مُمَهِدَاتْ... وحقيق أن تبادر المرأة المثقّفة الملتزمة الواعية فتمهد الطريق وتفتح الآفاق.

قوة وصفاء قلب  المرأة

قوة وصفاء قلب المرأة: وإنّ النساء تتمتع نوعاً بسلامة العقل


هل يوجد فرق في علم الفراسة وعلم الوراثة بين المرأة والرجل؟ وهل الكلام هناك عن البدن القوي والصلب أو إن الكلام عن القلب السليم؟.
من اللازم أن نطوي المراحل الثلاث الواحدة بعد الأُخرى حتى نصل إلى النتيجة المطلوبة. بيان هذه المراحل الثلاث، أنه يجب أن نصل إلى السلامة من الصلابة وأن نصل إلى سلامة القلب من سلامة البدن، حتى نحصل على النتيجة. وجاء في القرآن الكريم:
«يَوْمَ لا يَنفَعُ مَالٌ وَلا بَنُونَ إِلا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ»(الشعراء: 88- 89).
لم يقل في الآية "ببدن سليم"، حتى يصل إلى أن يقول "ببدن صليب" فيجب أن نبعد الكلام عن الصلابة عن أذهاننا. بعض العمال الحطابين والنحاتين وأمثالهم، كانت أمور المجتمع المحكمة  [بدنياً] في عهدتهم، من خلال طاقاتهم القوية -التي أيدهم الله بهاـ، لكنهم عاجزون عن إدراك أبسط المسائل.

قوة سلامة القلب في المرأة:
لا دخالة لصلابة البدن في الوصول إلى كمال الروح، فالقول السديد هو المؤثر لا القول الشديد.
"عليكم بالسديد لا بالشديد".
يقول الله[تعالى] في القرآن [الكريم]:
«وَقُولُوا قَوْلا سَدِيدًا يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ»(الأحزاب: 70- 71).
عندما تبين لنا أنه لا يجب أن نتوقع أن نمتلك الفكر المتين من صلابة البدن. بل أنّ سلامة البدن هي منشأ حمل الفكر، نعلم بالتدريج أن الذي يحل المشاكل ليس الفكر وحده، فالقلب هو الممهد للطريق، وسلامة القلب مهمة. وقد عرف الذات الأقدس الإلهي بعض الرجال بأنهم مريضون في قلوبهم، حيث لا يوجد في ذلك القسم اسم لمرض قلب في المرأة.
أشير في الأبحاث السابقة ضمن بيان آيات سورة الأحزاب إلى أن الذات الأقدس الإلهي قد خاطب نساء الرسول (ص):
«فَلا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلا مَّعْرُوفًا»(الأحزاب: 32).
هذا المرض هو في قلب الرجل، فالسناء ليست كذلك ـأن تسمع كلام الرجل فتطمع- لأنها تتمتع بسلامة القلب، وهي معرضة لأن يظهر فيها مرض التبرّج.
صغرى القياس: إنّ النساء تتمتع نوعاً بسلامة العقل.
كبرى القياس: إن السالمين يوم القيامة هم الأتقياء وذوي القلوب السليمة «إِلا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ».
النتيجة هي أن النساء هنّ أكثر توفيقاً.

فبما أن القرآن قد قال: إن هذا الكتاب شفاء لمرض القلب، «شفاء لما في الصدور»(يونس: 57)، ثم يقول بأن الطمع في غير المحارم مرض، ومن ثم يقول: إن هذا المرض في الرجل، ولم يأت في هذا القسم كلام عن مرض المرأة، يعلم أن النساء سالمات من هذا المرض المخصوص.
إذا عرفنا واقعنا في أي حدٍّ نحن، لا نطرح أصلاً كثيراً من هذه الإشكاليات والأسئلة بالنسبة إلينا؛ لأن كل المشاكل هي في أن الأصل الذي تلبسنا ولم ندركه: ما هو الأصل حقيقةً، وما هي الوظائف، ولماذا خلقنا، وما هو معيار التقييم؟.
عندها هل يمكن أن نفكر بأنّ الأصلب موفّق أكثر؟، في حال أنّ واقع الأمر ليس كذلك.

ملائكة الرحمة والغضب:
مع الالتفاف إلى أن الذات الأقدس الإلهي قد عرّف نفسه بالأوصاف القوية، وعرّفها أيضاً بالأوصاف الناعمة واللينة، وبالرؤفة بالرأفة والرحمة، فالملائكة التي خلقها هي أيضاً مجموعتان، مجموعة هي مظهر للصفات الشديدة للحق، كما يظهر من هذه الآية:
«خُذُوهُ فَغُلُّوهُ * ثُمَّ الْجَحِيمَ صَلُّوهُ * ثُمَّ فِي سِلْسِلَةٍ ذَرْعُهَا سَبْعُونَ ذِرَاعًا فَاسْلُكُوهُ»(الحاقة: 30- 31).
ويقول أيضاً في مكان آخر في مقام تعريف هذه المجموعة من الملائكة:
«عَلَيْهَا مَلائِكَةٌ غِلاظٌ شِدَادٌ» (التحريم: 6).
هذه المجموعة من الملائكة هي مشعل غضب الحق، ومظهر الغضب الإلهي. جاء في بيان أمير المؤمنين (ع) حسب نهج البلاغة أن هذه الملائكة عندما تغضب تستعر شعلة جهنم(1)، وقال الله [تعالى]:
«كُلَّمَا خَبَتْ زِدْنَاهُمْ سَعِيرًا» (الإسراء: 97).
لكن كيف تستعر نار جهنم مجمَرة؟
يقول [الإمام] علي (ع): نفس أن يغصب الملاك تستعر شعلة جهنم. وهذا نحوٌ من ازدياد شعلة جهنم.
المجموعة الأُخرى من الملائكة هي مظهر رأفة الحق. هم رؤفاء ورحماء، حراس الجنة، وهم خاضعون ومتواضعون إلى قدر أنهم ليسوا فقط في الآخرة مظهر إعلاء رحمة الحق، بل هي تضع أجنحتها في الدنيا ليجلس طلاب العلم عليها لا على الأرض، فعندما تبسط الملائكة أجنحتها ليجلس طلاب العلم عليها، فلا كلام هنا عن الرجل والمرأة.
"وإن الملائكة لتضع أجنحتها لطالب العلم"(2).
هذا الجناح هو نفسه الذي ذكر في القرآن الكريم في أول سورة فاطر أن:
«الْحَمْدُ لِلَّهِ فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ جَاعِلِ الْمَلَائِكَةِ رُسُلًا أُولِي أَجْنِحَةٍ مَثْنَىٰ وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ»(فاطر: 1).
بعض هذه الملائكة لها جناحان، والبعض  [الأخر] له ثلاثة أجنحة، وهي ليست كالحمام الذي له جناحان. إن ذلك الجناح تضعه تحت أقدام طلاب العلوم الإلهية. أي إذا جلس شخصان بجانب بعضهما أحدهما منافق والأخر مؤمن، فإن تلك الملائكة تعلم أن الجناح الذي وضعته تحت القدم هو جناح ليس كجناح الحمام [أي ليس من الضروري أن يكون جناح الملاك تحت المنافق أيضاً لأنه ليس جناحاً عادياً] وعندما تسبح أجنحة الملائكة في نهج البلاعة، يقول:
"أولي أجنحة تسبح جلال عزته"(3).
أجنحة الملائكة لها هذه الخصوصية إنها من أهل التسبيح، «وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ»(الإسراء: 44).
«كُلٌّ قَدْ عَلِمَ صَلاتَهُ وَتَسْبِيحَهُ»(النور: 41).
الإنسان هو أيضاً صنفان، البعض مظهر للصلابة، والبعض الآخر هو مظهر للرحمة.
هل الملائكة الذين هم المظهر للخشونة والصلابة هم أعلى، أم الملائكة الذين هم المظهر للرأفة والرحمة؟
من الواضح أن للملائكة أيضاً درجات ومراتب، فقد جاء في القرآن الكريم «أَصْحَابَ النَّارِ»(المدثر: 31). أي الملائكة الذين في عهدتهم الإشراف على جهنم، و[يقول] في مكان آخر: «وَمَا جَعَلْنَا أَصْحَابَ النَّارِ إِلَّا مَلَائِكَةً»(المدثر: 31).
هم في نفس الوقت الذي يكونون فيه في جهنم، وتكون جهنم والجهنميون في عهدتهم، هم "في روضة من رياض الجنة" غارقون في الجنة. والمجموعة الأخرى من الملائكة، التي هي مثل رأفة ورحمة الحق، هي في الجنة.

ـ المرأة مظهر رأفة الحق:
الإنسان هو أيضاً كذلك [كالملائكة] بعضهم مظهر لخشونة الحق، فينشغلون بحربٍ ونزاعٍ مع الكفار في ميدان  القتال، والبعض الآخر هو مظهر لرأفة الحق، فيدير ما وراء الجبهة، كما كان للنساء دور مهم في مراكز  إيصال المساعدات إلى الجبهة خلال ثمان سنوات من الجهاد المقدس والدفاع المقدس*. النساء الممرضات كان لهم سهم أكبر في المستشفيات، فإذا أرادوا أن يعالجوا  مجروحي الحرب بشكل أسرع، ينتخبون نساءً ممرضات، أي أن كل صنف يؤدي عمله المخصوص. عندما يقطع السلاح فله وظيفة، وعندما يتعهد بتمريض جرحى الحرب فلها مسؤولية أخرى.
         كثيرون الذين هم اليوم أمراء وغداً أسراء.
كثير من الأمراء يصبحون غداً أسراء
                   كثير من الأسراء يصبحون غداً أمراء
كثير من الراكبين يصيرون غداً راجلين
                   كثير من الراجلين يصيرون غداً راكبين.
فئة من الناس ترد يوم القيامة صحراء المحشر وهي راكبة.
ـ من الأشخاص الذين يردون [صحراء المحشر] راكبين، فاطمة الزهراء (ع)، لا يأتي الجميع راكبين، فئة قليلة ترد راكبة، والآن هذا المركب أي مركب هو؟ هذا الركوب أي ركوب هو؟ أي مزيّة لذلك الراكب الذي يأتي غداً راكباً؟
مجموعة أخرى من الناس الكبار يأتون راكبين كهيئة، أو كركوب الجمل الظاهري، أو كركوب رسول الله (ص) على البراق التي ذهب معها إلى المعراج والتي "خطوها مد البصر"(4)[؟]، وعلى كل حال يجب أن يعترف الإنسان [بعجزه عن إدراك] كثير من مسائل المعراج وكثير من مسائل القيامة، فليست كلها كمسائل الدنيا، فكثير من الأشياء قابلة للفهم والإدراك، وكثير من الأشياء ليست واضحة بتاتاً.
بناء على هذا، مع إدراك هذه الحقائق لن تطرح غير هذه الأسئلة بأن لماذا لا يكون المقام الإجرائي الفلاني للمرأة ويكون المقام الإجرائي الفلاني للرجل، و...
أصلاً معيار الفضيلة ليس المقام، أي مقام دنيوي هو أعلى من الخلافة الظاهرية؟.
الهوامش:
(1) نهج البلاغة: فيض الإسلام، الخطبة 183.
(2) أصول الكافي: ج1، ص36.
(3) نهج البلاغة: فيض الإسلام، الخطبة 90.
(4) بحار الأنوار: ج1، ص333.
 
المصدر: آملي، آية الله جوادي: المرأة في العرفان. ط1، دار التيار الجديد، 1994م، بيروت.
*محرر الموقع: خلال الحرب العراقية على إيران.


.

.

التعليقات (0)

اترك تعليق