المرأة سكن للرجل
خلق الله سبحانه وتعالى الإنسان لهدف عظيم وهو العبادة (ما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون) الذاريات آية 56، ولكي يتكامل في سيره نحو الكمال المطلق وهو الله حتى لقاءه سبحانه وتعالى: (يا أيها الإنسان إنك كادحٌ إلى ربكَ كدحاً فملاقيه) الانشقاق آية 6.
وحتى يتحقق هذا الهدف على أتم وجه يجب تهيئة الأسباب، وإعداد الأرضية المناسبة، ويُعد الاستقرار الروحي والبدني من أهم المستلزمات الحياتية التي يحتاجها الإنسان في سيره التكاملي، وكما إن هذا الاطمئنان مطلوب على مستوى فردي فهو مطلوب اجتماعياً أيضاً.
-الأسرة هي التي تحقق الاستقرار:
الاستقرار لا يتحقق إلا في ظل أسرة يسودها جو الألفة والمحبة والرحمة؛ لذا حثَّ الإسلام وبشدة على إقامة ذلك الكيان المقدس، قال رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - : (ما بني بناء في الإسلام أحب إلى اللَّه من التزويج)، ولعل قول رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم-: (ركعتان يصليهما المتزوج أفضل من سبعين ركعة يصليها أعزب) فيه إشارة إلى الحالة النفسية التي يشعر بها المتزوج الذي يعيش في كنف أسرة مستقرة ومطمئنة مما يجعل عبادته تأخذ منحى آخر أكثر تفاعلاً وقرباً من المولى سبحانه وتعالى، ومن خلال ذلك نفهم أيضاً معنى قوله -صلى الله عليه وآله وسلم-: (أراذل موتاكم العزاب)، وقوله: (من تزوج فقد أُعطي نصف العبادة)، فالذين يهملون هذه السنة الإلهية وجودهم ناقص؛ لأن مرحلة تكاملية منهم متوقفة!.
-المرأة سكن للرجل:
إن السر الأصيل لخلق المرأة هو شيء أهم وأعظم من الميل الغريزي والحاجة الجسدية حيث يقول تعالى: (ومن آياته أن خلق لكم من أنفسِكم أزواجاً لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة) الروم آية 21، وقال أيضا: (هو الذي خلقكم من نفسٍ واحدةٍ وخلقَ منها زوجها ليسكنَ إليها) الأعراف آية 189، فالآيتان الكريمتان تبينان أن الرجل والمرأة مخلوقان من نفس واحدة، أي نوع واحد،، وشكل واحد وقديماً قيل: كل شكل إلى شكله ألف، ولو كانت الزوجة من غير جنس الزوج لتعذر التفاهم والمشاركة، إذن ليس هناك أي امتياز بين الرجل والمرأة من حيث أصل المبدأ والخلق، أما الهدف والغاية من هذا الخلق فهو إيجاد السكن والاطمئنان، فالأساس في إيجاد السكن هو المرأة؛ فهي القوة الجاذبة، والرجل هو المنجذب، وهذا ما يُفهم عند تأمل الآية، حيث يقول تعالى: (ومن آياته أن خلقَ لكم من أنفسكم) فالضمير المذكر في (لكم)، و (أنفسكم) يعود للرجال، و (أزواجاً) يقصد به المرأة وكذلك الضمير في (لها)، وفي الآية الأخرى: (وخلق منها زوجها)، فالقرآن لا يستعمل لفظ (زوجة) والتي جمعها (زوجات) لأنها - وكما يقول الراغب - لغة رديئة، بل يستعمل لفظ (زوج) وجمعها أزواج، قال تعالى: (وقلنا يا آدم اسكن أنت وزوجك الجنة) البقرة آية 35، وقال أيضاً: (وأزواج مطهرة) آل عمران آية 15.
فالمرأة هي زوج الرجل التي خلقت من نفسه ولغاية مهمة وهي توفير السكن والاطمئنان له، ومع أن هذا السكن أو الاطمئنان ينشأ من كون هذين الجنسين يكمّل بعضهما بعضاً، وكل منهما أساس النشاط والنماء لصاحبه، بحيث يُعدُّ كل منهما ناقص بغير صاحبه إلا أن الأساس في إيجاد السكن هو المرأة حيث تقوم باستقطاب الرجل وتنمية روح الرحمة والرأفة فيه، فتشكل مع ذلك الشريك الرؤوف المطمئن أسرة هادئة مطمئنة، فالرجل يميل للمرأة، ويأنس بها، وليس له أنس أوسكن من دونها.
-المودة والرحمة ركنا الحياة المستقرة:
وحيث إن استمرار العلاقة بين الزوجين خاصة، وبين جميع الناس عامة، يحتاج إلى جذب قلبي وروحاني، فإن الآية تعقب على ذلك مضيفة: (وجعل بينكم مودة ورحمة).
فالمودة من الود بمعنى الحب إلا أن المستفاد من موارد استعماله أنه نوع خاص من الحب الذي له آثار وتبعات ظاهرة كالألفة، والإحسان، والعطف، والتعايش وغيرها، أي هي الأثر العملي للحب، لذا هي أعظم وأهم، فالذي يحب أنساناً عليه أن يرتّب أثراً عملياً على هذا الحب، وذلك الأثر العملي من تصرفات ومسؤوليات هذه المودة؛ لذا نجد النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) لم يطلب الحب لقرباه كأجر على الرسالة، بل طلب المودة: (قُل لا أسالكم عليه أجرا إلا المودة في القربى) الشورى آية 23، وإن الله تعالى اختار اسم (الودود) ليكون من أسمائه الحسنى.
أما الرحمة: فهي ذلك الشعور النفساني الذي يعتري الإنسان عندما يشاهد محتاجاً أو ضعيفاً، فيسعى لمساعدته ورفع حاجته.
ما الفرق بين المودة والرحمة؟
1 - المودة هي الباعثة على الارتباط في بداية الأمر بين الزوجين، ولكن في النهاية وحين يضعف أحد الزوجين فلا يكون قادراً على الخدمة، تأخذ الرحمة مكان المودة وتحل محلها.
2 - المودة تكون بين الكبار الذين يمكن تقديم الخدمة لهم، أما الأطفال والصبيان الصغار، فإنهم يتربون في ظل الرحمة.
3 - المودة، غالباً ما يكون فيها تقابل بين الطرفين، فهي بمثابة الفعل ورد الفعل غير أن الرحمة من جانب واحد لديه إيثار وعطف، لأنه قد لا يحتاج إلى الخدمات المتقابلة أحياناً، فأساس بقاء المجتمع هو المودة، ولكن قد يحتاج إلى الخدمات بلا عوض، فهو الإيثار والرحمة.
ومع إن الآية تبين وجود المودة والرحمة بين الزوجين، فهو المعنى الأولي المفهوم من السياق، ولكن يحتمل أن يكون التعبير (بينكم) إشارة إلى جميع الناس وهذا ما يعطيه إطلاق الآية؛ لأنه ليست الحياة العائلية وحدها لا تستقيم إلا بهذين الركنين بل جميع المجتمع الإنساني قائم عليهما، وزوالهما من المجتمع بل وحتى نقصهما يؤدي إلى أنواع الشقاء والاضطراب الاجتماعي.
وفي ختام الآية يقول تعالى: (لآيات لقوم يتفكرون) والحق أن وجود الأزواج مع جميع الخصائص التي يتميزون بها من مودة ورحمة وانجذاب روحي ونفسي والتي تعد أساس الاطمئنان في الحياة هو أحد مواهب الله العظيمة وآياته الكبرى التي تدهش ذوي العقول والألباب.
ومن هذا يمكن أن نستنتج أمراً دقيقاً ومهماً - وكما ذكرنا سابقاً - هو أن المرأة خلقت لأمر أجلّ وأعظم من مجرد الميل الغريزي الموجودة حتى في سائر الحيوانات؛ لأن الله تعالى لم يذكر الميل الغريزي في الحيوان بوصفه آية إلهية تستدعي التفكر، وهنا يمكن الاستشهاد برواية عن الإمام الصادق (عليه السلام) تؤكد أن الأصل في ميل الرجل نحو المرأة هو المحبة الإلهية والأنس، أما مسألة الغريزة والشهوة فقد أعطيت لآدم - حسب الرواية - بعد الأنس الإنساني نحو حوّاء، والرواية طويلة نأخذ منها مورد الشاهد، فبعد أن خلق الله حوّاء، وانتبه آدم إلى وجودها بقربه قال (عليه السلام):
(يا رب ما هذا الخلق الحسن، قد آنسني قربه والنظر إليه فقال اللَّه تعالى: يا آدم هذه أمتي حوّاء، أ فتحب أن تكون معك تؤنسك وتحدثك وتكون تبعاً لأمرك فقال: نعم يا رب ولك عليّ بذلك الحمد والشكر ما بقيت)، بعد ذلك ألقى الله تعالى الشهوة على آدم، ومع أن هذه الرواية ذكرت بشكل مرسل في بعض المصادر إلا أن بعض مضامينها مفيد ومهم ولا إشكال فيه ومنه المورد الذي اخترناه.
من الآية الكريمة نستنتج ما يلي:
1- النساء مثل الرجال من حيث أصل المبدأ، وجوهر الوجود، فقد خلقهما تعالى من نفس واحدة ولهدف واحد هو العبادة والتكامل الروحي.
2- إن الهدف والغاية من خلق المرأة لتكون سكناً للرجل، فهو روحياً يحتاج إلى ريحانة يحبها، ويعيش معها حياة الود والرحمة إلى جنب العلاقة الجنسية؛ لأن هذه العلاقة وحدها لا تشبع إلا حاجته الجسمية، ويبقى جانبه الروحي غير مرتو، فالسكينة أولاً، والغريزة تأتي بعد ذلك، والدليل على ذلك استمرار الحياة التي تسودها المودة والرحمة بين الزوجين حتى عند غياب الغريزة نتيجة للهرم أو المرض، وغيرها من الأسباب، ومن الغريب أن بعض المفسرين فسّر المودة بمعنى المعاشرة بين الزوجين، والرحمة بمعنى الأبناء، فمثل هذا التفسير يقصر دور المرأة على الناحية الجنسية فقط.
3 - إن المناط في استمرار الحياة بين الزوجين هو إشاعة روح المودة والرحمة بينهما، والتي يؤدي إلى استقرار الأسرة وبالتالي استقرار المجتمع وتآلفه.
المصادر:
1- القرآن الكريم
2- الوافي/ الفيض الكاشاني
3- تفسير الميزان/ السيد الطباطبائي
4- القضاء في الفقه الإسلامي/ كريم الحائري
5- الكاشف/ محمد جواد مغنية
6- الأمثل/ الشيخ ناصر مكارم الشيرازي
7- جلال المرأة وجلالها/ الشيخ جوادي آملي
المصدر: موقع العتبة الحسينية المقدسة
خديجة أحمد موسى
اترك تعليق