مُمَهِدَاتْ... وحقيق أن تبادر المرأة المثقّفة الملتزمة الواعية فتمهد الطريق وتفتح الآفاق.

«لقد شُطب‌ بذهابها وإلی الأبد بخطّ البُطلان‌ علی الحياة‌ السعيدة‌ الهادئة‌ الت

«لقد شُطب‌ بذهابها وإلی الأبد بخطّ البُطلان‌ علی الحياة‌ السعيدة‌ الهادئة‌ التي‌ عشناها».. زوجة العلامة ا

لقد ترك وفاة‌ زوجته‌ بالسكتة‌ القلبيّة‌، تأثيراً عميقاً وبالغاً فيه‌، فقد امتزجت‌ مودّة‌ هذه‌ السيّدة‌ الجليلة‌ في‌ نفسه‌ كامتزاج‌ السكّر والحليب‌، فأدّيى موتها إلی انفراط‌ عقد الحياة‌ السعيدة‌ التي‌ أُرسيت‌ علی ركائز الحبّ والوفاء والصفاء.
ويتّضح‌ ذلك‌ من‌ جواب‌ رسالة‌ التعزية‌ التي‌ أرسلها له‌ الحقير، بالرغم‌ من‌ حمده‌ الله‌ عدّة‌ مرّات‌ في‌ الرسالة‌ وتكراره‌ لجملات‌: «الحمدلله‌»، و«لله‌ الحمد»، فقد كتب‌ يقول‌:
«لقد شُطب‌ بذهابها وإلی الأبد بخطّ البُطلان‌ علی الحياة‌ السعيدة‌ الهادئة‌ التي‌ عشناها.»
وكانت‌ هذه‌ السيّدة‌ المؤمنة‌ هي‌ الأخرى‌ من‌ أهل‌ بيت‌ الطهارة‌، ومن‌ بنات‌ أعمامه‌، وهي‌ ابنة‌ المرحوم‌ آية‌ الله‌ الحاج‌ الميرزا مهدي‌ اقاي‌ التبريزي‌. وكان‌ مع‌ إخوته‌ الخمسة‌ جميعاً: السادّة‌ الحاج‌ الميرزا محمد أقا، الحاج‌ الميرزا علی أصغر أقا، الحاج‌ الميرزا كاظم‌ أقا (صهر مظفّر الدين‌ شاه‌)، الحاج‌ الميرزا رضا، وأخ‌ آخر معهم‌، من‌ العلماء ومن‌ أولاد المرحوم‌ آية‌ الله‌ الحاج‌ الميرزا يوسف‌ التبريزي‌. واسم‌ تلك‌ المرحومة‌ «قمر السادات‌» ولقبها «المهدوي‌»، اذ انّ أباها هو الحاج‌ الميرزا مهدي‌ أقا المشهور بالمهدوي‌، وكانت‌ وفاة‌ تلك‌ المرحوم‌ ليلة‌ الأربعاء السابع‌ والعشرين‌ من‌ ذي‌ القعدة‌ الحرام‌ لسنة‌ 1384 هـ.
يقول‌ العلاّمة‌: لقد كانت‌ زوجتي‌ امرأة‌ جليلة‌ قويّة‌ الإيمان‌، وقد تشرّفتُ معها بالذهاب‌ إلى النجف‌ الأشرف‌ للدرس‌ والتحصيل‌، فكنّا نأتي‌ إلى كربلاء للزيارة‌ أيّام‌ عاشوراء، ثمّ عدنا بعد نهاية‌ تلك‌ الفترة‌ إلى تبريز، فكانت‌ جالسة‌ في‌ المنزل‌ يوم‌ عاشوراء منهمكة‌ في‌ قراءة‌ زيارة‌ عاشوراء؛ تقول‌: أحسستُ فجأة بانكسار قلبيّ، فقلتُ في‌ نفسي‌: كنتُ إلى جوار المرقد المطهّر لأبي‌ عبدالله‌ الحسين‌ لعشر سنين‌، فحُرمتُ اليومَ من‌ هذا الفيض‌؛ فشاهدتُ فجأة‌ أنّي‌ واقفة‌ في‌ الحرم‌ المطهّر بين‌ المنطقة‌ التي‌ تقابل‌ الضريح‌ والتي‌ تعلو الرأس‌ الشريف‌، وأنا مشغولة‌ بقراءة‌ الزيارة‌.
وكان‌ الحرم‌ المطهّر وخصوصيّاته‌ علی حالها السابق‌، إلا أن اليوم‌ كان‌ يوم‌ عاشوراء، فكان‌ الناس‌ يذهبون‌ في‌ الغالب‌ للتفرّج‌ علی مواكب‌ العزاء ولطم‌ الصدور، وكان‌ هناك‌ أفراد قلائل‌ فقط‌ جهة‌ أقدام‌ الإمام‌ المباركة‌ يقفون‌ أمام‌ قبر سائر الشهداء وبعض‌ الخدّام‌ والسدنة‌ منهمكين‌ بتلاوة‌ الزيارة‌ لهم‌، ثمّ عدتُ إلى نفسي‌ فرأيتني‌ جالسة‌ في‌ بيتي‌ في‌ نفس‌ الموضع‌ وأنا منهمكة‌ في‌ قراءة‌ باقي‌ الزيارة.
وعلی كلّ حال‌ فقد دُفنت‌ هذه‌ السيّدة‌ الجليلة‌ هي‌ الأخرى في‌ جوار السيّدة‌ المعصومة‌ سلام‌ الله‌ عليها، وذلك‌ في‌ مقبرة‌ المرحوم‌ آية‌ الله‌ الحائري‌ اليزدي‌ في‌ الجانب‌ الأيسر من‌ الجناح‌ المُلحق‌، في‌ إحدى المواضع‌ الخاصّة‌ بالعوائل‌. وكان‌ أستاذنا يزور هذه‌ المخدّرة‌ علی الدوام‌ عصر أيّام‌ الخميس‌، ثمّ يعرّج‌ لزيارة‌ أخيه‌ ضمن‌ زيارته‌ لأهل‌ القبور.


المصدر: كتاب في‌ مآثر ومكارم‌ الأخوين‌: العلاّمة‌ الطباطبائي‌ وأخيه‌. 

التعليقات (0)

اترك تعليق