مُمَهِدَاتْ... وحقيق أن تبادر المرأة المثقّفة الملتزمة الواعية فتمهد الطريق وتفتح الآفاق.

خطوبة آمنة بنت وهب عليها‌ السلام من عبدالله(ع)

خطوبة آمنة بنت وهب عليها‌ السلام من عبدالله(ع)

خطوبة آمنة بنت وهب عليها‌ السلام من عبدالله(ع)

لقد عَرفت السيدة (آمنة) في طفولتها وحداثتها ابنَ عمّها (عبد اللّه بن عبد المطلب) حيث إنّ بني (هاشم) كانوا أقرب الأُسر جميعا إلى بني (زهرة) فجمعتهم أواصر الودّ القديم التي لم تنفصم عراه منذ عهد الشقيقين قصي وزهرة ولَدَي كلاب بن مرّة.
هكذا عرفته قبل أن ينضج صباها ويحجبها خدرها، والتقت وإيّاه في الطفولة البريئة على روابي مكّة وبين ربوعها وفي ساحة الحرم الآمن، كما جمعتهما مجامع القبيلة، إذ كان عبد المطلب سيد بني هاشم، ووهب سيد بني زهرة يتزاوران ويجتمعان على ودّ، وكذا يجتمعان كُلّما أهمّهُما وأهمّ قريش معضل، ثمّ حجبت السيدة (آمنة) حين لاحت بواكير نضجها في الوقت الذي كانت فيه خطوات (عبد اللّه) تسرع من مرحلة الصبا إلى غض الشباب.
أجل: إنّ شذى عطرها ينبعث من دور بني زهرة، فينتشر في أرجاء مكّة ويثير أكرم الآمال في نفوس شبانها الذين زهدوا في كثيرات سواها، نعم لقد ابتذلتهن العيون والألسن.
ورَنَت أنظار الفتيان من بيوتات مكّة إلى زهرة قريش، وتسابقوا إلى باب بيتها يلتمسون يدها، ويزفّون إليها ما لهم من مآثر وأمجاد، لقد تسابق إليها سلام اللّه عليها الكثيرون، لكن (عبد اللّه) لم يكن من بين هؤلاء.
أمّا الذي منعه من زواجها وهي الجديرة بذلك، هو نذر أبيه عبد المطلب، لأنّه ما لم تنتهِ قضية النذر فإنّ زواجه منها لا يصحّ، وصارت مسألة النذر تدور في فكر عبد المطلب.
وحدث ما حدث من مسألة ذبح عبد اللّه حينما أقرع صاحب الأقداح فخرج الذبح على عبداللّه، وهمّ عبد المطلب بذبح ابنه الحبيب، وأخيرا انتهت المسألة بأن يُقرع بين عبد اللّه ونحر الإبل، حيث قام عبد المطلب يدعو اللّه ثمّ قرّبوا عبد اللّه وعشرا من الإبل وأقرعوا بينهما فخرج القدح على عبد اللّه، ثمّ زادوهما عشرا عشرا وعبد المطلب يدعو اللّه بخالص الدعوات حتى بلغت الإبل المائة فقرعوا بينهما، فهتفت قريش ومن حضر من الناس انّه قد انتهى رضا ربّك يا عبد المطلب! وخرج القدح على المائة من الإبل، فهزّ عبد المطلب رأسه في ارتياب وقال: لا واللّه حتى أضرب عليها ثلاث مرات! فضربوا على عبداللّه وعلى الإبل المائة، وعبد المطلب يدعو اللّه فخرج القدح على الإبل، ثمّ عادوا الثانية والثالثة والقدح يخرج على الإبل! وعند ذلك اطمأن قلب شيخ قريش ونُحرت الإبل.
وبعد أن حصل الاقتراع بين (الأقداح وعبد اللّه) وانتهت المسألة بفداء عبد اللّه بمائة من الإبل، انصرف عبد المطلب آخذا بِيَدِ ابنه عبد اللّه، وكان ذلك بعد حفر بئر زمزم بعشر سنوات(١) حتى أتى دار وهب بن عبد مناف ابن زهرة، وهو يومئذ سيد بني زهرة نسبا وشرفا، ليطلب يد ابنته (آمنة) لابنه المفدّى (عبداللّه).
وهنا أقبلت أُمّها (برَّة) متهلّلةَ الوجه مشرقة الأسارير بعد أن رأت وهب زوجها يدنو منها ليقول لها في رقّة وحنو: إنّ شيخ بني هاشم قد جاء يطلب يد ابنتها (آمنة) زوجةً لابنه المفدّى عبد اللّه! ثمّ عاد أبوها من فوره إلى ضيفه عبد المطلب، ولكن السيدة آمنة اُصيبت بذهول، وما لبثت أَن أفاقت على صوت قلبها يخفق عاليا حتى ليكاد يبلغ مسمع اُمّها الجالسة إلى جوارها، أحقّاً آثرتْها السماء بفتى هاشم زوجا لها؟
وحينئذٍ توافدت سيّدات آل زهرة مهنّئات مباركات، ثمّ توافدت نساء قريش على (زهرة قريش) مهنّئات اقترانها بفتى هاشم الصبيح، ولهذا الحسب والنسب أشار النبي صلى‌ الله‌ عليه‌ وآله قائلاً: «ما ولدتني بغيٌّ قط مذ خرجت من صلب أبي آدم، ولم تزل تنازعني الاُمم كابراً عن كابر حتى خرجت في أفضل حيّين في العرب: هاشم وزهرة»(٢).







الهوامش:
(١) إيمان أبي طالب/ فخار بن معد الموسوي: ٤٣.
(٢) تاريخ ابن عساكر ٣: ٤٠١ باب ذكر طهارة مولد النبي صلى‌ الله‌ عليه‌ وآله وطيب أصله وكرم محتده.




المصدر: من كتاب أمّهات المعصومين عليهم السلام سيرة وتاريخ، عبد العزيز كاظم البهادلي.

التعليقات (0)

اترك تعليق