مُمَهِدَاتْ... وحقيق أن تبادر المرأة المثقّفة الملتزمة الواعية فتمهد الطريق وتفتح الآفاق.

الهدف من مشروع التأريخ لدور المرأة

بقلم الحاجة عفاف الحكيم: الهدف من مشروع التأريخ والتوثيق لدور المرأة المقاومة

بسم الله الرحمن الرحيم
 
إن المرحلة المشرقة التي عاشها شعبنا في ظل المقاومة الإسلامية، وما حققه الشهداء والمجاهدون فيها من نصر مبارك على العدو الأكثر إرهاباً، حقداً، وغروراً على مَرّ التاريخ، جعل منها مفصلاً هاماً ورمزاً بارزاً أَسَس على مستوى النهج والسلوك والتضحيات لمدرسة جهادية نموذجية حملت معها للأمة مفتاح عزها وخلاصها وأحيت فيها مجدداً الثقة والأمل بعد الهزيمة والإحباط.
 
 من هنا كان لا بد من عمل يوثّق لتفاصيل الأحداث وروائع الصور وجليل المهام والمشاهد وكل ما حفلت به المرحلة من معاناة وما قدمته من نماذج، وما نثرته من مفاهيم.
 
  وإنّه من أجل المساهمة بتحقيق هذا المشروع الكبير، فإن جمعية الرابطة اللبنانية الثقافية جعلت من أولويات أعمالها بعد التحرير؛ النهوض بالجانب النسائي منه؛  والمتمثل بالتأريخ للدور الفذ الذي أدته المرأة المقاومة في مواجهة الاحتلال، أمّاً كانت أم زوجة أو أختاً أو خارج هذه الدوائر وذلك بدءاً من مرحلة الاجتياح عام 1982 وإلى التحرير عام 2000م، وكذلك حرب تموز 2006 م، مركّزة  عبر "مركز دراسات المرأة والأسرة والطفل فيها " على تولي الأقلام النسائية عملية التوثيق بكامل تفاصيلها..
 
وحيث أقيمت دورات تأهيلية مكثفة – من قبل اختصاصيين–  لكل فريق من الأخوات على حدة، بعد تأمين حضورهن من سائر مناطق الجنوب والبقاع وبيروت إلى مركز الجمعية، بهدف تأمين أفضل السبل التي تؤدي إلى نجاح سير العمل وصولاً إلى:
 
1. إعداد مجلد – تراجم – لجميع النساء اللواتي نصرن المقاومة، وكان لهن دور تربوي وتعبوي مفعم فيها، عبر عملية مسح شاملة من خلال الاستمارات، تنتهي بنبذة مختصرة عن جهاد كل منهن.
 
2.  إصدار "سلسلة المرأة المقاومة" والتي تتضمن القصة الكاملة لكل أم أو زوجة أو أسيرة أو جريحة كان لها دور كبير ومميز سواء على المستوى التربوي أو التعبوي..
 3. إضافة إلى بناء أرشيف لحفظ هذا التاريخ العظيم، يضمّ وثائق مقروءة ومسموعة، تؤرّخ لدور المرأة في مواجهة الاحتلال.


الهدف من التوثيق:
 
أ‌-  إن المجتمعات البشرية فُطرت – كما هو معلوم – على الاعتزاز بعظمائها والتلهف للوقوف على تفاصيل حياتهم والاقتداء بهم... والمقاومة الإسلامية – برجالها ونسائها – باتت مدرسة لملايين.. ممن تفاعلوا معها وتأثروا بها. وعاشوا بين الدموع والفرح والدهشة سلسلة انتصاراتها وما رافقها من التسديد الإلهي على مختلف الصعد. وصولاً إلى التماسك البديع الذي شمل بامتداده ساحة الوطن كله، بسائر أديانه ومذاهبه وأحزانه صانعاً بعد مرّ المحن نموذجاً حياً لنهوض وعزة وطن.. لذا كان من حق هؤلاء الذين هتفوا للمقاومة عن بعد، أن نهديهم ونهدي التاريخ حزمة من نورها...
 
ب‌-  إن عملية الكشف عن جذور التربية التي انصهرت فيها عقول وأرواح المجاهدين، وعن الرصيد الضخم لخزان الفضائل والآداب المعنوية والأخلاقية التي انتجت "المجاهدين والإستشهاديين" كان لا بد من توفرها باعتبارأن أفضل السبل لترسيخ النهج المقاوم هو تعميم ثقافته.. كما وأن أفضل الوسائل هي القصص الذي ينقل، مع تفاصيل العيش اليومي، الأجواء التربوية والمناخ الجهادي ونبضات القلوب، وعفوية الذوبان في مبادئ الإسلام وقيمه. فإبراز الواقع الميداني للمقاومة بوصفه محصّلة لنهج تربوي مصدره الإسلام العظيم هو مسألة أساس..
 
ج-  لقد عاش الدور النسائي على امتداد تاريخنا مظلومية لا يستهان بها لجهة التهاون الفادح من قبل المؤرخين.. نجم عنه فراغٌ وإرباكٌ باعد بين الساحة النسائية في عصرنا ومعطيات رموزها التي سلفت..
 
ومن هنا أيضاً كانت أهمية التركيز على معطيات دور المرأة المقاومة.. والذي بالالتفات إلى أحد جوانبه.. نجد أن عدد الأسيرات في "السجون الإسرائيلية وسجن الخيام" وصل إلى ثلاثمائة 300 أسيرة، تراوحت أعمارهن ما بين الثالثة عشر والسبعين عاماً منهن عشرون امرأة اعتقلن أثناء الحمل وخمس وعشرون مع أطفالهن من عمر شهرين إلى خمسة شهور.

 أما فترة الأسر فكانت تتراوح ما بين يوم واحد وتسع سنوات، وحيث عانين خلالها من أصناف التعذيب والجلد والتركيع والكهرباء والتعذيب النفسي والتعليق على العامود مع صب الماء الساخن في أيام الصقيع، إلا أنهن خرجن وهنّ أكثر إصراراً وشموخاً واعتزازا...
 
أما عدد الأمهات اللواتي بذلن فلذات الأكباد فبلغ ألفاً ومائتين وأربع وثمانين(1284) أم شهيد (حتى سنة 2000م وقد ازداد العدد بعد حرب تموز 2006م ليتخطّى 1500 أم شهيد)، وقد تركت كل منهن لفتات سجلها التاريخ بأحرف من نور سواء في مواكبتها لجهاد ولدها أم عند استقبالها لنبأ شهادته، وهذا عدا عن تعداد الشهيدات، وزوجات الشهداء الأبرار ورعايتهن  للمئات من الأبناء، إضافة إلى الجريحات من ذوات الإعاقة الكلية، وزوجات الجرحى المجاهدين من ذوي الإعاقة الكلية أيضاً، وحيث حوّل السموّ الروحي عندهن مواقع البلاء – إلى اعتزاز وإباء وأوسمة إلهية.
 
إن ما قدمته المرأة المقاومة من تضحيات، وما أدته من جليل المهام وعظيم الدور عدا أنه سيبقى أمثولة في التاريخ المعاصر فإنه كشف عن معطيات ونتائج وأبعاد هذا الدور. وأظهر:
 
  أ‌-  أن إبعاد المرأة عن الهموم الأساسية وتحويل خط سيرها باتجاه قضاياها الخاصة بعيداً عن المشاكل الكبرى للأمة. أوقع الساحات النسائية في عالمنا العربي والإسلامي في إرباك كبير، ومكّن قوى الاستكبار والهيمنة من النفاد إلى مجتمعاتنا عبر اقتناص الثغرات، غير أن الفعل المقاوم أظهر بأن الحضور الحقيقي للمرأة –خصوصاً على مستوى تشكيل الإرادة الشعبية العارمة في مواجهة العدو– قادر على إحداث تحولات هامة وحاسمة في مسار الأحداث التي تواجهها الأمة.
 
 ب‌-  إن دور المرأة المقاومة الذي دخل التاريخ بعطائه وكان غنياً بدروسه وإنجازاته بات يمثّل رصيداً هاما للمرأة، وبإمكانه أن يكون نواة استنهاض واستقطاب لمختلف الشرائح النسائية في مجتمعاتنا.. على امتداد العالمين العربي والإسلامي وصولاً إلى انخراط الطاقة النسائية في ميدان الفعل المباشر لمواجهة العدو الصهيوني ومخططاته الخبيثة...
 
 أخيراً:
 مع صدور أعداد أربعة من سلسلة المرأة المقاومة وعدد من قصص "تموز إن حكى"، يبقى التأكيد على التوجه بوافر الدعاء وجزيل الشكر لمن بارك برعايته هذا العمل وخصّه بالعناية والتشجيع، وإلى كل الأساتذة والعلماء الأجلاء وإلى سائر الأخوات والأخوة الأفاضل  الذين ساهموا بشكل مباشر وغير مباشر.. بالوصول إلى تحقيق هذا الإنجاز الميداني الذي لا زال يتابع خطواته المثقلة بأريج نسمات العزة التي عبقت بها بيوتنا والأسر فيها.. سائلين الله سبحانه أن يتقبل عمل الجميع..
 
مركز دراسات المرأة والأسرة والطفل في جمعية الرابطة اللبنانية الثقافية
الحاجة عفاف الحكيم

التعليقات (0)

اترك تعليق