شبهات حول الزواج: هل المهر يسيء لشخصية المرأة ويضفي على مشروع الزواج صبغة البيع والشراء؟
یقال عن الصداق أنه ینطوی هذا الأمر على إساءة إلى شخصیة المرأة، ویسبغ هذا الأمر صبغة البیع والشراء على مشروع الزواج. وللجواب على هذه الشبهة، نقول:
إن هذه الأمور هي التي تدفع بالبعض إلى أن یعارضوا بشدة مبدأ المهر ومسألة الصداق، ویقوى هذا الاتجاه لدى المتغربین خاصة ما یجدونه من عدم الأخذ بهذا المبدأ في الزیجات الغربیة، في حین أن حذف الصداق والمهر من مشروع الزواج لیس من شأنه رفع شخصیة المرأة فقط، بل یعرض وضعها للخطر. وتوضیح ذلك هو، أنه صحیح أن المرأة والرجل یستفیدان من مشروع الزواج، وإقامة الحیاة الزوجیة على قدم المساواة، ولکن لا یمکن إنکار أن الأکثر تضررا عند افتراق الزوج عن زوجته هي المرأة، وذلك:
أولا: إن الرجل -بحکم قابلیاته الجسدیة الخاصة- یمتلك -عادة- سلطانا ونفوذا وفرصا أکثر في المجتمع، وهذه هي حقیقة ساطعة مهما حاول البعض إنکارها عند الحدیث حول المرأة، ولکن الوضع الاجتماعي وحیاة البشر -حتى في المجتمعات الغربیة والأوروبیة التي تحظى فیها النساء بما یسمى بالحریة الکاملة ترینا بوضوح- وکما هو مشهود للجمیع -أنّ الفرص وأزمة الأعمال المربحة جدا هي في الأغلب في أیدي الرجال. هذا مضافا إلى أن أمام الرجال إمکانیات أکثر لاختیار الزوجات، وإقامة حیاة عائلیة جدیدة بینما لا تتوفر مثل هذه الإمکانیات للمرأة، فإن النساء الثیبات -خاصة اللواتي یصبن بهذه الحالة بعد مضي شطر من أعمارهن، وفقدان شبابهن وجمالهن- یمتلکن فرصا أقل للحصول على أزواج لهن.
بملاحظة هذه النقاط یتضح أن الإمکانات التي تخسرها المرأة بالزواج أکثر من الإمکانات التي یفقدها الرجل بذلك، ویکون الصداق والمهر -في الحقیقة- بمثابة التعویض عن الخسارة التي تلحق بالمرأة، ووسیلة لضمان حیاتها المستقبلیة، هذا مضافا إلى أن المهر والصداق خیر وسیلة رادعة تردع الرجل عن التفکیر في الطلاق والافتراق. صحیح أن المهر -في نظر القوانین الإسلامیة یتعلق بذمة الرجل من لحظة انعقاد الرابطة الزوجیة وقیامها بین الرجل والمرأة، ویحق للمرأة المطالبة به فورا، ولکن حیث أن الغالب هو أن یتخذ الصداق صفة الدین المتعلق في الذمة یکون لذلك بمثابة توفیر للمرأة تستفید منه في مستقبلها، کما یعتبر خیر دعامة لحفظ حقوقها، إلى جانب أنه یساعد على حفظ الرابطة الزوجیة من التبعثر والتمزق (طبعا هناك استثناءات لهذا الموضوع، ولکن ما ذکرناه صادق في أغلب الموارد). وأما تفسیر البعض لمسألة المهر بنحو خاطئ، واعتبار الصداق أنه من قبیل ثمن المرأة فلا یرتبط بالقوانین الإسلامیة، لأن الإسلام لا یُعطي للصداق الذي یقدمه الرجل إلى المرأة صفة الثمن کما لا یُعطي المرأة صفة البضاعة القابلة للبیع والشراء، وأفضل دلیل على ذلك هو صیغة عقد الزواج الذي یعتبر فیه الرجل والمرأة کرکنین أساسیین في الرابطة الزوجیة، في حین یقع الصداق والمهر على هامش هذا العقد، ویعتبر أمرا إضافیا، (طبعا لا بد من الانتباه إلى أن على الزوج -إذا لم یذکر الصداق ضمن عقد الزواج- أن یدفع إلى المرأة مهر المثل في صورة الدخول بها).
من کل ما قیل نستنتج أن المهر بمثابة جبران للخسارة اللاحقة بالمرأة، وبمثابة الدعامة القویة التی تساعد على احترام حقوق المرأة، لا أنه ثمن المرأة، ولعل التعبیر بالنحلة التي هي بمعنى العطیة في الآیة إشارة إلى هذه النقطة.[1]
ویطلق في الغرب على نفقة الرجل على بیته من تلقاء نفسه بالحب الحر، مع أن القوانین الغربیة تشرك المرأة والرجل على السواء في النفقة.
إذن فالإسلام یرى أن المهر والنفقة أمور مهمة ومؤثرة في إحکام عرى الزواج وتأمین رفاه الأسرة، وإيجاد الوحدة بین الزوجین؛ وأن إلغاء المهر والنفقة، وعلى الأخص النفقة تؤدي إلى تزلزل أساس الأسرة.
ثانياً: حق اختیار الزوج: الإسلام اتخذ جانب الحکمة في هذه المسألة إذ:
1- لایحق للأب المسلم أن یزوج ابنته بالإجبار، والعقد یبطل في حالة عدم رضا الفتاة، وقصة هذه الفتاة الذکیة خیر دلیل على ذلك: روي أن فتاة بکرا أتت إلى النبي(ص) وقالت: إن أبي زوجني من ابن أخ له لیرفع خسیسته وأنا له کارهة!!
فقال(ص) لها: أجیزي ما صنع أبوك.
فقالت: لا رغبة لي فیما صنع أبي!
قال: فاذهبي فانکحي من شئت!
فقالت: لست رافضة لما صنع أبي ولکني أردت أن أَعلم الناس أن لیس للآباء في أمور بناتهم شيء[2].
2- اشتراط إذن الولي للحیلولة دون وقوعها فی شرك رجل مخادع:
إضافة إلى أن المشورة مبدأ اعتمده الرسول(ص) وأهل البيت(ع) رغم بلوغهم قمة الکمال، وأصوبه في أحاديث عدیدة منها: "من استبد برأیه هلك".
فإن من الحکمة منع الفتاة، أو على الأقل عدم تحبیذ زواجها من دون موافقة أبیها، لا یمکن أن یکون دلیل على أن المرأة قاصرة أو أقل من الرجل فی النضج الاجتماعي؛ إذ لو کان الأمر کذلك لما کان هناك فرق بین الثیب والبکر لتکون الثیّب البالغة من العمر 16عاما ً مستغنیة عن موافقة الأب بینما تحتاج البکر البالغة من العمر 18عاما ً إلى موافقته.
وإذا کان الإسلام یعتبر الفتاة قاصرة عن إدارة أمورها فلماذا أعطى البنت البالغة الرشیدة استقلالها الاقتصادي وصحح معاملاتها المالیة حتى لو بلغت الملایین دون الحاجة إلى موافقة الأب؟
إن هذا الموضوع لا یرتبط بقصور الفتاة وعدم اکتمال نضوجها العقلي ولکنه یتعلق بجانب الترکیب النفسي للرجل والمرأة.
فروح الاصطياد التي یتمتع بها الرجل من جهة وسرعة الاطمئنان التي تتمیز بها المرأة في المقابل فالمرأة أسیرة المحبة ویمکن أن یأسر قلبها حدیث المحبة [...]یقول علماء النفس إن خیر جملة یقولها رجل لامرأة: "عزیزتی إني أُحبك"!
لکن الرسول ذلك العالم النفساني الإلهي أوضح هذه الحقیقة قبلهم وربما هم استفادوا من قوله: "قول الرجل للمرأة إني أحبك لا یذهب من قلبها أبداً".
والرجال المتصیدین یستفیدون من هذا الإحساس الموجود لدى المرأة ویجدون فی جملة: "إنی أموت في حبك" أمتن شرك لاصطياد الفتیات[3].
لقد شاهدت بنفسي مصداق ما ذکره الشهید مطهري(قده)، فبینما کنت أسیر في باحة الکلیة شاهدت فتاة کانت تقف مع صدیقها وهي تخاطبه بلهجة المستلم المسرور والضاهر أنها التقطت بمعیة أحد الأساتذة صورة شبه جماعیة، واحتفظ الأستاذ بنسخة له، فإذا بالصدیق یثور ویغضب ویمزق نسخة الصورة التي تحتفظ هي بها، فقلت فی نفسی لو کان حقا لدیه شيء من الغیرة علیها لمنعها من التبرج وتمّتع کل ناظر لها بزینتها.
3- سقوط ولایة الأب والجد إذا کان المنع خلاف مصلحتها: إنما وضعت ولایة الولي للحفاظ على الفتاة والحیلولة دون دمار مستقبلها، فالفتاة أمانة في بیت أهلها، وعلى الأهل مراعاة مصلحة ابنتهم في انتقاء الزوج اللائق والکفؤ، فإذا کان المتقدم لخطبتها ذو صفات حسنة فعلى الأهل عدم الوقوف أما مستقبل ابنتهم فالحیاة الزوجیة فرصة للتکامل والسمو وهو أسمى من أن ترکب الفتاة سیارة[...]؛ وإذا منعوها من الزواج طمعا ًفي راتبها وهو منفعة مؤقته قد یسبب طمعهم هذا ندامة کبیرة؛ وهم بهذا یساهمون في منع استقامة الشباب وحصولهم على الحب والعاطفة بالکیفیة التي أرادها الله تعالى.
یبقى سؤال یطرح نفسه من هو الکفؤ؟ هل هو الجمیل الذي عندما تمشي زوجته معه تحسدها علیه کل بنات حواء؟ أم هو صاحب المنصب الذي ینحني له الجمیع؟ أم هو صاحب السلالة التي یفاخر بها وهو لا یحمل أي محتوى؟ أم هو صاحب السیارة التي کانت أمنیة رکوبها في مخیلة کل زمیلاته في الجامعة؟
لذا على الأهل والذین لهم دور کبیر في رسم مستقبل الفتاة تربیتها على الکمال المعنوي، حتى إن القرآن الکریم طمأن الولي بقوله «إِنْ یَکُونُوا فُقَرَاءَ یُغْنِهِمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ»(سورة النور، الآية: 32)، فالسخاء یجتمع مع قلة ذات الید والطمع والشحة مع الثروة وربما یکون سببا ًلها؛ فإن الخطأ في تشخیص الکفؤ هو الذي سبب المشاکل وربما أدى إلى الطلاق، الکفؤ الذي لم یترك أهل بیت الرحمة تعریفه وإنما نحن ترکنا الاطلاع عليه واتّباع أقوالهم؛ فعن الصادق(ع): "الکفؤ أن یکون عفیفا وذا یسار".[...]
الهوامش:
1- الشیخ ناصر مکارم الشیرازی، الأمثل فی تفسیر کتاب الله المنزل، ج 3، ص 103 - 105.
2- الشیخ الأنصاری کتاب النکاح، ص 121.
3- نظام حقوق المرأة فی الإسلام ص66.
المصدر: مجلة الطاهرة، العدد: 218.
صدیقة الموسوی.
اترك تعليق