فاطمة بنت حزام (أم البنين)(ع) من شاعرات القرن الأول الهجري(3)
أم البنين(ع):
أم البنين ترثي أولادها كما انشده أبو الحسن الأخفش في شرح الكامل للمبرد، وقد كانت تخرج إلى البقيع كل يوم وتحمل عبيد الله بن العباس معها فيجتمع أهل المدينة لسماع رثائها وفيهم مروان بن الحكم فيبكون لشجّي الندبة، فمن قولها:
يا من رأى العباسَ كرّ على جماهيـر الـنقدْ(1)
ووراه من أبناء حيدر كـــلّ لـيثٍ ذيِ لبـد
أنبئت أنّ ابني أصيـبَ براسه مقطــوع يــد
ويلي على شبلــي أما لَ برأسه ضرب العمـد
لوكأن سيفك فـــي يد يك لما دنا منه أحد
ومن قولها:
لا تدعوّني ويك أم البنيـن تذكّريـني بليـــوث العريـــن
كانت بنون لــي أدعى بهم واليــوم أصبحت ولا من بنيــن
أربعة مثل نســـور الرُبى قد واصلوا الموت بقطع الوتين
تنــازع الخرصـانُ اشلاءهم فكّلهم أمســــى صريعا طعيــنْ
يا ليت شعري أكما أخبروا بأنّ عباساً قطيـــع الوتيـــن(2)
أم البنين هي فاطمة بنت حزام بن خالد بن ربيعة أخي لبيد الشاعر ابن عامر بن كلاب بن ربيعة بن عامر بن صعصعة الكلابية زوجة الإمام أمير المؤمنين ذكر أهل الانسحاب أن أمير المؤمنين علي(ع) قال لأخيه عقيل بن أبي طالب -وكان عالماً بأنساب العرب- انظر لي امرأة قد ولدتها الفحولة من العرب لأتزوجها فتلد لي غلاماً فارساً، فقال له أين أنت عن فاطمة بنت حزام(3) فإنه ليس في العرب أشجع من آبائها الذين يقول فيهم لبيد للنعمان ابن المنذر ملك الحيرة:
نحن بني أم البنيـن الأربعة الضاربون الهام وسط المجمعة
والمطعمون الجفنة المدعدعة ونحن خير عــــامر بن صعصعة
وأمها ثمامة بنت سهيل بن عامر الذين منهم عروة الرحال صاحب الردافة والرحلة إلى الملوك وهو الذي أجار حمولة النعمان على أهل الشيح والقيصوم من أهل نجد وتهامة، ومنهم أبو براء عامر بن مالك الذي يقال له ملاعب الأسنة لشجاعته وفروسيته. كذا ذكر السيد الداودي في (العمدة) وجاء في كتاب الكنى والألقاب للشيخ القمي: إن عامر بن مالك العامري الكلابي الملقب بملاعب الأسنة، هو الذي كان به مرض الاستسقاء فبعث إلى رسول الله(ص)، لبيد ابن ربيعة مع هدايا فلم يقبلها ـ لأنه(ص) كان لا يقبل هدية مشرك، ثم أخذ جثوة(4) من الأرض فتفل عليها وقال للبيد: دفها بماء ثم أسقها إياه، فأخذها متعجباً يرى أنه قد استهزء به فأتاه فشربها ، فأطلق من مرضه.
وقال السيد الأمين في الأعيان: أم البنين من بيت عريق في العروبة(5) والشجاعة. تزوج بها أمير المؤمنين إما بعد وفاة الصديقة فاطمة الزهراء (كما يراه الطبري في ج ٦ ص ٨٩، وابن الأثير في ج ٣ ص ١٥٨، وابو الفداء في ج ١ ص ١٨١)، أو بعد أن تزوج بأمامة بنت زينب بنت رسول الله كما يراه البعض الآخر، ومنهم ابن شهر آشوب في المناقب ج ٢ ص ١١٧ ومطالب السؤل ص ٦٣، والفصول المهمة ص ١٤٥، والإصابة في ترجمة امامة.
أقول: ولم تخرج أم البنين إلى أحد قبل أمير المؤمنين ولا بعده وكانت من النساء العالمات الفاضلات العارفات بحق أهل البيت مخلصة في ولائهم. ووصفها صاحب العمدة بالعالمة، وقد بلغ من معرفتها وتبصرها أنها لما دخلت على علي(ع) كان الحسنان مريضين فأخذت تسهر معهما وتقابلهما بالبشاشة ولطيف الكلام كالأم الحنون.
ولدت لأمير المؤمنين أربعة بنين أنجبت بهم وأول ما ولدت العباس ويلقب قمر بني هاشم ويكنى أبا الفضل. وبعده عبدالله، وبعده جعفرا، وبعده عثمان، وروى ابو الفرج عن أمير المؤمنين عليهالسلام أنه قال سميت عثمان بعثمان بن مظعون، فهؤلاء البنون الأربعة: كانت تكنى بهم فاطمة أم البنين.
الهوامش:
1ـ النقد: نوع من الغنم قصار الأرجل. والعباس من أسماء الأسد.
2- عن إبصار العين والأعيان.
3- جاء في الإصابة ج ١ ص ٣٧٥ والمعارف لابن قتيبة ص ٩٢ أن والد أم البنين اسمه حرام بالراء المهملة بعد الحاء. وعند ابن الأثير وابن جرير وأبي الفداء وغيرهم بالزاء المعجمة.
4ـ الجثوة بالجيم مثلثة: الحجارة المجموعة.
5ـ ذكر الشيخ السماوي في (ابصار العِين) أم البنين بنت حزام، وأمها ثمامة بنت سهيل ابن عامر بن مالك بن جعفر بن كلاب، وأمها عمرة بنت الطفيل فارس قرزل بن مالك الأخزم رئيس هوازن بن جعفر بن كلاب، وأمها كبشة بنت عروة الرحال بن عتبة بن جعفر بن كلاب. وأمها أم الخشف بنت أبي معاوية فارس هوازن بن عبادة بن عقيل بن كلاب بن ربيعة بن عامر بن صعصعة، وأمها فاطمة بنت جعفربن كلاب: وأمها عاتكة بنت عبد شمس بن عبد مناف، وأمها آمنة بنت وهب بن عمير بن نصر بن قعين بن الحرث بن ثعلبة بن ذردان بن أسد بن خزيمة، وأمها بنت جحدر بن ضبيعة الأغر بن قيس بن ثعلبة ابن عكابة بن صعب بن علي بن بكر بن وائل بن ربيعة بن نزار، وأمها بنت مالك بن قيس بن ثعلبة، وأمها بنت ذي الرأسين خشين بن أبي عصم بن سمح بن فزارة، وأمها بنت عمرو بن صرمة بن عوف بن سعد بن ذبيان بن بغيض بن الريث بن غطفان.
قال الشيخ المامقاني في (تنقيح المقال) ويستفاد قوة ايمانها وتشيعها أن بشراً كلما نعى إليها بعد وروده إلى المدينة أحدا من أولادها الأربعة قالت (ما معناه) اخبرني عن أبي أبا عبدالله الحسين، فلما نعى إليها الحسين قالت: قد قطعت نياط قلبي، أولادي ومن تحت الخضراء كلهم فداء لأبي عبدالله الحسين. فان علقتها بالحسين ليس إلا لإمامته(ع)، وتهوينها على نفسها موت مثل هؤلاء الأشبال الأربعة إن سلم الحسين يكشف عن مرتبة في الديانة رفيعة.
وقال صاحب رياض الأحزان: وأقامت أم البنين زوجة أمير المؤمنين العزاء على الحسين واجتمع عندها نساء بني هاشم يندبن الحسين وأهل بيته وبكت أم سلمة وقالت: فعلوها ملأ الله قبورهم نارا.
المصدر: كتاب أدب الطف: جواد شبّر. ج1.
اترك تعليق