التناظر المتصاعد حول حق المرأة السياسي ناخبة ومرشحة فلق الساحة إلى مؤيد ومعارض،
التناظر المتصاعد حول حق المرأة السياسي ناخبة ومرشحة فلق الساحة إلى مؤيد ومعارض، وكلاهما في موقفه يتوسل بما في تراثنا الديني وارثنا التاريخي من أدلة وشواهد أو حتى مؤشرات غامضة قابلة في مناخ انقسامي لأن توظف في خدمة موقف يراد شرعنته ونسبته إلى الوحي.
في الواقع، هذا التناظر يعيد كشف التحصينات الاستدلالية التقليدية والموروثة حول ما يجب وما لا يجوز، كما يخضع تلك الأساسات المؤدلجة التي تموضع الأشياء وفق رؤية قدّر لها أن تستحوذ على النص لتصنع سلطة تحتكر حق تفسيره بطريقة محددة وقذف أي تفسير آخر في مربع الحرام ووضع أهله في قائمة أهل النار.
إن ما يدعو للدهشة حقاً هو الميل المتعاظم لدى قسم من أهل العلم المؤدلجين لجهة تقسيم حقوق الإنسان (في الإسلام) على أساس تفسير النص الديني الموحي خارج سياقه التاريخي وظرفه الاجتماعي. فهناك قائمة من الروايات التي طالما شهرها المناهضون للحق السياسي للمرأة كالحديث "ما أفلح قوم ولو أمرهم امرأة" و"ما ولي قوم أمرهم امرأة إلا ذلوا".
هذه الأحاديث خضعت لقراءة خارج البيئة التاريخية التي انطلقت منها دون الالتفات الى: المناسبة التي ذكرت فيها؟ ولمن قيلت؟ وما أسباب قولها؟ ثم هل تمثل حكماً عاماً؟ فماذا عن باقي الاحاديث الاخرى في المرأة؟ ثم ما هو التوافق بين ما سبق والقرآن؟.
المسألة الأخرى، أن ثمة إصرارا لا مبرر له على تعميم النص الديني الخاص بحادثة مخصوصة على باقي الحوادث. كالإصرار على الاشتقاق من عدم قيمومة المرأة في الحياة الأسرية وسحبها إلى القيمومة السياسية، بحجة أن الله الذي قرر "الرجال قوّامون على النساء" في هذه الوحدة الاجتماعية الصغيرة (الاسرة) فكيف يعكس المعادلة في المجتمع الكبير. وفات هؤلاء أن تلك القوامية هي عبء على كاهل الرجل وليس قيداً للمرأة، لما فيها من التزامات مالية ومسئولية دينية واجتماعية.
ثانيا، إن الأخذ بهذا الاحتجاج يواجهنا باحتجاج مماثل: إذا كان للمرأة نصف الرجل فلماذا لم يقم الخلفاء الراشدون بتقسيم الفيء والخراج على المسلمين بنفس الطريقة "فللذكر مثل حظ الأنثيين" وسحب موضوع الإرث إلى موضوع تقسيم الفيء قياساً. ولكن سيقولون لك أن هذا التقسيم في الإرث خاضع للنص للثابت. ونقول إذن هناك اجتهاد وهنا نص، فكيف جعلتم النص كالاجتهاد في منزلة سواء.
إن هذا التقسيم في الخطاب الديني العمومي قد يغري أولئك المتهاجسين من الشراكة السياسية للمرأة التي تصورها لغتنا الدينية وكأنها مخلوق حقير خاضع لجبروت الرجل الأسمى شأناً والأعلى رتبة. وها نحن نعيد إنتاج الخطاب الجاهلي ولكن هذه المرة نصوغه في مفردات دينية –كما يدعون-.
أما الإسلام كما تجلّيه آياته الواضحات فليس فيه ما يشير إلى نوعين من الخطاب، خطاب للرجال، وآخر للنساء، فقد جاء في سورة التوبة قوله تعالى «والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر»(التوبة 71)، وقال تعالى في سورة الحجرات «يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم إن الله عليم خبير»(الحجرات 13)، وفي سورة النساء «يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث متهما رجالاً كثيراً ونساء..»(النساء 1)، وفي حديث نبوي "النساء شقائق الرجال".
يتبين من هذه النصوص، ونصوص أخرى مستفيضة أن المرأة مخاطبة مع الرجل سواء بسواء بتعاليم الإسلام وتكاليفه وتشريعاته، سواء فيما يرتبط منها بمسائل شخصية كالزواج والطلاق، واكتساب المال والتصرف فيه، أو تعلقت بالشؤون العامة كالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وليس هناك ثمة تفاضل على أساس النوع والعنصر فقد حدد القرآن معياراً ثابتاً واضحاً «إن أكرمكم عند الله اتقاكم».
إجماع بين الفقهاء
وثمة إجماع بين علماء الأصول والتفسير والفقه على أن خطاب التكليف يستوي فيه الرجال والنساء، بل قالوا بأن النصوص الإسلامية التي يوجه فيها الخطاب للرجال هي في ذات الوقت موجهة للنساء أيضا، في كل الأحكام والتكاليف والعظات، ما لم يأت ما يقيد الخطاب مما يتعلق بالخصائص التكوينية للرجال أو للنساء، ومما لم يصرح به الخطاب بأنه خاص بالرجال دون النساء أو العكس. وفي رواية عن عبد الله بن رافع قال كانت أم سلمة تحدث أنها سمعت النبي (ص) يقول على المنبر وهي تمتشط:"أيها الناس" فقال لماشطتها كفي رأسي (أي اجمعي أطرافه) فأجابت الجارية: إنما دعا الرجال ولم يدع النساء. فقالت أم سلمة: إني من الناس.
وقد برزت طائفة من النساء العالمات المبلغات، فقد روى البخاري ومسلم عن أبي سعيد الخدري قال: جاءت امرأة الى رسول الله (ص) فقالت: يا رسول الله ، ذهب الرجال بحديثك، فاجعل لنا من نفسك يوماً نأتيك فيه، تعلمنا مما علمك الله، قال: اجتمعن يوم كذا وكذا، فاجتمعن، فأتاهن النبي(ص) فعلمهن مما علمه الله.. وقد تبادر النساء الى مجالس الرسول الخاصة بهن، وقد أثنى رسول الله (ص) عليهن ودعا لهن فقال: "رحم الله نساء الأنصار لا يمنعهن حياؤهن أن يسألن عن أمور دينهن".
فالمرأة حكمها كحكم الرجل في الإيمان والكفر، والطاعة والمعصية، والثواب والعقاب، فهي مخلوق مكلّف، وتكليفها ناشئ عن تأهيلها، كونها: أولاً عاقلة تدرك خطابات التكليف، وتدرك الحق والباطل، والخير والشر، والمفاسد والمصالح، والقبح والجمال، وثانياً: مالكة لإرادة حرة يناط بها التكليف، وثالثاً: حائزة على المكنة الجسدية والنفسية والفكرية المطلوبة لأداء أوامر التكليف ونواهيه. وبناء على ذلك كانت المرأة كالرجل متى أعلنت إسلامها عصمت دمها ومالها إلا بحق الإسلام. وإذا تجاوزنا مرحلة اعتناق الإسلام، إلى مرحلة الانغماس في التكاليف الدينية الفرعية نجد أن قاعدة التسوية بين المرأة والرجل تضطرد في جميع التكاليف الإسلامية إلا فروقاً محددة في الفقه الإسلامي تستدعيها الخصائص التكوينية الجسدية والنفسية للمرأة .
أما في مجال الحقوق
ذاك في مجال التكليف، أما في مجال الحقوق التي يفرضها الإسلام للمرأة فهي أيضا تكاد تتساوى فيها مع الحقوق المفروضة مع الرجل، وقد عالج الشيخ محمد عبدة هذه المسألة انطلاقاً من وجهة النظر التي ترى بأن الإسلام قد ساوى بين الرجل والمرأة في الحقوق والواجبات مساواة حقيقية ويمكن تصنيف تلك الحقوق على هذا النحو:
1ــ الحقوق الشخصية والاجتماعية:
فقد ساوى الإسلام بين الرجل والمرأة في الأحكام المتعلقة بالتصرفات المالية والشخصية، فللمرأة وفق التشريع الإسلامي، أن تنجز لنفسها عقود البيع والرهن والإجارة والصلح والشركة والمساقاة والمزارعة بحرية كاملة للرجل، كما أنها تهب وتوصي وتتصدق وتعتق العبيد وتقف الأوقاف، ثم هي تعقد زواج نفسها بحرية تامة ولها حق القبول والرفض.
وكل هذه التصرفات تتولاها المرأة بنفسها، أو من توكله عنها للقيام به، دون وصاية أو حجر من أحد عليها مادامت مستوفية لشروط الاهلية المذكورة سلفاً.
وهناك نقطة هامة تتعلق بالحياة الزوجية للمرأة، فثمة اعتقاد بأن زواج المرأة من الرجل يفضي الى مصادرة حقها واستقلالها بما تملك، وهذا اشتباه عظيم، فزواج المرأة من الرجل لا يفقدها شيئاً من حقوقها أو من شخصيتها المدنية ولا من أهليتها، فأموال المرأة في التشريع الإسلامي هو ملك لها، وليس لأحد أن يعتدي عليها في شيء منه، فلها حق التملك وإجراء العقود من بيع وشراء وهبة ونقل ملكية وغيره، فكان الإسلام في هذا اسبق من غيره، بل يكاد ينفرد به عن غيره، فقد جاء في المادة (217) من القانون المدني الفرنسي ما نصه:"أن المرأة المتزوجة لا يجوز لها أن تهب ولا تنقل ملكيتها ولا أن ترهن ولا أن تملك بعوض أو بغير عوض بدون إشراك زوجها في العقد أو موافقته عليه موافقة كتابيّة".
2ــ الحقوق السياسية
ويندرج في إطار الحقوق السياسية للمرأة في الإسلام مطلبان رئيسيان:
أ ــ المشاركة العامة في الحياة السياسية.
ب ــ حق المرأة في الولايات العامة بما في ذلك رئاسة الدولة.
وفي المطلب الأول: نجد أن حظ النساء في المشاركة السياسية العامة لم يكن بأقل من حظ الرجال، بل كان لهن مثل نصيبهم، ويرد في هذا الصدد موضوع البيعة في الإسلام بما يشمل العمل بدستور الإسلام، والبيعة على السمعة والطاعة للقيادة الإسلامية، أي الالتزام بإطاعة من اخترن للقيادة.
وقد صار ثابتاً بأن الرجال والنساء سواسية في المبايعة على الإذعان للسلطة الزمنية وفق أحكام الشريعة الإسلامية، وقد قال تعالى «لقد رضي الله عن المؤمنين إذ يبايعونك تحت الشجرة فعلم ما في قلوبهم فأنزل السكينة عليهم وأثابهم فتحاً قريباً• ومغانم كثيرة يأخذونها وكان الله عزيزاً حكيماً»(الفتح 18-19) وقد اشترك النساء في المبايعة على التسليم بالسلطتين الدينية والزمنية في عهد الرسول (ص) فبايع المؤمنات رسول الله (ص) على مثل المبايعة التي كانت للرجال باستثناء الالتزام بالقتال في سبيل الله. وهكذا ضمن الإسلام للمرأة حق الترشيح والانتخاب تماماً كالرجال، وقد سارت الدول الإسلامية التي التزمت النظام الانتخابي هذا المبدأ، فقد شاركت المرأة المسلمة في إيران في انتخاب رئيس الجمهورية وممثلي البرلمان (مجلس الشورى).
أما المطلب الثاني: وهو مشاركة المرأة المسلمة ليس كناخبة وإنما منتخَبة، فقد وقع الخلاف بين الفقهاء وأهل العلم من المسلمين، وكان الخلاف عائداً إلى تفسير الآية المباركة «الرجال قوامون على النساء بما فضل الله بعضهم على بعض وبما أنفقوا من أموالهم» ( النساء ـ34) والحديث النبوي «ما أفلح قوم ولوا أمرهم امرأة» وقد جرت مناقشات محدودة لمعالجة هذه الإشكالية، ورغم انعقاد الإجماع بين علماء الفقه السلطاني على منع الولاية العامة (الإمامة = رئاسة الدولة) عن المرأة استناداً إلى الآية والحديث المتقدمين، إلا أن مثل الماوردي (ت 450هــ ) لم يذكر في كتابه ( الأحكام السلطانية) شرط الذكورية في شروط اهل الامامة السبعة، كما أن أبا يعلى الفراء الحنبلي خوّل للمرأة تولي منصب القضاء، وفيما قيّد ابو حنيفة قضاء المرأة فيما تصح فيها شهادتها ، جوّز ابن جرير الطبري قضاء المرأة في جميع الأحكام.
وفي منصب الولاية العامة فقد ذهب بعض فرق الخوارج مثل الشبيبية الى جواز إمامة المرأة إذا قامت بأمورهم وخرجت على مخاليفهم، وقالوا بأن غزالة أم شبيب كانت إماما بعد موت شبيب. واشتهرت في التاريخ الإسلامي نساء أخريات في ميدان السياسة منهن الحرة الصليحية التي حكمت مواطن من اليمن مدة تزيد على أربعين سنة من القرن السادس.
وقد ناقش علماء المسلمين الولاية العامة للمرأة، فاستند المجيزون لإمامة المرأة إلى عدم وجود تقييدات صريحة في هذا الصدد، بل إنّ عموميات النصوص الإسلامية تؤكد على المساواة بين الذكر والأنثى، وإن حديث "ما أفلح قوم ولوا أمرهم امرأة" ورد في حادثة مخصوصة، وهي أنه لما ورد على النبي (ص) أن كسرى فارس مات وأن قومه ولّوا ابنته مكانه، قال عليه السلام ذلك القول تعبيراً عن سخطه على قتلهم رسوله إليهم، فالحديث إذن جاء في مورد خاص، وقد قال علماء الأصول (تخصيص المورد لا يخصص الوارد) فما كان حكماً عاماً حتى يصح إطلاقه وتعميمه. أما الآية المباركة فكان أبو الأعلى المودودي أول من استند عليها لمنع المرأة من الولاية العامة.
مسألة القوامة
وقد ناقش عدد من علماء المسلمين المعاصرين موضوعة القوامة الوارد ذكرها في الآية الكريمة، يقول الشيخ يوسف القرضاوي "هناك من يستدلون على منع المرأة من الترشيح للمجلس النيابي بأن هذه ولاية عامة على الرجال وهي ممنوعة منها، بل الأصل الذي أثبته القرآن الكريم أن الرجال قوامون على النساء، فكيف نقلب الوضع وتصبح النساء قوامات على الرجال. وأود أن أبين هنا أمرين:
الأول: أن عدد النساء اللائي يرشحن للمجلس النيابي سيظل محدوداً وستظل الأكثرية الساحقة للرجال، وهذه الأكثرية تملك القرار وهي التي تحل وتعقد فلا مجال للقول بأن ترشيح المرأة للمجلس سيجعل الولاية للنساء على الرجال.
الثاني: أن الآية الكريمة التي ذكرت قوامية الرجال على النساء إنما قررت ذلك في الحياة الزوجية فالرجل هو رب الأسرة وبدليل قوله تعالى «الرجال قوامون على النساء بما فضل الله بعضهم على بعض وبما أنفقوا من أموالهم»(النساء 34) فقوله «وبما انفقوا من أموالهم» يدلنا على أن المراد من القوامة على الأسرة، وهي الدرجة التي منحت للرجال في قوله تعالى «ولهنّ مثل الذي عليهن بالمعروف وللرجال عليهن درجة»(البقرة 228) أما ولاية بعض النساء على بعض الرجال خارج نطاق الأسرة فلم يرد ما يمنعه، بل الممنوع هو الولاية العامة للمرأة على الرجال".
ورد القرضاوي اعتراض القائلين بخلو التاريخ الاسلامي من مشاركة نساء في ميدان الولايات العمومية قال "وما يقال من أن السوابق التاريخية في العصور الإسلامية لم تعرف دخول المرأة في مجالس الشورى، فهذا ليس بدليل شرعي على المنع، وهذا مما يدخل في تغيير الفتوى بتغير الزمان والمكان. والشورى لم تنظم في تلك العصور تنظيماً دقيقاً لا للرجال ولا للنساء".
كما رد الشيخ حسين علي المنتظري على القائلين بأن القوامة تتجاوز اختصاص قوامية الرجل على زوجته، إلى الحكومة والقضاء، وقال بأن "شأن النزول وكذا السياق شاهدان على كون المراد قيمومة الرجال بالنسبة إلى أزواجهم. إذ لا يمكن الالتزام بأن كل رجل بمقتضى عقله الذاتي، وبمقتضى إنفاقه على خصوص زوجه له قيمومة على جميع النساء الأجنبيات. ولو سلم الشك أيضا فصرف الاحتمال يكفي في عدم صحة الاستدلال".
مأخذ: منيرة عبدالرزاق، موقع بلاغ
Balagh.com/woman/hqoq
اترك تعليق