يوم الأم (بر مؤقت أم وقفة تكريم؟)
يوم الأم (بر مؤقت أم وقفة تكريم؟)
يحتفل العالم بعيد الأم في21 مارس من كل عام، فتزدهر الحياة وتنشط المحلات التجارية؛ فالكل يريد أن يشتري هدية لأمه في يوم عيدها؛ ليعبر بها عن حبه وامتنانه لها عن كل ما قدمته له من تضحيات ورعاية واهتمام، ومن حسن الصدف أن بهذا اليوم يبدأ فصل الربيع أيضاً، بما له من مزايا كازدهار الحياة، وتزين الأرض بمختلف ألوان الزهور الجميلة. ولكن دعونا نسأل هل يكفي يومًا واحدًا لنعبر فيه عن حبنا لهذا الملاك البشري الذي وضع الله فيه كل الحنان والمحبة والرحمة والتضحيات؟
الأم هي أهم شيء لنا في هذه الحياة، فهي حضن المحبة والراحة والاطمئنان، هي من جعلتنا نعرف أن معنى السعادة الحقيقية يكمن في حب الله وطاعته، لقد كرمها الإسلام وأوجب برها في كل وقت؛ بما شرعه الله لنا من بر الوالدة وتعظيمها والإحسان إليها والسمع لها في كل وقت، بل دعا المسلمين إلى بر الوالدين كليهما وتكريمهما والإحسان إليهما وصلة جميع قرابتهما، وحذرهم سبحانه من العقوق والقطيعة، وخص الأم بمزيد من العناية والبر؛ لأن عنايتها بالولد أكبر، وذلك لما ينالها من المشقة في حمله وإرضاعه. وتربيته تتطلب بذل الجهد الأكثر. قال الله سبحانه: ”وَقَضَى رَبُّكَ أَلا تَعْبُدُوا إِلا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاهُمَا فَلا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلاً كَرِيماً”(1) انظروا كيف ربط الله عبادته ببر الوالدين، واستخدم هذه العبارات الرحيمة، وكيف يستجيش القرآن وجدان البر والرحمة في قلوب الأبناء نحو الأمهات والآباء، يحثنا على بر هذا الجيل السائر نحو الكبر، الذي يمتص الأبناء منه كل رحيق وكل عافية وكل اهتمام، فإذا هما شيخوخة فانية إن أمهلهما الأجل، وهما مع كل ذلك سعيدان بهذه التضحيات قال تعالى: “وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ”(2)
فالإسلام ينشئ المجتمعات ابتداءً على مراعاة الحقوق، مما يمنع ظهور الأمراض الاجتماعية وحفاظًاً على وحدة المجتمع من التفرق والتمزق، دعونا ننظر إلى الأم كيف كرّمها الإسلام بأحسن تكريم فجعل البر بها والتذكير بحقوقها حقًامشروعًا طوال السنة كلها، ومن عدل الإسلام أنه لم يهدر حق الأب أو يهمله، لكنه سبحانه وزع الحقوق بالعدل بينهما، قال تعالى: “وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاَهُمَا فَلاَ تَقُل لَّهُمَآ أُفٍّ وَلاَ تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلاً كَرِيمًا” (23: سورة الإسراء)، فهنا ذكر الله تعالى حق الوالدين معًا، وهي آيات يحفظها كثير من عامة الناس، ويستمعون إليها كل حين، أما نسبة حق الأم إلى حق الأب فمن منا لا يعرف الحديث الشريف، جَاءَ رَجُلٌ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صل الله عليه وآله وسلم فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ مَنْ أَحَقُّ الناس بِحُسْنِ صَحَابَتِي؟ قَال:َ “أُمُّكَ“. قَالَ: ثُمَّ مَنْ؟ قَالَ: ”أُمُّكَ“. قَالَ: ثُمَّ مَنْ؟ قَالَ: ”أُمُّكَ“. قَالَ: ثُمَّ مَنْ؟ قَالَ: ”ثُمَّ أَباك”(3)، للأسف هناك من لا يعرف قدر أمه إلا في هذا اليوم ويعتقد أنه بهدية بسيطة خرج من حقها، والبعض يتأفف من أمه إذا عاتبته على التقصير في السؤال عنها بعد زواجه ومفارقته لها، بعد أن كانت معتادة على رؤيته كل يوم ويتعلل بمشاغل الحياة، ويتناسى هذه الأم التي كانت تسهر الليالي الطوال على راحته، وتحرم نفسها من ملذات الحياة لتوفر له احتياجاته، وكم تحملت من الأذى في سبيله. لقد حذر الإسلام من أبسط العقوق ألا وهي كلمة أف ونهانا عن نهر الوالدين، فكيف بمن يقطع صلته بأهله ويتناسى وجودهم ولا يتذكرهم إلا في هذا اليوم بهدية! بل ويتباهى أمام الآخرين بها ويتفاخر بأنه لم ينس أمه، والبعض منهم يحسب للمادة في شرائها خوفًاً من أنْ تكلفه مبلغًا طائلا متناسيًا ما تحملته الأم من حمل وولادة، وإرضاع وسهر بالليل، وجهد متواصل بالنهار في سبيل الرعاية المطلوبة.
وشهد عبد الله بن عمر رجلاً يمانيًّا يطوف بالبيت قد حمل أمه على ظهره يقول:
إني لها بعيرها المذلل إن أذعرت ركابها لم أذعر
الله ربي ذو الجلال الأكبر
حملتها أكثر مما حملت فهل ترى جازيتها يا ابن عمر؟
فقال ابن عمر: لا ، ولا بزفرة واحدة.
نعم فو الله لو قضى الأبناء ما بقي من العمر في خدمة الأبوين ما أدوا حقهما، فقد قال الرسول (صل الله عليه وآله وسلم): ”لا يجزي ولد والدًا إلا أن يجده مملوكاً فيشتريه فيعتقه”.(4)
إن الأم جوهرة غالية الثمن؛ لذلك كرمها الإسلام لقول الرسول(ص): “الجنة تحت أقدام الأمهات”(5) ولا بد من تكريمها وبرها سواء كانت حية أم في رحاب الله، وكما أسلفنا أنَّ عيدها يأتي مع الربيع، فكما الربيع يحيي الأرض نتمنى أن تحيا به قلوب العاقين والعاقات؛ ليشعروا بقيمة الأم والجنة التي تحت قدميها. بارك الله لجميع الأمهات يوم عيدهن، وختامًا أدعو الله عز وجل أن يحفظ جميع أمهات المسلمين وأقول:
ربّي سألتك باسمهنّ أن تفرشَ الدنيا لهنّ بالوردِ إن سمحتْ يداك وبالبنفسج بعدهنّ
حبُّ الحياةِ بمنّتين وحبهنّ بغير مِنّة نمشي على أجفانهنّ ونهتدي بقلوبهنّ
فردوسهنّ وبؤسهنّ ببسمةٍ مِنّا وأنّه ربّي سألتك رحمة وجهَ السماءِ ووجههنّ
فامسح بأنملك الجراح وردّ أطراف الأسنّة لتطلّ شمسك في الصباح وكلُّ أمٍّ مطمئنة(6)
____________________________________________
1- سورة الإسراء آيه رقم 23
2- سورة لقمان 14
3- أصول الكافي ج 167/9 باب بر الوالدين
4- صحيح مسلم باب عتق الوالدين (25/26 )
5- كنز العمال ج16 /461
6- كلمات رشدي معلوف
المصدر: مناهل الزهراء
بقلم: ماجدة النشيط
اترك تعليق