مُمَهِدَاتْ... وحقيق أن تبادر المرأة المثقّفة الملتزمة الواعية فتمهد الطريق وتفتح الآفاق.

مثالیة خديجة (س) في الطهارة والفضيلة

مثالیة خديجة (س) في الطهارة والفضيلة

إن الکمال والفضل عند الله وعند الإسلام لا یختص بجنس خاص ولا باسم خاص ولا بعنوان خاص ولا بقوم أو طائفة أو أهل لسان خاص، بل جعل الله تعالی الخلق کلها من الذکور والإناث شاملا للفضل والکمال وقابلا لتحصیل القرب عنده جل وعلا وقال بشأن هذا الموضوع:
«مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَىٰ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً ۖ وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ».
وهذه الآية من القرآن الکریم قد بینت أن الملاك للوصول إلى مقام الفضل والکمال اثنان: الإيمان والعمل الصالح.
وفي آية أخرى قال الله تعالی: «إِنَّ أَكرَمَكُم عِندَ اللَّهِ أَتقاكُم» ولا ریب في أن التقوی لا یخرج من الإيمان والعمل الصالح.
ففي کتاب الله عز وجل قد بین نموذجا من الخلق الکمل من الرجال والنساء والأولاد، بأنهم بلغوا بإيمانهم وأعمالهم الصالحة وتقواهم إلى هذه المرتبة وصاروا مثالیا وقدوه لسایر الخلق ولسایر الناس في القول والعمل.
«وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِّلَّذِينَ آمَنُوا امْرَأَتَ فِرْعَوْنَ إِذْ قَالَتْ رَبِّ ابْنِ لِي عِندَكَ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ وَنَجِّنِي مِن فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ وَنَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ» (سورة التحريم، الآية: 11).
«وَمَرْيَمَ ابْنَتَ عِمْرَانَ الَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا فَنَفَخْنَا فِيهِ مِنْ رُوحِنَا وَصَدَّقَتْ بِكَلِمَاتِ رَبِّهَا وَكُتُبِهِ وَكَانَتْ مِنَ الْقَانِتِينَ» (سورة التحريم، الآية: 12).
وأيضا ذکر الله تعالی في کتابه نساء أخريات کحواء وبنات شعیب وأم موسی وغیرها من الصالحات، وبین اشتراکهن في الکمالات والفضائل، ولکن لا أريد أن أطيل بذکرها تفصیلا.
وفي الأحاديث الصادرة عن النبي و الأئمة المعصومین(ع) أيضا ذکرت أشخاص عديدة ذوات فضل وکمال من النساء والرجال، کلهن مشترکون في الفضل والکمال.
منها ما إذا نواجه مع الأحاديث والروایات التي تکلم فیها النبي والأئمة المعصومين(ع) بشأن امرأة جلیلة عظیمه، ذات فضل وکمال، الکریمة علی الله عز وجل في الدنیا والآخرة، الحبیبة علی رسول الله في مده عمره الشریف، من لدن قبل رسالته إلى زمن موتها، وبعدها، المتزوجة برسول الله قبل إعلان رسالته من الله تعالی علی الناس، السابقة بین النساء في الإيمان برسول الله، المؤثرة علی زوجها بمالها ونفسها، المؤمنة به في القول والعمل، فخر عالم النسوان في الطهارة والکمال حتی في أيام الجاهلية.
ولا نعثر في العالم علی امرأة اتصفت بهذه الأوصاف إلا خديجة بنت خویلد، زوجة رسول الله(ص).
إن خديجة أول امرأة آمنت برسول الله، وأول امرأة صلت مع رسول الله(ص) في جوار الکعبة المعظمة، وأول امرأة رأت رسول الله متلبسا بلباس النبوة حین رجع من جبل النور إلى بیته بعد نزول الوحي من الله تعالی علیه بواسطة جبرائیل، أول امرأة أرسل الله تعالی نساء مکرمات عند الله کحواء، وآسیة ومریم إلى خدمتها حین ولادة ابنتها الزهراء(س) وحین ترکها نساء قریش، وأول امرأة کلمت ابنتها معها حین کانت جنینا في بطنها.
عن المفضل بن عمر قال: "قلت لأبي عبدالله الصادق عليه السلام: كيف كان ولادة فاطمة عليها السلام؟ فقال: نعم إن خديجة عليها السلام لما تزوج بها رسول الله صلى الله عليه وآله هجرتها نسوة مكة فكن لا يدخلن عليها ولا يسلمن عليها ولا يتركن امرأة تدخل عليها فاستوحشت خديجة لذلك وكان جزعها وغمها حذرا عليه صلى الله عليه وآله فلما حملت بفاطمة كانت فاطمة عليها السلام تحدثها من بطنها وتصبرها وكانت تكتم ذلك من رسول الله صلى الله عليه وآله فدخل رسول الله يوما فسمع خديجة تحدث فاطمة عليها السلام فقال لها: يا خديجة من تحدثين؟ قالت: الجنين الذي في بطني يحدثني ويؤنسني، قال: يا خديجة هذا جبرئيل (يبشرني) يخبرني أنها أنثى وأنها النسلة الطاهرة الميمونة وأن الله تبارك وتعالى سيجعل نسلي منها وسيجعل من نسلها أئمة ويجعلهم خلفاءه في أرضه بعد انقضاء وحيه.
فلم تزل خديجة عليها السلام على ذلك إلى أن حضرت ولادتها فوجهت إلى نساء قريش وبني هاشم أن تعالين لتلين مني ما تلي النساء من النساء فأرسلن إليها: أنت عصيتنا ولم تقبلي قولنا وتزوجت محمدا يتيم أبي طالب فقيرا لا مال له فلسنا نجئ ولا نلي من أمرك شيئا فاغتمت خديجة عليها السلام لذلك فبينا هي كذلك إذ دخل عليها أربع نسوة سمر طوال كأنهن من نساء بني هاشم ففزعت منهن لما رأتهن فقالت إحداهن: لا تحزني يا خديجة فإنا رسل ربك إليك ونحن أخواتك أنا سارة وهذه آسية بنت مزاحم وهي رفيقتك في الجنة وهذه مريم بنت عمران وهذه كلثم أخت موسى بن عمران بعثنا الله إليك لنلي ما تلي النساء من النساء..."(1) 
إن خديجة لیست منحصرة في هذه الفضائل فقط، بل کفاها شرفا أن کانت نفسها ومالها في نشر دین الله تعالی بید نبیه الأعظم.
وکفاها شرفا بأن کانت في الإسلام وفي الجاهلية معروفة بالطهارة والعفة، حیث روی في سیر أعلام النبلاء  بأنها کانت تُدعى في الجاهلّية بالطاهرة لشدّة عفافها وصيانتها(2).
وکفاها أيضا شرفاً وکرامة بأن قال رسول الله بشأنها ما رواه ابن عباس قال: خط رسول الله أربع خطط في الأرض وقال: أتدرون ما هذا: قلنا الله ورسوله أعلم.
فقال رسول اللّه: أفضل نساء أهل الجنة أربع: خديجة بنت خويلد، وفاطمة بنت محمد، ومريم بنت عمران، وآسية بنت مزاحم امرأة فرعون(3)
إن خديجة کانت محبوبة علی الله تعالی لأنه جل وعلا أرسل رسوله بالسلام علی خديجة حتی فیما عرج به إلى السماء وحینما أراد الله برجوعه إلى الأرض قال رسول الله لجبرائیل:
هَلْ لَكَ مِنْ حاجَةٍ؟
فقال جبرائیل: حاجَتي اَنْ تَقْرَاَ عَلي خَديجَة مِنَ اللهِ وَمِنّي السَّلام... »؛
فلما بلغها رسول الله قالت:إنّ اللهَ هُوَ السَّلامُ، وَمِنْهُ السَّلامُ، وَاِلَيهِ السَّلامُ، وَعَلي جِبرئيلَ السَّلامُ»؛.(4)

إن خديجة حبیبة رسول الله:
إن رسول الله حین أمره الله تعالی بانقطاعه أربعين لیله عما فی الدنیا وأمره باشتغاله بالعبادة، فأنزلت عن خديجة ولکن أرسل إليها عمارا وقال له: قل لها:
يا خديجة لا تظني أن انقطاعي عنك ولا قلى ولكن ربي عز وجل أمرني بذلك لتنفذ أمره فلا تظني يا خديجة إلا خيرا، فإن الله عز وجل ليباهي بك كرام ملائكته كل يوم مرارا(5).
وهذه المحبة من ناحية خديجة برسول الله أيضا موجودة حیث قالت بشأن النبي(ص):
"سَعِدَتْ مَنْ تُكونُ لِمحمّدٍ قرينةً، فإنّه يُزيِّنُ صاحِبَه".(6) 
وقالت بعد أن تزوجت بنبیه الأعظم بشأنها في بیتان من الشعر مخاطبه له:
فلو أنني أمشيت في كل نعمة
ودامت لي الدنيا وملك الأكاسرة
فما سويت عندي جناح بعوضة
إذا لم يكن عيني لعينك ناظرة.(7)
وأيضا قال عبد الله بن غنم من الشعراء لها وبشأنها وشأن النبي الأعظم بعد أن تزوج بخديجة بنت خویلد:
هنيئاً مريئاً يا خديجة قد جرت ***لك الطير فيما كان منك باَسعد
تزوجت خير البريّة كلهّا ***ومن ذا الذي في الناس مثل محمد؟
وبشّر به البُرّان عيسى بن مريم ***وموسى ابن عمران فياقُرْب موعد
أقرّت به الكتاب قدماً بِاَنّه ***رسول من بطحاء هاد ومهتد(8)
إن ما ذکرت هنا من الروایات التاريخية بشأن خديجة، جزء مما ورد بشأنها، وجزء قلیل من فضائلها التي کانت سببا لمثالیتها للعالم فضلا عن عالم النسوان.
إنها أسوة وقدوة حتى الیوم وفي الأزمان القادمة.

 
الهوامش:
1- أمالي شيخ صدوق ص 690.
2- سير أعلام النبلاء، ج2، ص 111.
3- الخصال ص 205.
4- أمالي الطوسي، ص 175.
5- كشف الغمة، ج 2، ص 72. الأنوار الساطعة ص 125.
6- بحار، ج16، ص23.
7- بحار الأنوار، ج16، ص52.
8- بحار الأنوار، ج16، ص12، أعلام النّبلاء، ج2، ص111.

التعليقات (0)

اترك تعليق