السيدة الزهراء والسيدة زينب(ع) في كلام الشيخ راغب حرب رض
عاشت الزهراء (ع) مع علي (ع) في هذا البيت الفقير، ولكنها لم تجعل من سوء الوضع الاقتصادي في البيت مناسبة لتحويله إلى جهنم، وإنما ظللته بالحب الذي كانت تعطيه لمن حولها من قلبها، وجعلته جنة على الأرض، فخرّج هذا البيت الحسن (ع) الصابر المحتسب في سبيل الله، وخرّج الحسين (ع) الثائر البطل المقاتل في سبيل الله، وخرّج زينب (ع) التي تنحني لها هامات عظماء الرجال إجلالاً وإكباراً. لقد خرّج هذا البيت الفقير نماذج للدنيا، فالغنى لا يصنع رجالاً، والأثاث لا يصنع بيوتاً، وإنما تقوى الله هي التي تصنع الإنسان، وتصنع البيوت. {جمعة 25/2/1983}
تلك هي فاطمة بنت محمد (ص)، الملقبة بالزهراء (ع)، فعندما نذكر وفاتها (ع)، وهي أول معصوم انتقل إلى روح الله وريحانه بعد رسول الله (ص)، لا نستطيع إلا أن نتحدث عن حياتها القصيرة بحساب السنين والأيام،... ولكنها كانت حياة غنية ومليئة بالعمل والجهاد والبذل والعطاء في سبيل الله تعالى. {جمعة- 25م2/1983}
وجدت فاطمة (ع) نفسها يتيمة في منزل والدها إلى جانب أخواتها - اللواتي توفين في بيوت أزواجهن - فقامت بواجبها على أكمل وجه، على الرغم من أنها كانت فتاة صغيرة، تحتاج إلى فتاة تلعب معها، كما تحتاج إلى أم تعلمها وتحميها. {جمعة- 25/2/1983}
لم تقصر الزهراء (ع) في أدوارها مطلقاً، فقد قامت بواجب الأبنة، وبواجب الأم للأب الذي يحتاج إلى اهتمام، ويحتاج إلى رعاية، فكانت تستقبله كما كانت السيدة الجليلة خديجة بنت خويلد تستقبله، إذا دخل الباب، وتضمّد جراحه التي أحدثها سفهاء الناس وصبيانهم، وتذهب عن نفسه نكد الدهر، وصلافة الجاهلية، حتى استحقت أن يقول فيها رسول الله : "أم أبيها". {جمعة- 25/2/1983}
إن السيف لا يستغني عنه مجاهد في سبيل الله، ولكن مغواراً تهابه الفرسان كعلي (ع)، وتفر الجموع من بين يديه لا يحتاج كثيراً إلى الدرع. فكان الدرع هو مهر الزهراء (ع). {جمعة- 25/2/1983}
كانت الزهراء (ع) أماً، ولكنها لم تنس أنها جزء من المجتمع، فلما توفي رسول الله (ص)، ورأت أن بعض حسك النفاق يطفو على السطح خرجت إلى المجتمع تدلي بدلوها، فلم تجزع لما جرى، ولم يصبها الوهن. {جمعة- 25/2/1983}
ما أحب أن نتعلمه منها هو أن نجعل من هذه المرأة النموذج الذي يرضى الله لرضاها، ويغضب لغضبها، أن نجعلها أنموذجاً لنسائنا وبناتنا، بل أقول: نجعلها أنموذجاً لرجالنا، فحري بمثل الزهراء (ع) أن تكون إنموذجاً للعالمين، في تفانيها، وفي بذلها في سبيل الله. {جمعة- 25/2/1983}
شرف عظيم لنسائنا أن يكن مع الزهراء (ع)، ومع زينب (ع) في نفس الصف، يندبن معها، ويجاملنها في البكاء والرثاء والعزاء. {جمعة- 7/9/1983}
السيدة زينب (عليها السلام):
وصلت زينب (ع) إلى الكوفة، واستقبلها هناك جمع غفير من الناس بالبكاء والعويل. ولكن ماذا قالت لأهل الكوفة؟ وهل استطاعت الدموع التي كانت تنطلق من العيون هاربة عن مواجهة أمر الله، أن تخفف حزناً عن هذه المرأة التي قدمت راضية مرضية ما قدمته لله؟ {جمعة- 10/12/1982}
لم تسمع زينب (ع) شاكية لأحد، وإنما كانت تسمع من لسانها كل الكلمات التي تكشف عما في صدرها، من الافتخار بثواب الله عز وجل وطاعته.حتى إذا وصلت إلى المدينة، وقفت تسجل شهادة إدانة للظالمين والمتخاذلين الذين يرون أن الحق لا يعمل به، والباطل لا يتناهى عنه، ثم لا يرغبون في لقاء الله. {جمعة- 10/12/1982}
لما استشهد الإمام الحسين (ع)، شكت أخته زينب (ع)، ولكن إلى من شكت؟ إن أهل الدنيا يشكون إلى أوليائهم من الشياطين، وأما أهل الأخرة، فإنهم يشكون أمورهم إلى الله ورسوله(ص). {جمعة- 10/12/1982}
شكلت زينب (ع) أول خطيبة حسينية بارعة، وشاركها في ذلك الإمام زين العابدين (ع). كانت مواسم عاشوراء مواسم تعبوية، واستعمل هذا التعبير، باعتباره التعبير الدقيق الذي يكشف عن روح العزاء والبكاء معاً. كانت زينب (ع) تبكي، وتتجاهر ببكائها، وكان زين العابدين (ع) يبكي، وتتجاهر ببكائه؛ لأنه يريد أن يجرح كل فؤاد. {جمعة- 7/9/1983}
بمجرد أن وصلت زينب (ع) إلى المدينة المنورة بعد حوالي الشهرين من مقتل أبي عبد الله (ع)، أعلنت العزاء والبكاء في مسجد رسول الله (ص)، إذ أخذت بعضادتي باب المسجد، ونادت: "يا جداه، إني ناعية إليك أخي الحسين". {عاشورائية- 7/10/1983}
كانت السيدة زينب (ع) جبلاً، ما حركت المصائب شيئاً منه، ولا زحزحت نكبات الدهر أوتاده، وكانت علماً مرفوعاً، إذ نكست كل أعلام الجاهلية، وبقي يرفرف عالياً خفاقاً. {جمعة- 25/11/1983}
حمل الصدى صوت زينب (ع)، هذا الصوت استمر ملتصقاً بالمواقف الخالدة، ومخضباً بالدم، ومصحوباً بالضربات الهاشمية، ومترافقاً مع قلع باب خيبر، ومتصلاً بضربة علي (ع) لعمرو بن ود، ومخضباً بدماء الحسين (ع). وقد شكل ذلك كله الموجة التي اقتلعت كل شيء، مما لا يحب الله أن يرى له في الأرض وجوداً. {جمعة- 25/11/1983}
لا أظن أن أحداً يذكر الحسين (ع) بالخير إلا ويذكر زينب (ع) بالبركة، ولا أظن أن أحداً يذكر الحسين (ع) بالعظمة وعلو الشأن، إلا ويذكر زينب (ع) بالصبر وعلو المقام. فقد استطاعت "سلام الله عليها" أن تضرب في البذل في سبيل الله مثلاً قل نظيره في الدنيا، وقل نظيره في التاريخ. {جمعة- 11/2/1984}
كانت تعي أن دماء إخوتها وأبنائها وأبناء أعمامها الطاهرين والأشاوش من أصحاب أبي عبد الله (ع) وقعت في يد الله، وفي قناة الإسلام؛ ولذلك لم تكن تسمح لدمعتها إلا أن تصب في يد الله، وفي قناة الإسلام. {جمعة- 11/2/1984}
(كانت زينب (ع)) مرهفة الإحساس، فهي أكثر حباً لأبنائها من حبنا لأبنائنا, وأكثر حبا لإخوتها من حبنا لإخوتنا,وأكثر حبا للصحابة من المسلمين من حبنا نحن للصحابة والمسلمين, ، ولكنها كانت تعي أن عليها أمانة، يجب أن تؤدي الأمانة، وأن في عنقها وصية، يجب أن تنفذ الوصية. {جمعة- 11/2/1984}
كانت (زينب (ع)) تعي أن هذا الجيش الذي قام بهذه الجريمة النكراء يريد أن يسمع كلمة تدل على أنه انتصر، وأن يرى عملاً يؤكد له أنه حقق مرامه. فهم يريدون أن يشعروا بأن الصوت الذي ارتفع في وجه الطاغي مخنوق أو نادم. {جمعة- 11/2/1984}
كانت (زينب (ع)) تشعر بأن عليها وحدها أن تحمي هذا العليل الذي هو بقية الله في أرض، وأن تلم هؤلاء الأطفال الذين ليس لهم أحد في هذا الموقع إلا الله، فأولئك الوحوش الذين ليس فيهم رجل يتقي الله، من يحمي هؤلاء الأطفال منهم؟ كانت زينب تعي أن الوقت ليس وقت بكاء، وإنما هو وقت عمل. {جمعة- 11/2/1984}
تكلمت زينب (ع) بالكوفة كلها بدماء الشهداء، استطاعت أن تلطخ جباه أهل الكوفة كلهم بدماء الشهداء، لم تترك زينب (ع) بيتاً إلا وأشعرته بالعار، وبالتقصير، وبالندم؛ أشعلت في قلوب الكوفيين الندم. ثم نقلت إلى قصر يزيد، فأخذ ينظر إليها وإلى من معها، فلا يجد أثراً للهزيمة. {جمعة- 11/2/1984}
... وتدخل زينب (ع) مدينة رسول الله (ص)، وهناك تشعر بأن دموعها أصبحت تصب في قناة الثورة، إذ لم يعد هناك داع لأن تحبس هذه الدموع، ولا هذه الغصة في الصدور، فتقف على باب المسجد رسول الله (ص)، وتأخذ بعضادتي باب المسجد، وتنادي: "يا جداه، إني ناعية إليك أخي الحسين". ومنذ هذه اللحظة، بدأت زينب (ع) تتجول في دور المدينة بيتاً بيتاً، فتقيم عزاء أبي عبد الله (ع)، وتبكي إخوتها الشهداء الأبطال. هذه هي بنت أمير المؤمنين (ع) التي لم تسمح لدمعتها أن تتساقط، إلا عندما تكون ناراً تحرق عروش الظالمين. {جمعة- 11/2/1984}
بلاد الريّ التي من أجلها قتل ابن سعد (لعنه الله) أبي عبد الله (ع) عادت؛ لتحكمها زينب (ع)، وترفع فيها الإسلام والإيمان. كان والي المدينة ينظر إلى زينب (ع) وهي تبكي في البقيع، فيرتجف منها. والآن ينظر الناس إلى زينب (ع) رافعة لواء النصر في طهران، فيرتجفون منها، رافعة راية الانتفاضة في جبل عامل، فيخافون منها، فبروح زينب (ع) نواجه، وسنستمر على هذا النهج. {جمعة- 11/2/1984}
المصدر:
كتاب: الكلمات القصار، منتخبات من كلام شيخ شهداء المقاومة الشيخ راغب حرب (قدس سره)، جمعية إحياء التراث المقاوم، ط 1، بيروت 2011م.
اترك تعليق