مُمَهِدَاتْ... وحقيق أن تبادر المرأة المثقّفة الملتزمة الواعية فتمهد الطريق وتفتح الآفاق.

جهاد فاطمة عليها السلام

جهاد فاطمة عليها السلام

كانت فاطمة بنت محمّد صلوات الرحمن عليها من النساء المجاهدات في سبيل الله تعالى منذ بدء الدعوة الإسلاميّة في مكّة المكرّمة, ثمّ جهادها وصبرها في شعب أبي طالب, ثمّ في هجرتها إلى المدينة لتنطلق منها إلى ساحات المعركة فشاركت في معركة أُحد بما يتناسب مع جهاد النساء, وشاركت في معركة الخندق وشاركت في الحديبية وأخيراً كان الحنين إلى الوطن إلى قبلة المسلمين مكة, فمنحها الله شرف المشاركة في نصر الله والفتح فدخلت في دين الله الجديد فسبّحت بحمد ربّها واستغفرته إنّه كان توّاباً رحيماً.
هذه أهمّ الحروب التي خاضها النبي (ص) فكانت فاطمة إلى جانب أبيها وبعلها عليهم السلام.
ثمّ ما زالت في طاعة الله وعبادته والدفاع عن الإسلام المحمّدي حتّى قضت نحبها شهيدة مظلومة في سبيل الله والدفاع عن دين أبيها وخلافته.
فسلامُ الله عليها حين كانت حول عرش ربّها وحين كانت في بطن أمّها وحين ولدت وحين عاشت وحين استشهدت وحين تُبعث حيّة.
فاطمة عليها السلام في مكّة:
كانت في بداية الدعوة الإسلامية إلى جانب النبي(ص) هي وابن عمّها علي وخديجة أُمّها, فسرعان ما توفّيت أُمّها خديجة عليها السلام فكانت الوحيدة المسؤولة عن رعاية أمور النبيّ (ص) في مكّة, فكانت عينه التي تأتيه بالأخبار التي تُحاك ضدّه, فروى سعيد بن منصور عن ابن عبّاس أنّ قريشاً عندما تعاهدت باللاّت والعزّى ومناة الثالثة ليقتلن محمّداً بلغ ذلك فاطمة فجاءت وأخبرت النبيّ (ص) به فدعا بماء فتوضّأ وخرج إليهم, وقال: شاهت الوجوه, ورماهم بالحصى فمن أصابته قتل يوم أُحد(1).
فاطمة عليها السلام في الشعب:
ثمّ لمّا اجتمعت قريش لتحاصر النبي وأصحابه لا تشتري منهم ولا تبيعهم قرّر النبيّ (ص) دخول الشعب -شعب أبي طالب- فدخل النبيّ (ص) والمسلمون ومعهم فاطمة إلى الشعب فعاشوا فيه مدّة ثلاث سنين في جهاد وحصار اقتصادي وسياسي لا طعام ولا شراب إلاّ ما يسدّ رمقهم ويبقيهم على الحياة, فكانت فاطمة كبقيّة المسلمين تربط الحجر على بطنها من شدّة الجوع, واستمرّ ذلك حتى فرّج الله عليهم بنقض صحيفة قريش كما هو معروف في كتب التاريخ.
هجرة فاطمة عليها السلام:
لمّا هاجر النبيّ (ص) إلى المدينة لم يدخلها منتظراً عليّاً وفاطمة بنت أسد وفاطمة ابنته, فبقي بقباء حتّى جاءت فاطمة, وفي تفاصيل هجرتها أنّ عليّاً سار بالنّسوة وهو يقول:
لــيــس إلاّ الله فــارفــع ظنّكـــا        يــكفيـك ربّ الـنـاس ما أهـمّـكـا
وعندما وصلوا إلى إلى ضحنان أدركهم فرسان قريش فقصدوا النسوة فحال علي بينهما وتصدّى لهم فقتل فارساً منهم مع فرسه وهجم على البقيّة وهو يرتجز:
خـلّــوا سبيـل الـجـاهـد الـمجاهـد        آلــيـت لا أعـبـد غـيـر الـواحــد
فتفرّق القوم هرباً, فتابعوا السير يذكرون الله في مسيرهم ويعبدونه حتّى قدّموا قباء وقد نزلت بهم قوله تعالى:«الَّذِينّ يَذْكُرُونَ اللهَ قِيَامَاً وَقُعُوداً وَعَلَى جُنُوبِهِمْ»(2) إلى قوله تعالى: «فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لاَ أُضِيعُ عَمَلَ عَامِل مِنْكُمْ مِنْ ذَكّر أَوْ أُنْثَى بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْض فَالَّذِينَ هَاجَرُوا وَأُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَأُوذُوا فِي سَبِيلِي وَقَاتَلُوا وَقُتِلُوا لأُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِم وَلأُدْخِلَنَّهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحتِهَا الأَنْهَارُ ثَوَابَاً مِنْ عِنْدِ اللهِ وَاللهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الثَوَابِ» (3). فاستقبلهم النبي (ص) في قباء ودخلوا المدينة سويّاً فنزلت فاطمة عند أُمّ أيّوب الأنصارية منزلاً كريماً(4).
فاطمة عليها السلام في أُحد:
قال الواقدي: قالوا: وخرجت فاطمة –إلى أُحد- في نساء وقد رأت الذي بوجهه (ص) فاعتنقته وجعلت تمسح الدم عن وجهه, ورسول الله (ص) يقول: اشتدّ غضب الله على قوم أدموا وجه رسوله, وذهب علي عليه السلام يأتي بماء من المهراس, وقال لفاطمة: أمسكي هذا السيف غير ذميم. فأتى بماء في مجنّة, فأراد رسول الله (ص) أن يشرب منه وكان قد عطش, فلم يستطع, وغسلت فاطمة الدم عن أبيها, وكن قد جئن أربع عشرة امرأة, منهن فاطمة بنت رسول الله (ص) يحملن الطعام والشراب على ظهورهنّ, ويسقين الجرحى ويداوينهم. فلمّا رأت فاطمة الدم لا يرقأ –وهي تغسل الدم, وعلي عليه السلام يصبّ الماء عليها بالمجن, أخذت قطعة حصير فأحرقته حتّى صار رماداً, ثمّ ألصقته بالجرح فاستمسك الدم.
ويقال: إنّها داوته بصوفة محترقة(5).
فاطمة عليها السلام في حرب الخندق:
فروي أنّ علي عليه السلام قال: كنّا مع النبيّ (ص) في حفر الخندق إذ جاءته فاطمة بكسرة من خبز فرفعتها إليه فقال: ما هذه يا فاطمة؟.
قالت عليها السلام: من قرص اختبزته لابنيّ جئتك منه بهذه الكسرة.
فقال (ص): يا بنيّة أمّا إنّها لأوّل طعام دخل فم أبيك منذ ثلاثة أيّام(6).
فاطمة عليها السلام في فتح مكّة
وكان خاتمه جهاد فاطمة إلى جانب أبيها في فتح مكّة, وذلك بعد نقض قريش لصلح الحديبية جاء أبو سفيان إلى المدينة لمّا سمع أنّ النبيّ (ص) سوف يدخل مكّة فلم يجده, فدخل على الصدّيقة الزهراء فاطمة قائلاً: أجيري بين الناس! فقالت: إنّما أنا إمرأة, قال: إنّ جوارك جائز, قد أجارت أُختك أبا العاص بن الربيع فأجاز ذلك محمّد (ص).
قالت فاطمة: ذلك إلى رسول الله (ص) وأبت ذلك عليه.
فقال: مُري أحد بنيك يجير بين الناس..., فأبت عليه(7).
فسار النبيّ (ص) وأصحابه ونساؤه ومعه فاطمة المجاهدة متوجِّهين إلى مكّة القبلة المكرّمة لفتحها, فدخلوها منتصرين محلّقين رؤوسهم كما وعدهم النبيّ (ص).

الهوامش:
1- سنن سعيد بن منصور: 2/305 ح2874.
2- سورة آل عمران: 191.
3- سورة آل عمران: 195.
4- راجع فاطمة الزهراء لتوفيق: 105-107.
5- كتاب المغازي: 1/249-250 غزوة أحد. ط. دار المعارف، مصر 1964.
6- فاطمة الزهراء لتوفيق: 130.
7- راجع كتاب المغازي للواقدي: 2/793 شأن غزوة الفتح.

المصدر: عاشور السيد علي: موسوعة أهل البيت (ع)، سيرة الصديقة فاطمة الزهراء (ع). ط1، دار نظير عبود، بيروت، 1427هـ-2006م، ج7، ص9-12.

  

  

التعليقات (0)

اترك تعليق