المراهق شخص طبيعيL’adolescent est une personne… normale
ماذا لو لم تكن أزمة المراهقة قدراً بل طريقة لإنكار العبقرية الخاصة بالشباب؟
المراهق إنسان، كما بقية البشر، وحين ننظر إليه بهذه الطريقة نساعده على مواصلة نموه، على عكس ما روج له التحليل النفسي من أنّ هذه السن لا تتسم سوى بالسمات السلبية والسلوك المرفوض.
ترجع فكرة أزمة المراهقة إلى الفيلسوف جان جاك روسو وكتابه "إيميل أو التربية" الذي نشره في عام 1762، فهو من كتب هذه السطور الفظيعة في كتابه الرابع يقول: "إنّ وقت الأزمة هذا، على الرغم من قصره، يحمل تأثيرات طويلة المدى، وكما صهيل البحر يسبق من بعيد العاصفة، إنّ هذا التطور العاصف تنبئ به همسات الولع الناشئ كعملية تخمّر تنذر بدنو الخطر".
هذه الفكرة التي لا تحمل أي أساس علمي بما أنها ترتكز على تنقيب ذاتي قام به صاحبها، تكبر ويتلقفها أطباء القرن التاسع عشر ويطورونها، ثمّ علماء النفس الفرنسيون، الملقبون بالعلميين، ثمّ علماء النفس الأمريكيون وبالأخص ستانلي هال. ونجدها كذلك، في تلك الفترة، في الأدب الرومانسي الذي يبرز حقبة الشباب المعذب الذي يرفض الاندماج في المجتمع. كما تحتل المراهقة مكاناً محترماً في كتابات فرويد، وبالأخص في نظريته حول الحياة الجنسية. باختصار، ترتسم رؤية درامية عن المراهقة تقول إنّ المراهق يشكل خطراً على نفسه، بسبب حياته الجنسية الناشئة والطافحة، كما يشكّل خطراً على الآخرين بسبب اندفاعه وطاقته اللذين لا يحدهما شيء. أزمة المراهقة، التي تُسمى أيضاً "أزمة البلوغ"، هي نوعاً ما نتيجة هذا البنيان النفس- أدبي المدهش.
قبل أن نذهب إلى أبعد من هذا، فلنحدد ماذا تعني كلمة "أزمة". هي تشير بحس القواميس إلى مضايقة عميقة سببها تحولات نفسية وفسيولوجية تصيب مؤقتاً شخصاً ما ويمكنها أن تحمل معها عواقب حاسمة: هي أيضاً مرحلة تغطي حالة الضيق هذه. وتعني هذه الكلمة كذلك أهداف النمو المتصلة بهذه الأزمة. ومن الواضح أنّ هذه الكلمة تحمل معنى الاضطراب العميق.
وهكذا، فإنّ المراهقة تعرف تقليدياً على أنها مرحلة فقدان توازن واستقرار تلي مرحلة الكمون، من الثامنة إلى الثانية عشرة تقريباً، والتي تعتبر مرحلة مائلة نحو الاستقرار والهدوء، حتى أنها توصف بـ "الطفولة الراشدة". الكلام مبالغ فيه بالطبع، لأنّ الطفل أولاً يبحث باستمرار عن طريقه ولا يبلغ أبداً التوازن التام، ثمّ لأنّ المراهق ليس ذاك "الفاقد التوازن" الذي غالباً ما يقدَّم إلينا. بالطبع، إنّ هيجان المراهقة معروف: تصير الأسرة أحياناً مسرح عداوات حيث يتواجه الأهل والمراهقون بصوت عال، تتوتر العلاقات، يظن الأهل أنّ السفينة تترنح وتغمرها المياه من كل حدب وصوب ويشعر المراهقون بأنّ الأهل يعارضون رغبتهم المتنامية في الاستقلالية، علامَ يرتكز إذاً هذا النوع من التوترات والنزاعات؟ هل هي حتمية؟ هل هي ضرورية؟
بحسب الطرح الرسمي، لا يحمل المراهق سوى نزعة واحدة هي نزعة المعارضة، وقد يتحدّث بعض علماء النفس أيضاً عن "ثقافة معارضة" حقيقية، ولا يظهر سوى رغبة واحدة هي الرغبة في التمايز. أي مراهق لم يعتبر يوماً غريب الأطوار أو فريداً؟ يمتلك هذا الخطاب النفسي- طبي كلماته التي قد تكون شديدة القسوة: عبور أهوج، زوبعة صغيرة، فوضى البلوغ، مضايقة عميقة، عاصفة، مرحلة مخاطر، عذاب المراهقة، العذاب الداخلي، إلخ. وإذا ما تابعنا التحليل التقليدي، تكون أزمة المراهقة هذه متصلة بـ "التحول" البدني لدى المراهق من ناحية وببعض الحاجات النفسية غير المعبَّر عنها دائماً. وهكذا، فإنّ سلوك المعارضة أو الغضب أو الخطر يقدم على أنه محاولات يصارع فيها الفرد حاجته إلى التبعية، فنصير في مواجهة مفارقة مدهشة لا تطاق.
لا يوجد برنامج فسيولوجي ولا حتمية أزمة:
ندد العالم النفسي، ألفرد أدلر، في ما مضى وبعبارات شديدة العنف بالتحليلات التي تجعلنا نفترض أنّ الطفل، في فترة البلوغ، هو "كمن استولى عليه الشيطان، أو أنه يعاني من آثار سم داخلي". وهكذا يعامل المراهقون كما لو أنهم مرضى، ويسلمون إلى أيدي الخبراء والمعالجين بأعداد متزايدة. ولكن ماذا لو تخيلنا تفسيرات أخرى للخلافات و"النزاعات" في داخل الأسر؟ أسباب مغايرة لما يدعى أنها أزمة معارضة بما أننا لا نعتقد أنّ هذه الأزمة مبرمجة بيولوجيّاً ولا نؤمن بحتميتها.
إنّ السنوات الأولى من النمو في حياة الطفل هي التي تشكل مخزونه من التجارب العاطفية والانفعالية ومخططات السلوك التي تكون أساس توازنه في ما بعد. وفي هذه الفترة بالتحديد من التكوين يجب أن نبحث أحياناً عن تفسير الاضطرابات والسلوكيات المرضية التي تأتي لاحقاً. إنّ حالات النقص الخطيرة خلال الطفولة غالباً ما تكون أصل بروز مشكلات في مرحلة البلوغ. وبعض الاضطرابات التي لوحظت خلال المراهقة تولدت في الحقيقة خلال سنوات الطفولة الأولى ولكنها لم تظهر. نعلم أنّ صدمات الطفولة المبكرة تظهر إلى السطح بسهولة خلال البلوغ مسببة معها العديد من الاضطرابات، و"أزمة" المراهقة التي تظهر هنا لا تكون في الحقيقة سوى أزمة طفولة مؤجلة.
ويبدو أنّ العلاقات الأسرية السيئة، وبالأخص سوء التموقع عند الأهل، تفسر بشكل أساسي سلوكيات المعارضة، وحتى التحدي لدى المراهق. تولد هذه العلاقات أو تجعل من الممكن قيام أزمة المراهقة المعروفة وليس العكس، فحين نفقد السيطرة التي كانت لدينا على طفلنا، ونشعر بأنّ هذا الكم من الطاقة ومظاهر الاستقلالية من جانبه تتخطانا، نتصلب حيث يفترض بنا أن نبدي ليونة أكبر، فمن الطبيعي أن يكون المراهق أصعب مراساً من الطفل.
وهكذا يأخذ الأهل في قصقصة أجنحة الطائر الصغير لحظة يتعلم الطيران وحده. ينبغي في تلك اللحظات أن نتوارى وأن نقبل بخسارة الطفولة، ولكن هذا مستحيل علينا. فالتواري صعب، كما فن الشيخوخة، مثلما يقول موريس دوبيس، فنحن لا نحتمل بسهولة محاولات المراهق للتفلت من وصايتنا ونشعر كما لو أنه يتحدى "سياستنا التربوية". من المؤكّد أنّ مقاومة صغيرنا تدمر توازننا الشخصي، نحن نعاني عند رؤية الروابط التي نسجناها واعتدنا عليها تنحل فنشعر بنوع من الهجران. وكم يصعب علينا أن نقبل بفكرة أنّ طفلنا يكبر وأنه يستطيع الآن أن يأخذ مبادرات ويتحمل مسؤوليات وحده وأنه بحاجة أقل إلينا.
فلنعتبر إذاً أنّ ما يدعى بأنه أزمة البلوغ هو في الحقيقة أزمة في العلاقة. إنّ العلاقة تعاني من مشكلات أكثر مما يعاني هذا الطرف أو ذاك في العلاقة. ما الذي يجري في الحقيقة؟ كثيراً ما يستحيل على الأم، وهي التي تقف في الخطوط الأولى، أن تنفصل عن طفلها. دورها صعب، فكل حياتها تبدو سلسلة طويلة من الانفصالات التي ينبغي أن تقوم بها: الولادة ثم الفطام والخطوات الأولى والدخول إلى المدرسة. أخيراً تظهر المراهقة فيصعب على الأم أن تقبل بأن طفلها لم يعد ولن يعود ذاك الطفل الساذج المطيع، الحنون، المنفتح والعفوي الذي كان بحاجة إليها على الدوام. هي تتمنى له استقلالية أكثر تأخراً، ما يتعارض مع رغبة ابنها وهي الحصول على هذه الاستقلالية بأسرع وقت ممكن. وهكذا، يواجه الأهل مجدداً محنة الانفصال حينما يغادر طفلهم التعليم المدرسي ليدخل إلى التعليم العالي أو إلى عالم العمل، حتى لو بقي تحت سقف أهله.
إنّ الكثير من المجتمعات التي يقال عنها بدائية كانت قد فهمت هذه المسألة وأقامت للأطفال البالغين شعائر انتقال إلى سن الرشد تقضي المرحلة الأولى فيها بفصل الأبناء عن الأمهات للسماح لهم، في مرحلة ثانية، وهي مرحلة العزلة، بأن يتواصلوا مع أتراب لهم، قبل أن يرجعوا، في مرحلة ثالثة وأخيرة، إلى مجتمع الكبار ليكلفوا فيه بمسؤوليات جديدة. ما زلنا نجد مرحلة الفصل من الدائرة الأنثوية في بعض القبائل الأفريقية المعاصرة. فـ"الحبل الفضي"، كما يقال في تلك القبائل يقطع، أي يلغى التعلق بالأم التي تشكل في مجتمعاتنا مصدر غالبية النزاعات مع المراهقين، فالأم وليس الأب، هي التي تعيش إلى جوار الأطفال الكبار.
فإذا كانت الأسرة تعاني من حالات توتر، لا حاجة لأن نبحث عن التفسير في مكان آخر، فهو مرتبط بصعوبة الانفصال والاستحالة بالنسبة إلى المراهق أن يؤكد اختلافه، فتكون ردات فعله العنيفة مؤشرات ضيق شديد أمام السدود المنهجية والعنيدة التي توضع في وجه توكيده لذاته.
المصدر: مجلة كل الأسرة، العدد: 978.
اترك تعليق