مُمَهِدَاتْ... وحقيق أن تبادر المرأة المثقّفة الملتزمة الواعية فتمهد الطريق وتفتح الآفاق.

نساء أهل البيت (ع) في كربلاء  (1)

نساء أهل البيت (ع) في كربلاء (1)

1- زينب الصغرى:
بنت أمير المؤمنين الإمام علي بن أبي طالب سلام الله عليه.
قال السيّد محسن الأمين في أعيان الشيعة: وقبل الكلام عليها لابدّ من الكلام على مَن تُسمّى بزينب، ومَن تُسمّى باُم كلثوم، أو أيّهما من بنات علي عليه السلام، ليتميّز بعضهن عن بعض فنقول:
ذكر المسعودي في مروج الذهب ج 2 ص 92 في أولاد علي عليه السلام اُم كلثوم الكبرى وزينب الكبرى اُمهما الزهراء بنت رسول الله (ص)، واُم كلثوم الصغرى وزينب الصغرى ولم يذكر مَن هي اُمهما، لكن اُم كلثوم الصغرى اُمها اُم سعد أو سعيد بنت عروة بن مسعود الثقفي، كانت متزوّجة من بعض ولد عمها عقيل، أما زينب الصغرى فاُمها اُم ولد.
فدلّ كلامه على أنّ المسمّاة بزينب اثنتان: كبرى اُمها الزهراء، وصغرى لم يذكر اسم اُمها، و اُمها اُم ولد. والمسمّاة باُم كلثوم اثنتان أيضاً: كبرى اُمها الزهراء، وصغرى لم يسمّ اسم اُمها واسمها اُم سعيد.
وقال ابن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة ج 2 ص 475: زينب الكبرى واُم كلثوم الكبرى أُمهما فاطمة بنت رسول الله (ص)، واُم كلثوم الصغرى وزينب الصغرى لاُمهات أولاد شتى.
وقال المفيد في الإرشاد عند تعداد أولاد أمير المؤمنين عليه السلام: وزينب الكبرى وزينب الصغرى، وعدّ معها غيرها وقال: لاُمهات شتى.
فدلّ كلامه على أنّ المسمّاة بزينب من بنات أمير المؤمنين عليه السلام ثلاث: احداهن تسمّى الكبرى و اُمها فاطمة بنت رسول الله (ص)، واثنتان تسميان بزينب الصغرى، والمائز بينهما: أنّ إحداهما تكنّى اُم كلثوم واُمها فاطمة أيضاً، والثانية لا تُكنى باُم كلثوم واُمها غير فاطمة عليها السلام. وليس فيهن مَن تُسمّى اُم كلثوم ولا تُسمى بزينب، فاُم كلثوم عنده كنية لا اسم.
لكن لم يظهر الوجه في وصف كلّ من الزينبين بالصغرى، ويمكن أن يكون وصف المكناة باُم كلثوم بالصغرى بالنسبة إلى شقيقتها زينب الكبرى، ووصف التي لا تكنى باُم كلثوم بالصغرى بالنسبة إلى زينب المكنّاة اُم كلثوم أو إلى زينب الكبرى، أمّا أنّ الصغرى المكنّاة باُم كلثوم والصغرى التي لا تكنّى بها أيّهما أكبر، فلا يُفهم من كلامه، ولعلّهما في سنّ واحد؛ لإختلاف اُميّهما.
وقال كمال الدين محمّد بن طلحة في كتابه مطالب السؤول في مناقب آل الرسول عند ذكر الإناث من أولاده عليه السلام: زينب الكبرى واُم كلثوم الكبرى اُمهما فاطمة بنت رسول الله (ص)، وزينب الصغرى واُم كلثوم الصغرى من اُمهات أولاد.
فظهر ممّا مرّ هنا أنّ مَن تُسمّى بزينب من بنات علي عليه السلام هما اثنتان: كبرى اُمها فاطمة الزهراء سلام الله عليها وهي العقيلة زوجة عبد الله بن جعفر، وصغرى وهي التي كلامنا فيها.
وفي عمدة الطالب: اُمها اُم ولد، وكانت تحت محمّد بن عقيل بن أبي طالب.
وعلى قول المفيد هنّ ثلاث، والثالثة الصغرى المكناة باُم كلثوم شقيقة العقيلة، وأنّ مَن تُسمّى باُم كلثوم من بناته عليه السلام ثلاث: اُم كلثوم وهي التي متزوّجة بالخليفة الثاني اُمها فاطمة الزهراء سلام الله عليها، واُم كلثوم الصغرى اُمها اُم سعد أو سعيد بنت عروة بن مسعود الثقفي، وكانت متزوّجة ببعض ولد عمّها عقيل، واُم كلثوم الوسطى وهي زوجة مسلم بن عقيل.
أما اُم كلثوم التي كانت مع أخيها بالطف، فالظاهر من مجاري أحوالها أنّها شقيقة العقيلة، لكن ذلك يتنافى مع كونها زوجة الخليفة الثاني التي توفّيت قبل ذلك الحين بسقوط البيت عليها وعلى ابنها زيد، ويمكن أن تكون زوجة مسلم حضرت مع أخيها الحسين بقصد الكوفة؛ لأنّ زوجها هناك، وخروجها قبل العلم بقتل مسلم. وقد استظهرنا في ج 3 أن تكون اُم كلثوم الكبرى واُم كلثوم الصغرى هما زينب الكبرى وزينب الصغرى، ثم ظهر لنا أنّ هذا الاستظهار في غير محلّه:
أولاً: لما ذكرناه في ج 13 من أنّ اُم كلثوم الكبرى هي التي كانت متزوّجة بالخليفة الثاني، ومن المعلوم أنّ زينب الكبرى كانت زوجة عبد الله بن جعفر، فهما اثنتان.
ثانياً: لتصريح المسعودي وغيره من أئمة هذا الشأن في كلامهم المتقدّم بأنّ المسمّيات بزينب وبأم كلثوم من بنات علي هنّ أربع أو ثلاث لا اثنان.
وفي عمدة الطالب ص 15: أبو محمّد عبد الله بن محمّد بن عقيل، اُمه زينب الصغرى بنت أمير المؤمنين علي عليه سلام الله والتحية، اُمها اُم ولد، ثم قال: محمّد بن عبد الله بن محمّد بن عقيل، اُمه حميدة بنت مسلم بن عقيل، واُمها اُم كلثوم بنت علي بن أبي طالب.
فعُلم من ذلك أنّ مسلم بن عقيل كان متزوّجاً باُم كلثوم ابنة عمّه علي بن أبي طالب عليه السلام(1).
ثم تحدّث السيّد محسن الأمين بشكل مفصّل عن قبر الستّ الذي في قرية راوية، ناقلاً كلام ابن جبير في رحلته، وياقوت الحموي في معجمه، وابن عساكر في تأريخ دمشق. وقد تقدّم الكلام بكامله في ترجمة السيّدة زينب الكبرى فلا داعي لتكراره.
وقال الشيخ ذبيح الله المحلاتي في رياحين الشريعة: إنّها زينب المدفونة في الشام الذي اشتهرت بإسم زينب الكبرى، والموجود على صخرة قبرها الشريف هو: زينب الصغرى. والظاهر أنّها كانت مع محمّد بن عقيل في أرض كربلاء، وبعد استشهاد محمّد بن عقيل ذهبت مع أهل البيت عليهم السلام إلى الشام، وقاست ما قاست من المحن. وعندما رجعت إلى المدينة تزوّجها فراس بن جعدة بن هبيرة المخزومي، وهو ابن أخت أمير المؤمنين عليه السلام اُم هاني بنت أبي طالب
(2)
2- السيّدة سكينة(3):
بنت أبي عبد الله الإمام الحسين بن علي بن أبي طالب سلام الله عليهما.
اُمها الرباب بنت امرىء القيس بن عدي القضاعي(4).
وهي الشريفة الطاهرة المطهّرة، والزهرة الباسمة الناظرة. كانت سيّدة نساء عصرها، وأحسنهنّ أخلاقاً، ذات بيان وفصاحة، ولها السيرة الجميلة، والكرم الوافر، والعقل التام. تتّصف بنبل الفعال، وجميل الخصال، وطيب الشمائل. وذات عبادة وزهد.
يقول عنها الإمام الحسين عليه السلام: «وأما سكينة فغالب عليها الاستغراق مع الله، فلا تصلح لرجل»(5).
كان الإمام الحسين عليه السلام يحبّها حبّاً شديداً، ويقول فيها وفي اُمها الرباب الشعر، قال:
لعمـركَ أنّنـي لاُحـبّ داراً * تـحلّ بهـا سكينـة والرباب
أحبّهما وأبـذل جـلّ مـالي * ولـيس للائمـي فيهـا عتاب
ولست لهم وإن عتبوا مطيعاً * حيـاتي أو يعلّيني التراب(6)

وفي هذه الأسطر القليلة نلقي الضوء على بعض جوانب حياتها المباركة:
في كربلاء:
لقد حضرت هذه العلوية الشريفة مع والدها أرض كربلاء، وشاهدت ما جرى على أبيها وأخوتها وعمومتها وبقية بني هاشم وأنصارهم، وشاركت النساء مصائب السبي، والسير من كربلاء إلى الكوفة ثم الشام فالمدينة.
وعندما ذُبح أخوها عبد الله الرضيع اُذهلت سكينة، حتى أنّها لم تستطع أن تقوم لتوديع أبيها الحسين عليه السلام، حيث حفّت به بنات الرسالة وكرائم الوحي، وقد ظلّت في مكانها باكية، فلحظ سيّد الشهداء عليه السلام ابنته وهي بهذا الحال، فوقف عليها يكلّمها مصبّراً لها وهو يقول:

سيطول بعدي يا سكينة فـأعلمي * مـنك البكاء إذا الحِمـام دهاني
     لا تحـرقي قلبـي بدمعكِ حسرةً * مـا دام منّي الروح في جثماني
فإذا قتلتُ فأنـتِ أولـى بـالذي * تـأتينه يـا خيـرة النســوان
وبعد مصرع الحسين عليه السلام ومجىء جواده إلى الخيام عارياً وسرجه خالياً، خرجت سكينة فنادت: واقتيلاه، واأبتاه، واحسناه، واحسيناه، واغربتاه، وابعد سفراه، واكربتاه.
فلمّا سمع باقي الحرم خرجن فنظرن الفرس، فجعلْن يلطمن الخدود، ويقلْن: وامحمداه(7).
وعند رحيل العيال بعد مصرع الحسين عليه السلام مرّوا على أرض المعركة، فشاهدت سكينة جسد أبيها على الصعيد، فألقت بنفسها عليه تتزوّد من توديعه وتبثه ما اختلج في صدرها من المصاب، ولم يستطع أحد أن ينحيها عنه حتى اجتمع عليها عدّة وجرّوها عنه بالقهر(8).
شعرها:
لم نجد من شعرها إلاّ أبيات قليلة قالتها ترثي أباها الحسين عليه السلام، وهذا يُكذّب ما نُسب للسيّدة سكينة من مجالسة الشعراء والتحكيم بينهم، فلو كانت بالمستوى الشعري الذي زعموه لملأت الدنيا رثاء لأبيها الحسين عليه السلام، فقد ذكروا أنّ الخنساء كانت تقول البيت والبيتين وبعد مقتل أخوها بلغت في رثائها الغاية.
ففي أمالي الزجّاج عدّة أبي ات قالتها سكينة ترثي أباها الحسين عليه السلام:
لا تعـذليه فـهمّ قـاطعٌ طُـرقُـه * فعينــه بـدمــوع ذُرَّفٍ غدقة
إنّ الحسين غـداة الطف يـرشقه * ريب المنون فما أن يُخطىء الحدقة
بـكفّ شــرّ عبـاد الله كلّهـم * نـسل البغايا وجيش المرّق الفسقة
يا اُم ّة السوء هاتوا ما احتجاجكـم * غـداً وجلُّكـم بـالسيف قد صفقه
الويـل حلّ بكـم إلاّ بمن لحقـه * صيّـرتمـوه لأرمـاح العِدا درقـة
يا عين فاحتفلي طول الحياة دمـاً * لا تبكِ ولـداً ولا أهـلاً ولا رفقـة
لكن على ابن رسول الله فانسكبي * قيحاً ودمعاً وفي إثرهما العلقة(9)

3- فاطمة بنت الإمام الحسن عليه السلام:
إحدى العلويات المخدّرات، والصدّيقات الطاهرات، ذات علم وفضل وحياء، وعفّة وكمال. ويكفيها فخراً أنّها من أغصان الشجرة الطيّبة.
فهي بنت الإمام الحسن عليه السلام، وعمّها الإمام الحسين عليه السلام، وجدّها الإمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب سلام الله عليه السلام، وزوجها الإمام زين العابدين علي بن الحسين عليهما السلام، وولدها باقر علوم أهل البيت الإمام محمد بن علي عليهما السلام.
لها كرامات كثيرة، منها ما رواه الكليني في الكافي عن محمّد بن يحيى، عن محمّد بن أحمد، عن عبد الله بن أحمد، عن صالح بن مزيد، عن عبد الله بن المغيرة، عن أبي الصباح، عن أبي جعفر عليه السلام قال:
"كانت اُمي قاعدة عند جدار، فتصدّع الجدار وسمعنا هدّةً شديدة، فقالت بيدها: لا وحقّ المصطفى ما أذن الله لكَ في السقوط، فبقي معلّقاً في الجو حتى جازته، فتصدّق أبي عنها بمائة دينار"(10).
وممّا يدل على مكانتها العالية ومنزلتها السامية قول الإمام الصادق عليه السلام في حقّها ، ففي الكافي أيضاً قال الكليني: قال أبو الصباح: وذكر أبو عبد الله عليه السلام جدّته اُم أبيه يوماً فقال:
"كانت صدّيقةً، لم تُدرك في آل الحسن امرأة مثلها"(11).
وقد حضرت هذه العلويّة مع زوجها وابنها واقعة الطف في يوم عاشوراء، وبذلك تكون قد شاهدت ما جرى على آل الرسول عليه السلام في ذلك اليوم من مصائب ومحن، فقد شاهدت مصرعَ عمّها الحسين عليه السلام ، وقتلَ أخيها القاسم وبقيّة الأبطال من آل البيت والأصحاب الكرام. وشاهدت أيضاً زوجها العليل مكبلاً بالأغلال، وولدها البالغ من العمر أربع سنوات يشكو العطش، فصبرت واحتسبت ذلك في سبيل الله(12).


الهوامش: 
أعيان الشيعة 7: 136. 
رياحين الشريعة.
انظر ترجمتها في: إبصار العين في أنصار الحسين عليه السلام: 36، اُسد الغابة 5: 521، الأعلام للزركلي 3: 106 نقلاً عن: (المحبر: 438 ونسب قريش: 59 ومصارع العشاق: 272 وخطط مبارك 2: 60 وفهرس دار الكتب 8: 252)، أعلام النساء 2: 202، أعيان الشيعة 7: 254، الأغاني 16: 165، أمالي الزجّاج: 169، بحار الأنوار 10: 223، البداية والنهاية 8: 210، تأريخ الخميس 1: 300، تأريخ الإسلام السياسي 1: 547، تذكرة الخواص: 275، تكملة الرجال 2: 711، تظلّم الزهراء: 224، تنقيح المقال 3: 80، جنة المأوى: 232، ديوان عمر بن أبي ربيعة شرح محمد العناني: 28 ، الدر المنثور: 224، رياحين الشريعة 3: 256، رياض العلماء 5: 410، سكينة بنت الحسين عليه السلام لعلي دخيل، سكينة بنت الحسين عليه السلام ضمن موسوعة آل النبي (ص) للدكتورة بنت الشاطىء، سكينة بنت الحسين عليه السلام لتوفيق الفكيكي، سكينة بنت الحسين عليه السلام للسيّد أقا مهدي الرجوي آل السيّد دلدار اللكهنوي، شذرات الذهب 1: 154، شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد 20: 153، الشعراء والشعر 1: 413، العِبر 1: 113، العقد الفريد 5: 155 و 159 و 6: 218، كشف الغمة 2: 38، الكنى والألقاب 2: 424، مثير الأحزاب: 104، المرأة في ظلّ الإسلام: 315، نساء لهن في التأريخ الإسلامي نصيب للدكتور علي ابراهيم حسن: 68، نساء شهيرات لمبارك ابراهيم: 5، نور الأبصار: 192، وفيات الأعيان 2: 394.
4- انظر ترجمتها في: أعلام النساء 1: 439، أعيان الشيعة 6: 449، الأغاني 16: 139، البداية والنهاية 8: 209، تذكرة الخواص: 233، تنقيح المقال 3: 78، جمهرة أنساب العرب: 457، الطبقات الكبرى لابن سعد (ترجمة الإمام الحسين عليه السلام المطبوعة في نشرة تراثنا 10: 178)، الفصول المهمة: 183، منتهى الآمال 1: 335.
5- إسعاف الراغبين بهامش نور الأبصار: 21.
6- الأغاني 16: 139، البداية والنهاية 8: 209، تذكرة الخواص: 233، الفصول المهمة: 183.
7- زينب الكبرى عليها السلام للشيخ جعفر النقدي: 109.
8- تظلّم الزهراء: 224.
9- أمالي الزجّاج : 169، أدب الطف 1: 158.
10- الكافي 1: 390 حديث 1 باب مولد أبي جعفر محمد بن علي عليهما السلام.
11- المصدر السابق.
12- انظر: أعيان الشيعة 1: 650 و 8: 390، أعيان النساء: 498، رياحين الشريعة 3: 15.



 

التعليقات (0)

اترك تعليق