من الجنين إلى دماغ أمه... دالات علاجية من خلايا الجنين المكتمل تدخل دماغ الأم
يرسخ الوِلْدان في عقول أمهاتهم على الدوام بكل معنى الكلمة. ففي الفئران عثر الباحثون على خلايا من الأجنة المكتملة تستطيع أن تهاجر إلى داخل دماغ الأم وتتطور فيه على ما يبدو إلى خلايا من الجهاز العصبي.
ويأتي هذا الاكتشاف من (داوي) (في جامعة سنغافورا الوطنية) و(شينك كسياو) (من مستشفى سنغافورا العام) وزملاء لهما في الصين واليابان. فلقد كان هؤلاء الباحثون يسعون إلى تصميم علاجات للسكتة ولأمراض مثل داء الزهايمر، إذ عرف العلماء لسنوات عديدة أن خلايا الجنين المكتمل لدى البشر تستطيع الدخول إلى دم الأم، حيث تتمكن من البقاء ما لا يقل عن 27 سنة بعد الولادة. وعلى غرار الخلايا الجذعية، تستطيع خلايا الجنين المكتمل هذه أن تصبح أنواعاً أخرى عديدة من الخلايا، ويمكن من الناحية النظرية أن تفيد في إصلاح الأعضاء المتضررة.
لقد ربّى بيولوجيو الأعصاب إناث فئران عادية مع فئران ذكور تم تحويرها للتعبير express بانتظام عن بروتين متألق أخضر اللون. فوجدوا خلايا جنين مكتمل خضراء في أدمغة الأمهات. ويقول (كسياو) في هذا الصدد: (هناك بعض مناطق أدمغة الأمهات خلايا ذات منشأ جنيني مكتمل يراوح عددها ما بين خليه و10 في كل 1000 خلية دماغية).
لقد تحولت خلايا الجنين المكتمل هذه إلى ما يشبه العصبونات والخلايا النجمية الدبقية (التي تفيد في تغذية العصبونات) والخلايا الدبقية القليلة التغصنات oligodendrocytes (التي تفيد في عزل العصبونات) والبلاعم macrophages (التي تفيد في هضم الميكروبات والخلايا التالفة). إضافة إلى ذلك، وجد العلماء بعد أن أحدثوا أذية كيميائية في أدمغة فأرية، زيادة في أعداد خلايا الجنين المكتمل التي تشق طريقها إلى المناطق المتضررة من الدماغ تعادل ستة أضعاف أعدادها في المناطق الأخرى، ما يوحي بأن هذه الخلايا قد شقت طريقها إلى هناك استجابة لإشارات كرب distress جزيئية أطلقها الدماغ.
ولكننا لا نعرف كيف تجتاز خلايا الجنين المكتمل جدران الشعريات الدموية التي تفصل الدماغ عن بقية جهاز الدم، علماً بأن خلايا هذه الشعريات الوعائية ذات تراص كثيف يحول دون عبور معظم المركبات للحاجز الدماغي الدموي المحيط بالنسيج العصبي الدماغي. ويستشف الباحثون أن الجزيئات الحيوية biomolecules، مثل البروتينات والسكريات التي تزين سطوح خلايا الجنين المكتمل تتفاعل مع ذلك الحاجز الدماغي الدموي، بحيث تسمح لهذه الخلايا بالتسلل عبره. ويشعر فريق الباحثين هذا بشكل واثق، بأن خلايا الجنين المكتمل تستطيع أيضاً أن تمر إلى أدمغة الذكور والإناث غير الحوامل من دون وجود أدلة على فروق رئيسية بين الحاجز الدماغي الدموي لدى هؤلاء ولدى الإناث الحوامل، حسب قول (ديوي). ويأمل العلماء أن يبينوا لاحقاً أن خلايا الجنين المكتمل تصبح عصبونات وظيفية.
إن الاكتشاف الذي نشر في أون لاين online في الشهر 8/2005 بوساطة دورية الخلايا الجذعية Stem Cells يعطي أملاً واعداً في معالجة الاضطرابات الدماغية. وبسبب الحاجز الدماغي الدموي، فإن المعالجات الاغتراسية transplant therapies فيما يخص الدماغ عادة ما تستحضر أفكار الحفر في الجمجمة. ولعل تحديد هوية الجزيئات الخاصة بخلايا الجنين المكتمل التي تدخل الدماغ لتغدو فيه خلايا عصبية جهازية قد يفيد في العثور على خلايا مشابهة من مصادر أخرى غير الأجنة المكتملة، مثل دم الحبل السري umbilical cord blood. ومثل هذا البحث قد يقودنا على طعوم (غرائس) خلوية غير عدوانية من أجل الدماغ لا تتطلب إلا حقنا في الوريد. وينبغي تحري توافق أية خلايا تستخدم في هذه المعالجات مع المريض قدر الإمكان تفادياً لاستثارة الجهاز المناعي لديه. هذا ويبقى من غير المؤكد ما إذا كانت الخلايا المحقونة لغرض الوصول إلى الدماغ قد ينتهي الأمر بها إلى الاغتراس في مكان آخر غير الدماغ. ويقول (ديوي) في هذا الصدد: (ولكننا لا نعرف حتى الآن ما إذا كان مثل هذا الحدث مشكلة في حد ذاته).
وكذلك ينظر الباحثون اليوم في أمر ما إذا كان مرور خلايا الجنين المكتمل إلى الدماغ يحدث في البشر بنفس سهولة حدوثه في الفئران. إنهم يخططون لدراسة ذلك في النسيج العصبي بعد الموت لدى أمهات للغلمان، حيث ستؤكد علامات الصبغي (Y) هذا التأثير في البشر. وحسبما يستدل (كسياو) سيثير ذلك أيضاً قضية (ما إذا كان لهذا الإجراء أية مضاعفات سلوكية أو نفسانية).
أثمة حماية للحامل:
طبقاً لإحدى النظريات العلمية، فإن خلايا الجنين قد تدور داخل جسم الأم لتحمي صحتها. وفي الحقيقة، ما يدعم هذه النظرية هو قدرة الخلايا الجنينية على الدخول إلى الدماغ استجابة لحدوث تلف فيه، وهي الظاهرة التي أوضحتها أخصائية الوراثة الطبية (بيانتشي) (من جامعة تفتس)، وهي أيضاً أو من اكتشف أن الخلايا الجنينية تستطيع البقاء في الأمهات لعدة عقود. وتوضح (بيانتشي) ذلك قائلة: (إن الرضّع ينتابهم قلق شديد إذا توفيت أمهاتهم، وهكذا يظن أن هناك ميزة تطورية).
بينما يعارض هذه النظرية إثبات آخر، فقد ربطت بعض الدراسات تطور المرض بالخلايا الجنينية التي غرزت نفسها فوق أنسجة الأم في حالات نادرة. لكن (بيانتشي) تشعر مع ذلك أن هذه الخلايا الجنينية المغروزة لا تسبب المرض ولكنها تستجيب له للمساعدة.
المصدر: مجلة الإعجاز العلمي، عدد: 92.
اترك تعليق