مُمَهِدَاتْ... وحقيق أن تبادر المرأة المثقّفة الملتزمة الواعية فتمهد الطريق وتفتح الآفاق.

خدعة الحرية والخطة المعادية لضرب الأنوثة

خدعة الحرية والخطة المعادية لضرب الأنوثة

طوال سنوات من الممارسة السيكولوجية، تعلمت، من خلال رسائل نساء من جميع الأعمار، أنّ السعادة المستقرة والوجود العميق هما وطنا امرأة.
ونحن نعيش عصرا حلّت في سيكولوجيا انتحارية محل الاستقرار الداخلي، وتخلّت الماهية عن مكانها إلى جميع المظاهر السطحية.
ولهذا السبب، فإن ظمأ النساء الحاليات إلى الاطمئنان ثانية ظمأ واسع الأرجاء.
وتبحث النساء، سواء في الثامنة عشرة من عمرهن أو في الرابعة والعشرين وسواء يعملن في الخارج أم لا، عن جواب لواقعة أنهنّ كن مخدوعات في جميع العصور. ولا زلن، في أيامنا هذه، مسحوقات أكثر من أي وقت مضى. وهن يحسسن بذلك، على الرغم من الهدايا المذهبة التي تقدم إليهن.
لقد شرعن، إذ يترجّحن من اليسار إلى اليمين، وإذ يشعرهنّ الناس من كل مكان بالإثم، في حركة نواسية خطيرة. فعمّ يبحثن؟ إنهن يبحثن عن الخروج من اللاأمن الوجداني. ولكن من يخرجهن منه؟ أولئك الذين سيقولون لهن لماذا يُنبذن، ويُهملن، ويُقهرن، ويُستبعدن، في أيامنا هذه كما بالأمس.
ويخدعهنّ الرجل، على غير علم منه لأنه يعاني حصرا أبديا تدفع المرأة تكاليفه. ولكن النساء يخدعن أنفسهنّ أيضا، إذ يجعلن من أنفسهن ضالعات لا إراديات في هذا الحصر المذكر، وإذ يحوّلن استطاعة الأنوثة غالبا إلى سحر هزيل، خال من الإبداعية.
فعلى النساء أن يعلمن أنهن أقلّ -مما يعتقدن بكثير- حرمانا من الميزات. بل إنهن لسن، بصورة أساسية، محرومات على الاطلاق. وعليهن كذلك أن يدركن أن غالبية الانتفاضات الراهنة تتكشّف أنها تنذر بالخطر، وأن "المرأة" توشك أن تفقد معناها.
هل ثمة حل لتيهان المرأة الأبدي؟ لا أعلم، فالهيجانات الراهنة لا تأخذ بالحسبان غير الصعوبات السطحية، مهما كانت ذات شأن، ولكن جذور الخصومة بين الجنسين، جذورها ذاتها، لم تكن قد مُسّت قط.
ولهذا السبب، صممت على أن أبحث معكم ماهية المرأة، إذ أن مأساتها أنها كفّت عن أن تكون خادمة الحياة، لكي تصبح قنّا عاجزا.

تشجعن أيتها المدانات، فليست الحرية سوى لحظة غير مناسبة على الإنسان أن يقضيها. كثيرات من النساء يعرفن الأمور التي ستقال في هذا الكتاب، بيد أنهن لا يعلمن أنهن يعرفن ذلك، وكل أولئك الذين يتكلمون على الحب بعبارات الميكانيك، ولكنهم يناقشون الميكانيك بعبارات الحب!
أرى نفسي، على الغالب، ملزما بأن أتكلم عن المرأة بدءا من الرجل.
لا تعتقدوا أنني أريد أن أستنبط نسخة عن الرجل، مثلما يفعل بعضهم غالبا.
إنني أحاول كذلك أن أبين ما يمكن أن تكون المرأة في مقابل ما كف الرجل عن أن يكون.
 استخدم الرجل عقله استخداما تصاعديا، فتناقص دويه.
أجر الرجل والمرأة متساو، هذا حسن! ولكن هل اعتبار المرأة واعتبار الرجل متساويان؟ نساء أيامنا هذه، أو النساء منذ بعض الزمن، هنّ الاستطاعة الخفية التي تقود العالم، سواء كنّ عبدات بيوت الحريم أو الخدور، [....]، أم زوجات أو أمهات أسر. فليس نظام الأبوة، ولو كان هادرا، غير مزاح لطيف بالقياس إلى القوة الغامضة التي يتصف بها النوع الأنثوي.


خدعة الحرية
لم يسبق للمرأة أن كانت مسجونة، ومنهارة، ومستعمرة، وخامدة مثلما هي عليه الآن.
ويمثل عصرنا أكثر العمليات دناءة في تاريخ المرأة. فالمظاهر خداعة، ذلك أن الفخ مموّه على نحو يثير الأعجاب.
 والجنسان في العمل يُبديان وجها خارجيا باهتا على نحو متماثل، ومع ذلك، لم يطرأ أي تغير على صراعهما، بل ربما أصبح أكثر ضراوة.
والورود تحفّ بمعتقل العمل في الخارج. فالنساء، من جهة، ينلن حقوقهن العادلة، الاجتماعية والقانونية، والعمل، من جهة أخرى، ممنوح لهن في العالم إلى حد الإشباع، ولكن، في أي عالم؟ في عالم الرجال بالطبع.
والنجاح الكبير في هذا السياق من الخداع أن المرأة تظن غالبا أن هذه الحالة الجديدة حرية حديثة العهد. ويمكن للرجال الذين يرغبون في استعباد المرأة أن يتنفسوا الصعداء؛ لقد تم الأمر ووقعت في الفخ، إنها على وشك أن تفقد شخصيتها وأصالتها الخاصيتين، ومفعول روعتها وقدرتها الداخليتين تم إبطاله.


أولا -العالم التكنولوجي المجرد من الإنسانية ومخططه المعادي للمرأة

كل شيء يحدث كما لو أن قادة العالم التكنولوجي المجرد من الإنسانية تواطؤوا:
- فلنحذر! لقد بلغ السيل الزبى. إن المرأة تطالب بحقوقها وتحصل عليها، وبدأت تفهم أعمالنا على نحو واضح؛ فهي تمثل قوة كبيرة كامنة ومستترة، وبالتالي تنذر بالخطر. وعلينا أن نمنع المرأة، بأي ثمن، من أن تنتقل إلى الفعل، بوصفها امرأة. نعم، بوصفها امرأة.
- ثم إن المرأة تتصف بأنها ثاقبة الفكر، من حسن الحظ أنها تجهل إلى أي حد. إنها تحب ما هو أصيل، ومشخّص، وطبيعي، وإنساني، ومستقر. ولكن عالمنا، والحالة هذه، غير أصيل، ومجرد ومصطنع، وغير إنساني وغير مستقر. وستحاول المرأة، يوما من الأيام، أن تهدم ما بنيناه. بل وربما تدخلت في إيقاف حروبنا!
فرسموا عندئذ خطة عامة:
- علينا أن نمنع الأنوثة من أن تستعيد نشاطها. وفيما يتعلق بالزمن الحالي، فإنها تظل مقيمة في تخطيطات الضعف القديمة، فليست إذن موضع خشية. ولكن هذا لن يدوم طويلا: ذلك أن ثمة ما يحضّ المرأة على أن تعي ما هي عليه، وثمة من يدفعها إلى أن تتدخل، وإلى أن تصلح عالمنا. فلا بد من التعجيل، ولا بد من تقويض الاستطاعة الداخلية للمرأة، ولا بد من حذف الأنوثة من الخارطة.
الأمر الأول من الخطة المعادية للمرأة:
- أن ينجذب العديد الأكبر من النساء إلى عالم العمل.
- ولتحقيق ذلك، ينبغي تملّقهن، واتخامهن من الناحية القانونية والاجتماعية؛ دع القيود، ولكن احتفظ بالرقابة الكلية.
- امنحهن الانطباع بأنهن متحررات من وصاية الذكر، تعق في الوقت نفسه حريتهن الداخلية.
- اجذبهن إلى الأعمال التي ترغمهن على التخلي عن الأنوثة لديهن.
الأمر الثاني من الخطة المعادية للمرأة:
- استأجر النساء في أعمال، حتى ذات الأهمية الكبيرة منها، ولكن في أعمال لن يكون للأنوثة أي علاقة بها.
- وستضمر الأنوثة بوصفها غير مستعملة، وستفنى. وسيتوقف الخطر.
الأمر الثالث من الخطة المعادية للمرأة:
- يمكن للمرأة أن تصبح شاهدا صاحيا، وبالتالي يخشى جانبه. فلا بد من استبعاد هذا الشاهد. ومن أجل ذلك، لنجعل منه شريكا في الجرم، وعندئذ تنطلي الخديعة. وهي، بوصفها شريكا في الجرم، لن تجرؤ على أن تحشر أنفها في أعمالنا بصفتها شاهد إثبات.
الأمر الرابع من الخطة المعادية للمرأة:
ولكي نجعل هذه العبودية كاملة، سنجبر ملايين النساء على أن يفقدن شخصيتهن. ومن أجل هذا، نستخدم الأزياء، والكيمياء والإعلان والملايين. ونصنع فتيات هن من الاتصاف بالجمود بحيث يُستبعد كل خطر.


ثانيا- النتائج بالنسبة إلى المرأة- [الحط من الأنوثة]
١- محصورات في عالم الذكر...
كان بوسع المرء أن يتصور أن النساء، وقد فزن بالحرية الخارجية، سيستفدن منها ليباشرن "صعودا" داخليا. وبعبارة أخرى، إنهنّ لن يستسلمن.
إن الفخ، على العكس، قام بعمله على نحو ممتاز. لقد كانت الفرصة، مع ذلك، فرصة مثالية. فالسمكة كانت جائعة. وكان يكفي إلقاء الصنارة في الماء حتى تنخدع بها.
وهذا هو السبب في أن المرأة تشارك في سير العالم مشاركة متزايدة. ولكن في أي عالم؟ لم يسبق لعالمنا خلال القرون أن كان يمثل ما هو عليه الآن من الجمود، والضجر، وفقدان الحياة، والحرب، والعنف، والعدوان، والنزعة الفردية، والترويض، والتفجر، والتسامت، والتماثل، والخراب. ولم يسبق له أن كان إلى هذا الحد من المبالغة في الاتصاف بصفات الذكورة.
يقال أن وابلا من الهرمونات المذكرة هطلت، في حين أن الهرمونات الأنثوية بقيت في الغيوم.

٢- "المنافسة" النسائية

وتجد المرأة نفسها تسلك ردبا (الدرب المسدود) هو الردب الذي يختنق فيه الرجال، لأن منافستها مبينة على تضخم في المنطق وتضخم في العقل. فما هما هذان "الشيئان"، والحالة هذه، إن لم يكونا مجرد تابعين للحياة السيكولوجية؟
الذكاء الحقيقي موجود لدى المرأة والرجل على السواء. والجنسان، في هذا النوع من الذكاء، يمكن أن يحل أحدهما محل الآخر على نحو كامل. ومن سوء حظ المرأة أنها على وشك أن تفقد هذا النموذج من الذكاء.
أما فيما يخص الرجال، فقد فقدوه منذ زمن بعيد.
ولكي يتسنى للمرأة أن تضارع الرجل في هذه المنافسة الحديثة، لا بد لها أن تفقد إنسانيتها، ولكن هذا الأمر متعذر عليها، شاءت ذلك أم أبي.

- تحقير العاطفة والخصائص الأنثوية
وهنا إنما تكمن مأساتها، وعدم شعورها بالأمن، وتشوّهها، وحصرها. فهل تشارك النساء في هذه المنافسة؟ نعم إن النساء يشاركن، أما الأنوثة فلا. إنهن يشاركن في هذه المنافسة إلى درجة أن الناس جعلوا من الخصائص التي تتصف، لدى المرأة، بأنها أرفع شأنا، كقابلية التأثر والجاهزية ونفاذ البصيرة والقوة الداخلية، خصائص تحط من القدر. بل إن رأفتها الطبيعية، الرأفة التي أحالتها محدلة التكنولوجيا إلى مسحوق، موضع تحقير. أما العاطفة الواسعة، عاطفة الأمومة، فقد قالت لي عنها إحدى المناضلات في سبيل حقوق المرأة: "ولكن هيا! إنها جيدة بالنسبة إلى النساء الساذجات!"
وينجم عن ذلك أن المرأة تجد نفسها، برفقة الرجل، في قعر واحد من حفرة وضيعة. فلم يسبق لها أن كانت بمثل ما هي عليه الآن من العبودية في عالم ألصقت نفسها به باسم ضرب من بديل للحرية التي يبدو وميضها.
وذلك على وجه الضبط كما لو أن قادة العالم التكنولوجي كانوا يقولون لأنفسهم:
- هل استعبدنا النساء دائما؟ إننا، في الحالة الراهنة، نمسكهنّ فقط. إنهن يعملن لدينا ومن أجلنا، ويهدمن أنفسهنّ بواسطتنا، ويصبحن أنصاف ذكور. أمر ممتاز! فنحن نبقى ذكورا على نحو كامل، ويصبحن أنصاف ذكور.
ذلك أن العمل "على شاكلة الذكر" ليس إلا ضربا من ظاهر الحرية. وليس هذا مخرجا، وإنما هو باب جهنم.

٣- حال المرأة أسوأ مما كانت عليه من قبل
كم كانتا كبيرتين فيما مضى سلطة المرأة واستطاعتها عندما كانت تمارس تأثيرا خارج الحياة العامة! كان تدخلّها يعدّل أخطاء الذكور. فكانت المرأة، وقد بقيت امرأة بصورة عميقة، تصغي وتقدّر وتلاحظ وتنتظر، ثم تتعرّض للأمر وتتدخل، وتصوغ قرار الرجل.
وتتعدّل كفتا الميزان.
ذلك أن جليسة الملك فيما مضى، أو زوجته [....] كنّ بآلاف المرات، أكثر فعالية، بصورة خفية، من النساء الشبيهات بالنمل في أيامنا هذه.
فالمرأة التي كانت ماهرة في حفظ نفاذ البصيرة المعصوم الذي يتصف به نوعها، كانت تحكم الممالك وبيوت الزوجية.
ولكن هذه القدرة التي لا قرار لها، قدرة المرأة، تلاشت أو تكاد تتلاشى. واختفت روعة المرأة التي كانت تتمتع بها فيما مضى.
عصرنا عصر النساء الأرضات (الأرضة حشرة تسمى النمل الأبيض تعيش على صورة المجتمع وتكثر في المناطق الحارة) وعصر النمل العاملات.
أمن الممكن أن تفوز النساء، يوما من الأيام، بحريتهن الداخلية، وبتحقيق ذواتهن، وبسعادتهن؟ ولكن، لن يتسنى لهنّ أن يمنحن روحا للأرض مجددا ما دمن لم يستعدن روحهن، وقيمتهن الأساسية في الوقت نفسه.


ثالثا -العالم التكنولوجي المجرد من الإنسانية متهم
١- مسرور ولكنه قلق [المرأة أصبحت لا إمرأة ولا رجل]
يقول ممثل العالم التكنولوجي المجرد من الإنسانية:
- النتائج تتجاوز التوقعات! ألم نكن نريد استعمار المرأة استعمارا خفيا، ونحن نظهر في الوقت نفسه بمظهر الحواريين الصالحين المحررين؟ لقد تم ذلك.
فالقسم الأكبر من النساء تم تجمييده. إنهن يعملن كرجل واحد. إنهن مبتهجات بكون مستقلات. فقد وجدن حرية الطاعة للآلات التي تراقب دخولهن إلى المصانع وخروجهن منها، وللأوقات المضبوطة، وللرؤساء ومساعديهم، وللمراقبين الآخرين. إن مجرد كونهن مسجونات يمنحهن وهم أنهن موجودات. إنهنّ سيعملن من أجلنا، إنّهنّ أيد عاملة ممتازة، رخيصة الأجور، إنهن ليس نساء ولا رجالا.

٢- المرأة شاهد يخشى جانبه
من المحتمل أن يصبح هؤلاء النسوة هنّ اللواتي يتهمننا. إنهنّ سيوقدن نار التمرد ضد ضروب الظلم، وضد أعمالنا التي لا تصدر عن أي عقل إنساني، وضد حروبنا وبحوثنا الطائشة. إنهن يرغبن في كوكب تسكنه موجودات إنسانية، تسكن وتتغذى بصورة إنسانية.

٣- المرأة تصبح شريكا في الجرم
أتريد بعض النساء أن يكنّ مصححات الخطأ؟ أيرغبن في أن يكبحن سيرنا إلى الأمام؟ أيهيئن أنفسنّ ليفضحننا أمام العالم؟ حسن، فلنجندهنّ، لكي نضفي الحياد عليهنّ. ألسنا نبني حاضرات لا روح فيها؟ فلنلزم النساء أن يشاركن في البناء. ألسنا نصنع الصواريخ والأسلحة؟ لنجعل هؤلاء النسوة يقمن بدور هام في الفيزياء والكيمياء والالكترونيات.
وهكذا سيصبح شاهدنا شريكنا في الجرم: وسيكون ذلك أجمل مغامرتنا.

٤- إشعار المرأة بأنها آثمة على كل الجبهات:
أشعر الناس المرأة بالإثم
أكدوا لها حين كانت تعمل في بيتها أنها آثمة لكونها لم تعمل في الخارج، وأنها ولو كانت تعمل في الخارج آثمة لكونها لم تهتم بمسكنها. وجعلوها آثمة لأن لها أطفالا وآثمة لأن ليس لها أطفال، وآثمة إن عملت وآثمة إن لم تعمل، آثمة إن ضجرت وآثمة إن لم تضجر، آثمة لكونها جميلة وآثمة لكونها غير جميلة، آثمة لأنها فتية وآثمة لأنها غير فتية. وبالاختصار، كل هذا ضروب من النهش المدروس بعناية، ينكأ باستمرار جرح المرأة القديم: أي شعورها بالدونية، القديم العهد، ومنعها من الاهتمام بنفسها. وبعبارة أخرى، استمرّ الناس ينكرون حقها في أن يكون لها حقوق. وكانوا، في الوقت نفسه، قد أبقوا لها مظهرا من الاختيار: إما أن تعمل مع الرجال ومن أجلهم،  وإما أن تصبح منزوية يشار إليها بالبنان.
فلنضع أنفسنا مكانهنّ. إنهن يرين أنفسهن ملزمات بأن يكنّ نساءً ورجالاً في الوقت ذاته، ولكن مع توقفهن عن أن يكنّ نساء، وعجزهن عن أن يصبحن رجالا. إنهن يصطدمن باللامعقول والمحال، فيصرفن طاقتهن دون حساب، ويسعين إلى التخلص من الشعور بالإثم، إذ يوجّهن اهتمامهن إلى المطبخ والأولاد، وإلى مهنتهن ومديرهن، وإلى أزواجهن، وإلى نجاحهن وحبهن، ومن الواضح أن هذا كله يتم في وقت واحد.

المتحزبات لمطالب المرأة ضد الجميع.. يسعين لهدم الأنوثة
 وكان هذا الشعور بالإثم قد تعزز بفعل بعض فئات من النساء "المتحزبات لمطالب المرأة". ذلك أنهنّ نقلن حالاتهن الشخصية إلى المستوى العام. فقد أصبحن ضدّ الأم، وضد المرأة، وضد الرجل، وضد كل شيء، وضد أنفسهن وآبائهن وأزواجهن.
والمتحزبات لمطالب المرأة هؤلاء لا يدافعن عن المرأة: فذلك إنما هو أقل همومهنّ شأنا. إنهن لا يسعين إلى تجديد الأنوثة، بل إلى هدمها، لأنهن مفعمات بالضغينة. وهن يحاولن إحراق الغابة من أجل قطع عشر شجرات.


رابعا - الحل
ولكن ثمة أخيرا عدد من النساء النخبة اللواتي يتصفن بالمهارة في إيجاد إبداعية سعيدة، في منازلهن أو في الخارج.
إنني أعرف اختصاصيات في الفيزياء والكيمياء والرياضيات، وأعرف نساء مديرات. لا يشعرن بالراحة؛ لقد شكون لي حصرهنّ من عملهن في عالم انتحاري ومن أجل هذا العالم الذي لا يعرف أحد إلى أين يمضي. إنهن يعملن دون ميل ولا سرور، ويأسفن لعجزهن عن فعل أي شيء ضد هذه الضروب من الشذوذ، لأنهن ينهكن أنفسهن لصالح هذه الضروب من الشذوذ ذاتها فهن أيضا نساء واقعات في الفخ.
جان وماري، مهندستان معماريتان، رفضتا، ذات يوم، أن تثابرا على المشاركة في هدم مواقع قرره بعض الممولين. واستقالتا، متبرئتين من هذه اللعبة اللاإنسانية، عاجزتين عن فعل أي شيء ضد ما هو غير قابل للعكس.
ولكن ما الوضع لو أنهما لا تملكان الضروري من الدراهم لكي يهجرا كل شيء؟ لو أنهما كانتا ملزمتين بانتظار أن "يتفضل" الزبائن الخاصون باستدعاء "امرأة مهندسة معمارية"؟
هنا يكمن الشذوذ: يشعر كثير من النساء أن عملا خارجيا يمكن، مهما كان وضيعا ولسن بحاجة إليه في الغالب، أن يسوّغ وجودهن. بل ثمة ما هو أكثر أيضا: ثمة عدد من النساء، اللواتي خضعن لقانون العمل الخارجي، يحتقرن اللواتي يؤثرن البقاء في بيوتهن.
غير أن النساء اللواتي يبحثن عن هويتهن من خلال مهنة من المهن لن يجدنها أبدا. ذلك أن الجنسين، شئنا أم أبينا، موجودان دائما أحدهما بواسطة الآخر. ولن تحصل المرأة على وضعها الأساسي إلا بواسطة الرجل ومن أجل الرجل، والمقابل صحيح كل الصحة. فالمرأة التي لا تحب وليست محبوبة تظل "خامدة"، وعابرة، مهما كانت فاعليتها. وتبقى لا متمايزة وغير بارزة، ميتة إذا صح التعبير.
ينبغي على النساء الصاحيات المتوازنات أن يكن قادرات على الكلام، والكشف، وإعادة التنظيم، وكنهن يعملن خارج منازلهن أمر عديم الأهمية. فالأهمية الوحيدة لفضيلة النفس.
ولكن أي الوسائل يمكن للنساء أن يستخدمنها؟ إنني أفكر بالفعاليات ذات الانتشار الواسع: الإذاعة والصحافة والتلفزيون، حيث لا يزال للإنسانية بعض الكلمات التي ينبغي أن تقولها. وهناك رئاسة البلديات ومجالس الشيوخ والنواب، حيث يمكن للمرأة أن تصنع العجائب.
إن المرأة السليمة الذكية ينبغي أن تكون حصان طروادة الجديد، الذي ينزلق داخل منظمات الذكور، ولكن دون أن تدع نفسها تتشوه بها. ذلك أن هؤلاء النساء ينبغي أن لا يقعن، وبأي ثمن، في الفخاخ التي جعلت من الرجال مصاصي دماء. فأن يعملن ضد الرجل أمر غير مطروح على بساط البحث إطلاقا، وإنما ينبغي أن يعملن مع بعض منهم بهدف تجديد العالم الراهن. وملايين الرجال يرغبون في ذلك.
وعلى أولئك الذين -من الرجال- بيدهم مفاتيح هذه الممالك المتجمدة أن يحسوا، ولو إحساسا مبهما، بقيمة شهادة هؤلاء النساء، وأن يفتحوا لهن الباب.


لا بد من المضي بهدوء. فثمة عدد من النساء والرجال هم من سرعة الانفعال بحيث يترجمون مباشرة جميع المعوقات والمزايا بمصطلحي الدونية أو التفوق. ولكن، أوليست الحاجة إلى السيطرة أو القوة وقفا على الخائفين؟
ثمة نساء يردن المساواة -أو بالحري: التسوية- وفق نمط الذكر. ولكن لماذا لا يبحثن عن الوصول إلى مستوى الرجال وفق الخصائص الأنثوية؟ فهل يعزى إلى ذلك العبادة القديمة، عبادة القوة، ذات الصلة بكره جنسهن الخاص؟
أبدا لن يفهم الرجل، الذي لم يزوّد بالبطن الخلاق، إلى أي مدى تغوص نفس المرأة في الواقع العميق، واقع الأشياء والموجودات. فقوة المرأة ناجمة عن أنها، وحدها، هي القادرة على الإحساس بقوة الحياة.


المصدر: المرأة، بحث في سيكولوجية الأعماق، بيير داكو، ترجمة وجيه أسعد، مؤسسة الرسالة، ط٣، ١٩٩١م.

التعليقات (0)

اترك تعليق