فيروس المسلسلات المدبلجة: هوس أسري اسمه المسلسلات المدبلجة
تصف الدكتورة "إنعام المنصوري"، "مدير عام مركز الأسرة السعيدة للاستشارات الأسرية والدورات التدريبية الاجتماعيّة" المسلسلات المدبلجة بالمرض المعدي من منطلق أنه إذا كان الفيروس يضعف أجساد البشر، فإنّ هذه المسلسلات تستنزف جسد المشاهد عاطفيّاً وزمنيّاً بسبب الساعات التي يمضيها متابعاً لهذه الأعمال أمام التلفزيون، وفكريّاً لأنها تترك المشاهد في النهاية يعاني من جفاف عاطفي وفكري، أيضاً شخصيته في الحكم على الأمور العاطفية والعقلانية.
وتشير إلى أحد أسباب عدوى النساء في مشاهدة المسلسلات المدبلجة بالقول: "تسعى بعض الزوجات إلى شغل أوقاتهن في كيفية إصلاح شأن الأزواج الهاربين من مسؤولياتهم الزوجية أو يعانين من طلاق أزواجهن العاطفي، أو عدم اتسام البعض منهم بالرومانسية، إذ تنحصر أمنياتهن في قضاء جلسة عاطفية مع أزواجهن في محاولة منهن اقتباس بعض الكلمات الرومانسية من المسلسلات وإلقائها على مسامعهم، وهي وسيلة تعد أكثر فائدة في حماية المرأة من الأمراض النفسية والاجتماعية، ولهذا أوجه رسالة للزوج بأن يجعل من زوجته حبيبته وصديقته إن أمكنه ذلك لأنه إذا فعل ذلك فإنه يضمن السعادة له ولزوجته.
كما تعزو أسباب تعلق بعض الأزواج بمثل تلك النوعية من المسلسلات بضغوطات العمل والأوضاع الاقتصادية التي لها الدور الأكبر في لجوئهم إلى المسلسلات المدبلجة واستغلال أوقات وجودهم داخل المنزل في مشاهدة ما يرفه عن نفسيّاتهم.
ومن الحلول المقترحة للحد من فيروس عدوى مشاهدة المسلسلات المدبلجة، تنصح المنصوري بتقنين وقت متابعتها من أجل منح العائلة الوقت الكافي للتواصل فيما بينهم بعيداً عن التسمر لساعات أمام الشاشة، كذلك عدم السعي إلى تقليد أحداث هذه المسلسلات كونها تؤثّر سلباً على استقرار الحياة الأسرية، والتصالح مع الواقع بعيداً عن الخيال المسموم.
د. علي قاسم الشعيبي: تجاوزت المسلسلات المدبلجة القيم المألوفة والمعايشة مما يحدث انفصاماً عند المتلقي العربي:
الدكتور علي قاسم الشعيبي "خبير ومفكر إعلامي وأستاذ الإعلام في جامعة عجمان" يقول: إنّ المسلسلات المدبلجة باتت تُمثّل نوعاً من الاستهزاء والتقليل من منظومة القيم والعادات والأخلاق السائدة في المجتمع، ومن الظواهر المثيرة للجدل الإعلامي والاجتماعي ما يتعلق بهذا الهجوم الكاسح الذي تتعرض له الشاشة الصغيرة من المسلسلات المدبلجة والتي تُشكّل التركية منها نسبة تتجاوز 90% ومن ثم المكسيكيّة وقريباً منها الهندية المدبلجة إلى العربية.
ويؤكّد: إنّ هذا الزخم من المسلسلات يرتبط بفكرتين مدمرتين أساسيتين، الأولى تتعلق بحرمان الدراما التلفزيونية العربية من الوصول إلى الشاشة، والثانية ترتبط بضرب منظومة القيم والعادات والأخلاق السائدة في المجتمعات العربية الإسلامية وكل مسلسل مكسيكي يسرق ساعات من البث التي كانت مخصصة للدراما العربية وهذا بدوره سوف يؤدي إلى تراجع النتاج الفني والمادي والإبداعي العربي.
ويضيف: من جانب آخر تسرب هذه الدراما التركية قيماً تتعارض وأخلاقيات المتلقي العربي والمسلم وخاصة فيما يتعلق بعلاقة الرجل والمرأة وقيم الحياة الزوجية وإمكانية الانجاب خارج مؤسسة الزواج، ففي كل المؤسسات تقريباً تكون العلاقة الغرامية طريقاً لعلاقة غير مشروعة بين الرجل والمرأة، ونشاهد صراعاً بين الخير والشر، ينتصر الشر دائماً فيه عن طريق "الخبث" والدجل والمؤامرة.
ويؤكّد: أنّ ما تطرحه هذه المسلسلات في كثير من الأحيان يتجاوز القيم المألوفة والمعايشة مما يحدث انفصاماً عند المتلقي بين الواقع المعاش والواقع المرئي على الشاشة.
يضيف: كما حظيت المسلسلات التركية ومن قبلها المسلسلات المكسيكية بهذا الزخم من المشاهدة وهذا العائد الإعلامي. اعتقد بعض المنتجين العرب أنّ بالإمكان استنساخ التجربة وتصنيع مسلسلات عربية بالروح والنطهة ذاتها اعتماداً على الإيقاع السريع والممثلات الفاتنات والأحداث الغربية، شاهدنا بعض الأعمال التي هي عبارة عن "مسخ" مستنسخ مشوه ولكنه ناطق بالعربية، فالمحطات تبحث عن الإعلان الذي لا يأتي إلا عن طريق الإثارة الحسيّة التي تحتاج إلى تنازل عن الروابط الأخلاقيّة والمجتمعيّة، وهكذا نحن الآن كمشاهدين أمام دراما تركيّة مخربة للذوق ودراما عربية تلهث وراء تصنيع منجاتها وفقاً للمعايير التركية والمعايير الإعلاميّة.
الحذر من الخلافات:
احذروا من سلبيات عدوى المسلسلات المدبلجة حيث سببت هوساً لدى الزوجات وخاصة التركية منها في زيادة نسبة حالات الخلافات الأسرية، في إمارة رأس الخيمة، حسبما أفاد في وقت سابق جاسم المكي، رئيس قسم الإصلاح والتوجيه الأسري 1629 استشارة أسرية، كما تداول 188 حالة لخلافات أُسرية منوعة وذلك خلال الربع الأول من العام الحالي 2012م، تنوعت أسبابها وتصنيفاتها وفق الإحصائيّة الشهرية الصادرة من القسم.
وقال جاسم المكي: إنّ قسم الإصلاح بدأ يستقبل أسباباً جديدة للخلافات الأُسرية تنشأ من وراء الهوس المجتمعي الجديد بمتابعة ما يُسمّى "المسلسلات التركية" التي تدخل مفاهيم جديدة لم تصغ لتوائم مجتمعاتنا الخليجية أو تتناسب مع رؤيتنا لتنشئة الجيل الجديد من أبنائنا وبناتنا، الذين يتسمّرون أما شاشات التلفاز لمتابعة هذه القصص الدخيلة والتي تحمل في طيّاتها رسائل تربويّة خاطئة.
متابعتها في ساعات إعادة البث، ولا يوجد لدي أي مانع تبعاً للفراغ الطويل في متابعة هذه النوعيّة من الأعمال الدراميّة والتي قد تمتد إلى أشهر عديدة إذ تصل حلقاتها أحياناً إلى 300 حلقة.
كما يؤكّد أن مشاهدة تلك المسلسلات مفيدة في تشجيع الرجال على القدرة في التنفيس عن رومنسيتهم وعدم لجمها وتحجيمها، كما لا يوجد ما يبرر دعوات الاختصاصيين الاجتماعيين لمناقشة سلبيات تلك المسلسلات على الأسر، كما يدّعون أنها السبب في تزايد حالات الطلاق، وإنما هو إخفاق الأزواج والزوجات في كيفية تبادل المشاعر والتنفيس عنها بطرق رومانسية.
من جانبها ترى "أم معاذ" نفسها مستسلمة لما يتم عرضه من المسلسلات التي لا تمت للواقع بصلة، وتؤكّد: لا أستطيع منع نفسي من مشاهدة الفضائيّات تبعاً للأعباء والضغوط الحياتيّة اليوميّة التي أقوم بها وبقائي مشغولة بالتفكير بها دون الترفيه عن نفسي.
البعض يرفض ما تعرضه المسلسلات المدبلجة التي سمحت بعرض مشاهد خليعة من دون مراعاة لحرمة مجتمعنا ومشاعر أبنائه، هذا ما يؤكده "حسام الدين موسى" قائلاً: منعت نفسي من مشاهدة الفضائيّات وما تعرضه من مسلسلات لا تحترم مشاعر المسلمين من خلال عرضها لمشاهد الرقص الخليع والتدخين وتناول الكحول وغيرها التي أعدّها دعوة من قبل القائمين على تلك الفضائيّات لأبناء المجتمع بممارسة مثل هذه السلوكيّات الهادمة للقيم.
في حين يرى "علي عباس" أنّ الفضائيات أصبحت تتنافس مع بعضها البعض لجذب انتباه المشاهدين وذلك من خلال الكم الهائل من الإعلانات الجذابة لإدراكها أنّ بث مثل هذه النوعيّة من المسلسلات تزيد من أرباحها، حيث اتبعوا سياسة تشبه "فيروس المسلسلات المدبلجة" من خلال ضخ أكبر عدد منها في محاولة استغلال بعض ضعاف النفوس الذين يستمتعون بمشاهدة نساء جميلات وقصص لا تحمل سوى المعاني الإباحيّة، والتغيير من عقول أفراد أسرنا وبث سموم فيروساتها التي تنتشر وتعدي المئات.
وبالانتقال إلى رؤية الصغار لما تعرضه الفضائيّات من مسلسلات مدبلجة، تقول الطفلة شيخة المزروعي (9سنوات): لا أستطيع متابعة دروسي إلا بعد مشاهدة إعادة بث مسلسل "فاطمة" حيث أمضي ساعة يومياً برفقة اخوتي ووالدتي في متابعة هذا المسلسل.
المصدر: مجلة كل الأسرة، العدد: 968.
اترك تعليق