مُمَهِدَاتْ... وحقيق أن تبادر المرأة المثقّفة الملتزمة الواعية فتمهد الطريق وتفتح الآفاق.

صورة رائعة عن الحياة الزوجية: «هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ»...

صورة رائعة عن الحياة الزوجية: «هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ»...

فلنتأمل هذه الصورة البيانية الرائعة للحياة الزوجية في القرآن الكريم:
«هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ» (البقرة 187).
أرأيت جمال هذا التعبير وروعة هذا التصوير؟


فكما أن اللباس يستر الإنسان عن الحر والبرد، ويصونه عن الأذى، كذلك الحياة الزوجية تحفظ الإنسان من الانزلاق، وتعصمه في جو من العطف والرحمة التي تظلل الأجواء العائلية عن شدائد الحياة ومكروهاتها، وتحفظ جسد المرأة عن الأنظار الجائعة الشرهة، إنها حصن للرجل وستر للمرأة.
فلا شيء يحفظ الرجل عن الانزلاق، وعن شدائد الحياة ومكروهاتها، ولا شيء تطمئن إليه المرأة في الحياة، ويسترها عن النظرات الشرهة مثل الحياة الزوجية.
وفي الحياة العائلية وحدها، وفي جو الزوجية فحسب... يجد الإنسان إستقراره وهدوءه، فيطمئن بها، ويركن إليها، ويستريح إلى ما فيها من هدوء وانسجام.
تشعر المرأة أنها ليست وحدها تعيش في خضم الحياة، وإنما هي تعود إلى بيت، وتتعلق برجل يقف إلى جانبها، ويمدها ويعينها، في أمرها وأن هناك أطفالاً صغاراً وكباراً يتعلقون بها، ويخصونها، هي وزوجها، دون الآخرين.
ويشعر الرجل كلما خاض غمار الحياة من وراء لقمة العيش انه لا يضيع في زحمة الحياة وضجيجها، ولا يتيه في غمار هذا الخضم...فإن هناك محوراً لنشاطه وسعيه، وهو البيت، وإن هناك ملجأ يلجأ إليه اذا جن عليه الليل، وان هناك إمرأة تتعلق به وتنتظره في البيت، تستقبله حين يعود إلى البيت وقد أجهده التعب، وأضناه العمل، طيلة النهار... وعلى شفتها ابتسامة، وفي قلبها حب، وأن هناك أطفالا صغاراً ينتظرونه، ولا تأخذ عيونهم النوم قبل أن يلتقوا به، يملأون البيت ضجيجاً كلما حل عليهم أبوهم في البيت.
إن الرجل يشعر، وهو يعود إلى البيت، كل هذا الشعور فيملأ قلبه الاطمئنان، والرضا، تعلو شفتيه ابتسامة حلوة لا يسعها الفضاء ولا تسعها الحياة.
أرأيت وردة النيلوفر تلتف حول السنديانة، وتعتمد عليها، ورأيت كيف تسندها السنديانة، وتعطيها نفسها.
فإذا هبت زوبعة، وتهشمت أغصان الشجرة التي كانت تسند الوردة من قبل، فسوف تلف الوردة أغصان السنديانة هذه المرة، تحفظها عن السقوط كذلك الحياة الزوجية جو مشبع بالعطف والحب، يملأه الرضا، ويظلله الحنان.
تلقي المرأة بنفسها على الرجل، ليسندها في الحياة وليعيلها، ويوفر لها الحياة السعيدة، وليكون لها ستراً جميلاً، ويحتمل ثقلها فإذا امتحن الدهر الرجل ببعض ما يمتحن به الرجال وابتلاه بشيء من البلاء، وهزته زوبعة من زوابع الدهر، مما يلاقيها الرجال في مطرب الحياة... عاد الرجل إلى البيت ليلتجئ إلى أحضان زوجته، وليطمئن إليها، ولتستقبله هي بقلبها العامر بالحب والرضا، والعطف، ولتحنو عليه، وتسبغ عليه فيضاً من حنانها وعطفها.
فينسى في هذا الجو المشبع بالرضا والود وجه الحياة المكفهر، ومكروه الدهر، وشدائده، كذلك الحياة الزوجية هدوء، واستقرار، واطمئنان، وركون، تظللها المودة، وتشيع عليها الرحمة.
«وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً» (الروم 21).

المصدر: كتاب نظرية العلاقة الزوجية في القرآن الكريم (سلسلة في رحاب القرآن)، الشيخ محمد مهدي الأصفي، المشرق للثقافة والنشر طهران، إيران، 2003م.

 


التعليقات (0)

اترك تعليق