مُمَهِدَاتْ... وحقيق أن تبادر المرأة المثقّفة الملتزمة الواعية فتمهد الطريق وتفتح الآفاق.

بصمت.. رحلت

بصمت.. رحلت.. الحاجة مريم علوية

الحاجة مريم علوية 
بصمت… رحلت 
وحدها حملت آلامها ومضت... 
رمضانها تكمله في مكان آخر، وزمان آخر… وليلةُ قدرها كذلك 
بينها وبين الله سرٌ لا تحكيه 
خيطٌ من الرحمةِ والتضحيةِ والتفاني صبغَ عمرها الفتي 
للجهادِ معها قصةٌ… وللمجاهدين حكايا 
عرفتها بداية الثمانينات… خلال الاجتياح الإسرائيلي للبنان عام 1982… تتنقل بحجابها الأسود كفراشةٍ بيضاء مقاتلة بين محور وآخر… تراقبُ هذا… وتسعفُ ذاك… وتطعم آخر… وتواسي من يتألم 
في بدايات المقاومة والتصدي… حيث كانت مواقع المجاهدين تبعد عشرات الأمتار عن جنود الاحتلال في مطار بيروت، والتيرو، والمدينة الرياضية، مريم علوية رفيقة للصامدين والمجاهدين الذين يتصدون للإسرائيليين بإمكانياتهم المتواضعة جداً 
كنا نحس بها الأم… والأخت… والصديقة… والمرشدة… والمواسية، وحلالة العقد والمشاكل 
هذا الأخُ قد حان موعدُ طعامه 
وهذا لا يحب هذا النوع من الأكل 
وذاك لم يستيقظ لصلاة الصبح 
وذاك ينزعج من بعض الأشياء 
وهذا قد اتسخت ثيابه 
وتلك تحتاج إلى حصة تموينية 
وهذا الجريح يجب نقله إلى العيادة.
وآخر يحتاج إلى تغير ضماد جراحه 
تعرف مواعيد دواء كل من حولها، ومزاجهم، ومشاكلهم 
تتفقد المرابطين في النهار… وتصطحبنا لنغطي النائمين في الليل.. 
كان المقاومون عائلتها وبيتها 
لم تميز بين أحد منا وبين أخيها الحاج موسى الذي هو في قلب المعركة..
رفيقة العمر… الحاجة مريم علوية 
لبضع عشرات من السنين… تفرح لفرحنا… تزوجنا، وأنجبنا… ودّعنا واستقبلنا الأبناء… وهي بيننا في كل فرح وحزن…
لم يشغلها عن الجهاد زوجٌ أو إبن… كان جميع الإخوة وعائلاتهم عائلتها وشغلها.. 
حياتها كانت مدرسة… وخدمة للمستضعفين، عبر بعض الجمعيات والتجمعات الإسلامية التي عملت فيها باذلة كل جهدها ووقتها تطوعاً وقربة لله.
في المساجد والحسينيات… وعبر دراستها الحوزوية كانت خادمة وراعية ومرشدةً وبارةً بوالدتها وإخوتها إلى أن استقوى عليها المرض… فزادها رقةً وتسليماً… وعظمةً في شخصيتها وصبرها وتسليمها لله.. 
لم تعش حياتها لأجل مصلحة شخصية.
لم يكتب الله لها أن تتزوج… كان أبناؤنا أبناءها 
ورغم كل الضجة المحببة التي كانت تثيرها فينا، من ذكرياتٍ وأنشطةٍ، كانت محورا لحياة من حولها من إخوة وأخوات كما كانت أيام المقاومة والجهاد... 
ورغم كل ذلك… بصمت رحلت، مع ألمها وحبها وتسليمها 
الحاجة مريم… فينا لن تموت 
ستبقى قارورة عطرٍ لذكرياتنا الجميلة، ودعاءً نهمسه كل إفطار مع أهلها ومحبيها 
رحمة الله على روحك الطاهرة يا (مريم علوية)

عباس ياسين…

التعليقات (0)

اترك تعليق