مُمَهِدَاتْ... وحقيق أن تبادر المرأة المثقّفة الملتزمة الواعية فتمهد الطريق وتفتح الآفاق.

دور المرأة في الصحوة الإسلامية

دور المرأة في الصحوة الإسلامية

الإمام الخميني (قدس سره الشريف): إنكّن أيتها النساء تحظين بشرف الأمومة... وإنكّن بهذا الشرف مقدّمات على الرجال... إن أول مدرسة يتعلم فيها الطفل هي حضن الأم، الأم الصالحة تربي طفلاً صالحاً..

 
أولا: الإمام الخميني والمرأة(ره) 
عندما نتحدث عن دور المرأة في الصحوة الإسلامية تبرز أهمية استحضار موقع ومكانة المرأة في فكر الإمام الخميني(ره)؛ فهو من القيادات المرجعيّة القليلة جدا في عالمنا المعاصر التي آمنت بدور المرأة، والمسؤولية الملقاة على عاتقها لجهة تماسك المجتمع الإنساني ونهضته؛ بما هو تطوّر الإنسان الفرد والمجتمع ككل مرتبط ارتباطاً عضوياً بتطوّر المرأة ودورها. ولعل إحدى أهم المميزات الحاضرة وبقوة في نهضة الإمام الخميني هي تطبيق مبادئ الإسلام. فالمبادئ التي قامت عليها الثورة الإيرانية تركت أثرها الواضح في المرأة، وكان لها الدور الكبير في نجاح الثورة الإسلامية. وهذا ما شدد عليه الإمام الخميني؛ حيث نجده يكرر الحديث عن الفضل الكبير للمرأة في إيقاظ الوعي وفى توجيه الشباب الإيراني عندما يقول "إننا نعتبر نهضتنا مدينة للنساء، فالرجال كانوا ينزلون إلى الشوارع اقتداءً بالنساء، فهن شجعن الرجال وكن دائماً في مقدمة الصفوف". 

وإنني من اللواتي آمنّ بأنّ الخاصيّة البارزة والمهمة جدا في فهم وإدراك الإمام الخميني الواعي والعميق لدور المرأة المسلمة ومسؤولياتها؛ إنما يكمن في أنّه تجاوز حيز التنظير والقول أو وضع الأحكام والفتاوى التي تحكم حركة المرأة في المجتمع الإسلامي، وفقا لتعاليم الإسلام إلى دائرة الفعل والتطبيق العملي. 

وهنا أشير إلى واحد من المصاديق العملية والمعبّر جداً للدور الذي كان ينشده الإمام الراحل(قده) للمرأة في المجتمع، ويتجلى في تركيبة الوفد الذي حمل رسالته التاريخية إلى رئيس الاتحاد السوفيتي السابق غورباتشوف في الثالث من كانون الثاني عام ١٩٨٩ يبشّره فيها بموت الشيوعية ويدعوه إلى الإسلام؛ فقد ضم الوفد آنذاك عالم الدين والجامعي والمرأة، وتحديدا ممثلة طهران في مجلس الشورى السيدة الدباغ. 

لقد حدّد الإمام الخميني(قده) الملامح الأساسية لرؤيته لدور المرأة في أحاديثه وخطاباته وفتاواه. فالمرأة "تحظى بدور عظيم في المجتمع" وهي "مظهر تحقق آمال البشرية"؛ على قاعدة أن المرأة مربية النساء والرجال المحترمين.. من أحضان المرأة ينطلق الرجل في عروجه، وأحضان المرأة مهد تربية نساء ورجال عظام". 

وقد رهن (الإمام الخميني) مصير المجتمعات الإنسانية بالمرأة ودورها انطلاقا من أنّ صلاح وفساد أي مجتمع بصلاح وفساد النساء فيه، فالمرأة "هي الكائن الوحيد الذي بمقدوره أن يمنح المجتمع من أحضانه أفراداً يساق المجتمع (بل المجتمعات) بلطف بركاتهم إلى الاستقامة والقيم الإنسانية السامية". 

ويذهب أبعد من ذلك إلى تشبيه موقعها في المجتمع الإنساني ودورها بمهمة ودور القرآن الكريم في بناء الإنسان وتربيته. وقد عبَّر عنها الإمام الخميني قدس سره في قوله: المرأة كالقرآن فكلاهما أوكل إليه مهمة صنع الرجال، تربي النساء في أحضانهن الرجال الشجعان.. إن القرآن الكريم يربي الإنسان، والمرأة أيضاً تربي الإنسان، فوظيفة النساء تربية الإنسان، وإذا ما تمّ "تجريد الأمم من النساء الشجاعات والمربيات للإنسان سوف تهزم الأمم وتؤول إلى الانحطاط. فهو أراد بذلك التدليل والتأكيد على أن المرأة لا يمكن أن تكون على هامش الحياة العامة، بل هي في قلب المجتمع لها دورها الأساسي والفعّال. وأن حضورها مرتكز أساسي في الإصلاح والإعمار؛ ومن هذا المنطلق نجد الإمام الخميني في مجمل خطاباته وأحاديثه يركز على أهمية بناء المجتمع الصغير وهو الأسرة؛ باعتباره صورة مصغرة عن المجتمع الكبير، وتضطلع المرأة فيه بالدور الأكبر والأخطر، وهذا الدور المهم والخطير هو شرف كبير للمرأة كما يعبّر الإمام الخميني قدس سره: 
"إنكّن أيتها النساء تحظين بشرف الأمومة... وإنكّن بهذا الشرف مقدّمات على الرجال... إن أول مدرسة يتعلم فيها الطفل هي حضن الأم، الأم الصالحة تربي طفلاً صالحاً. وإذا كانت الأم منحرفة -لا سمح الله- سوف ينشأ الطفل منحرفاً في أحضان هذه الأم، لأن العلاقة التي تربط الأطفال بالأم دونها أي علاقة أخرى، وما داموا في أحضان الأم، فإن كل ما يفكرون به وكل ما يتطلعون إليه يتلخص في الأم، وينظرون إليه من خلالها. إن كلام الأم وخْلقها وأفعالها تترك تأثيرها في الأطفال.. وسوف ينشأ هذا الطفل على تلك الأخلاق والأفعال بوحي من تقليده لأمه التي هي أسمى من يقلّد. 

هنا نسأل هل أن هذا التركيز على أهمية وحجم المسؤولية التربوية الملقاة على عاتق المرأة يحصر دورها في دائرة الأمومة، وبالتالي ما مغزى وجود المرأة غير المتزوجة مثلاً أو ما يسميها المجتمع العانس؟ إن الإمام الخميني(ره) سعى إلى القضاء على معادلة التعاطي مع المرأة الأنثى واستبدالها بمعادلة المرأة الإنسانة، من دون أن يعني ذلك أن الأنوثة والإنسانية في حالة تناقض، بل في حالة تكامل؛ فالمرأة الأم تجسد إنسانيتها في أمومتها، والعازبة في الاندماج وتأدية دور فاعل في مؤسسات المجتمع أو أداء نشاط اجتماعي أو ثقافي أو تربوي. 

لذا نجد أنّ الإمام الخميني(قده) ولاستنهاض المرأة لم يغفل مجالاً إلا ودعاها إلى المشاركة فيه، والحضور الفاعل؛ فهو حضّهن على "أن تكنَّ وفي مختلف الأعمار متواجدات زرافات ووحداناً في الساحات الثقافية والاقتصادية وحتى العسكرية يبذلن الجهد جنباً إلى جنب مع الرجال أو متقدمات عليهم في طريق إعلاء الإسلام وأهداف القرآن الكريم". 

فعلى "المرأة أن تساهم في مقدرات البلاد المصيرية... والعمل في السياسة ليس مجرد من حق النساء، بل "إنه مسؤوليتهن وواجبهن، علماء الدين أيضاً من حقهم التدخل في السياسة، وهو واجبهم وتكليفهم. فالدين الإسلامي دين سياسي: كل شؤونه سياسية..حتى عبادته... والمرأة تتمتع بحق الرأي وحق الانتخاب وحق الترشيح. "كما إن المشاركة في الاستفتاء تُعد من الواجبات الوطنية والإسلامية للمرأة والرجل على حد سواء. لقد أكد الإمام على ضرورة مشاركة المرأة في الأمور السياسية وبناء النظام ومؤسساته بفعالية، وفي جميع المجالات "ومثلما يتوجب على الرجال المساهمة في القضايا السياسية والحفاظ على مجتمعهم، يجب على النساء أيضاً المشاركة والحفاظ على المجتمع، يجب على النساء أيضاً المشاركة في النشاطات الاجتماعية والسياسية على قدم المساواة مع الرجال، بالطبع مع المحافظة على الشؤون التي أمر بها الإسلام ....". 

ولأنّ المرأة في فكر الإمام الخميني(قده) مظهر تحقّق آمال البشر، فقد دعاها إلى تبوّأ مكانتها عبر تحديد وتقرير مصيرها كما هو الحال بالنسبة إلى الرجل "نحن ندعو لأن تحتل المرأة مكانتها الإنسانية السامية، وينبغي للمرأة أن تساهم في تحديد مصيرها "؛ فالمرأة غير القادرة على تقرير مصيرها، وتحديد ما الذي تريده وما لا تريده كيف يمكن لها أنّ تربّی إنساناً حرّاً سويّا ذکراً کان أم أنثى. 

إذاً، المطلوب هو قدرة المرأة على التفكير والتقرير، ففاقد الشيء لا يعطيه، شریطة أن تکون هذه القدرة منسجمة مع التعاليم الإسلامية وبما يحقق مصلحة الإنسان فی دنیاه وآخرته. 

والأهمّ من ذلك كله هو حضور البعد المعنوي في خطاب الإمام الخميني(ره) في سياق التأكيد على أهميّة حضور المرأة وحثّها على الاستمرار، حيث نجده يكثر من شكرهن على دورها والحديث عنها بفخر واعتزاز ؛ فيقول "إننا نفخر أن السيدات والنساء صغاراً وكباراً، ناشئات وعجائز، يمارسن دورهن الفاعل في المجالات الثقافية والاقتصادية والعسكرية كالرجال، أو أفضل، سعياً في تحقيق رفعة الإسلام وأهداف القرآن الكريم.. إنني أكنّ احتراماً خاصاً لجميع فئات الشعب، لاسيما السيدات اللاتي كان لهنّ (وما زال) دور خطير في هذه النهضة المقدسة، وأنا أعتبرهن سبّاقات في هذه النهضة، أقدّم شكري لكم جميعاً، خاصة هذه النساء المحترمات اللاتي وضعن أرواحهن على الأكفّ وحقّقن ويحقّقن النصر لنهضتنا، أسأل الله أن يمنّ عليكم بالعزّة، وعلى الإسلام بالعظمة". إنّكنّ أيتها النساء وجميع نساء إيران، وخاصة نساء مدينة قم: كان دوركنّ كبيراً في هذه النهضة، ولم تبخلن بمساعداتكن جنباً إلى جنب الرجال بنضالنا ضد الاستبداد والاستعمار.. أسأل الله أن يحفظكن". 

لقد أراد بذلك ليس مجرد التأكيد على طبيعة الدور المناط بالمرأة، بل أراد رفع معنوياتها وتشجيعها على المضي في تأدية دورها الرسالي. 

مما تقدم -وهو غيض من فيض ما جاد به علينا- يتبيّن أنّ الإمام الخميني(قده) الإنسان والعالم تعاطى مع المرأة من خارج الموروث الاجتماعي المعقد، وما اصطلح على تسميته السلطة الذكورية التي حكمت نظرة وطريقة تعاطي المجتمعات مع المرأة. سواء على مستوى المسؤوليات والحقوق والواجبات؛ فالإمام الخميني(ره) تعاطى مع المرأة الإنسانة وليس المرأة الأنثى انطلاقاً من السلطة الذكورية التي وجدت في مراحل سابقة ولازلنا نجدها لدى الكثير من الشخصيات الدينية والاجتماعية والسياسية. وبالتالي فهو قدّم –قولا وفعلا– نموذجا ناصعا لما يمكن أن تكون عليه المرأة وطبيعة الدور الإنساني المناط بها. 

ثانيا: المرأة في فكر الإمام الخامنئي(حفظه الله)
يركّز خطاب الإمام الخامنئي على تكامل الإنسان، إذ لا فرق عنده بين الرجل والمرأة، وهما لا يختلفان عن بعضهما قيد أنملة من حيث الصفة الإنسانية والبعد الإلهي. 

والحديث عن المرأة شريكة الرجل يشغل مساحة كبيرة يحتلّ العلم فيها البعد الأبرز، بما هو واجب إسلامي على المرأة. ولابدّ أن تكون هناك قناعة وإدراك بين النساء أنفسهنّ لضرورة التوجه نحو اكتساب المعرفة والعلم والمطالعة والوعي والمعلومات والمعارف، وأن يولين ذلك الأهمية"؛ فالإسلام يريد أن يبلغ الرشد الفكري والعلمي والاجتماعي والسياسي وأهم من ذلك كله رشد الروح والفضيلة عند المرأة، أن يبلغ حدّه الأعلى، وأن يكون لوجودها كعضو في المجتمع وفي الأسرة البشرية أعلى الفوائد والثمار. 

وكل تعاليم الإسلام تسعى إلى ذلك، وبالتالي فإنّ العلم يبرز ويجلي الجوهر الإنساني للمرأة، ويوصل مع الحكمة إلى الرشد الفكري والاجتماعي. لذا نجد السيد  القائد يحرّض المرأة على التعلّم في كافة الاختصاصات، بل في كلّ مفيد ترغب فيه. فمن خلال العلم يمكن للمرأة أن تكون مطلعة جيداً على حقها الإنسان والإلهي، وأن تدافع عنه، وأن تجد نفسها بالمعنى الحقيقي للكلمة. 

وبالعلم فقط يمكن إيجاد الحل لكثير من مشاكل المجتمع: مشاكل المرأة فيه ناتجة عن عدم العلم أو قلته، فلو علّمنا النساء بالشكل الصحيح، فإن الكثير من هذه المشاكل ستنتهي. وفي إطار تحديد دورها انطلاقا من الشراكة المشار إليها يحدد الإمام الخامنئي ثلاثة مجالات لنشاطات المرأة: 

- المجال الأوّل: التكامل والنمو والترقي المعنوي للمرأة، فالمرأة كما الرجل قادرة على بلوغ أعلى درجات الكمال المعنوي، لذا يذكر القرآن الكريم هذه الآية المباركة (إنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَالْقَانِتِينَ وَالْقَانِتَاتِ وَالصَّادِقِينَ وَالصَّادِقَاتِ وَالصَّابِرِينَ وَالصَّابِرَاتِ وَالْخَاشِعَينَ وَالْخَاشِعَاتِ وَالْمُتَصَدِّقِينَ وَالْمُتَصَدِّقَاتِ وَالصَّائِمِينَ وَالصَّائِمَاتِ وَالْحَافِظِينَ فَرُوجَهُمْ وَالْحَافِظَاتِ وَالذَّاكِرِينَ اللهَ كَثِيراً وَالذَّاكِرَاتِ). نلاحظ ذكر الله تعالى المرأة إلى جانب الرجل (أعَدَّ اللهُ لَهُمْ مَغْفِرَةً وَأجْراً عَظِيماً). إذن كلاهما في هذا الشأن سواء. 

والقرآن الكريم عندما يريد أن يذكر نموذجاً للإنسان المؤمن يختاره من بين النساء كما يختاره من بين الرجال: (وَضَرَبَ اللهُ مَثَلاً لِلَّذِينَ آمَنُوا امْرَأةَ فِرْعَوْنَ). الله سبحانه وتعالى يذكر نموذجين من النساء بصفتهما رمزاً للإنسان المؤمن لا رمزاً للمرأة المؤمنة، يعني أن الله تعالى عندما أراد أن يذكر نموذجاً ومثلاً لأعلى درجات الإنسانية والتكامل المعنوي ذكره من النساء، حيث ذكر امرأتين نموذجاً حياً لذلك إحداهما امرأة فرعون: (إذْ قَالَتْ رَبِّ ابْنِ لِي عِنْدَكَ بَيْتاً فِي الْجَنَّةِ). 

لقد كافحت هذه المرأة تلك القدرة المتغطرسة الطاغوتية المتمثلة بزوجها، ولم تخضع لظلمه ولم يستطع أن يفرض عليها طريق الظلال وهي في بيته، مع أن عظمته وقدرته الواسعة استطاعت أن تسيطر وتهيمن على ملايين الرجال وجعلتهم رهن إرادته، بل عاشت هذه المرأة حرّة وآمنت بالله وتركت طريق فرعون وطريق الضلال واختارت الطريق الإلهي القويم، لذا ذكرها القرآن الكريم نموذجاً بارزاً لا لبني جنسها فقط بل للبشرية جمعاء رجالاً ونساءً. 

المجال الثاني: وهو مجال النشاطات الاجتماعية الذي يشمل النشاطات الاقتصادية والسياسية والنشاطات الاجتماعية...فالإسلام يرى أن الرجال والنساء متساوون في ممارسة كل النشاطات المتعلقة بالمجتمع البشري. فالمرأة إذا أرادت وكان لها رغبة تستطيع أن يكون لها نشاطات مختلفة، وتستطيع أن تؤدي أي عمل يتعلق بالمجتمع.. فليس "هناك أي تفاوت بين المرأة والرجل في مجالات الإعداد والاقتصاد والتخطيط والتفكير ووضع الدراسات لشؤون البلد والمدينة والقرية والجماعة والشؤون الشخصية للأسرة. فالكل مسؤول وعلى الكل أن يؤدي المسؤولية.... في ساحة النشاطات الاجتماعية التي تشمل النشاط الاقتصادي والسياسي والاجتماعي بمعناه الخاص والعلمي والدراسة والتدريس والكدح في سبيل اللّه والجهاد وجميع ساحات الحياة الاجتماعية. ففي هذه الساحة لا يوجد تفاوت بين الرجل والمرأة في مزاولة النشاطات المختلفة في شتى المجالات في نظر الإسلام....فالساحة مشرّعة أمام الرجال والنساء في المجتمع الإسلامي.. والمنصب له علاقة بالكفاءة بعيداً عن موضوع الجنس والرجل والمرأة. 

المجال الثالث وهو مجال الأسرة: إنّ صلاح النساء في المجتمع، يستتبع وراءه صلاح الرجال، ودور النساء على هذا الصعيد من الأدوار البارزة، وربما كان أول الأدوار؛ ذلك أن المرأة صانعة الرجال؛ وكما شدد الإمام الخميني(قده) على دور المرأة في تطور المجتمع الإنساني نجد الإمام الخامنئي يؤكد على ".. إن أهم بناء هو بناء الإنسان، ليس بناء جسم الإنسان فقط، بل بناء عواطف الإنسان وأخلاقه، أن يربّين في أحضانهن بشراً دون عقد، وإنساناً صحيحاً وسالماً، تلك هي أهم قيمة لعمل المرأة". 

وبعد التأكيد على أهمية التوازن بين العمل والأسرة، أشار الإمام الخامنئي إلى مسألة مهمَّة تتعلق بقوة التأثير لدى على الأسرة حتى خارج البيت والتي تفوق قدرة الرجل؛ ففي أيّ "ساحة تدخل النساء بشكل مسؤول وواع فإن التقدّم في تلك الساحة سيتضاعف.. إن خصوصية حضور النساء في الساحات المختلفة هو أن دخول سيدة الأسرة في تلك الساحة يعني دخول زوجها وأبنائها أيضاً. أما حضور الرجل فليس له مثل ذلك التأثير. وفي أي ساحة من الساحات تردها المرأة السيدة وربّة البيت فإنّها في الواقع تدخل ذلك البيت كله إلى تلك الساحة، لذا فإن حضور النساء في المجالات المختلفة أمر مهم جدا". 

حتى البعد المعنوي حضر بقوة في خطاب الإمام الخامنئي لجهة ضرورة وأهميّة رفد المرأة بالاحترام والتقدير، فكيف يمكن للناس التحدّث "بإجلال وإكبار عن صانعي الأدوات المادِّية، ومخترعي الأمور المادِّية، ومبتكري الأعمال الأدبيَّة الشعريَّة والفنيَّة، ويقدِّمون لهم المنح والهدايا.. يتحدَّثون بافتخار واحترام عن مكتشف الكهرباء وقانون الجاذبية وعن غيرهما من المكتشفين والمخترعين.. إلا أن ما أغفله النَّاس ولم يعطوه الأهمية المطلوبة هو المرأة صانعة الرجال. فعلى المجتمع أن لا يستهين بدور المرأة الريادي والصناعي. بل على المرأة ذاتها أن لا تستهين بدورها في صناعة الرجال". 

ثالثا: دور المرأة في الصحوة الإسلامية 
في ضوء ما تقدم وانطلاقا من نظرة الإمام الخامنئي لدور المرأة المسلمة وفقا للمفهوم القرآني، يمكن القول أنّ دور المرأة في الصحوة الإسلامية، لا يقتصر على بعد دون آخر، بل يشمل كل جوانب الحياة الإنسانية، مع تركيز واضح على البعد التربوي في دور المرأة، وهو بُعد من شأنه أن يؤثر إما سلبا أو إيجابا على حركة الإنسان في حركة الاستخلاف في الأرض فيما لو لم يرتكز على عمل المرأة إلى تأصيل المفاهيم الإسلامية في نفسها أولا ومن ثم في أسرتها ثانيا وفي المجتمع ثالثا. وإذا ما أردنا النظر إلى طبيعة الدور السائد في الواقع وما هو في النصوص القرآنية لوجدنا أن ثمة تحديات كبرى تحول دون تطور هذا الدور. 

وفي هذا السياق ألفت إلى ما أكده مرارا الإمام الخميني حول ضرورة العودة إلى الإسلام من أجل حلّ المشاكل التي يعيشها الإنسان فيقول قدس سره: "إنني أوصي جميع الناس، وجميع المسلمين، وجميع العرب، أنه لو أرادوا التغلب على مشاكلهم، فإنه يجب عليهم أن يتربوا تربية إسلامية. يجب التحرك وفق المنهج الإسلامي، وأن يكون القرآن موجههم، وهادياً لهم وإماماً لهم، ولو حصل هذا لأمكنهم التغلّب على جميع المشاكل. وبخلاف ذلك لو أرادوا العمل بموجب الموازين العادية والموازين السياسية وأمثال ذلك فإن الغلبة ستكون للحكومات دوماً". هذه العودة كفيلة بتحقيق دور المرأة في حماية الإسلام خصوصا وأنّ الأصل هو القضاء على المشروع الإلهي في استخلاف الإنسان -رجلا وامرأة- في الأرض، فقد جاء في البروتوكول الرابع عشر من بروتوكولات حكماء صهيون قولهم: "حينما نمكن لأنفسنا فسنكون سادة الأرض، لن نبيح قيام أي دين غير ديننا، ولهذا السبب يجب علينا أن نحطم كل عقائد الإيمان، وإذ تكون النتيجة المؤّقتة لهذا هي أثمار ملحدين... وسيفضح فلاسفتنا كل مساوئ الديانات الأممية ولكن لن يحكم أحد أبدًا على ديننا من وجهة نظرها الحقة، إذ لن يستطاع لأحد أبدًا أن يعرفها معرفة شاملة إلا شعبنا الخاص الذي لن يخاطر بكشف أسرارها". 

وقال المبشر وِليم جيفورد بالكراف- وهو جندي بريطاني وراهب وعميل سري ودبلوماسي عمل في بيروت، مدة طويلة، وقام بمهمات سرية بين الطوائق اللبنانية-: "متى توارى القرآن ومدينة مكة عن بلاد العرب، يمكننا حينئذ أن نرى العربي يتدرج في سبيل الحضارة التي لم يبعده عنها إلا محمد وكتابه. وقريبًا من هذا المعنى قال غلادستون رئيس وزراء بريطانيا سابقًا "ما دام هذا القرآن موجودًا في أيدي المسلمين فلن تستطيع أوروبا السيطرة على الشرق. و في مؤتمر القدس عام١٩٣٥ يخاطب صموئيل زويمر طلائع المبشرين إن "مهمة التبشير التي ندبتكم الدول المسيحية للقيام بها في البلاد المحمدية ليست هي إدخال المسلمين في المسيحية، فإن هذا هداية لهم وتكريمًا، وإنما مهمتكم أن تخرجوا المسلم من الإسلام ليصبح مخلوقًا لا صلة له بالله، وبالتالي لا صلة تربطه بالأخلاق". 

لذا فإن مقاربة موضوع دور المرأة في الصحوة الإسلامية يرتكز عليه وإذا كان السبب الحقيقي في تراجع دور المرأة يكمن في جانب كبير في ابتعادها عن جوهر الإسلام ومبادئه من جهة، وسوء تطبيقه من جهة ثانية؛ مع ما صاحب ذلك من تأثر بالحركات التي انطلقت في العالم الإسلامي تحت شعار تحرير المرأة وأخذت من الفكر الغربي موئلا لها ولحركتها في المجتمع، فإنّ استعادة هذا الدور يتطلب من المرأة التصدي لمجموعة من التحديات ليتحقق موقعها في الصحوة الإسلامية المعاصرة؛ وفي مقدمة تلك التحديات: 
١- نظرة المرأة نفسها إلى أهمية حضورها: 
صحيح أننا، مع انتصار الثورة الإسلامية في إيران شهدنا نموذجا حيّا للمرأة التي أفاض الإمام الخميني في التأكيد على جوهرها الإنساني ودورها الرسالي وترجمته حركة المرأة في الجمهورية الإسلامية التي خلعت غطاء أو لباس التخلف الذاتي الموروث، حيث وجدناها في كل المواقع الاجتماعية والتربوية والفكرية والسياسية؛ وكذلك في لبنان وفلسطين المحتلة وجدناها تقارع المحتل الصهيوني، وفي العراق وجدناها تقارع المحتل الأميركي؛ غير أنّ هذا لا ينفي حقيقة أنّ هذا الدور مصور في قلة من النساء اللواتي أدركن أهمية دورهن في المجتمع الإنساني انطلاقا من المفاهيم الإسلامية؛ إذ أن البقية الباقية لاتزال تترنح تحت وطأة الموروث الاجتماعي والصورة النمطية التي تحصر المرأة في دائرة المرأة الجسد السطحية بعيدا عن في قيمتها كإنسان فاعل له دور في الحياة. فنجد أنّ حركتها ولغاية اليوم تهتم بشكلها الخارجي دون الجوهر، وتغفل الرسالة التي أنيطت بها كما الرجل على حد سواء، ألا وهي الاستخلاف في الأرض

وما لم تدرك المرأة المسلمة مسؤوليتها الذاتية التي تتجسد في فهم الإسلام وقضايا الأمة المعاصرة فإنها لن تتقدم باتجاه تحقيق هذه المسؤوليات. 

فضلا عن أنّ أن الفكر الثوري لم يجد عمقه الكافي عند النساء، من هنا نجد أن عدد النساء اللواتي يتصديّن للشأن العام بفعاليّة دون الحجم المطلوب لإحداث التغيير الحقيقي (من قبيل الاهتمام بالقضايا السياسية والدينية والاجتماعية). وما لم يتحقق هذا الوعي كيف يمكن للمرأة تأدية دورها النهضوي على مستوى الأسرة. 

٢- مناقشة القضايا المتعلقة بالمرأة بطريقة علمية. وهنا أشدد على مسألة التعاون والعمل المشترك؛ ذلك أنّ المرأة لا تثق بعمل المرأة. هذا إذا ما سعت إلى التقليل من أهميته على خلفيّة البروز الشخصي المادي. لا التنافس الشريف تارة، وطورا على خلفيّة الموروث الاجتماعي؛ ذلك أنّ المرأة لا تدعم المرأة في حركتها. وهنا أسوق مثالا عشناه في لبنان حينما تقدمت عدد من النسوة للترشح إلى المقعد النيابي. وجدنا أن المرأة أحجمت عن انتخابها، أكثر من ذلك نجد أنّ الكثير من النسوة إما أنهنّ مستسلمات لواقع الحال بإرادتهن أو أنّهن لا يرغبن بالتغيير على قاعدة استحالة ذلك تارة، وشعورهن أنهنّ غير معنيات بالشأن العام طورا. علما أن هذا الترشّح لو تحقق له مفاعيل إيجابية كان يمكن أن يشكل مقدمة لإحداث تحول في المجتمع اللبناني على مستوى النظرة إلى المرأة وخوضها في الشأن العام. 

مثال آخر قيادة السيارة حيث نرى أن المرأة تثق بالرجل وتسخر أو تستهزئ بالمرأة ولا تعطها الأفضليّة. طبعا هي مجرد أمثلة من واقع الحياة وهناك الكثير لو أردنا الغوص في ذكرها. غير أنه ليس مجال حديثنا الآن. 

٣- ضرورة التصدي للهجمة الإعلامية التي تتعرض لها المرأة والرامية إلى إرساء صورة نمطية لها لا تتجاوز البعد الأنثوي تحت شعار التحرير والمساواة مع الرجل والذي بات الهمّ الأساس في حراك معظم الحركات والجمعيات النسوية. لذا لا بدّ من متابعة كل ما يكتب وتفنيده. وهذا لن يتحقق إذا لم تتسلح المرأة بوعي حقيقي لموقعها في الإسلام بما يبعدها عن مستنقع تجزئة القضايا الإنسانية التي غرق فيها رموز التحرر وتحرير المرأة. وبالتالي بتنا نشهد مؤتمرا للمرأة وآخر للطفل ولم نشهد مؤتمرا يرفع شعار إعادة بناء الإنسان؛ وكأن أصحاب تلك الشعارات تناسوا، عن قصد أو غير قصد، أنه لا يمكن فصل المرأة أو الطفل عن سياقاته الاجتماعية؛ ومن هنا أعتقد أنّ تفعيل دور المرأة في رفد الصحوة الإسلامية المعاصرة يبدأ من بوابة التربية الأسرية؛ فالمرأة لغاية اليوم تربي ولدها تربية ذكورية. فالذكر أولا وله كل الامتيازات والأولوية. وبالتالي كيف يمكن لهذا الطفل الرجل مستقبلا أن يؤمن بدور المرأة وبقدراتها. 

وفي هذا المجال أذكر أنني دعيت في إحدى المرات إلى المشاركة في لقاء يعرض لمظلوميّة المرأة في المجتمع الإسلامي وسبل التغيير. وعندما طرحت مسألة أن الأولوية للبدء ببناء الإنسان المسلم (ذكرا وأنثى) الواعي والمدرك لدوره في الإسلام، كان رد الأخوات آنذاك: هذه قضية استراتيجية تستغرق وقتا طويلا. لذا أسأل هنا: أليس التفكير والتخطيط والتدبّر من القضايا المحورية في حركة الإنسان المسلم؟ وخطوة الألف ميل ألا تبدأ بخطوة تنظيم وتنسيق الأولويات؟ ألم تقم الحركة الصهيونية ومعها الغرب بالتخطيط لضرب الإسلام على مدى عقود من الزمن؟ 

هي قضية معقّدة تتطلب الكثير من الجهد العلمي الدؤوب لتحديد مواقع الضعف أولا لدى المرأة وإيجاد سبل معالجتها مع تحديد الأولويات لننطلق بعدها إلى الفضاء الأرحب. أيّ المجتمع ومن بعده قضايا الأمة وصحوتها. 

خاتمة 
إذا فعمل المرأة في ظل الصحوة الإسلامية المعاصرة متشعّب الجوانب نظراً لتعقيدات الواقع القائم، فهناك ما يتعلق بضرورة التفات المرأة نفسها إلى تطوير إمكانياتها وبلورة شخصيتها بما يتوافق ليتفق مع الإسلام- عقيدة وفكراً؛ خلقاً وسلوكاً؛ بحيث تتحرر من شرنقة الأسر في دوامة الاستسلام لحالة الاستضعاف التي أحيطت بها عبر الموروث الاجتماعي تارة وتقليد المرأة الغربية طورا، أو المقارنة بين ما هو سائد في مجتمعاتنا وما هو قائم في الغرب عموما. وهذا يتطلب أولا وقبل كل شيء الإيمان المطلق المقرون بالعلم والعمل؛ الإيمان بأن ما هو قائم في مجتمعاتنا بعيد كل البعد عن جوهر الإسلام. وهذا لا يتحقق إلا بما يجب أن تتمتع النساء في بلادنا بالوعي الكامل والإلمام الشامل بحقيقة نظرة الإسلام إلى المرأة ومكانتها فيه لتستطيع أن تدافع عن حقوقها ودورها في الحياة طبقا لما جاء به الإسلام وترجمه الإمام الخميني والإمام الخامنئي فنهضا بالمرأة الإيرانية ونهضت معهما المرأة في إيران وفي لبنان وفلسطين المحتلة. 

لكن هذا النهوض يتطلب ترجمة الآية الكريمة: "إِنَّ اللَّـهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّىٰ يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ؛ الرعد ١١. بمعنى أن تفعيل حضور المرأة في الصحوة الإسلامية بتطلب مدخلاً إلى التغيير الاجتماعي ابتداء من نظرتها هي نفسها إلى كينونتها، أيّ المرأة/ الإنسان، ومن ثمّ المرأة/ الرجل والأسرة، فالمرأة والمجتمع؛ انتهاء بالمرأة الأمة الإسلامية جمعاء. ذلك أن التغيير يتطلب من المرأة إحداث تحول نوعي وكمي على مستوى ارتباطها النفسي والوجداني والعقلي مع نفسها وقدراتها ودورها بما يقود إلى إحداث التغيير في المجتمعات لجهة نظرة تلك المجتمعات إلى دور المرأة وأهمية حضورها في عملية الصحوة.


المصدر: www.taghribnews.com
إعداد: وفاء حطيط

التعليقات (0)

اترك تعليق