مُمَهِدَاتْ... وحقيق أن تبادر المرأة المثقّفة الملتزمة الواعية فتمهد الطريق وتفتح الآفاق.

الهاشميات من بنات الحسن[ع] .. غصن وسط البساتين من الشجرة النبوية

الهاشميات من بنات الحسن[ع] .. غصن وسط البساتين من الشجرة النبوية

يضم تراب العراق مراقد كثيرة من الأولياء الصالحين، وتختص منطقة الفرات الأوسط بنصيب كبير من تلك المراقد، وهذه المنطقة هي مثلث يمتد من الكوفة -حضارة العرب الأولى- إلى واسط، مروراً بالهاشمية ومن ثم إلى بغداد، وقد جعل الباري عز وجل، هذه المراقد رحمة ورأفة للناس والمؤمنين، حيث يلجأ إليها الناس لبث شكواهم وهمومهم إلى الله، كما كان يفعل أولئك الصالحون والمجاهدون إبان حكم الطغاة والبغاة والظالمين.
ربما هي المشيئة الإلهية أن لا ينقطع عنّا نسل الإمام الحسن السبط، عليه السلام، ويبقى له أثر بيننا، كما لأخيه الحسين عليه السلام، فشاء القضاء أن يبقى الحسن المثنى، نجل الإمام الحسن عليه السلام، حيّاً بعد واقعة كربلاء، رغم أن المؤرخين وأرباب المقاتل يؤكدون مشاركته في الحرب بين يدي عمّه الحسين عليهما السلام. وقد لقب بالمثنى تمييزاً له عن أبيه الإمام الحسن المجتبى، عليهما السلام. أمه خولة بنت منظور بن زياد الغزاوي.
ويشير المؤرخون، إلى أن الحسن المثنى أثخن بالجراح خلال مشاركته في واقعة الطف، ولما أرادوا أخذ الرؤوس وجدوا فيه رمقاً، فقال أسماء بن خارجة بن عبيدة الغزاوي: دعوه لي.. فإن وهبه بن زياد لي، وإلا رأى رأيه فيه. فتركوه له فحمله إلى الكوفة وحكوا ذلك لابن زياد فقال: دعوا لأبي حسان ابن أخته.. فعالجه أسماء حتى برئ من جراحه، ثم لحق بالمدينة واستوطن في أرض أبيه في منطقة يُقال لها «سيالة»، وهي قرية جامعة بينها وبين المدينة المنورة (29) ميلاً في الطريق إلى مكة المكرمة.
ومن الحسن المثنى، خرجت ذرية صالحة، منهم البنون، أبرزهم عبد الله المحض، وقد سُمي بـ «المحض»، كون أباه نجل الإمام الحسن، وأمه فاطمة بنت الأمام الحسين عليهما السلام، وهو بذلك أول رجل تجتمع فيه العصمتان الحسنية والحسينية. كما له من البنات ست وهن: زينب، وأم كلثوم، وأم القاسم، وملكية، وفاطمة، ورقية.

* فاطمة ورقية
يقع مرقد العلويتين الهاشميتين "فاطمة ورقية" عليهما السلام، في منطقة تسمى «المهناوية» تابعة لناحية «سدة الهندية» ضمن محافظة بابل بالطريق المؤدي إلى قضاء الهندية، وتعيش جوار المرقد الطاهر، عشيرة عريقة تسمى عشيرة «اليسار الطائية» إحدى العشائر العراقية العربية المعروفة، والقبر الشريف يقصده الناس للتبرك والدعاء والنذر، ويقع المرقد الطاهر وسط أرض زراعية، ذات طبيعة جميلة أما كنيتهما فهي «خضرة وسعدة»، وهذه الكنية دارجة عند العامة من الناس، لمن يلبي الطلب بسرعة الإجابة في قضاء الحوائج وإجابة الدعاء عند التوسل بهما إلى الله تعالى.
تشير المصادر التاريخية، أن السيدة فاطمة بنت الحسن المثنى وأمها حبيبة الرومية، حينما تزوجت معاوية بن عبد الله بن جعفر الطيار أقامت معه في المدينة، إلى وفاته في مطلع القرن الثاني للهجرة، وبعد وفاته انتقلت مع أولادها منه؛ «الحسن ويزيد وصالح»، إلى الكوفة، وهما بصحبة أخيهم لأبيهم عبد الله بن معاوية قبل عام 127هـ ومن المرجح أنهم سكنوا منطقة «باخمرا» لقربها من الكوفة، وفي اغلب الظن الذي يقرب من اليقين، أن فاطمة بنت الحسن المثنى، توفيت في هذه الحقبة، أي بين مجيء أولادها وهي معهم إلى الكوفة، وبين خروجهم منها، ودفنت في المكان الحالي، أي في منطقة المهناوية.
أما أختها، السيدة رقية، فلم تسعفنا المصادر التاريخية بأي معلومة عن حياتها عليها السلام، حيث سكتت  المصادر عن ذكر زوجها ما يدل على أنها توفيت قبل سن الزواج، وتوفيت بعد أختها و أنها دفنت إلى جوار أختها السيدة فاطمة في المكان الحالي. وهذا هو شأن التاريخ والمؤرخين، إذ لا سيرة ولا ذكر لشخص، إلا إذا ارتبط اسمه بحاكم أو والي، سواء مدحاً أو ذماً، سلباً أو إيجابا.
عندما تدخل الى الصحن الشريف فإنك تواجه لافته كبيرة كتب عليها زيارتهما عليهما السلام، وفيها يقرأ الزائر عبارات يتوسل فيها إلى الله بالمنزلة التي لديه لهاتين العلويتين المظلومتين، بالشفاعة وطلب الحوائج المختلفة. وهذا دأب الموالين لأهل البيت عليهم السلام، ليس في العراق، إنما في كل مكان، يأتون الى هذه المزارات المشرفة، ويستذكرون ما جرى على أهل البيت عليهم السلام، من ظلم وتعسف، وما لاقوه من تشريد وحرمان واضطهاد، وهذا بحد ذاته يشد فيهم العزيمة على الإيمان العميق والصادق بهم وبمنزلتهم عند الله تعالى.

* المرقد في الوقت الحاضر
يحيط بالمرقد سياج عالٍ وتوجد أواوين وأماكن لاستراحة الزوار، والمرقد ذات مساحة كبيرة، وذات قبة مغلفة بالكاشي الكربلائي الجميل.
 تبلغ مساحة المرقد تقريباً أكثر من (4000) متر مربع، أما مساحة الحرم فتبلغ أكثر من (1000) متر مربع، وتلاحظ على جدران المرقد لافتات شكر وعرفان للعلويتين الهاشميتين لشفاء مرضى، توسلوا إلى الله بالمنزلة التي لديهما عنده تعالى.
من الداخل يلاحظ أن شباك الضريح مصنوع من النحاس، أما الجدران فهي مغلفة بالسيراميك، والطارمة الخارجية مغلفة أيضا بالسراميك، وتوجد فيها عشرة أعمدة خرسانية، يبلغ طول الواحد منها، سبعة أمتار. وفي فناء الحرم الشريف، هنالك غرف إدارية، إضافة إلى مغاسل وحمامات صحية خارجية، إلا أن الملاحظ هو قلّة الأعمار في هذا المرقد، حيث الأرضية مازالت من مكسوة من مادة «الشتايكر». وللمرقد أربعة أبواب، اثنان للرجال ومثلها للنساء.
وبما أن المنطقة، محط رحال الزائرين، فمن الطبيعي أن تنشأ بالقرب منها متاجر وباعة لهدايا وسلع أخرى، وكما هي سائر الأماكن التي تضم مراقد أهل البيت عليهم السلام، فإن البركة وعوام الحياة، تنبعث من تلكم المراقد الشريفة. ويمكن ملاحظة وجود مخفر للشرطة في المنطقة، لمزيد من ضمان أمن وسلامة الزائرين لهذه المنطقة.
أما اليوم الخاص والمعروف لزيارة هاتين العلويتين فهو يوم الأربعاء، حيث يكثر توافد الزائرين، في هذا اليوم أكثر من بقية الأيام. والهاشميات محطة من محطات السير إلى كربلاء المقدسة، في أيام أربعين الإمام الحسين عليه السلام، وذلك لقربها من قضاء الهندية «طويريج»، وهي على الطريق الرابط بين كربلاء المقدسة ومحافظة بابل.
وللسيدتين الطاهرتين كرامات كثيرة وعظيمة جداً، من أجل ذلك، يحرص الناس على التوافد على هذا المرقد الطاهر في السابع من شهر صفر من كل عام، وهو يوم الذكرى الأليمة لاستشهاد الإمام الحسن المجتبى عليه السلام، وذلك مشياً على الأقدام لتعزية العلويات بوفاة جدهما، وطلب الحوائج منهنّ بجاههن عند الله تعالى وبجاه أبيهن الإمام الحسن السبط وسيد شباب أهل الجنة عليه السلام.




المصدر: مجلة الهدى
أمجد الربيعي

التعليقات (0)

اترك تعليق