الفمنزم أو حركة التمركز حول الأنثى
أدى تطور أهداف حركة تحرير المرأة إلى وجود اختلاف وتباين في الآراء داخل الحركة نفسها, والتي انبثق عنها حركة جديدة عرفت باسم "الفمنزم" feminism، وهي ما يسمى ﺒ "حركة التمركز حول الأنثى", التي يختلف في تعريفها.
ففيما جاء في القاموس بأن: "النسوية هي منظومة فكرية, أو مسلكية مدافعة عن مصالح النساء, وداعية إلى توسيع حقوقهن", تقول "لويز توبان", النسوية الكندية: "إن النسوية هي انتزاع وعي (فردي بداية ثم جمعي), متبوع بثورة ضد موازين القوى الجنسية والتهميش الكامل للنساء في لحظات تاريخية محددة".
وقد أدت هذه الثورة على موازين القوى إلى رفض "حركة التمركز حول الأنثى" وجود مرجعية مشتركة بين المرأة والرجل, وكأنه لا توجد إنسانية جوهرية مشتركة تجمع بينهما, فهي تنفي وجود أي دور للمرأة كزوجة وأم, والمرأة بالنسبة لها متمركزة حول ذاتها، تشير إلى ذاتها مكتفية بذاتها, تود "اكتشاف" ذاتها و"تحقيق" ذاتها, خارج أي إطار اجتماعي, فهي في حالة صراع كوني أزلي مع الرجل المتمركز حول ذاته".
وكان من نتائج هذا الصراع أن رفضت هذه الحركة كل ما هو ذكوري, وبدأت بطرح برنامج ثوري يدعو إلى إعادة صياغة كل شيء: التاريخ واللغة والرموز, بل أيضاً إعادة تسمية التاريخ, الذي هو بالإنكليزية ففسره البعض على أنه يعني "قصته" لذا قررت الحركة تغيير اسم التاريخ وإعادة كتابته ليصبح قصتها!
وقد تطورت هذه الحركة عبر الزمن وانقسمت على نفسها إلى حركات عدة, شأنها شأن كل الحركات في عصر الحداثة, التي تأثرت بالتيارات الفكرية والاجتماعية والحركات السياسية التي كانت مهيمنة وقت نشأتها, والتي جعلت لكل منها نظرته الخاصة حول الأسباب التي أدت إلى تهميش المرأة واستضعافها, وحول بلورة استراتيجيات لمواجهة هذا التهميش وكيفية النهوض بالمرأة.
وقد انبثق من هذه الحركة حركات نسوية عدة تمحورت لغاية السبعينات من القرن العشرين الميلادي حول ثلاثة تيارات رئيسية: النسوية الإصلاحية الليبرالية, والنسوية الماركسية, والنسوية الراديكالية.
- النسوية الإصلاحية الليبرالية:
ينتسب هذا التيار إلى خط الثورة الفرنسية وامتداداته الفكرية, وقد نشأ في "نهاية القرن الثامن عشر, متأثراً بكتابات "جون ستيوارت ميل" و"جان جاك روسو", وكانت ركيزته الفكرية ونقطة انطلاقه هي التشابه المطلق بين الرجال والنساء, وعلى أساس هذا التشابه المطلق يتوجب إعطاء النساء الحق في الملكية والتصويت وغيرها من الحقوق التي ثبتتها مفاهيم الليبرالي كالعقلانية والاستقلالية الفردية". ويتميز هذا التيار بإيمانه بقدرة النظام الرأسمالي على تحقيق المساواة بين النساء والرجال, وذلك من خلال التركيز على التربية وتغيير القوانين المميزة بين الجنسين وتكوين لوبيات الضغط وتغيير الذهنيات على المدى البعيد. هذا ويعيب البعض على هذا التيار فصله في سوق العمل بين المهن الرجولية وتلك النسائية وتركيز جهوده" في محاولة إدخال المزيد من النساء إلى المهن "الرجولية" من منطلق التشابه, وهكذا ظلت النساء تعانين من تمييز مضاعف ولم تنجح التغييرات الشكلية المذكورة في إحراز تقدم يذكر على حياة الغالبية الساحقة من النساء العاملات".
2- النسوية الماركسية:
يعتبر هذا التيار أن قمع المرأة وقهرها بدأ مع ظهور الملكية الخاصة. واستندوا على اعتبار أنجاز قيام الرأسمالية والملكية الخاصة أكبر هزيمة للجنس النسائي, ويرى هذا التيار أن إعادة انخراط النساء في سوق العمل ومشاركتهن في الصراع الطبقي سيؤدي إلى قلب النظام الرأسمالي وإزالة التهميش والتمييز ضد المرأة". ومع سقوط جدار برلين وانهيار التجربة السوفياتية, انقسم التيار النسوي الماركسي إلى مذهبين:
المذهب الأول: "مذهب النسوية الشعبية التي تقول بأن النضال من أجل المساواة بين الجنسين يجب أن يترافق مع النضال ضد الفقر والتهميش والعنصرية".
والمذهب الثاني: مذهب "الأجر مقابل العمل المنزلي", والذي يعمل على تبيان حجم القطاع غير المرئي وغير المحسوب في الاقتصاد, منطلقاً من أن العمل المنزلي وعمل الولادة, أو "إنتاج البشر", هو مكان استغلال النساء لترافقه مع الارتباط الاقتصادي بالرجل ومجانية العمل".
3- النسوية الراديكالية:
يسمي أصحاب هذا التيار نفسه بالتيار المتحرر, وبدأ بالظهور في أمريكا, وهو يرتكز على نقل الفلسفة الماركسية, ونقل الصراع الطبقي إلى الصراع الجندري, "مسلطاً اجتهاداته الجوهرية نحو بحث تحليل الصراع الجندري في سياقه الطبقي, راصداً اهتماماً خاصاً إلى بحث عملية السيطرة على جنسوية المرأة مستعيناً بأدوات فكرية ماركسية (كالمادية التاريخية والمادية الديالكتيكية والوعي الزائف).
هدف هذا التيار إلى التعويض عن بعض النواقص في النسوية الليبرالية والماركسية, ويعتبر أنصاره أن البطريركية بحد ذاتها هي أساس التمييز ضد النساء، وهي السبب في السيطرة عليهن في مختلف ميادين الحياة الاجتماعية والسياسية والاقتصادية والجنسية.
ومن بين استراتيجيات هذا التيار الهادفة إلى تغيير المعادلة الراسية, استعادة النساء لأجسامهن وكيانهن, وإعادة الاعتبار إلى ثقافة خاصة بهن إلى حد الانفصال عن الرجال والعيش في مجتمعات نسائية مستقلة. وقد انضمت إلى هذا التيار "حركة النسويات السوداوات", التي جاءت لتضيف البعد العنصري إلى معادلة الجنسي والطبقي, "ووضع التشابهات بين آليات التمييز العنصري وآليات التمييز الجنسي أمام المجهر. فبالنسبة إلى النسويات السوداوات, وصل التمييز الجنسي إلى ذروته مع دخول النساء الحيز العام ومشاركتهن الرجل في العمل. فقد انتقلن عندها من نظام سيطرة ذكورية واستغلال تقليدي إلى كائنات لها حقوقها ومسؤولياتها المدنية, تنافس الرجال وتولد عندهم العدائية والتمييز الجنسي العنيف, على نحو يشبه تماماً التمييز العنصري الذي تعرض له السود بعيد تحررهم".
د.نهى القاطرجي
- مصدر: Balagh.com
اترك تعليق