مُمَهِدَاتْ... وحقيق أن تبادر المرأة المثقّفة الملتزمة الواعية فتمهد الطريق وتفتح الآفاق.

العاطفة عند المرأة ودورها في ترشيد العقل

العاطفة عند المرأة ودورها في ترشيد العقل

    
  

  بقليل من التأمّل والملاحظة نلاحظ أنّ التكوين العاطفي (تكوين المشاعر العامة) عند المرأة من حيث النوع لا تختلف عنها عند الرجل، لأنّ المشاعر هي المشاعر، ولكنّ المرأة تفوق الرجل كثيراً وبمسافات كبيرة من حيث كم الزخم العاطفي. وهذا من عجائب الخلق وبديع الصنع، فسبحان من خلق الأشياء بحسبها ووضعها مواضعها؛ إذ لم يكن هذا الفارق عبثياً، وإنّما تقتضيه طبيعة الظروف التي تحكم شغل كلّ منهما لمواقع معينة في الحياة.
فمشاعر المرأة تميل إلى الرقة، ويلاحظ ذلك في نبرة صوتها، وطريقة مخارج الحروف عند حديثها. وتميل العذوبة، ويلاحظ ذلك عند اختيارها لألفاظها عندما تريد التعبير عن شيء يخصّ غيرها. وتميل إلى اللين، ويلاحظ ذلك في مجمل حركاتها الجسدية. وتميل إلى الشفافية التي تلاحظ عمليا في صدقها العميق عندما تصارح أحداً يحبها، أو يكرهها، فشفافيتها تلاحظ من خلال انطلاقها الصادق في بذل مشاعرها تجاه من تحب أو من تكره على حدّ سواء...


اتخاذ القرار.. العاطفة أم العقل؟
والمرأة عموماً ذات زخم عاطفي كبير يؤثّر بدرجة كبيرة على القرارات التي تتخذها في حياتها. وهذا أمر مهم أن نعرفه. ففي كثير من المواقع الحياتية لا يكون تقرير العقل منفرداً هو وحده الموجّه نحو القرار الصائب والدافع له لتنفيذه على أرض الواقع، وإنّما العاطفة هي التي تحفّز وتفضّل طريقاً على آخر عند اتخاذ القرار. والإنسان عموماً الذي يعيش بدون عواطف إنّما هو بمثابة رجل آلي يقوم بإجراء العلميات الحسابية، ولا يحسّ في النهاية بأية مشاعر تجاه هذه الحسابات. يقول الدكتور دانيال جولمان في كتابه الذكاء العاطفي:
"لعلّ من الدروس المستفادة، هو أهمية دور الشعور الحاسم في اتخاذ القرارات الشخصية التي لا تنتهي في حياة الإنسان. وكما أنّ المشاعر العنيفة يمكن أن تؤدي إلى تشوّش التفكير، كذلك يمكن أن يكون نقص الوعي بالمشاعر مخرّبا أيضاً، وخاصة بالنسبة لترجيح القرارات التي يعتمد عليها مصيرنا إلى حدّ كبير، مثل "أي طريق في الحياة يمكن أن نسير فيه؟"، ومثل هذه القرارات لا يمكن ان تتم بصورة جيدة من خلال العقلانية البحتة، لأنّها تتطلب شعوراً داخليا عميقاً، ونوعاً من الحنكة العاطفية التي نكتسبها من خلال خبرات الماضي. ذلك لأن المنطق الشكلي وحده لا يفيد كأساس لاتخاذ قرار حول من أتزوّج، أو من يحظى بثقتي، أو حتى أي وظيفة اشغلها. هذه مجالات يكون فيها العقل الخالي من المشاعر فاقداً للبصيرة...
وتحدث البدايات الفسيولوجية لانفعال ما، قبل أن يعي الإنسان الشعور ذاته. خذ مثلاً من يخافون من الثعابين، عندما تعرض عليهم صورتها، يكشف جهاز الإحساس على بشرتهم خروج حبات العرق علامة على القلق.
... والعواطف الجياشة التي تكمن تحت وعينا، تؤثّر تأثير قويّاً في الكيفية التي ندرك بها هذه العواطف بإحساسنا، ونتفاعل معها، على الرغم من عدم وجود أي فكرة لدينا من جيشان هذه العاطفة بداخلنا".
ومثال ذلك لو واجه إنسان ما موقفاً أحزنه في ساعته، فإنّ ذلك الموقف يبدأ بترك آثاره على هذا الشخص لساعات وساعات، قد تصل إلى أيام. وقد يأخذ هذا الموقف أثره فيصل إلى منطقة اللاشعور في المخ، فيتصرّف حينها تلقائياً بحسب الظرف الانفعالي طوال تلك المدة وهو لا يدري، أو وهو في غفلة عن مسبب هذه التصرفات التي يسلكها، إلاّ إذا أفاق من ذلك، ليجد نفسه مستغرباً أحياناً من تصرفاته التي لا يرى لها تبريرا!
وما ذلك إلاّ بسبب تأثير المشاعر التي قد تخرج الإنسان عن دائرة الوعي العقلي في بعض الأحيان، وتدخله في اللاوعي.
ولكنّ ذلك لا يعني أنّ العاطفة لا تكون أو لا تصبّ في مصبّ الرؤى العقلية عموماً، بل هي في كثير من الأحيان تكون وظيفتها توجيه العقل إلى ما يجب أن يكون. كما هو الحال بالنسبة للرجل وعلاقته مع من يحيطون به من أسرته، مبتدئاً بوالديه وزوجته وأولاده، ثمّ المحيط البيئي في الدائرة الاجتماعية الكبرى.
والحال نفسه بالنسبة للمراة وعلاقتها مع من يحيطون بها من أسرتها، وبيئتها الاجتماعية الأكبر؛ فهي تعيش بعاطفة الأمومة تجاه أولادها، وتعيش بعاطفة الزوجية مع زوجها، وهكذا فعاطفتها جليّة وواضحة عياناً في جميع حركاتها وسكناتها، سواء في حال الحب، أو في حال الكراهية.

إدارة المشاعر:
... كما أنّ علينا هنا ملاحظة أمر مهم آخر، وهو أنّ المسألة لا تكمن في فيض المشاعر، وإنّما تكمن في كيفيّة إدارة هذه المشاعر وتوظيفها. وهذا ما جاءت به الأديان السماوية لمعالجته كهدف من أهدافها التربوية للإنسان منذ قديم الزمان، ونهاية بالإسلام الحنيف الباقي عبر الأزمان الحاضرة والمستقبلية. وقد التفت علماء النفس مؤخراً إليه، وبلوروه في مصطلح جديد أسموه (الذكاء العاطفي).
ولذلك فغزارة العواطف عند المرأة لا تعني بأي حال أنها لا تمتلك رصيداً عقلياً كبيراً كالرجل، وإنّما المسألة كما يقرّرها الدكتور دانيال جولمان في كتابه (الذكاء العاطفي) تكمن في مدى تأثير هذه العاطفة في توجيه القرار العقلي المحض. الأمر الذي يميّز الإنسان المفكر عن الآلة المفكرة كجهاز الكومبيوتر، أو الرجل الآلي الذي يفكّر ولا يشعر مثلاً.
ولذلك فإنّ مسألة العقل والعاطفة يمكن معالجتها في إطار إدارة العاطفة، وتفهّم مداها وأثرها.


مصدر: كتاب مسألة الحجاب- عبد الخالق علي حسن البيات

التعليقات (0)

اترك تعليق