ميثاق الأسرة في الإسلام(5).. من الأسرة الصغرى إلى الأسرة الكبرى
الباب الخامس: من الأسرة الصغرى إلى الأسرة الكبرى
الفصل الأول: التكافـــل الاجتماعـي
المبحث الأول: مكانة التكافل في الإسلام
مــادة (123): مبدأ التكافل وأساس قيامه
التكافل المالي والاجتماعي من أهم المقاصد العامة، والأهداف الأساسية في الإسلام، والذي يجب تحقيقه في المجتمع الإسلامي، ويقوم على مبدأين أساسيين يحيطهما الإسلام بأقصى درجات الرعاية والاهتمام وهما: مصلحة الجماعة ووحدتها وتماسكها، والأخوة الإنسانية الشاملة.
مــادة (124): دوائر التكافل في الإسلام
تتّسع فكرة التكافل في الإسلام في دوائر متماسكة الحلقات حتى تستوعب المجتمع كله، فتشمل التكافل المالي والمعنوي والاجتماعي بكل صوره بين أفراد الأسْرة الواحدة وبين الأسَر وبعضها، وبين الجماعة وأولي الأمر، وله آليات عديدة لتحقيقه ما بين فرديّة وجماعيّة، وما بين تطوعيّة وإلزاميّة.
ونقتصر هنا على بيان صور ومجالات التكافل في ميدان الأسْرة، وهي النواة الأساسية للمجتمع وبصلاحها يصلح سائر أحواله.
المبحث الثاني: أحكــام عامـة
مــادة (125): الفطرة الاجتماعية تقتضي التكافل
الإنسان كائن اجتماعي مفطور على العيش في جماعة، ولا يستطيع أن يحيا منفردًا، ولذا كان التكافل بين الأغنياء والفقراء، وإعانة بعضهم بعضًا في الضرّاء والمشاركة في السرّاء من أهم القواعد الأساسية لبناء التضامن الاجتماعي وتحقيق الوحدة والأخوة الإنسانية بين البشر.
مــادة (126): حـــدود التكافـــل
التكافل الاجتماعي في الإسلام يضمن للفرد توفير حاجاته الأساسية من الضروريات والحاجيات والتحسينيات، في المسكن والمأكل والملبس والعلاج والتعليم بالقدر الكافي لحاجة الشخص المعتاد من أواسط الناس ليس بأدناهم ولا أعلاهم.
مــادة (127): تعاون المجتمع الإسلامي
أقام الإسلام المجتمع الإسلامي على التعاون على البر والتقوى، والتكافل الاجتماعي من أهم صور البر؛ إذ يحقق مصلحة للأمة بما يشيعه من ترابط بين أفراد المجتمع وبما يوفره من دعم قدرة الأفراد على الزواج وبناء الأسر.
مــادة (128): التكافـــل حـق وواجب
التكافل في الإسلام ليس صدقة طوعية متروكة لإرادة الأفراد إن شاءوا أدوها أو منعوها، بل جعله الإسلام حقًا في مال الأغنياء واجب الأداء إلى مستحقيه دون منٍّ ولا أذى، وشرع لضمان وصوله إليهم نظامًا دقيقًا يجمع بين مسئولية الأغنياء ومسئولية وليّ الأمر.
مــادة (129): المستـحقون للتكافــل
المستحقون للتكافل في الإسلام هم كافة فئات المجتمع غير القادرة على الوفاء باحتياجاتها الأساسية، المقيمون في الدولة الإسلامية بصفة دائمة أو بصفة مؤقتة طارئة، من اليتامى والضعفاء والفقراء والمساكين ومن أصابتهم الكوارث، أو تحملوا أية ديون في مصالح مشروعة ولا يستطيعون سدادها، سواء أكانوا مسلمين أو غير مسلمين.
مــادة (130): التكافل في الإسلام أساس العبادات المالية
التكافل في الإسلام أحد المقاصد الشرعية المهمة لكثير من التشريعات والنظم التي يقوم عليها المجتمع الإسلامي والتي تعرف بالعبادات المالية كالزكاة والنفقات بين ذوي القربى، والأمر بصلة الرحم، ونظام العاقلة وهي مشاركة أقارب الجاني من العَصَبَات في تحمل دية القتل الخطأ، والأمر بعدالة توزيع الدخل القومي بين الأغنياء والفقراء والقرض الَحَسَن والكفَّارات والنذور وغيرها.
المبحث الثالث
مــادة (131): الأحـكام التفصيلية للتكافـل
تتدرج الأحكام الشرعية للالتزام التكافلي بين الوجوب والندب، كما تتنوع دوائر الاستحقاق، وذلك من وجوه عدة منها: درجة القرابة بين صاحب المال والمستحق، ونوع التكليف الشرعي على المال إن كان زكاة مفروضة أو نفقة واجبة أو صدقة تطوعية، وبحسب نوع حاجة المستحق إن كانت ضروريّة أو حاجيّة أو تحسينيّة، وبحسب السبب الناشئ عنه هذه الحاجة إن كان مصلحة مشروعة أو قوة قاهرة، أو تصرفات غير مشروعة، وتتسع هذه الدوائر حتى تشمل المجتمع كله بنظام دقيق ليس له نظير حتى أطلق على الإسلام بحق أنه دين أنزل لرعاية الفقراء والمستضعفين، ويرجع في ذلك كله إلى أحكامه التفصيلية في كتب الفقه الإسلامي.
الفصل الثاني: صـــلة الرحــــم
مــادة (132): تعريف وتحديــد المفهــوم
1- الرحم في أصل الوضع اللغوي: مستقر خلق الإنسان واكتمال تكوينه في بطن أمه، والمقصود بها هنا: ذوو القربى، سواء كانوا ذوي رحم أو ذوي نسب، من قبيل إطلاق السبب على المسبب أو البعض لأهميته على الكل؛ لأن التواصل عن طريق الأرحام يشملهم جميعًا.
2- وصلة الأرحام هي إسداء البر والخير والمعروف وأداء الحقوق والواجبات والمندوبات لذوي القربى قبل غيرهم من سائر الناس.
3- ويتنوع حكم هذه الصلة بين الفرض والواجب والمندوب بحسب قوة القرابة أو بعدها، الأقرب فالأقرب حتى ترتفع إلى درجة الإيثار للوالدين لأنهما سبب الوجود، وتتقدم الأم على الأب في سائر النصوص والتعاليم الإسلامية، إقرارًا بمكانة الأمومة ومراعاة لِعِظَمِ تعبها ووفرة شفقتها وخدمتها لوليدها.
مــادة (133): أهمية صــلة الرحــم
1- يولي الإسلام أهمية بالغة لصلة الرحم وإحسان هذه الصلة والتحذير الشديد من قطعها.
2- التعبير عن صلة القرابة بصلة الرحم، يُنبِّه الأذهان إلى اعتبار رحم الأم محل الإعجاز الإلهي وقدرة الله عز وجل على خلق الإنسان من عدمٍ؛ وهو ما يرسّخ الوازع الديني والوفاء بحقوق ذوي القربى.
مــادة (134): وسائل وآليات صــلة الرحــم
1- جعلها الإسلام أساسًا لقواعد الميراث، وأولوية التكافل الاجتماعي وأساس البناء الاجتماعي، واعتبرها أعمق وأهم الروابط المجتمعية التي تعمل على تماسك المجتمع واستمراريته.
2- يحثُّ الإسلام على ضرورة الإبقاء على قدر مناسب من أواصر المودة وحسن الصلة والمعاشرة بالمعروف، وعدم التنكر لصلة الرحم مهما بلغت أسباب التنازع واختلاف المذهب والمعتقد.
3- الحرص على التناصح والتناصر ومراعاة الأولويات بين ذوي القربى.
الفصل الثالث: النفقـــــــــــــة
مــادة (135): النفقة أهم وسائل التكافل
يتميز الإسلام بوضع تنظيم دقيق للالتزام بالنفقة بين بعض أفراد الأسرة وبعضهم الآخر وبين الفرد والدولة، بحيث يُكَوِّنُ جزءًا مهمًا من تنظيم التكافل الاجتماعي في الإسلام، ويتضافران سويًّا في سدِّ حاجة الفقراء والضعفاء وذوي الحاجات الخاصة.
مــادة (136): نفقة الزوجة والأولاد الصغار ومَنْ في حُكْمِهِمْ
1- الشخص الموسر ذو المال، رجلاً كان أو امرأة، صغيرًا أو كبيرًا، فنفقته في ماله عدا الزوجة خاصة فنفقتها -بكل أنواعها بما فيها العلاج- على زوجها ولو كانت موسرة.
2- الأولاد الصغار الفقراء نفقتهم على أبيهم ولو كان فقيرًا، ويتولى الإنفاق عليهم أمهم الموسرة أو أقرب قريب موسر لهم وتكون دينًا على أبيهم على تفصيل يرجع له في كتب الفقه، وكذلك الأولاد الكبار إذا كانوا عاجزين عن الكسب حقيقة أو حكمًا، وتستمر نفقة البنت حتى تتزوج وتنتقل إلى بيت زوجها فينقل حقها في النفقة إلى زوجها.
مــادة (137): نفقة الفقراء القادرين على الكسب
الرجل الفقير الذي لا مال له، أَوْ له مال لا يكفيه إذا كان قادرًا على الكسب يلتزم بالبحث عن عمل مناسب يكفيه، ويلتزم ولي الأمر بمساعدته المالية ومعاونته في الحصول على ما يناسبه من عمل.
مــادة (138): نفقــة المرأة غير المتزوجــة
1- المرأة غير المتزوجة أو التي طلقت أو مات عنها زوجها وانقضت عدتها، إذا كانت ذات مال فنفقتها في مالها، وإن كانت لا مال لها فلا تلتزم شرعًا بالبحث عن عمل، ونفقتها على وليها، أو على ذوي قرابتها الأقرب فالأقرب، فتجب على ابنها أو أبيها أو على أخيها أو جدها أو عمها وهكذا، وإذا تعدّدوا في درجة واحدة قسمت بينهم حسب يسار كل منهم أو بالسوية، كما يتم ترتيب الأولويات بين المستحقين إذا تعدّدوا على التفصيل الوارد في الأحكام الشرعية.
2- أما إذا تكسّبت المرأة غير المتزوجة من عمل مناسب فنفقتها في كسبها.
3- وإذا لم يكن للمرأة أقرباء ولا مال ولا كسب أو لها ولكن لا يكفيها فنفقتها بقدر كفايتها من أموال الزكاة والصدقات ثم على ولي الأمر من بيت مال المسلمين.
مــادة (139): نفقة الفقراء غير القادرين على الكسب
الرجل الفقير غير القادر على الكسب أو لم يجد فعلاً عملاً يناسبه، وجبت نفقته على أقرب قريب موسر له كالأولاد الموسرين، أو من يليهم إذا لم يكونوا كذلك، وإذا تعددوا في درجة واحدة قسمت بينهم وفقًا للتفصيل الوارد في الأحكام الشرعية، مع مراعاة حقه في زكاة المال المفروضة وفي الصدقة الطوعية، فإذا لم يَفِ ذلك بقضاء حاجاته الأساسية، ولم يوجد له قريب موسر يجب عليه نفقته، انتقل حقه إلى بيت مال المسلمين، فإذا لم يكن فيه ما يكفي حاجات الفقراء، كان على وليّ أمر المسلمين أن يوظّف في أموال الأغنياء ما يفي بحاجة الفقراء.
الفصل الرابع: الولاية على النفس والمـــال
مــادة (140): المقصــد الشــرعي
شرعت الولاية على النفس والمال والوصاية والقوامة حرصًا على مصلحة ومال شخص غير كامل الرشد والعقل؛ نتيجة لصِغَرِ سنه أو عدمِ استقامة تصرفاتِه في أمواله؛ أو لانعدام أهليته أو نقصها؛ لأن المال قوام الحياة، ويجب شرعًا حفظه وتنميته.
مــادة (141): الولاية والوصاية
1- من حق عديم الأهلية أو ناقصها، أن تكفل له الدولة الرعاية الشخصية، ورعاية حقوقه ومصالحه المعنوية والمادية؛ وذلك بتنظيم أحكام الولاية على النفس، وعلى المال، والوصاية، والقوامة، والمساعدة القضائية، وغيرها، وفْق أحكام الشريعة الإسلامية.
2- ولعديم الأهلية أو ناقصها الحق على هؤلاء الأولياء والأوصياء وعلى المؤسسات التشريعية والقضائية والاجتماعية أن يُحْسنوا رعايته والمحافظة عليه، وحسن إدارة أمواله، وتدريبه على إدارتها توطئة لتسلّمها عند بلوغ الرشد.
مــادة (142): إجراءات تعيين الأولياء والأوصياء
يراجع ما جاء من أحكام أهلية الوجوب وأهلية الأداء في الفصل الرابع من الباب الرابع الخاص بحقوق وواجبات الطفل في الإسلام، ويرجع في تفصيل إجراءات تنظيم الولاية على النفس والمال وحق عديم الأهلية وناقصها تجاه الأولياء والأوصياء إلى أحكام الشريعة الإسلامية والقوانين المستمدة منها.
الفصل الخامس: المـــــــــــــــــــــــيراث
مــادة (143): حكمــه الشــرعي
الميراث في الإسلام: نظام إجباري فرضه الله عز وجل بنصوص صريحة قطعية الثبوت والدلالة، ومفصلة تفصيلاً دقيقًا أكثر من أي نظام دنيوي آخر في الشريعة الإسلامية، حتى أطلق عليه اسم علم الفرائض.
مــادة (144): قـوام نظــام المـيراث
1- يقوم نظام الميراث على أن المورّث لا سلطان له على ماله بعد وفاته إلا في حدود الثلث عن طريق الوصية، كما تُوجب الشريعة سدادَ ما على المتوفى من حقوق وديون قبل التوزيع على الورثة، وتحث الشريعة على أن تكون الوصية بأقل من الثلث.
2- إن مال المتوفى الباقي بعد سداد الديون والحقوق،وبعد الوصية إذا أوصى، يعتبر تركة من حق ورثته، وقد استأثر الشارع الحكيم بتوزيعها بين أفراد أسرته كل واحد حسب درجة قرابته توزيعًا محدَّدًا بحَصْر المستحقين وتحديد نصيب كل منهم دون أي تدخل لإرادة المورث أو ورثته في هذا التحديد.
3- يشتمل هذا النظام على عدد من القواعد والضوابط التي تكفل المرونة والعدالة والتطبيق الصحيح ومواجهة التغيرات في كل حالة تقتضي ذلك مثل: شروط الإرث وأسبابه وموانعه وقواعد الحجب والحرمان من الميراث والردّ والعَوْل والتخارج وغير ذلك، ويرجع في تفصيل بيانها إلى أحكام الشريعة الإسلامية والقوانين المستمدة منها.
مــادة (145): التوازن الدقيق بين نظامي الميراث والنفقة
1- باستقراء أحكام الميراث في الإسلام يتبين أن الله العليم الخبير قد وزَّعَ تَرِكة المتوفى في دائرة أسرته لا يخرج عنها، وأن ترتيب المستحقين ومقادير أنصبتهم ترتبط بقواعد النفقة بين الأقارب، وأن كلاًّ من النظامين يُشَكِّل أساسًا متينًا للتكافل الاجتماعي في الإسلام.
2- وقد رتبت أحكام هذين النظامين على أفراد الأسرة، ولهم حقوقًا ومسئوليات متبادلة، فقد أوجب الشارع الحكيم للصغير الفقير وللكبير الفقير العاجز عن الكسب حقًّا في مال قريبه الموسر الأقرب فالأقرب، وهم غالبًا ممن يرث بعضهم بعضًا، حتى إنّ بعض الفقهاء اشترط فيمن تجب عليه النفقة أن يكون وارثًا، ويقابل هذا الالتزام أن أغلب هؤلاء الأقارب هم ورثة المتوفى الذين تئول إليهم تركته.
مــادة (146): تميز نظام الميراث في الإسلام
نظام الميراث في الإسلام القائم على جعل خلافة المورّث في ماله للأسرة مجتمعة على تفاوت بينهم، وأن يكون بعضهم أولى أو أكثر نصيبًا، طبقًا لمعايير منضبطة هو الوسط العدل الذي يحقق ترابط الأسرة وتوثيق العلاقات بين أفرادها خلافًا للنظريات التي تمحو التوارث تمامًا أو التي تجعل للمتوفى السلطان الكامل على ماله بعد وفاته كما كان في حال حياته، وكلتا النظريتين لا تحقق مصلحة الأسرة ولا توثق الصلة بين أفرادها.
مــادة (147): معايير التوزيع بين الورثة
باستقراء أحكام الميراث، تبين أن معايير التوزيع بين الورثة تقوم على الاعتبارات الآتية:
1- درجة القرابة؛ فالأقرب يأخذ نصيبًا أكبر ذكرًا كان أو أنثى.
2- اعتبار الوارث امتدادًا لشخص المتوفى، وهم فروعه الذين يستقبلون الحياة، نصيبهم أكبر من الأجيال الماضية وهم أصوله، ولذا كان نصيب الأولاد أكثر حظًا في الميراث من الآباء، وينفردون بالتركة في أغلب الأحيان، كما أن نصيب البنت أكبر من نصيب الأم وكلتاهما أنثى.
3- الالتزام بتكاليف مالية أكبر كالأولاد الذين في مستقبل حياتهم ولا مال لهم، خلافًا للآباء الذين لهم مال من كسبهم ويستدبرون الحياة.
4- العدل بين الورثة بإقامة توازن دقيق بين التزامات الوارث المالية ونصيبه في الميراث حسب الوارد في المادة «148».
5- تفتيت الثروة وعدم تركيزها في يد وارث واحد، ولذا لا يقتصر الميراث على الأصول والفروع، وإنما يشترك فيه أيضًا قرابة الحواشي كالإخوة والأخوات والأعمام والإخوة لأب والإخوة لأم وذوي الأرحام.
مــادة (148): الذكورة والأنوثة لا تدخل في معايير التوزيع
قرَّرَتْ الشريعة تحديد نصيب الذكر ضعف نصيب الأنثى في بعض الحالات التي يتساويان فيها في درجة القرابة وجهتها مما يقتضي -ظاهرًا- التساوي في حق الميراث، كالابن والابنة، والأخ والأخت، والعم والعمة، والزوج والزوجة، والحكمة من ذلك هي تفاوت الالتزامات المالية بينهما في هذه الحالات تفاوتًا كبيرًا رغم تساويهما في درجة القرابة وجهتها، فالمرأة في جميع الحالات تحتفظ بنصيبها في الميراث لنفسها ولا تلتزم شرعًا بإنفاق شيء منه على غيرها إلا في حالات نادرة جدًا وبشرط أن تكون غنية، فإذا تزوجت فنفقتها وتكاليف زواجها كاملة على زوجها ولو كان فقيرًا وهي غنية.
وإن كانت غير متزوجة ولو مطلقة أو متوفى عنها زوجها بعد انقضاء عدّتها، إذا كانت محتاجة، فنفقتها على وليها من ابن أو أب أو جدّ أو أخ أو عمّ أو على أحد أقاربها الآخرين، في حين أن الرجل يلتزم شرعًا بالإنفاق من نصيبه في كل هذه الحالات بما يجعل المرأة أوفر حظًا في الميراث حتى في هذه الحالات التي يأخذ فيها الرجل ضعف الأنثى.
مــادة (149): القاعدة العامة المساواة بين الرجل والمرأة في تطبيق معايير التوزيع
في غير الحالات السابقة لا يوجد أي فرق بين الذكر والأنثى في تحديد حق الميراث، حسبما يتضح من الحالات الآتية على سبيل المثال لا الحصر:
1- الأمّ تأخذ نصف الأب في حالة إذا لم يكن لابنهما المتوفى فرع وارث، وتتساوى معه في حالات أخرى إذا كان لابنهما ولد واحد أو بنتان.
2- يتساوى الأخ والأخت لأم في استحقاق السدس لكل منهما أو يشتركون بالسوية في الثلث إذا زاد عن ذلك، وهي حالة ميراث الكلالة بأن لم يوجد فرع وارث للميت ولا أصل وارث.
3- يتساوى كل من الذكر والأنثى في استحقاق كل التركة عند الانفراد فرضًا وردًّا.
4- في بعض الحالات يكون نصيب الأنثى فرضًا مثل نصيب الذكر تعصيبًا أو أكثر.
5- بالمقارنة بين المستحقات من النساء والمستحقين من الرجال، يتبين أن الأغلب الأعم من الوارثات من النساء يرثن بالفرض، ولا يرث بالفرض من الرجال سوى نوعين فقط، والباقي من الرجال لا يرث إلا تعصيبًا؛ أي لا يرث إلا بعد استكمال توريث أصحاب الفروض وأغلبهم من النساء، ويتضح من ذلك أن المرأة أوفر حظًّا في الميراث؛ لأن الفُرَص التي تتاح لها أكثر بكثير من الرجال، وسبحان العليم الخبير الذي وَسِعَ كل شيء رحمةً وعدلاً.
الفصل السادس: الوصيــــــــــــة
مــادة (150): تعــــــــــــريف
الوصية: إحدى وسائل التكافل الاجتماعي في الإسلام، وهي مُكمِّلة لنظام الميراث لكونها تمليكًا من المورِّث مضافًا إلى ما بعد الموت تبرُّعًا، بجزء من التركة لمن يشاء من أهل مودته أو أقاربه أو غيرهم.
مــادة (151): حكمــــة مشــروعيتها
إن الله عز وجل شرع قواعد الميراث فرضًا لازمًا بتحديد المستحقين وتحديد نصيب كل منهم دون تدخل لإرادة المورث أو لورثته في ذلك، ونظرًا لأن المورث هو صاحب المال الذي جمعه بجهده وكسبه، فقد شاءت حكمته سبحانه وتعالى أن يجعل هذه الفريضة متعلقة بثلثي التركة، وأن يترك للمورث ثلث التركة يتصرف فيها باختياره بأن يهديه إلى من يشاء ممن تربطه به مودة أو قرابة أو غيرهم، أو ليتدارك به تقصيرًا في دنياه، أو ليزداد به مثوبة عند الله بتوجيهه إلى جهة بر أو إلى تحقيق مصلحة للأمة.
مــادة (152): مــكانتها في الإســـلام
رغَّبَتْ الشريعة في الوصية وجعلت لها منزلة كبيرة؛ إذ تسبق في التنفيذ حقوق الميراث، وذلك لأنها تتم بإرادة المتوفى وليست جبرًا عنه، فتكون جزءًا من كسبه الدنيوي ومن صالح أعماله التي يثاب عليها بعد وفاته.
مــادة (153): مــقدارهــــــا
الحد الأقصى للوصية ثلث التركة، ويستحب شرعًا أن تكون بأقل من الثلث إيثارًا لحق الورثة في التركة، ولا تجوز الوصية بأَزْيَد من ثلث التركة، إلا بإجازة الورثة فيما جاوز الثلث، فإن لم يجيزوا الزيادة كانت الوصية نافذة في حدود الثلث.
مــادة (154): الوصـــــية لـوارث
لا تجوز الوصية لوارث إلا بشرط إجازة الورثة أو تحقيق العدل بين الورثة بمراعاة حاجة مشروعة وحقيقية خاصّة بالموصى له.
مــادة (155): شـــــــروط عامـــة
يُشترط في الموصِي أن يكون مختارًا غير مكره، وتتوافر له أهلية التبرع، وأن يكون الموصَى له موجودًا، وأن يقبل الوصية إذا كان شخصًا متعينًا، وأن يكون الموصَى به مالاً متقوّمًا قابلاً للإرث.
مــادة (156): الوصيـــــة الواجبــة
تقضي بعض القوانين الوضعية ومنها القانون المصري رقم (43) لسنة (1946م) في المادة (76) أخذًا من بعض المذاهب الفقهية تحقيقًا للعدالة بين الأبناء بوجوب الوصية لفرع ولده الذي مات في حياته إذا لم يكن الفرع وارثًا، وأن تكون الوصية بمثل نصيب الابن المتوفى بشرط ألا يزيد عن الثلث، فإذا لم يوصِ الجد لفرع ولده رغم توافر الشروط، اعتبر الفرع وارثًا بمقتضى القانون بمثل نصيب والده، أو بمقدار الثلث أيهما أقل.
الفصل السابع: الوقــــــــــــــــــــف
مــادة (157): التعريـــــــــــــــــف
الوقف: هو حبس المال عن التداول في حياة الواقف وبعد مماته، والتصدق بثمراته ومنافعه في سبيل الله على أي وجه من وجوه الخير للناس والنفع العام للمجتمع.
مــادة (158): أســاس مشــروعيته
الوقف صدقة جارية أصلها ثابت وأجرها دائم، وعبادة مالية، وإحدى الوسائل المهمة للتكافل الاجتماعي في الإسلام، وهو سنة مؤكدة للرسول(ص)، سنة قولية وعملية، فقد كان أول من وقف وقفًا في الإسلام وأول من أمر المتصدقين بتحويل تبرعاتهم إلى وقف بحبس أصلها وإنفاق ثمرتها في سبيل الله، كما انعقد عليه إجماع الصحابة رضي الله عنهم، والأمة الإسلامية من بعدهم.
مــادة (159): شـروط الوقف وأحـكامه
فصَّلَ الفقهاء في أحكام الوقف تفصيلاً دقيقًا لأهميته، وبعض الفقهاء وضع شروطًا لصحته كاشتراط أن يكون الموقوف عقارًا ومفرزًا ولجهة مؤبدة وغير ذلك من شروط، والبعض الآخر من الفقهاء لم يشترط شيئا من ذلك، وهو الرأي الراجح عملاً بهدي الرسول(ص) وترغيبًا للناس في الوقف، وتحصيلاً لما فيه من تحقيق مصالح المسلمين فيجوز وقف المشاع والمنقول والعقار وغيرها مؤبدًا ومؤقتًا، والأصل في الوقف هو عدم اللزوم إلا في بعض الحالات التي تفيد التأبيد كوقف أرض لإقامة مسجد عليها.
مــادة (160): مكانته العملية في الإسلام
يجوز الوقف في كل أعمال البر والخير، وكل ما يؤدي إلى تكافل المجتمع وتسانده، ويشيع فيه المودة والرحمة ويربط الأمة بأواصر الأخوة الإنسانية والتكافل، ولا يقتصر الوقف على مجال معين، بل يشمل كافة أنواع الحياة الإنسانية وعلى المرافق والخدمات العامة وكافة صور التقدم الحضاري.
مــادة (161): الأهداف التي يخدمها الوقف
تنافس المسلمون حكامًا ومحكومين في وقف أموالهم للإنفاق منها على الأغراض الآتية:
1- النواحي الإنسانية وسد حاجة الفقراء والمعدمين، بالوقف على اللقطاء واليتامى والمقعدين والعجزة والعميان والمجذومين، وتزويج الشباب والشابات وما يقدم من حليب وسكر للأطفال الرضع، وعلى السقايات والمطاعم الشعبية لتوزيع الطعام على الفقراء والمحتاجين، والوقف على المقابر وعلى القرض الحسن وعلى البيوت ليسكنها الفقراء والمحتاجون غير القادرين على امتلاك أو تأجير مسكن وعلى الحمامات العامة للنظافة ووقف البيوت بمكة لإقامة الحجاج والوقف على الحيوانات.
2- المرافق العامة لتيسير أمور الحياة، كالوقف على إصلاح القناطر والجسور ووقف الآبار في الفلوات لسقاية المسافرين والزروع والماشية.
3- الجهاد في سبيل الله، وعلى أدوات الحرب والخيول والكراع والإنفاق على المجاهدين وأسرهم.
4- الوقوف على ذرِّيَّة الواقِف خشيةَ تبديدِ الأموال، ولِضَمان عائدٍ دائمٍ للموقوف عليهم.
مــادة (162): دور الوقف في التقدّم الحضاري الإسلامي
كان للوقف دور أساسي في أغلب الإنجازات العلمية والحضارية في بلاد الإسلام وقت أن كانت أوربا وأغلب بلاد العالم تعيش في عصر الظلمات ومن ذلك:
1- نشر العلم والمعرفة بالوقف على المدارس والمساجد والمكتبات العامة والكتاتيب لتحفيظ القرآن الكريم وعلى طلبة العلم من غذاء ومسكن وغيرها.
2- الوقف على المراصد الفلكية ودور الحكمة والمستشفيات التعليمية لتعليم الطب والتمريض وتطوير علم الصيدلة والكيمياء وعلم النبات.
3- ساهم الوقف مساهمة فعالة في حفظ مبادئ الإسلام ورقي المجتمع الإسلامي وتقدمه وعلى نشر الإسلام والدعوة إليه، ومقاومة عمليات التبشير والهدم الفكري والنفسي الموجَّه إلى بلاد الإسلام من أعدائها.
مــادة (163): وجوب العناية بالوقف وتيسير أحكامه
في نهاية القرن التاسع عشر وما بعده، ابتلي المسلمون باحتلال أراضيهم، وغزوها فكريًا واقتصاديًا وعسكريًا، وأدرك هؤلاء الأعداء أهمية الوقف في مقاومة مخططاتهم، فعملوا على القضاء على فكرة الوقف وسلب أمواله، واعتماد المجتمع كليًا على الحكومات الموالية لهم وتعللاً ببعض السلبيات التي يمكن تصويبها صدرت القوانين الوضعية في العديد من البلاد الإسلامية بالتضييق على الواقفين ووضع القيود والعقبات أمامهم وسلبهم النظارة والإشراف على الوقف كالقانون رقم 48 لسنة 1946 في مصر وما تبعه من قوانين أخرى، فانصرف الناس عن الوقف حتى كاد أن يندثر، وآن الأوان لكي يعود للوقف مكانته السابقة في خدمة المسلمين والمجتمع الإسلامي، وأن تقوم بالدعوة إلى هذه الفكرة فئة من المسلمين حسبة لوجه الله تعالى.
مــادة (164): الــوقف على الذرية (الأهلي)
اتّجهت بعض الدول الإسلامية أخيرًا إلى مَنْع الوقف على ذرّية الواقف، وهو ما يُطلق عليه الوقف الأهلي؛ إذ أدى على المدى الطويل إلى حبس كثير من الثروات عن التداول؛ وهو ما تسبّب في الإضرار بالاقتصاد القومي وإعاقة التنمية، فضلاً عن تكاثر الذرية وضآلة العائد على المستحقين، واستنفاد معظم إbodyوقف في نفقات ومصاريف الإدارة.
والأصوب شرعًا وأصلح عملاً: إبقاء الوقف على الذرية (الأهلي) عملاً بالنصوص الشرعية مع إحاطته بضوابط وشروط تجيز التصرف في الوقف وتوزيعه على المستحقين إذا أضحى قاصرًا عن تحقيق مقصده الشرعي.
اترك تعليق