العلوية شريفة بنت الإمام الحسن، عليهما السلام،.. طبيبة العلويين
إذا كانت الأمم الحيّة تعتني بحياة عظمائها وكبارها، فتقيم لهم التماثيل وتشيّد لهم النُصب التذكارية وتدرس حياتهم للأجيال، لأنها ترى في ذلك دعماً لحضارتها وتشييداً لدعوتها، فجديرٌ بالأمة الإسلامية ان تدرس حياة أئمة أهل البيت، عليهم السلام، وتبحث عن آثارهم وتنقب عن أخبارهم لتأخذ من عملهم وعلمهم وسيرهم نموذجاً حياً يوصلها إلى الرقي والسعادة ويحقق لها الخير المنشود، ليعود لواؤها يخفق على العالم من جديد، وكما قال الإمام الصادق، عليه السلام: «أحيوا أمرنا، رحم الله من أحيا أمرنا».
وقد دأبت مجلة «الهدى» على نشر فكر أهل البيت، عليهم السلام، والبحث في سيرهم الخالدة وتطوير مراقدهم، واللقاء بالقائمين على خدمة هذه المراقد الشريفة والحديث مع الزائرين الكرام.
* ريحانة من رياحين أهل البيت، عليهم السلام
العلوية، شريفة بنت الإمام الحسن المجتبى، عليهما السلام، ريحانة من رياحين أهل البيت، عليهم السلام، معلمٌ من معالم النور والإيمان وصاحبة الكرامات.
يقع المرقد الطاهر للعلوية شريفة في محافظة بابل بمنطقة «أبو غرق الأوسط»، وهو يتبع إدارياً ناحية «أبو غرق»، حيث يبعد مزارها الشريف نحو سبعة كيلو مترات عن شارع حلة - كربلاء، وأربعة كيلو مترات تقريباً عن منطقة الطهمازية، فيما تبعد نحو تسعة كيلو مترات عن مركز مدينة الحلة. وهي منطقة شديدة الخضرة، وتحيط بها اشجار النخيل الكثيفة، ولكثرة براهينها وكرامتها في شفاء المرضى حتى سميت بطبيعة المعلولين.
* الفتلاوي وحقيقة هذا المرقد الشريف
«الهدى» التقت بالأمين الخاص للمرقد، السيد احمد حسن الفتلاوي ليحدثنا عن هذا الموضوع بالقول: «أود أن أوضح لكم بعض الأمور حول نسب العلوية الطاهرة بنت الحسن، وحسب ما ذكره الشيخ محمد حيدر- رحمه الله- الذي كان وكيل المرجعية الدينية في مدينة الحلة، في ثمانينات القرن الماضي، ذكر أن العلوية هي إحدى بنات الإمام الحسن المجتبى، عليهما السلام، وهي كانت طفلة عندما توفيت أثناء مسيرة السبايا بين الكوفة والشام بعد استشهاد الإمام الحسين، عليه السلام، ودفنت في هذا المكان.
ويضيف الفتلاوي: إنه «مهما يكن من أمر، فإن كرامات العلوية شريفة مرجعها إلى كرامات الإمام الحسن المجتبى»، ويتابع القول: «بناء المرقد كما هو متوارد لدينا يعود إلى بداية الأربعينيات من القرن الماضي، على شكل قبة صغيرة ثم بُني المرقد بشكل بسيط وهي مرحلة من مراحل البناء عام 1981، وكان يتضمن قبة تحيط بها أعمدة بدون سياج، ومن ثم تم تطوير المرقد كما ترون بتبرعات أهل الخير والزائرين من داخل وخارج العراق وبخاصة من دولة الكويت".
* في تطوير المرقد الشريف
وحول عمليات التطوير والحديث في هذا المرقد الشريف: وجه الفتلاوي اللوم على الحكومة المحلية في محافظة بابل بأنها «لم تُسهم لحد الآن بالمساعدة في تقديم أي خدمة تذكر للمرقد والمنطقة المحيطة به، دون معرفة الأسباب حيث يتم تزويد المرقد بشبكة الكهرباء وأنابيب الماء الصالح للشرب عن طريق متبرعين".
وعن الخطط المستقبلية لتطوير المرقد يقول الأمين الخاص لمرقد العلوية شريفة: «جرت في عام 2011 عملية واسعة لترميم للمرقد من الداخل والمنطقة المحيطة به من الخارج فتم تغليف البناء القديم المرقد بالمرمر، وتم طلاء القبة باللون الذهبي، وإنشاء مسقفات للزائرين وإزالة السوق القديم والبعة المتجولين (البسطيات) التي كانت تعيق دخول الزائرين للمرقد، وإنشاء أسواق نموذجية حديثة، عن طريق الاستثمار، و إنشاء مساحات خضراء تحيط بالمرقد، وتجهيز المرقد بسيارات خاصة لنقل الزائرين شبيهة بما موجود في العتبتين الحسينية والعباسية في كربلاء المقدسة. وكما ذكرت، كل ذلك، من تبرعات الخيرين ومن المؤمل، أن تتم شراء مساحة من الأرض تبلغ، خمسة عشر دونماً مجاورة للمرقد، من اجل توسعته بالتعاون بين الأمانة العامة للمزارات الشيعية المقدسة، ووزارة الإسكان والأعمار، إلا أن عدم إقرار موازنة عام 2014، وتأخر إقرار موازنة عام 2015، أخّر كثيراً الشروع بانجاز هذا المشروع».
شاركنا الحديث رئيس لجنة الثقافة والشعائر الدينية في مجلس ناحية «أبي غرق» السيد عباس أموري هادي، والذي أقرّ بوجود قصور في دعم عملية تطوير المرقد، و أرجع سبب قلة الخدمات المقدمة للمرقد الشريف، إلى قلة التخصيصات المالية المخصصة للناحية، مضيفاً: «إن الناحية وضعت في تخطيطها مشروع تأهيل شبكات الكهرباء في المنطقة، ومد خطوط أنابيب الماء، وتوجد هنالك خطة لفتح شارع طوله أكثر من (900) متر، أنجزت موافقته الرسمية من قبل مشاريع محافظة بابل». ويتابع هادي الحديث: «إن المنطقة المحيطة بالمرقد شهدت زيادة سكانية مرتفعة وأخذت الأراضي الزراعية تتحول إلى سكنية، مما أثر على نوع الخدمات المقدمة لهذه المنطقة. ولم يخف المسؤول الحكومي تشاؤمه من كثرة الروتين وتنازع الصلاحيات بين الدوائر الرسمية الأمر الذي يعيق عملية نجاح تطوير المراقد المقدسة ويجعل القائمين عليها يعتمدون على المتبرعين".
* ”طبيبة العلويين” وكراماتهم
بعد تشرفنا بأداء الزيارة والدعاء، توجهنا خارج أسوار المرقد الطاهر، وأبرز ما يلفت النظر هو حائط السياج الخارجي المليء بأصباغ الحناء، ووجود قطع ولافتات مكتوب عليها كلمات شكر وعرفان لله تبارك وتعالى وأهل بيت النبوة، عليهم السلام، وللعلوية شريفة، كونها كانت سبباً في شفاء مرض عضال، أو رزق عائلة بمولود بعد سنوات من الانتظار، حيث الموضوع كان حافزاً لنا لكي نلتقي ببعض الزوار ليذكروا لنا كرامات العلوية شريفة.
المواطن عباس طعمة، وهو من سكنة المنطقة القريبة من المرقد، يذكر أنه في يوم من الأيام استيقظ صباحاً وفيما هو يتناول الإفطار مع زوجته وأطفاله فوجئ بصراخ ابنته الصغرى وهي تقول: «لم أعد أرى شيئاً... أصبحت عمياء»! فذهلت لهول الحدث، وبعدها قمت من حيث لا أشعر بدل من الذهاب بها إلى المستشفى، ذهبت إلى مرقد العلوية شريفة وتوسلت بها إلى الله تبارك وتعالى، وما هي إلا أقل من ساعة ترفع ابنتي رأسها وعيناها حمراء ويعود إليها النظر مجدداً ببركات صاحبة المقام.
الأخت «أم حسين»، تروي لنا قصة ابنها حسين الذي مر على زواجه أكثر من عشر سنوات ولم يرزق بطفل، «وبعد مرور فترة على زيارتي أنا وزوجته للمرقد الشريف، وببركات الدعاء، ظهرت علائم الحمل، ورزق الله ابني بطفلة اسماها «شريفة».
بعدها توجهنا إلى مجمع السوق النموذجي الكبير، الذي تم تشييده من خلال الاستثمار قرب المرقد، والتقينا ببعض أصحاب المحال التجارية، منهم الأخ سجاد حسين، صاحب محل لبيع الهدايا والألعاب يقول: «نشهد توافداً للزائرين خلال أيام الجمعة والسبت والذين يصطحبون معهم أطفالهم مما يدرّ علينا أرباحاً لا بأس بها خاصة وأن معظم أبناء المنطقة يعانون من البطالة وقلّة فرص العمل». ويستمر سجاد بالحديث معنا بالقول: «إلا أن الأمور السلبية هو زيادة أسعار الإيجار من قبل المستثمر، مما اضطر معظم أصحاب المحال إلى ترك محالهم كون ارتفاع الإيجار يثقل كاهلهم».
أغلب أصحاب المحال يذكرون لنا أن أرباحنا ليست بالأمر المهم قدر وجودنا قرب هذا المرقد الطاهر، والذي يعدّون ما يأتيهم من رزق الحلال فيه بركات تعادل أضعاف الربح المادي في مكان آخر.
غادرنا المكان على أمل العودة في زيارة قادمة لمرقد العلوية شريفة آملين أن يديم كرامات صاحبة المرقد الطاهر على جميع المؤمنين الذين تقطعت بهم سبل الأطباء وعدم قدرة معظمهم من السفر إلى خارج العراق لإجراء عمليات بسبب ضعف الحال وآخرين استعصى علاجهم ليلتجئوا إلى «طبيبة العلويين».
المصدر: مجلة الهدى
أمجد الربيعي
اترك تعليق