لماذا سکت علي(ع) إزاء الاعتداء على فاطمة الزهراء(س)؟
لماذا سکت علي(ع) إزاء الاعتداء على فاطمة الزهراء(س)؟
في الوقت الذي یجتمع فیه عدة من أقرباء النبي(ص) وبعض أصحابه في بیت علي(ع) معترضین على ما أفضت إلیه نتائج اجتماع السقیفة ولم یباعوا أبا بکر، أرسل أبو بکر عمر بن الخطاب وأمره أن یأخذ البیعة من جمیع المجتمعین في دار علي(ع) خصوصا من الإمام، وقد أثبتت مصادر التاریخ المعتبرة تفاصیل ما أقدم علیه أبو بکر وعمر في هذا الخصوص، وبإمکان الجمیع الرجوع إلیها.[1]
و مع الأخذ بنظر الاعتبار الاختلاف في نقل هذه الحوادث التي نقلت في المصادر المعتبرة لدى أهل السنة ولکن أصل القضیة مسلم لدى الجمیع.[2]
وأما فیما یخص الجواب عن السؤال القائل: لماذا اختار أمیر المؤمنین علي(ع) السکوت إزاء هذه الحوادث والاعتداءات فلا بد من القول:
إن أمیر المؤمنین وضع أمام خیارین لا ثالث لهما، إما أن یستعین بخاصته ویعلن معارضته للحکومة الجدیدة اللامشروعة في نظره، و بذلك یستعید الخلافة التي اغتصبت بالقوة و إما أن یتحمل الوضع القائم، ویبادر إلى حل مشاکل المسلمین وحمایة الإسلام والدفاع عنه.
و حیث إن القادة الإلهیین لا یعتبرون المنصب و الخلافة هدفاً، وإنما أهدافهم أسمى و أعلى من ذلك من هنا أقدم أمیر المؤمنین(ع) على دراسة الظروف والملابسات في المحیط الاجتماعي الإسلامي في ذلك الوقت، وقد توصل إلى النتیجة التالیة: إذا أقدم على الثورة والمواجهة والجد في أخذ حقوق زوجته فاطمة بنت رسول الله فإن النتیجة سوف تکون کارثیة بالنسبة إلى الدین الفتی، وأن جهود النبي الأکرم(ص) تذهب أدراج الریاح، وسوف تذهب دماء الشهداء الذین رووا شجرة الإسلام بدمائهم هدراً. ولذلك اختار قبول الوضع القائم، والسعی لدعم الإسلام ورعایاته والحفاظ علیه بصورة غیر مباشرة.[3
فلو أن الإمام انتضى سیفه و أظهر شجاعته و إقدامه فمن المؤکد أن المعتقدین بخلافته سوف ینهضون معه ویؤازرونه، وذلك ما یفضي إلى نزاعات وحروب داخل الکیان الإسلامي، مما ینتج عنه ما یلي:
1ـ سوف یفقد الإمام الکثیر من أنصاره و خاصة الذین تمسکوا بتعالیم النبي(ص) ووصایاه ولم ینقضوا عهده.
2ـ حدوث الفرقة في صفوف الأمة الإسلامیة مما یؤدي إلى فقدان العدید من الصحابة الذین یشکلون ثقلاً کبیراً في مواجهة أعداء الإسلام مما یؤدي إلى إضعاف الجبهة الداخلیة للمسلمین 3ـ إن الکثیر ممن أسلم في الأیام الأخیرة من عمر النبي عمدوا إلى الارتداد حال موته، ولو أن الإمام رفع لواء المعارضة والحرب في هذا الظرف المضطرب کان ذلك عاملاً مؤثراً في إضعاف المجتمع الإسلامي و وضعه أمام خطر کبیر وجدي.
4ـ کما أن خطر مسیلمة الکذاب وسجاح وغیرهم من مدعي النبوة لیس ببعید ولا ینبغی إغفاله، لأن حالة الاختلاف والتصدع تتیح لهؤلاء الفرصة لیوجهوا ضرباتهم المؤلمة إلى الإسلام والمجتمع الإسلامي.
5ـ خطر الروم المحدق، الذین یتربصون بالإسلام و ینتهزون الفرص لشن هجومٍ على مرکز الإسلام، و ذلك مما یشکل تهدیداً کبیراً للإسلام و المسلمین، فلو أن الإمام أعلن الحرب لکان عمل إضعاف لجبهة الإسلام فیطمع أعداؤه في الخارج بمهاجمته والقضاء علیه. وبلوغ أهدافهم المنشودة.
هذه خلاصة للعوامل التي اضطرت الإمام إلى السکوت و الصبر و ترجیح الهدوء و المبادرة إلى الدعم و المساعدة و المراقبة لشؤون الإسلام و المسلمین، و بذلك جنب المجتمع الإسلامي الکثیر من الأخطار المحدقة، و لم یکن للإمام من دوافع و أهداف إلا حفظ وحدة المسلمین و تقویة شوکتهم و إبعادهم عن کل وهن وخطر.[4]
وقد عبر الإمام عن حزنه وألمه المتسبب عن سکوته بلغة أخرى وذلك في خطبته الشقشقیة[5] المثبتة في نهج البلاغة حیث جاء فیها: « وَطَفِقْتُ أَرْتَئِي بَیْنَ أَنْ أَصُولَ بِیَدٍ جَذَّاءَ، أَوْ أَصْبِرَ عَلَى طَخْیَةٍ عَمْیَاءَ، یَهْرَمُ فِیهَا اَلْکَبِیرُ، وَیَشِیبُ فِیهَا اَلصَّغِیرُ، وَ یَکْدَحُ فِیهَا مُؤْمِنٌ حَتَّى یَلْقَى رَبَّهُ، فَرَأَیْتُ أَنَّ اَلصَّبْرَ عَلَى هَاتَا أَحْجَى، فَصَبَرْتُ وَفِي اَلْعَیْنِ قَذًى، وَفِي اَلْحَلْقِ شَجًا، أَرَى تُرَاثِي نَهْباً»[6]
و في موضع آخر أجاب الإمام أحد المقربین إلیه عندما کان ینشر فضائل الإمام و ینتقد إعراض الناس عنه، فقال له الإمام: «سلامة الدین أحب إلینا من غیره».[7]
ومن أوضح الکلمات التي بین فیها الإمام (ع) علة سکوته ما ورد في نهج البلاغة حیث قال: فَمَا رَاعَنِي إِلَّا انْثِیَالُ النَّاسِ عَلَى فُلَانٍ یُبَایِعُونَهُ فَأَمْسَکْتُ یَدِي حَتَّى رَأَیْتُ رَاجِعَةَ النَّاسِ قَدْ رَجَعَتْ عَنِ الْإِسْلَامِ یَدْعُونَ إِلَى مَحْقِ دَیْنِ مُحَمَّدٍ (ص) فَخَشِیتُ إِنْ لَمْ أَنْصُرِ الْإِسْلَامَ وَأَهْلَهُ أَنْ أَرَى فِیهِ ثَلْماً أَوْ هَدْماً تَکُونُ الْمُصِیبَةُ بِهِ عَلَیَّ أَعْظَمَ مِنْ فَوْتِ وِلَایَتِکُمُ الَّتِي إِنَّمَا هِي مَتَاعُ أَیَّامٍ قَلَائِلَ یَزُولُ مِنْهَا مَا کَانَ کَمَا یَزُولُ السَّرَابُ أَوْ کَمَا یَتَقَشَّعُ السَّحَابُ فَنَهَضْتُ فِي تِلْك الْأَحْدَاثِ حَتَّى زَاحَ الْبَاطِلُ وَزَهَقَ وَاطْمَأَنَّ الدِّینُ وَتَنَهْنَه.[8]
و هذا الکلام یدل على أن الذی حمل الإمام على ترجیح السکوت وعدم المعارضة بالسیف هدف أسمى و أعلى ألا و هو الحفاظ على شجرة الإسلام وتجربته الفتیة ووحدة المجتمع الإسلامي الفتی، وقد ضحى الإمام من أجل هذا الهدف المقدس بکل ما یملك بما في ذلك حق زوجته وأبنائه.
الهوامش:
[1] تاریخ الطبري، ج 3، ص 202، طبعة دائرة المعارف. و عبارة الطبري: أتی عمر بن الخطاب منزل علی(ع) فقال: لأحرقن علیکم او لتخرجن الی البیعة. و نقل ابن أبي الحدید في شرحه (ج 2، ص 56) العبارة من کتاب السقیفة للجوهري؛ الإمامة و السیاسة، ج 2، ص 12؛ شرح نهج البلاغة ابن ابي الحدید، ج 1، ص 134؛ أعلام النساء، ج 3، ص 1205. و عبارة ابن عبد ربه الأندلسي على النحو التالي: بعث الیهم ابو بکر عمر بن الخطاب لیخرجهم من بیت فاطمة وقال له إن ابوا فقاتلهم. فاقبل بقبس من النار علی ان یضرم علیهم الدار. فلقیته فاطمة فقالت یا بن الخطاب أ جئت لتحرق دارنا؟ قال: نعم او تدخلوا فیما دخلت فیه الأمة؛ العقد الفرید، ج 4، ص 260. انظر أیضاً تاریخ أبي الفداء، ج 1، ص 156 و اعلام النساء، ج 3، ص 1207 اثبات الوصیة، المسعودي 124: و عبارته: فهجموا علیه واحرقوا بابه و استخرجه منه کرها و ضغطوا سیدة النساء بالباب حتی اسقطت محسنا. (محنة فاطمة، ص 60 ) .الملل و النحل، ج 2، ص 95 ؛ تلخیص الشافي، ج 3، ص 76؛ شعاع الولایة، 186 .
[2] للاطلاع الأکثر انظر: 1ـ کتاب (پاسخ به افسانه شهادت ) تألیف السید جواد الحسینی الطباطبائي. 2ـ في موقع أجوبة الأسئلة الدینیة. 3ـ موقع البلاغ.
[3] پیشوایی، مهدي، سیره پیشوایان "سیرة الائمة"، ص 65.
[4] نفسه، ص71.
[5] نهج البلاغة، الخطبة الثالثة.
[6] نهج البلاغة، صبحي الصالح، الخطبة الثالثة، الخطبة الشقشقیة.
[7] راجع شرح نهج البلاغة، ج 6، ص 23-45.
[8] نهج البلاغة، ص 451، من کتاب له(ع) إلى أهل مصر مع مالك الأشتر لما ولاه إمارتها، رقم الکتاب 62.
المصدر: الولاية نت.
اترك تعليق