مُمَهِدَاتْ... وحقيق أن تبادر المرأة المثقّفة الملتزمة الواعية فتمهد الطريق وتفتح الآفاق.

سيرة وحياة الشهيدة فوزية شير دل..

سيرة وحياة الشهيدة فوزية شير دل: هي تلك الفتاة التي بكى عند رؤيتها الشهيد القائد مصطفى شمران

البطاقة الشخصيّة:
الإسم: فوزية.
إسم العائلة: شير دل.
رقم الهوية: 3664.
إسم الأب: دوست محمد.
إسم الأم: نزاكت أميني.
تاريخ الميلاد: 2/ 2/ 1338هـ. ش/ 23 نيسان سنة 1959م
مكان الولادة: كرمانشاه.
الحالة الاجتماعيّة: عزباء.
تاريخ الاستشهاد: 25/ 5/ 1358هـ. ش/ 16 آب 1979م
مكان الاستشهاد: مدينة پاوه* في محافظة كرمانشاه.
المسؤولية في الجبهة: ممرضة في مستشفى پاوه.
كيفية الاستشهاد: أثناء الهجوم على مدينة پاوه ومحاصرتها.
مكان الدفن: روضة كرمانشاه.
-------------------------------------------

ولادتها ونشأتها:
ولدت الشهيدة فوزية شير دل في الثاني من شهر ارديبهشت سنة 1338 هـ. ش، أي 23 نيسان سنة 1959م، في مدينة كرمانشاه، من عائلة متدينة مؤلفة من ستة أبناء، أربع بنات: مرضية، مليحة، فوزية ومريم وولدان، وهي الثالثة في ترتيبها ضمن العائلة، من والد يعمل في الأعمال الحرة ووالدة ربة منزل.

تتحدث أخت الشهيدة فوزية مريم شير دل عن تربية أهلها لهم فتقول:

كان أبي "دوست محمد" يسعى دائماً لأن يؤمن لنا الخبز الحلال لأنه كان يعتقد أن الخبز الحرام ستكون عاقبته وخيمة وسيكون له تأثير سلبي على تربية الأولاد. أمي أيضاً كانت ربة منزل، كانا يهتمان جداً بالصلاة ويراعيان كثيراً الآداب الإسلامية والشرعية داخل المنزل.
نحن أربعة أخوات محجبات، كنّا نراعي الحجاب. عائلتنا هي من إحدى العائلات المتدينة. حتى النظام وقتها لم يكن ليؤثر على معتقدات أبي.
كان أبي كل ليلة جمعة يقيم لنا جلسة قرآنيّة، كان دائما بعد قراءته وترتيله للآيات القرآنية يترجمها ويفسّرها لنا، عمل أبي هذا كان لديه وقع وتأثير علينا. أود أن أقول وبجرأة أنّ أختي الشهيدة فوزية اختارت طريقها من آيات القرآن الكريم. طريقها المستقيم والنيّر اقتبسته من نور القرآن. أبي كان حافظاً لكل القرآن، وكان صوته جميلاً أيضاً، كنّا دائماً نحضر جلسات القرآن عنده. وإلى الآن لا زلت أحتفظ بعدد من المصاحف المزينة للذكرى، المصاحف جميلة جداً.
لم يكن أبي يفرق بين الصبيان والبنات وكان الجميع يشارك في جلساته، ولكن والدنا كان يهتم اهتماماً خاصاً ببناته، كان أباً يتمتع بوعي عالٍ. كان والدي مؤمناً ومتديناً ومتعلقاً بالقرآن، لم يكن يسمح لنا تحت أي ظرف من الظروف أن نتحدث عن أي شخص غائب، لم يكن يسمح لنا باغتياب أي شخص.
في ذلك الوقت كان قد جلب صورة للإمام الخميني(قده) إلى منزلنا، وقد عرفنا خط الإمام الخميني(قده) من خلال تلك الصورة. لقد قال لنا: "هذا الرجل هو عزيزنا وقائدنا".
في تلك الأيام كانت صور الشاه هي التي توضع على جدار المنازل، وعندما رأت أمي الصورة قالت لأبي: "إذا وجدوا صورة الإمام الخميني(قده) في منزلنا، فإنهم سيعاقبوننا". ولكن أبي الذي كان يعشق الإمام ومتعلق به كثيراً لم يقبل أن ينزع الصورة... وقتها وقفت فوزية جنباً إلى جنب مع والدها، صحيح أنّ قلبها صغير ولكنه شجاع، كانت مخلصة وعالمة. ولعل ذلك هو الذي جعلها تهتم بمهنة التمريض.
كانت فوزية تحضر جلسات القرآن وكانت مع الثورة.. كانت دائماً تحب أن تقدم لنا المساعدة، وكانت لا تؤخر الصلاة عن وقتها أبداً، ولا تترك صوم الأيام المستحبة، وكان والدي يشجعها للغاية، لم يكن يرى غير فوزية، وكان يقول دائماً: "فوزية شيء آخر".
كانت فوزية دائماً تحضر جلسات أبي، كان أبي دائماً يعرفنا بظلم الشاه. كان دائماً يقول لنا أنه من يريد السفر إلى الله عز وجل يجب أن ينتبه إلى موضوع الحلال والحرام، وكان يقول لا يحق لأحد أن يظلم، والظلم هذا مستمد فقط من الثقافة الطاغوتيّة. كانت فوزية تصغي دائماً لكلام أبي.
أذكر جيداً أن فوزية كانت من الأوائل الذين صوتوا بـ "نعم" للجمهورية الإسلاميّة الإيرانية. قالت وقتها: "أمنيتي أن أرى هذه الأيام (أيام قيام الجمهورية الإسلامية في إيران)".

الممرضة الصغيرة:

عندما كنت صغيرة في الصف الأول ابتدائي كنت واحدة من الذين أصيبوا بالتهابات اللوز وساءت حالتي كثيرا. في ذلك الوقت كان عمر "فوزية" ١٢ سنة وعلى الرغم من صغر سنها قالت لي: "إلبسي ثيابك وتعالي معي سنذهب إلى عيادة الدكتور"، ولكنني قلت لها: "إنني أتحمل وجعي" كنت لا أريد الذهاب لأنني كنت أخاف من الِإبرة!
عندما علمت أختي فوزية أنني أخاف من الإبرة قالت لي بحنان: "إن أصبحت فتاة جيدة وذهبت معي إلى الدكتور وأخذتي الإبرة، سأشتري لك هدية جيدة". لبسنا ثيابنا وذهبنا إلى عيادة "شير وخورشيد بود". وعند عودتنا في الطريق اشترت لي عقداً جميلاً مع قرط.  قرّرت عندها أن تصبح ممرضة فأخذت تطالع الكتب وتراقب الأمراض..


اجتهادها في المدرسة:
دائما كانت كتبها ودفاترها مرتبة وأنيقة ونظيفة، كانت تعشق الدرس كثيرا، كان لديها دفتراً للعلوم مليء بصور الورود والأشجار بألوان مختلفة وأسماء كل أجزاء الأشجار والأزهار. وأيضا كان يوجد فيه عدد مختلف من الأوراق والورود المجففة. كانت تساعدني في حل فروضي المنزلية.
أتذكر أننا عندما كنا نأخذ عطلة في المدرسة كنت أترك فروضي المنزلية لآخر يوم أما فوزية كانت تنجز تكاليفها المدرسية ومن ثم تتمتع بكامل أيام العطلة.  

السرير الحديدي:
في تلك الفترة –أي خلال دراستها للتمريض- واجهت فوزية مشاكل وصعوبات كثيرة. أتذكر واحدة من القضايا التي واجهتها هي تمرين ترتيب سرير المريض. وقتها عادت فوزية إلى المنزل والحزن بادٍ على وجهها. لاحظت أمي ذلك. قالت فوزية وهي تبكي: "يجب علي أن أجهز سرير مريض بمشمعه وملحفه و..." لم تعرف كيف تفعل ذلك مع عدم وجود سرير كي تتمرن عليه وغدا هو الامتحان.
داخل منزلنا لم يكن يوجد سرير، فقط يوجد سرير حديدي واحد فوق السطح وفي الليالي الصيفية كان أبي ينام عليه. طلبنا من فوزية أن تتمرن على ذلك السرير لكنها لم تستطع أن تقوم بذلك، حاولت جاهدة أن تقوم بترتيب ذلك السرير ولكنها لم تفلح لأنها لم تستطع تنظيفه بالماء وجمع الحديد الذي عليه. بعد عدة محاولات تعبت فجلست على السرير تبكي... ابنة جارنا التي كانت تحبنا وكنا نتردد كثيرا على منزلهم عندما رأت حالة فوزية قالت: "عندنا سرير تعالي وتمرني عليه" عندها ابتسمت أختي وذهبت معها. عندما عادت غروب ذلك اليوم كانت فرحة وقالت إنها تعلمت كيفية إعداد سرير المريض ذهبت إلى الامتحان ونالت علامة جيدة.

الذهاب إلى پاوه: "الممرضون هم خدّام الله":

كانت فوزية مجتهدة في دراستها، وكان أبي يشجعها دائماً وأراد لها أن تستمر في الدراسة. كانت فوزية تقول: "أريد أن أصبح ممرضة حتى أخدم الناس"، وقتها كان عمر فوزية 16 سنة.. ولأجل أن تحقق حلمها كان عليها أن تخضع لامتحان "شير خورشيد"*، وكان للمعدّل تأثير كبير على القبول في الوظيفة.
قدمت فوزية امتحان "شير خورشيد" وكان معدلها جيداً. كذلك مستواها في العلوم والرياضيات جيد جداً. حتى أنّ أبي كان كلما يريد إجراء عملية حسابيّة كان يستعين بفوزية.
بعد النجاح في الامتحان خضعت لدورة تعليمية في مستشفى كرمانشاه.
تقول مريم شيردل: "أمضت فوزية كل هذه الفترة في الدورة تمارس الحقن وبعد الانتهاء من جميع الدورات عادت إلى منزلها ليوم واحد وبسعادة قالت لأمي وأبي: "جلبت معي استبيان يُعطى لكل شخص يوافق على الذهاب إلى منطقة محروم وسأملأه" حتى تلك الفترة لم تكن الثورة قد قامت بعد، سألها أبي: أين؟ قالت: "عزيزي أبي پاوه" انزعج أبي قليلا وقال لها أنّ ذلك سيكون شاقاً عليك كفتاة لأنها منطقة على الحدود.
كل العائلة كانت غير مرتاحة لهذا الأمر ولكن فوزية قالت: "لأنها منطقة محرومة ستكون مكانا أفضل كي أخدم الناس، لا يوجد هناك ممرضات أو مساعدات تمريض، الممرضون هم خدام الله، عمل الممرض يعني مد اليد إلى كل المحرومين، و...."
كان أبي يستمع إلى فوزية وفرح جدا من جوابها، فقال لها: "يمكنك الذهاب لكن اعتني بنفسك" أما أمي فقالت لها: "سلمتك إلى السيدة الزهراء(ع)" وذهبت فوزية.
نعم ذهبت إلى مستشفى بهيار في پاوه ولم نكن في ذلك الوقت نملك هاتفاً و.... المستشفى كانت مثل الخرابة، كان الأمر شاقاً جدا عليها، لا دواء! لا إمكانات!
لكنّ أختي -بتلك الإمكانات وبتلك الظروف- تعمل بكل كيانها، بقلبها وروحها، وكانت عندما تزورنا تتكلم بحماس عن مكان عملها.

الراتب الأول:

بعد ذهابها إلى "پاوه" كانت تعود كل خميس وجمعة إلى منزلها، أي كانت تأتي غروب الأربعاء إلى المنزل وتعود غروب الجمعة، وأحيانا كانت لا تستطيع أن تأتي في نهاية الأسبوع وكان علينا أن ننتظر أسبوعين لكي نراها. كانت في كل مرة تأتي ويدها مليئة بالهدايا. كانت تجلب معها هدايا لي ولإخوتي، أحيانا كانت تحضر بعض الهدايا من الفواكه من مدينة "پاوه" حسب الموسم المتوفر مثل العنب أو الرمان وكانت تعلم أن أبي يعشق هذه الفاكهة.
عندما حصلت أختي على الراتب الأول اشترت لأبي زوجا من الجوارب ولإخوتي ملابس كردية ولأمي مصباحا يوضع فوق الرف، وهذا المصباح كان على شكل فتاة جميلة تلبس فستانا أزرقا تحمل في يديها مظلة (شمسية)، وأحضرت أيضا الجوز والزبيب. أذكر جيدا كان ذلك في شتاء سنة 1356هـ. ش أي سنة 1977م.

الهمة العالية (الطموح):

بعد مرور عدة أشهر لها في مدينة "پاوه" أخذت قرضاً من أجل شراء مسكن لها، في ذلك الوقت كنّا نظن أنه من المستبعد جداً أن نشتري منزلا، ولكن فوزية كانت قد وعدت أبي بأنها ستعمل حتى تشتري لنا منزلا.
عندما أخذت قرضا، علمنا بذلك فرح الجميع خصوصا والدي واشترى والدي بيتا صغيرا من غرفتين غرفة في الطابق العلوي وغرفة في الطابق السفلي. لم يكن منزلا كبيرا، كان بالقرب من حي "الصابون" زقاق "المحافظة".
عندما اشترينا المنزل كانت أكثر سعادة من أي وقت مضى، وعندما كانت تزورنا في نهاية كل أسبوع كانت تشتري شيئا للمنزل في مدينة "پاوه"، مزهرية، سجاد، و.... كما أنها أخذت معها صورتها وهي في لباس التمريض وعلقتها على حائط غرفتها.

ممرضة الأطفال:
تذكر أخت فوزيّة: كان صيف سنة 1357هـ. ش أي سنة 1978 وكان عمري وقتها ١٤ عاما وكانت أول مرة أذهب فيها إلى "پاوه"، كان عندها العديد من الضيوف والأصدقاء، كان البناء يبعد حوالي عشر دقائق عن المستشفى، وكانت إحدى الغرف لصديقاتها الممرضات يسترحن فيها، ومن بين الممرضات فتيات جئن من الفلبين، وكانت لهجتهنّ غريبة وخاصة أنهنّ كنّ يتكلمن اللغة الفارسية بلهجة خاصة. وكانت فوزية وديّة للغاية مع الجميع.
في إحدى الليالي تأخرت فوزية، وكنت أنتظرها أنا وصديقتاي لكي نتعشى معها، وعندما أصبحت الساعة التاسعة مساء جاءت فوزية ومددنا سفرة لكي نتعشى وقبل أن نضع أول لقمة في فمنا، أتى حارس المستشفى فجأة وقال بأنه يوجد طفل مريض في المستشفى وليس هناك من طبيب ليعالجه... بلا تردّد، انتفضت فوزية ولبست ثيابها وقالت له بأنها قادمة و قالت لنا أكملن عشاءكن لأنني لا أعرف في أي ساعة سأعود وذهبت.
مضت عدة ساعات، وعند حوالي الساعة الواحدة بعد منتصف الليل عادت -بعد معالجتهم- وكنت لا زلت مستيقظة، بسرعة نهضت من سريري وقلت لها ماذا حصل؟ قالت لي: "إنّ الطفل كان شديد المرض وعائلته كانت قلقة للغاية عليه، فبقيت إلى جانبه أراقبه وأواسي أسرته إلى أن حضر الدكتور لمعالجته، وحالته أصبحت أفضل والطبيب الآن معه ولذلك عدت.. أنا تعبة جدا الآن لذلك سأخلد إلى النوم ولن أتناول عشائي، غدا صباحا سأرتدي ملابسي وأذهب إلى المستشفى لكي أطمئن على الطفل..."
كانت فوزية نشطة جدا في المستشفى، كان الجميع أصدقاء لها ويكنّون لها الاحترام.

إطار صورة الإمام الخميني:

كانت الشهيدة فوزية شير دل على علاقة خاصة مع الإمام الخميني(قده) وقد قامت بوضع صورته وتثبيتها على جدار غرفتها.
في أحد الأيام أتت إحدى صديقات فوزية وقالت لها بأن الدكتور عارفي رئيس المستشفى والذي كان مؤيدا للشاه يبحث عنك، يبحث عنك بسبب الصورة التي تضعينها للإمام الخميني(قده) في غرفتك؛ فهو كان غاضباً وقال لنا: "من الذي وضع هذه الصورة على جدار الغرفة، هذه صورة مَن؟
عندما رأى الدكتور عارفي فوزية سألها: لماذا وضعتِ الصورة في الغرفة؟ فأجابته فوزية: "إنها غرفتي وأنا أتحمل المسؤولية وكل شخص أحبه سأضع صورته في غرفتي".
عندها غضب الدكتور عارفي وهددها وقام بتوبيخها وقال لها: "إما أن تنزعي الصورة عن الجدار وإما سأقطع عنك راتبك لمدة شهر". فردت عليه فوزية قائلة: "حتى وإن فصلتني عن العمل لن أنزع الصورة".
فأمر المدير بقطع راتبها لمدة شهر ووبخها ثم خرج من الغرفة .
الدكتور عارفي لم يكن إنسانا جيدا، فقد تعامل معها بشكل سيء وآذاها، على حد قول زميلتها إيران خانم محمدي كان سلوكه يعبّر عن عقليته الذكوريّة، كان يحب التسلط على النساء في المستشفى، ولكن فوزية صرخت بصوت عال في المستشفى أنها من أتباع الإمام الخميني(قده).
 كان أصدقاء فوزية يطلبون منها أن  تتحاشاه ولكنها أصرت على قول كلمتها، وكانت تقول لهم: "الإمام عزيزي، سأضع صورته في غرفتي".
بعد حصول الثورة هرب الدكتور عارفي.


 

----يتبع

الهوامش:
* پاوه (كردية: Pawe، فارسية: پاوه) هي مدينة إيرانية تقع في محافظة كرمنشاه غرب إيران قرب الحدود العراقية الإيرانية ضمن منطقة تعرف باسم هورامان التي يشكل الأكراد غالبية سكانها حيث تعتبر پاوه عاصمة منطقة هورامان ويتميز أكراد پاوه بتحدثهم الهورامانية وهي لهجة كردية صعبة الفهم على بقية الأكراد لتميزها اللغوي، تبعد پاوه حوالي 112 كم عن مدينة كرمنشاه.
* شير خورشيد= كلمة فارسية تعني بالعربية أسد الشمس.


المصادر:
 

1- dsrc.ir
2- lashgarefereshtegan.tebyan.net
3- www.khadem-shohada.ir
4- jangvazan.blogfa.com

5- sepahshohada.ir

إعداد: محررة الموقع.

التعليقات (0)

اترك تعليق