فلسفة "الجندر" تطال الكتاب المقدس: إجراء تعديلات للألفاظ فيه بحيث تتسم بالحيادية في مخاطبة الجندر
في مختلف الثقافات والديانات عندما يتعلق أمر من الأمور أو حكم من الأحكام بالرجال والنساء معـًا، تكون صيغة الخطاب بلفظ المذكر تصريحـًا، ويندرج تحتها النساء تضمينـًا، إلا إذا كان الحكم يتعلق بالنساء فيكون اللفظ بصيغة المؤنث تصريحـًا، ولكن الجمعيات النسوية تعتبر أن توجيه الخطاب بصيغة المذكر ينطوي على نوع من التهميش والإقصاء لهنَّ، ولذا جاء مفهوم " الجندر " متوجـًا لجهودهنَّ في المساواة بين الرجال والنساء.
على أنه أصبح هناك نوع من الحرص والتدقيق في اختيار اللفظ ، بحيث يصلح للجنسين. وقد يبدو هذا جليـًا في بعض اللغات دون غيرها؛ ففي اللغة الإنجليزية إذا وجد الكاتب نفسه مضطرًا لذكر ضمير مفرد، فإنه لا يكتفي بذكر ضمير المذكر، بل يذكر ضميري المذكر والمؤنث على سبيل الشمول، فيكتب (he/she)، وهذا يعني " هو أو هي " ، بينما كان الأمر في السابق غير ذلك، وكان الكاتب يكتفي بذكر ضمير المذكر فقط، ويفهم من السياق أن الخطاب لكلا الجنسين.
فقد ورد في صحيفة "واشنطن بوست" أن جمعية الكتاب المقدس الدولية أعلنت أنها سوف تصدر ترجمة جديدة للكتاب المقدس، تتسم ألفاظها بالحيادية في مخاطبة "الجندر" (النوع الاجتماعي)، ويأتي ذلك على الرغم من الانتقادات السابقة لتلك الفكرة من قبل المحافظين.
وسوف تجرى هذه التعديلات اللغوية على أكثر ترجمات الكتاب المقدس مبيعـًا في الأسواق الأمريكية وهي "الترجمة الدولية الجديدة"، والمعلوم من هذا الأمر أن التعديل يشمل استبدال الألفاظ التي تخاطب الذكور بالألفاظ التي تصلح لمخاطبة الجنسين، وستعرف الترجمة المعدلة بـ "ترجمة اليوم الدولية الجديدة".
وقد فاقت مبيعات الترجمة الأصلية التي ستجرى عليها التعديلات أكثر من (150) مليون نسخة في جميع أنحاء العالم منذ 1978م، وستظل مطروحة في الأسواق مع الترجمة الجديدة.
[...] وتتمتع دار "زونديرفان" المملوكة لدار نشر "هاربركولينز" بحقوق نشر الترجمتين الأصلية والمعدلة في أمريكا الشمالية. وحتى اليوم أنفقت "زونديرفان" و "جمعية الكتاب المقدس" مليونين من الدولارات لتطوير الترجمة الجديدة، لكنهما لم يفصحا عن أي بنود مالية أخرى.
وتناول الترجمة القديمة لـ "الجندر" أصبح محل نزاع شديد عام 1997م، عندما ذكرت "المجلة العالمية"، وهي دورية أسبوعية تابعة للمحافظين، أن "جمعية الكتاب المقدس" تقوم بعمل تعديل لغوي شامل لترجمة الكتاب المقدس. وقامت الجمعية فعلاً بنشر تلك الطبعة بالتعاون مع دار نشر بريطانية.
جدير بالذكر أن زعماء المؤتمر الجنوبي المعمداني، وهو أكبر طائفة بروتستانتية في الولايات المتحدة، قد انتقدوا التعديل اللغوي، الأمر الذي فعله "جيمس دوبسون" من خلال برنامجه الإذاعي المؤثر.
وبعد لقاء النقاد ذكرت الجمعية أنها سوف توقف نشر الطبعة البريطانية الشاملة، وأنها قد تخلت عن كل خططها بشأن التغييرات المتعلقة بـ "الجندر" في الطبعات المستقبلية للترجمة القديمة "الترجمة الدولية الجديدة".
وفي واقع الأمر لم تتخلَّ "جمعية الكتاب المقدس" عن عزمها تمامـًا، ذلك لأن الترجمة الحديثة لن تحل محل الترجمة الأصلية، وإنما ستباع بجانبها.
ومن أمثلة التغييرات التي حدثت منذ 1978م إلى الآن، نجد في إنجيل " متى " في الإصحاح الخامس، تغيرت كلمة (sons) إلى كلمة (Children)، والكلمة الأولى تعني الأبناء الذكور فقط، أما الثانية فتشمل الأبناء من الجنسين. وفي موضع آخر من الكتاب تغيرت كلمة (man) التي تعني "الرجل" وتطلق على الذكور فقط، إلى كلمة (person) وهي بمعنى شخص أو إنسان، ومن ثم فهي تطلق على الجنسين.
وصدر بيان عام جاء فيه أن تلك الترجمة ليست مجرد ضبط لألفاظ "الجندر"؛ لأن (70%) من التعديلات لا تتعلق بـ "الجندر"، وأن التعديل قد شمل ألفاظـًا تشير إلى الله سبحانه وتعالى وإلى عيسى -عليه الصلاة والسلام-.
وكما هو الشأن مع ترجمة الكتاب المقدس لعام 1978م، فإن الترجمة الجديدة أيضـًا موجهة للبروتستانت، ولن تظهر مع الطبعات الخاصة للكتب المقدسة التي يعترف بها الرومان الكاثوليك والكنيسة الأرثوذكسية.
وتعتبر "ترجمة الملك جيمس" المنافس الرئيسي لـ "الترجمة العالمية الجديدة" في نسبة المبيعات في الولايات المتحدة.
وآخر ما ذكر فيما نشرته "واشنطن بوست" أن الكتاب المقدس، أو أجزاء منه، متاح الآن بنحو سبعين ترجمة بالإنجليزية.
وبذلك ينتهي ما ورد في "واشنطن بوست".
ومصطلح " الجندر " الذي يعني النوع هو البديل عن كلمة (sex) التي تعني " الجنس"، حيث أن الجنس يولد به الإنسان بيولوجيـًا، وبالتالي فهو غير قابل للتغيير -وإن أصبح يتغير الآن-، بينما النوع الاجتماعي قابل للتغيير؛ لأنه يتكون اجتماعيـًا، ولذا فإن أدوار النوع الاجتماعي هي الأدوار التي يقوم بها الرجال والنساء حسبما حددها المجتمع مسبقـًا لكل منهما.
وتبديل كلمة (sex) (الجنس) بكلمة (gender) (النوع)، يهدف أيضـًا إلى تمرير ما أسمته مؤتمرات الأمم المتحدة بـ "التنوع الجنسي"، أي المثيل والسحاقي والطبيعي، حتى يندرج الجميع تحت مظلة لغة تخاطب واحدة.
ويبقى شيء يشد الآذان ويجعلنا نتساءل: هل الأفكار والمبادئ التي تتبناها الجمعيات النسوية أكثر قدسية من الكتاب المقدس المفترض أنه كلام الله عز وجل –[على حسب اعتقادهم]-؟ وهل مست الحاجة فعلاً إلى ذلك التغيير الذي يعد قلبـًا وتحريفـًا لمفاهيم ثابتة لن يقف تأثيرهما فقط عند مساواة النساء بالرجال، بل سيمتد إلى ما هو أسوأ من ذلك ؛ إلى جعل المجتمع كله في عباءة واحدة برجاله ونسائه وشواذه؟!!
نحن المسلمين لا نخشى على كتابنا المقدس من التحريف، فقد تعهد الله جل وعلا بحفظه أبدًا ، ولكن ما نخشاه هو الانخراط في تلك الفلسفات والدعوات التي تؤدي بنا إلى السير في اتجاه مناقض تمامـًا لما جاء في كتاب الله تعالى ، ولما جاءت به فطرتنا التي فطرنا الله تعالى عليها.
المصدر:
Islamweb.net
المركز الاعلامي-أحمد الشاهد-2004م
[بتصرف]
اترك تعليق