مُمَهِدَاتْ... وحقيق أن تبادر المرأة المثقّفة الملتزمة الواعية فتمهد الطريق وتفتح الآفاق.

تسابقوا إلى الخيرات

تسابقوا إلى الخيرات

شابان عزيزان يُعدّان نفسيهما لبداية حياتهما الجديدة بهدف مشترك هو التكامل المادي والمعنوي، وبرأس مال هو العشق الإلهي، حيث جعل الله الحكيم الرجل والمرأة مكمِّلين لبعضهما وخلقهما متفاوتين بما يتناسب والمتطلبات المختلفة لمجالات الحياة.
فن تقسيم العمل يحظى بأهمية كبيرة في الأُسرة الناجحة والحياة الهانئة، حيث كل يتحمل ما يتناسب وقدراته، وفي الوقت الذي يعتبر دوره مهماً يؤمن بأهميّته وتأثير دور الطرف المقابل، فإنّه يقوم بواجبه جهد المستطاع وبدقة عالية تزامناً مع التنسيق والتعاون مع شريكه.
                 
هناك الكثير من الأسئلة والرؤى المتعددة حول كيفية تقسيم العمل، والدور الخاص بربة البيت في إدارة شؤون الأسرة داخله البيت، ومدى أهميتها، وكذلك العمل والنشاط خارج البيت.
ولمرشدنا الحكيم إشارات لطيفة ونافعة بهذا الخصوص:
تقسيم الأعمال:
عندما يعيش اثنان جنباً إلى جنب ويتزوجان، فإنه توجد بعض الوظائف المشتركة بينهما، مثل تحمل أعباء الأُسرة أو التعاون المتنوع والمؤثر في تقدم الأُسرة، فعليهم أن يتعاونوا، فهذ الأمور هي أمور مشتركة بين الزوج والزوجة.. والحالة الأمثل –هنا- أن يقسم العمل، وأحياناً لا يقسّم، إلّا أنّ الأفضل هو تقسيم العمل، فتنجز المرأة بعض الأعمال وينجز الرجل البعض الآخر. كما هو الحال في جميع الأعمال المشتركة.. أو من هم في موقع واحد(1).
على الزوج والزوجة أن يتعاونا في محيط الأُسرة، فإذا كان الزوج في مشكلة أو ضائقة معينة، فعلى الزوجة أن تتكيّف معه وكذلك إذا واجهت المرأة صعوبات في مجال العمل أو في داخل البيت أو حيثما كانت، فعلى الزوج أيضاً أن يساعدها، فيجب أن يعتبر كل واحد منهما نفسه شريكاً في مصير الآخر، وأن يقوما بذلك في سبيل الله تعالى(2).
ليُشجِّع أحدكما الآخر:
التعاون والمساعدة قد لا يكون أحياناً في أن يقوم أحدكما بعمل الآخر، بل بأن يساعده معنوياً –عادة ما يواجه الرجال مشاكل أكثر صعوبةً في المجتمع، بإمكان النساء تقويتهم، وإزاحة التعب عنهم، والتبسم لهم وإدخال السرور عليهم، وكذلك لو كان لدى المرأة عمل خارج البيت، فينبغي على الرجل أن يقدم لها الدعم والمساعدة(3).
المقصود بالتعاون، هو التعاون الروحي، وأن تدرك المرأة الحاجات الأساسية للرجل، فلا تضغط عليه من الناحية الأخلاقية، ولا تفعل ما من شأنه أن يقعده عن شؤون حياته ويقوده –لا سمح الله- إلى سلوك الطرق المنحرفة، عليها أن تُشجِّعه وتحثه على الثبات والمقاومة في ميادين الحياة.
وإذا كان عمله يستدعي التأثير بعض الشيء على وضعه العائلي فلا تشعره بذلك، هذا ما يجب على المرأة، الرجل من جهته أيضاً مكلّف أن بدرك متطلبات المرأة ويفهم أحاسيسها ولا يغفل عنها(4).
التمهيد للنجاح:
إذا لاحظ الرجل أنّ المرأة تريد أن تخطو خطوة إيجابية في طريق أداء واجباتها الدينية فعليه أن يهيّء لها الوسائل اللازمة ولا يضع أمامها العراقيل، ومثلاً بعض النساء يرغبن في إكمال دراستهن أو يحضرن الدروس الدينية، أو يتعلمن القرآن أو يقمن بأعمال خيرية لكن أزواجهن يسيؤن إليهن، فيقولون: لا وقت لدينا لمثل هذه الأعمال، لقد تزوجنا لنعيش حياتنا، فلا يدعوون المرأة تقوم بعمل الخير هذا، على العكس من بعض الرجال الذين يريدون أن يعطوا الصدقات الجارية، وأن يساهموا في الأعمال المختلفة، لكنّ النساء تمانع في ذلك(5).
الشرط الأساس لمشاركة المرأة في النشاط الاجتماعي:
نحن نعارض بطالة النساء، لا بد للمرأة أن تعمل وهذا العمل نوعان: أحدهما العمل في البيت، والآخر العمل خارج البيت، وكلاهما عمل. فإذا كانت هناك من هي قادرة على العمل خارج البيت فيجب أن تعمل.. وهو أمر حسن جداً، لكن بشرط أن لا يضُرّ هذا العمل -حتى العمل داخل البيت- بالعلاقة الزوجية، فبعض النساء تعمل من الصباح إلى الليل، ثم عندما يعود الرجل إلى البيت لا تطيق حتى التبسّم بوجهه، هذا أمرٌ سيِّء، يجب القيام بأعمال البيت، لكن ليس إلى الحد الذي يؤدي إلى هدم الأسرة(6).
إذا أرادت المرأة العمل خارج البيت فلا إشكال في ذلك والإسلام أيضاً لا يمانع، لكنَّ هذا ليس من واجبها، ما يجب عليها هو حفظ الجو الحياتي لجميع أفراد العائلة(7).
تشجيع أحدكما الآخر في التسابق إلى الخيرات:
يجب أن يراعي أحدكما الآخر في جميع الظروف والأحوال. ساعدوا بعضكم وكونوا عوناً وعضداً لبعضكم، خصوصاً في مجال العمل في سبيل الله وفي طريق أداء الواجب، فإذا كان الرجل هو الذي يعمل في سبيل الله فعلى المرأة أن تساعده، أو كانت المرأة هي التي تقوم بواجبها في سبيل الله فعلى الرجل أن يساعدها، فأي منهما كان هو المجاهد فعلى الآخر أن يساعده(8).
فإذا كان الرجل يعمل في المجال العلمي وفي مجال النشاط والجهاد، فعلى المرأة أن تتعاون معه لكي يتمكن من القيام بعمله بسهولة. وكذلك الرجل والفتيان ينبغي أن يعطوا الفرصة لنسائهم لكي يدخلن في ميادين المنافسة المعنوية تلك، بحيث يستطعن الدراسة أو المشاركة في النشاطات الاجتماعية إذا أردن ذلك(9).
على كل حال من الرجل والمرأة أن يسعى لهداية الآخر إلى طريق الله، وأن يساعد أحدهما الآخر على الثبات على الصراط المستقيم. وأن يكون قوله تعالى «وَتَواصَوْا بِالْحَقِّ وَتَواصَوْا بِالصَّبْر» (10)، والذي هو من خصائص الإسلام، وأهم خصائص الإيمان، نصب أعينهم(11).
وليساعد أحدهما الآخر فيما يخص تدينه ومراعاته لتقوى الله، أي أن يساعد الرجل زوجته لتكون متدينة ومتقية، وكذلك الزوجة تساعد زوجها ليكون متديِّناً وعفيفاً ويمكنه العيش متقياً(12).
ليس المقصود بالمساعدة هو غسل الأواني أو ما شابه -طبعاً هذا نوع من المساعدة- لكن المقصود هو المساعدة المعنوية والفكرية أي أن يساعد أحدهما الآخر في الثبات على طريق الإسلام، وأن يوصي أحدهما الآخر بالتقوى والصبر والتدين، يوصيه بالعفّة والقناعة والزهد... وأن يتعاونا مع بعضهما لكي يتمكنّا –إن شاء الله- أن يعيشا على أفضل وجه (13).
المشاركة في الهموم، مساعدة حقيقية:
المساعدة الحقيقية للآخر، هي أن يزيل كل منهما الهموم عن قلب صاحبه، فكل إنسان معرّض للهموم في مسيرة حياته، حيث يصيبه هم أو مشكلة أو تردد أو إبهام، فعلى كل من الزوجين –وفي هذه الحالة- أن يسارع إلى مساعدة الآخر، لكي يزيل الهم عن قلبه ويرشده ويتدارك خطأه، أو يمنعه إذا لاحظ أنه في طريقه إلى الوقوع في الخطأ(14).
الأهمية الكبيرة لتدبير ربّة البيت:
ليست الأعمال التي تقوم بها المرأة داخل البيت بأقل أهمية من الأعمال التي تكون خارج البيت ولا أقل تعباً، بل ربما يكون تعبها أكبر، فالمرأة ولكي تدير البيت تحتاج إلى السعي وبذل الجهد، لأنّ المدير في داخل البيت هو المرأة، فربّة البيت تعني ذلك الشخص الذي يكون محيط الأسرة تحت إشرافه وتدبيره وإدارته، فهذا أيضاً عمل مجهد ودقيق، والمهارة النسائية هي الوحيدة القادرة على القيام بمثل هذا العمل، ولا يمكن لأي رجل أن يقوم بهذا العمل بهذه الدّقة (15).
فالمرأة ليست عاطلة عن العمل في داخل البيت كما يعتقد البعض، كلّا! فالمرأة تقوم بأكثر الأعمال وأصعبها وأدقها في داخل البيت(16).
البعض يعتقد أنّ كون العمل المنزلي هو عمل المرأة، هو إهانة للمرأة، كلّا، لا توجد أي إهانة، بل إنّ أهم عمل للمرأة هو أن تدير عجلة الحياة(17).
الحضانة، مهارة عظمى:
بعض أعمال المنزل صعبة جداً، تربية الطفل أحد تلك الأعمال الشاقة، أي عمل ومهما تصوّرتموه صعباً، فإنّه في الحقيقة يصبح سهلاً بالقياس إلى تربية الأطفال. فالحضانة فن عظيم، ولا يمكن للرجل أن يقوم بهذا العمل ولو ليوم واحد، أمّا النساء فيقمن بهذا العمل الكبير بدقة وسعة صدر وظرافة، حيث أودع الله تعالى في غرائزهن مثل هذه القدرة.
إلّا أن تربية الأطفال هذه عمل صعب يُنهِك الإنسان في الحقيقة -ويهدّ قواه-(18).
الجمع بين العمل والحياة:
الشباب الذين يعملون في سبيل الله لا ينبغي أن يوقفهم الزواج عن عملهم هذا(19).
نحن نوصي الرجال دائماً أن لا يعرضوا عن بيتهم وحياتهم عندما يكون لديهم عمل. البعض يخرج من الصباح الباكر إلى العاشرة ليلاً.. كلّا! نحن نوصي الأشخاص الذين بإمكانهم أن يعودوا وقت الظهر إلى بيوتهم ويتناولوا الغداء مع زوجاتهم وأطفالهم ولو لساعة واحدة ثم يعودون إلى عملهم ليعودوا بعدها إلى بيوتهم أول الليل ليجلسوا مع أطفالهم، وتكون هناك لقاءات حقيقية (20).
المرأة أقوى من الرجل:
هؤلاء الرجال الذي تشاهدونهم بذلك الجسم والعضلات، كل هذا شيء ظاهري، لكم من ناحية التركيبة الذهنية، وفي الجوانب العاطفية فإنّ المرأة أقوى من الرجل وأكثر قدرة التحمل وإيجاد الحلول.
هذه هي طبيعة المرأة، وهكذا هُنّ أغلب النساء، طبعاً من الممكن أن لا تكون بعض النساء كذلك، لكن الغرض هو أن النساء أكثر قدرة على التغلب بلباقة على عوامل الإحباط، فبشيء من التنازل وشيء من المداراة وبالوسائل المتاحة يقمن بهذا الدور ويأخذن الرجل إلى حيث يجب أن يكون، لكي تصبح الحياة إن شاء الله أجمل(21).
انظروا إلى السيدة الزهراء (ع):
لا بد أنكم جميعاً سمعتم عن حياة السيدة الزهراء (ع) من حيث البساطة في مراسم الزواج، ثمّ حياة تلك المرأة العظيمة، حياة الفقر والزهد، حيث تلك الحجرة الكذائية وذلك الفراش البسيط وعملها داخل البيت في مقابل ذلك، وجهودها الكبيرة وصبرها مع زوج كأمير المؤمنين (ع) والذي كان مشغولاً بالعمل والنشاط طيلة مدة حياته.
إذا كان هناك قتال كان علي (ع) في المقدمة، وحيثما كان هناك عمل مهم كان علي السبّاق إليه. لقد عاشا سوية ما يقارب العشر سنوات، هل تلاحظون؟
انظروا كيف استطاع هذا الزوج الشاب خلال هذه العشر سنوات أن يقوم بواجباته الإنسانية المتعارف تجاه زوجته وأبنائه؟
فالصبر على حياة كهذه، على فقر ومشقّة كهذه، والقيام بذلك الجهاد العظيم وتربية هكذا أبناء، وتلك التضحيات العظيمة التي قامت بها السيّدة الزهراء (ع)، والتي سمعتم ببعضها، كل هذا قدوة في الحياة، فعلى بناتنا أن يقتدين بالسيدة الزهراء (ع) وعلى أبنائنا كذلك أن يقتدوا بالسيدة الزهراء وبأمير المؤمنين (ع)(22).

الهوامش:
1- خطبة العقد المؤرخة 22/12/1378هـ.ش.
2- خطبة العقد المؤرخة 15/1/1378هـ.ش.
3- خطبة العقد المؤرخة 15/1/1378هـ.ش.
4- خطبة العقد المؤرخة 10/2/1375هـ.ش.

5- خطبة العقد المؤرخة 5/8/1375هـ.ش.
6- خطبة العقد المؤرخة 12/11/1372هـ.ش.
7- خطبة العقد المؤرخة 8/3/1381هـ.ش.
8- خطبة العقد المؤرخة 11/5/1374هـ.ش.
9- خطبة العقد المؤرخة 5/1/1372هـ.ش.
10- سورة العصر، الآية: 3.
11- خطبة العقد المؤرخة 8/5/42هـ.ش.
12- خطبة العقد المؤرخة 2/1/1378هـ.ش.
13- خطبة العقد المؤرخة 13/12/1377هـ.ش.
14- خطبة العقد المؤرخة 2/9/1378هـ.ش.
15- خطبة العقد المؤرخة 6/6/1381هـ.ش.
16- خطبة العقد المؤرخة 18/12/1376هـ.ش.
17- خطبة العقد المؤرخة 8/3/1381هـ.ش.
18- خطبة العقد المؤرخة 22/8/1384هـ.ش.
19- خطبة العقد المؤرخة 19/9/1371هـ.ش.
20- خطبة العقد المؤرخة 18/6/1376هـ.ش.
21- خطبة العقد المؤرخة 24/1/1378هـ.ش.
22- خطبة العقد المؤرخة 24/911/1376هـ.ش.


المصدر: إنطلاقة المودة (282 نصيحة للزوجين) من إرشادات سماحة آية الله العظمى الإمام السيد علي الخامنئي (دام ظله)، ترجمة ونشر: دار الولاية للثقافة والإعلام. ط2، ترجمة: آل دهر الجزائري.

التعليقات (0)

اترك تعليق