: أتحبّ أن ترى أباك؟
فقلت: نعم.
فقال لذلك الرجل: اذهب به إلى أبيه ليراه، فذهب بي فرأيت جبلاً مظلماً يستقبلني، فلمّا قرب منّي استحرّ الهواء فصار مثل الصّيف وارتفع صوت وفتح منه باب صغير يشتعل ناراً يصيبني شررها، وأسمع من داخل صياح إنسان، وكان أبي، فاستوحشت فردّني إلى السادة، وكانوا يضحكون عليّ، وقالوا: أتريد أباك بعد هذا؟
فقلت: لا، ثم أمروا بي أن أغتمس في حياض كانت هناك، وهي سبعة فاغتمست بأمرهم في كل واحد منها ثلاث مرات، ثم أتي لي بثياب بيض فلبستها، وانتبهت من النوم، فرأيت بدني يحك وخرجت من محلّ كلها دماميل كبار، وذكرت ذلك للشيخ الأجل فقال: ذلك ممّا في بدنك من لحم الخنزير، وأثر الخمر، يريد الله أن يطهّرك منه لمّا أسلمت. وكان يخرج منها القروح إلى أسبوع، وانصرف عن عزمه لزيارة أهله، ورجع إلى محلّ هجرته وتزوّج فيه، واشتغل بذكر قراءة مصائب أبي عبد الله(ع)، وهو الآن به.
وله أهل وأولاد وتشرّف في خلال تأليف الكتاب مع أهله بزيارة أئمة العراق(ع) ثانياً، ثم رجع كثّر الله تعالى أمثاله وأصلح باله وأحسن مآله. (7)
وإنّما ذكرنا هذه القصّة بطولها لأنّها اشتملت على ذكر السيدة فاطمة المعصومة(ع) وأنّها كانت أحد أسباب اللطف الإلهي لصاحب القضيّة.

هذا، وقد أحصى بعض الباحثين بعض كرامات السيدة المعصومة فعدّ منها مائة كرامة، ونختار نماذج منها:
فمنها: ما كتبه العالم والخطيب القدير الشيخ جوانمرد، عمّا جرى من كرامة السيدة فاطمة المعصومة(ع) لإحدى بناته فقال:
في عام 1984م رزقنا الله بنتاً أسميناها (أسماء) وما إن مضى شهران على ولادتها حتى أصيبت بمرض الاختناق وضيق النفس.
تصوّرنا في البداية أن المرض هو (ذات الرئة) الربو، فأخذناها إلى طبيب مختصّ بأمراض الأطفال، وكان تشخيصه الأول أنّها مصابة بالربو، فأدخلناها مستشفى آية الله الگلبايگاني، وبقيت فيه اثني عشر يوماً تقريباً، تتعالج عن هذا المرض، وقد وضعت في الحاضنة، ولكن لم يظهر أي أثر للعلاج.
وبعد اثني عشر يوماً أخذناها إلى طبيب آخر مختصّ بأمراض الحنجرة والأنف ووصف دواء ولكن بلا فائدة.
ثم انتقلنا إلى طهران لعلّ تشخيص المرض يتمّ هناك، وبعد مراجعة عدّة مستشفيات تقرّر أخيراً إدخالها مستشفى (أخوان طهران) المتخصص بعلاج الأطفال.
وبقيت راقدة في المستشفى لمدّة شهر كامل، كانت تعيش خلالها على التنفس الصناعي والمغذّي المائي -المنعش- عن طريق الوريد.
وبعد الفحوصات الطبيّة أخبرونا عن احتمال وجود جسم غريب في رئتها، وهو السبب في إصابتها بحالة الاختناق وضيق التنفس، وقالوا: لا بدّ من إجراء عملية بالمنظار لاكتشاف ذلك الجسم الغريب، إلا أن هذا الجهاز غير موجود في المستشفى، وذكروا أيضاً أن إجراء هذه العملية ربّما يودي بحياة الطفلة نظراً لصغر سنّها، خرجنا من المستشفى ولم يكن لنا بد من الرجوع إلى قم، وقد اشتدّت حالة الاختناق عندها، فلم تعد قادرة على الأكل والنوم.
وعلى إثر إصرار أمّها عدنا بها إلى طهران مرّة أخرى، وأدخلناها مستشفى المفيد في طهران، وبقيت على الفراش اثني عشر يوماً، وأجريت لها عمليّة المنظار وتبيّن أن الرئتين سليمتان، وقالوا لنا: من المحتمل أن تكون عضلات الحنجرة مصابة بارتخاء، وهو السبب في حالة الاختناق وضيق التنفس.
خرجنا من المستشفى بلا فائدة ورجعنا إلى قم ونحن في حالة شديدة من اليأس.
بعد يومين أو ثلاثة قرّرت أم الطفلة أن تصوم وتلتجئ بها إلى حرم السيدة الجليلة فاطمة المعصومة(ع).
صامت الأم في ذلك اليوم، وفي الليل أخذت طفلتها وذهبت بها إلى الحرم الشريف، وكانت قد قالت لأحد أولادها أن يأتي إلى الحرم في الساعة الثانية عشر ليلاً ليرجع بها إلى المنزل.
وفي الموعد ذهب الولد إلى الحرم ليأخذ أمّه إلى المنزل فقالت له أمه: إلى الآن لم تظهر أي نتيجة، ارجع وسأبقى إلى الصباح.
تقول الأم: بقيت إلى الصّباح في الحرم مشتغلة طيلة الوقت بالدعاء والبكاء، وقد ربطت الطفلة بمنديل في ضريح السيدة فاطمة المعصومة(ع)، وهي في تلك الحالة من الاختناق وضيق التنفس، وكان كلّ من يراها فكأنّه يرى أن الموت على بعد خطوات منها.
كنت بين حين وآخر أضع في فم الطفلة ملعقة من الماء الممزوج بالسكر، فقالت لي نسوة هناك: لا تؤذي الطفلة ودعيها وشأنها.
حتى إذا أذّن لصلاة الصبح تركت الطفلة وابتعدت قليلاً عن الضّريح، وبعد أن صلّيت الفريضة اعترتني حالة تغيّرت فيها أحوالي وصرت أسأل نفسي: كيف أرجع بهذه الطفلة بلا فائدة؟
هناك قلت: إلهي لم يبق لي أمل سوى قبر السيدة المعصومة، وإلى هذه اللحظة لم تظهر أي نتيجة.
بكيت قليلاً وجئت إلى الطفلة لأفتح المنديل، ويا للعجب رأيت الطفلة قد نامت في وقت ما كانت تستطيع فيه أن تنام، لم أخبر أحداً بشيء وفتحت المنديل، ولم تكن الدنيا تسعني من الفرحة والسرور، وأخذت الطفلة وتوجّهت بها إلى المنزل.
بقيت الطفلة نائمة إلى الظهر وبعده استيقظت من نومها، فشربت الحليب وهي في صحة تامّة.
وقد منّ الله سبحانه وتعالى على ابنتي بالشفاء الكامل ببركات قبر السيدة المعصومة بنت الإمام موسى بن جعفر(ع).
وقد مضى على هذه الحادثة عشر سنوات وهذه الطفلة في الصف الرابع الابتدائي، وهي تلميذة متفوقة في دراستها كما أنّها ملتزمة بالصلاة وسائر المسائل الشرعيّة، وذلك من ألطاف كريمة أهل البيت(ع).(8)

ومنها:
ما نقله الميرزا موسى فراهاني عن مسؤول حراسة حرم السيدة المعصومة(ع) أنّه في ليلة من ليالي سنة 1300هـ، كنت أتولّى فيها الحراسة فجيء بامرأة من كاشان مصابة بالشّلل للاستشفاء وربطت بالضّريح.
وفي الساعة المقرّرة لإغلاق أبواب الحرم بقيت هذه المرأة في الحرم وأغلقت الأبواب، وكنت خارج الحرم أتولّى الحراسة.
بعد منتصف الليل سمعت صوت المرأة وهي تقول: لقد شافتني.
فتحت باب الحرم ورأيت تلك المرأة السعيدة وقد شفيت، فسألتها عن كيفيّة شفائها، فقالت: أصابني العطش الشديد وخجلت أن أدقّ الباب وأطلب منك الماء، ولذا نمت بعطشي، فرأيت في منامي أنّها أعطتني قدحاً من الماء، وقالت: اشربي هذا الماء وستجدين الشّفاء.
فشربت الماء وانتبهت من النوم ولا أثر للعطش ولا للمرض.(9)

ومنها:
ما نقل متواتراً عن المحروم السيد محمد الرضوي أحد خدّام الحرم المطهّر، قال: في ليلة رأيت السيدة المعصومة في عالم الرؤيا وهي تقول: قم وأضئ مصابيح المنائر، فانتبهت من نومي، ونظرت إلى الساعة فرأيت أنّه بقي أربع ساعات إلى أذان الصبح، فعدت إلى النوم ثانية، فرأيت نفس الرؤيا بعينها، ولكني عدت إلى النوم، وفي المرّة الثالثة رأيت نفس الرؤيا وقالت لي بغضب: ألم أقل لك أن تقوم وتضيء مصابيح المنائر؟ فقمت وأضأت المصابيح، وكان الجوّ شديد البرودة والثلج يتساقط بغزارة وقد غطّى الأماكن.
وفي اليوم التالي كان الجوّ صحواً، وكنت واقفاً في الصّحن المطهّر فرأيت جمعاً من الزوار يتحدّثون وأحدهم يقول للآخر: كم يجب علينا أن نشكر هذه السيدة، ولو تأخرت إضاءة المصابيح دقائق معدودة لهلكنا من شدّة البرد.
فتبيّن أنّ هؤلاء الزوّار على إثر تساقط الثلج بغزارة واختفاء معالم البلد قد ضلّوا الطريق، وبقوا في وسط الصحراء، ولكن لمّا أمرتني السيدة بإضاءة المصابيح بانت معالم المدينة لهم وأوصلوا أنفسهم إليها، ونجوا من أذى البرد وشدّته.(10)

ومنها:
ما نقله من كتاب قصص العلماء للميرزا الحاج محمد التنكابني المتوفى سنة 1302هـ، قال:

في إحدى زياراتي لحرم السيدة المعصومة(ع) مرض ولدي وزوجتي مرضاً شديداً، وأشرفا على الموت، فجئت إلى حرم ابنة باب الحوائج، وقلت: نحن جئنا من مكان بعيد ولذنا بباب بيتك، ولا نتوقّع أبداً أن نرجع من عندك بالحزن ورغم الأنف والخيبة، وفي نفس تلك اللحظة شفي كلا المريضين وأنقذا من حافّة الموت.(11)

ومنها:
ما نقل عن المرحوم الحاج الشيخ محمود علمي الذي كان متولياً على المدرسة الفيضية من قبل آية الله البروجردي، أنّه قال:
في زمان المرحوم آية الله الحائري مؤسس الحوزة العلمية في قم المتوفى في 17 ذي القعدة سنة 1355هـ، كنت أرى شخصاً عاجزاً لا يستطيع أن يجمع رجليه، وكان يتّكئ على يديه ويسحب بدنه زاحفاً على الأرض، وكان يأتي على هذه الحالة إلى الحرم للزيارة من دار الشفاء عن طريق المدرسة الفيضيّة. فسألته يوماً عن حاله، فقال: أنا من أهل القفقاز (آذربيجان) وعروق رجلي يابسة، ولا قدرة لي على المشي، وقد زرت مشهد الإمام الرضا(ع) للاستشفاء ولكن بلا فائدة، فجئت ولعلّي أجد الشفاء هنا.
وكان من المتعارف في ذلك الوقت أنّه إذا حدثت كرامة من كرامات السيدة المعصومة(ع) تضرب النقّارة ويسمع صداها إعلاماً لعامّة الناس بما وقع.
وفي ليلة من ليالي شهر رمضان رأيت النقّارة تضرب، وسمعتهم يقولون إنّ السيدة المعصومة قد شافت شخصاً مصاباً بالفالج.
كنت مع بعض الأصدقاء في سفر إلى (أراك) وركبنا عربة تجرّها الخيول، وخرجنا من قم إلى (أراك) فلمّا وصلنا إلى مسافة تبعد عن أراك ستة فراسخ وإذا بنا نرى ذلك الشخص الكسيح العاجز عن المشي ورجلاه سليمتان وقد عوفي من مرضه تماماً، وكان عازماً على زيارة كربلاء مشياً على قدميه، فأركبناه في العربة معنا حتى أوصلناه إلى أراك.(12)

ومنها:
ما نقله عن صاحب كتاب أنوار المشعشعين أنه قال:
أذكر أن جملاً قد آذاه صاحبه، فالتجأ إلى حرم السيدة المعصومة، وبرك مستريحاً في أسفل الإيوان حتى جاء صاحبه وأخذه.
وقد جرى نظير ذلك في حرم الإمام الرضا(ع) حيث التجأ إلى حرمه(ع) جمل، وذكرت قصّته ونشرتها الصحف والجرائد.(13)
وذكر المرحوم الشيخ فرج العمران -أحد أبرز علماء القطيف- المتوفى سنة 1398هـ في كتابه الأزهار أنّه شاهد في حرم الإمام الرضا(ع) حادثة مشابهة فقال: وفي صبيحة يوم الاثنين الثالث عشر من الشهر المؤرّخ ـ أي ربيع الثاني عام 1394هـ التجأ ستة أباعر إلى مشهد الإمام الرضا(ع)، وكان مكانها يبعد عن المشهد المقدّس أربع ساعات، والموجب إلى التجائها أن أهلها أرادوا ذبحها، ولمّا وصلت إلى الصّحن الشّريف عتقت من الذّبح، وأمر أن تجعل في بستان من بساتين الإمام الرضا، وقد خيّر مالكها بين أخذ ثمنها وبين تخلية أمرها، واختار أن يخلوا أمرها فضمن لمالكها مدفن في الصّحن الشريف مجاناً، وذلك كلّه من بركات الإمام الرضا ضامن الجنّة، وممّن رآها جمع كثير..
وقد سبق نظير هذه الحادثة أكثر من مرّة، ولا عجب من كرامات أهل البيت، فإنّهم ملجأ الخائفين وأمان المروّعين.
وبمناسبة هذه الكرامة أنشأ الفاضل الشيخ محسن بن الحاج علي بن صالح المعلم من أهل الجارودية هذه الأبيات:
يـا  مـلاذ الأنـام يـا حجة الله            عـلى  الخلق أنت حاوي المعاجز
عـصـمة  الـملتجين والله أنـتم         مـأمن  الـخائفين عـند الهزاهز
والـمـطايا  بـبـابكم لاجـئات            عائدات منكم بأسنى الجوائز (14)

ونكتفي بهذه النماذج القليلة من كرامات السيدة المعصومة(ع)، وأمّا ما ذكر من كراماتها فهو فوق حدّ الإحصاء، وهي شواهد على أنّ هذه السيدة الجليلة باباً من أبواب الرحمة واللّطف، وقد جعلها الله تعالى ملاذاً للعباد تقضى عندها حوائجهم، وتستجاب عندها دعواتهم، ويحظون بالخير والبركات، فإنّ لها عند الله شأناً من الشّأن.


-------------------------------
(1) غرر الفرائد (شرح المنظومة)، ص330-333.
(2) مناقب آل أبي طالب: ج1، ص266.
(3) مناقب آل أبي طالب: ج3، ص64.
(4) مناقب آل أبي طالب: ج1، ص341.
(5) مناقب آل أبي طالب: ج2، ص246.
(6) مناقب آل أبي طالب: ج2، ص246.
(7) دار السلام: ج2، ص169-171.
(8) كريمة أهل البيت (عليهم السلام)، ص216-219.
(9) كريمة أهل البيت (عليهم السلام)، ص253.
(10) كريمة أهل البيت (عليهم السلام)، ص273.
(11) كريمة أهل البيت (عليهم السلام)، ص250.
(12) كريمة أهل البيت (عليهم السلام)، ص277-278.
(13) كريمة أهل البيت (عليهم السلام)، ص292.
(14) الأزهار الأرجية: ج15، ص254-255.


المصدر: كتاب السيدة فاطمة المعصومة(ع): محمد علي المعلم، قم المقدسة، محرم الحرام 1420هـ.

التعليقات (0)

اترك تعليق