مُمَهِدَاتْ... وحقيق أن تبادر المرأة المثقّفة الملتزمة الواعية فتمهد الطريق وتفتح الآفاق.

أروى بنت الحارث بن عبد المطلب

أروى بنت الحارث بن عبد المطلب: كان لديها مواقف شجاعة في المواجهة السياسية لحكم معاوية

أروى بنت الحارث الهاشميّة (1)*
[من النساء المجاهدات اللواتي كان لديهن دور هام ومواقف شجاعة في المواجهة السياسية لحكم معاوية]**

أروى بنت الحارث بن عبد المطلب بن هاشم، ابنة عمّ رسول الله(ص).
اُمّها غزية بنت قيس بن طريق بن عبد العزى بن عامر بن عميرة بن وديعة بن الحارث بن فهر. تزوّجها أبو وداعة بن صبرة بن سعيد بن سعد بن سهم فولدت له:
المطلب، وأبا سفيان، واُم جميل، واُم حكيم، والربعة بني أبي وداعة(2) توفّيت حدود سنة 50هـ.
كانت من أغلظ الوافدات على معاوية بن أبي سفيان، حيث أسمعته ومن معه كلاماً قارصاً. روي أنه دخلتْ على معاوية وهي عجوز كبيرة، فلمّا رآها قال: مرحباً بك يا عمّة.
قالتْ: كيف أنتَ يابن أخي، لقد كفرتَ بعدي بالنعمة، وأسأتَ لابن عمّك الصحبة، وتسمّيتَ بغير اسمك، وأخذت غيرَ حقّك، بغير بلاء كان منك ولا من آبائك في الإسلام(3) ولقد كفرتم بما جاء به محمّد(ص)، فأتعس الله منكم
الجدود، وأصعر منكم الخدود(4)، حتّى ردّ الله الحقّ إلى أهله، وكانت كلمة الله هي العليا، ونبيّنا محمّد(ص) هو المنصور على من ناوأه ولو كره المشركون.
فكنّا أهل البيت أعظم الناس في الدين حظّاً ونصيباً وقدراً، حتى قبض الله نبيّه(ص) مغفوراً ذنبه، مرفوعاً درجته، شريفاً عند الله مرضياً، فصرنا أهل البيت فيكم بمنزلة قوم موسى من آل فرعون، يذبّحون أبناءهم، ويستحيون نساءهم، وصار
ابن عمّ سيّد المرسلين فيكم بعد نبيّنا بمنزلة هارون من موسى، حيث يقول: "يابن اُم إنّ القوم استضعفوني وكادوا يقتلونني"(5). ولم يجتمع بعد رسول الله(ص) لنا شمل، ولم يسهل لنا وعر، وغايتنا الجنّة وغايتكم النار.
قال عمرو بن العاص: أيتها العجوز الضالة أقصري من قولك، وغضي منه طرفك.
قالت: ومن أنتَ لا اُم لك؟
قال: عمرو بن العاص.
قالت: يابن اللخناء النابغة(6) أتكلمني؟! أربع على ضلعك(7)، وأعن بشأن نفسك، فوالله ما أنتَ من قريش في اللباب من حسبها، ولا كريم منصبها، ولقد ادّعاك ستة من قريش كلّهم يزعم أنّه أبوك(8) ولقد رأيتُ اُمّك أيام منى بمكّة مع كلّ عبدٍ
عاهر، فأتمْ بهم فإنك بهم أشبه.
فقال مروان بن الحكم: أيتها العجوز الضالة ساخَ بصرك، مع ذهاب عقلك، فلا تجوز شهادتك.
قالت: يا بُني أتتكلم؟! فوالله لأنت إلى سفيان بن الحارث بن كلدة أشبه منك بالحكم، وإنّك لشبههِ في زرقة عينيك وحمرة شعرك مع قصر قامته وظاهر دماته، ولقد رأيتُ الحكمَ مادّ القامة ظاهرَ الاُمة وسبط الشعر، وما بينكما من قرابة إلاّ كقرابة الفرس الظامر من الأتان المقرب، فاسأل اُمك عما ذكرتُ لك فإنّها تُخبرك بشأن أبيك إنْ صدقتْ.
ثمّ التفت إلى معاوية فقالت: والله ما عرّضني لهؤلاء غيرك، وانّ اُمّك هذه للقائلة يوم اُحد في قتل حمزة رحمه الله:
نحن جزيناكم بيوم بدر                   والحرب يوم الحرب(9) ذات سعر
ما كان عن عُتبة لي مِن صبـرِ           أبـي وعمّـي وأخـي وصهري
شفيت وحشـي غليل صـدري          شفيت نـفسي وقـضيت نـذري
فشكـر وحشي علـيّ عمـري            حتـى تَغيب(10)أعظمي في قبري


فأجبتُها:

                                          يا بنتَ رقـاعٍ عـظيم الكفر           خـزِيتِ في بـدرٍ وغير بدرِ
                                        صبّحـك الله قبيـل الفجـر              بـالهاشميين الطـوال الزهر
                                        بكلّ قطّـاع حسـامٍ يفـري            حمزة ليثـي وعلـي صقري
                                       إذا رام شبيب وأبوك غـدري          أعطيتي وحشي ضمير الصدر
                                       هتـك وحشـي حجاب الستر         مـا للبغايـا بعدها مـن فخر

فقال معاوية لمروان وعمرو: ويلكما أنتما عرضتماني لها وأسمعتماني ما أكره، ثم قال لها معاوية: عفا الله عمّا سلف، يا خالة هاتِ حاجتك.
قالت: مالي إليك من حاجة، وخرجت عنه.
فقال معاوية لأصحابه: والله لو كلّمها مَنْ في المجلس جميعاً لأجابت كلّ واحدٍ بغير ما تجيب به الآخر، وإنّ نساء بني هاشم لأفصح من رجال غيرهم، وبعثَ لها قبل رحيلها فأكرمها وعادتْ إلى المدينة.
وفي رواية قال لها معاوية: يا عمّة أقصدي قصد حاجتك ودعي عنك أساطير النساء.
قالت: تأمر لي بألفي دينار، وألفي دينار، وألفي دينار.
قال: ما تصنعين يا عمّة بألفي دينار؟
قالت: اشتري بها عيناً خرَّارة في أرض خَوّارة (11) تكون لولد الحارث بن عبد المطلب.
قال: نِعْمَ الموضع وضعتيها، فما تصنعين بألفي دينار؟
قالت: اُزوّج بها فتيان عبد المطلب من أكفائهم.
قال: نِعْمَ الموضع وضعتيها، فما تصنعين بألفي دينار؟
قالت: أستعين بها على عسر المدينة وزيارة بيت الله الحرام.
قال: نِعْمَ الموضع وضعتيها، هي لك نعم وكرامة.
ثم قال: أما والله لو كان عليٌّ ما أمرَ لَكِ بها.
قالت: صدقتَ، إنّ علياً أدّى الأمانة، وعمل بأمر الله وأخذ به. وأنتَ ضيّعت أمانتك وخنت الله في ماله، فأعطيتَ مالَ الله مَنْ لا يستحقه، وقد فرض الله في كتابه الحقوق لأهلها وبيّنها فلم تأخذ بها، ودعانا إلى أخذ حقّنا الذي فرض الله لنا، فشغل

بحربك عن وضع الاُمور مواضعها. وما سألتك من مالك شيئاً فتمنَّ به، إنّما سألتك من حقّنا، ولا نرى أخذ شيء غير حقّنا، أتذكر علياً فضّ الله فاك وأجهد بلاءك.
ثم علا بكاؤها وقالت:

                                ألا يا عين وَيْحَكِ أسعدينـا                ألا وابْكـي أميـرَالمـؤمنينا
                                رُزينا خَيْرَ مَنْ رَكبَ المطايا               وفـارسها وَمَنْ رَكبَ السفينا
                               وَمَنْ لَبسَ النعالَ أو احتذاها              وَمَـنْ قـرأ المَثاني والمئينا
                               إذا استقبلتَ وجهَ أبي حسنٍ           رأيْتَ البـدرَ راعَ النظـارينا
                               ولا والله لا أنـسـى عَليّـاً                  وحُسـنَ صَلاتِهِ في الراكعينا
                                أفي الشهرِ الحرام فجعتمونا            بخيـرِ النـاس طُـرّاً أجمعينا

فأمر معاوية لها بستة آلاف دينار، وقال لها: يا عمّة انفقي هذه في ما تُحبين. فإذا احتجتيني فاكتبي إلى ابن أخيك يحسن صفدك(12) ومعونتك إن شاء الله.
ومن شعرها قالت ترثي أباها: 
                         عَينيَّ جـودا بدَمْعٍ غَيـر مَمْنـونِ         إذْ أنهما لا بِدَمْـعِ العَينِ يُشفِينـي
                          إنّـي نَسيـتُ أبـا أروى وذكـرتهِ         عَـنْ غَيْـرِ مـا بغضَـةٍ ولا هَوْنِ
                          مـا زَالَ أبيضَ مِكْرامـاً لاُسرَتِـهِ         رَحْبَ المحاسِنِ في خَصبٍ وفي لِينِ
                          مِـنْ آلِ عَبْـدِ مُنـافٍ إنّ مَهْلَكَـهُ         وَلـَوْ لقيت رغـوبَ الدَهْرِ يَعْصيني
                           مِنْ الّذين مَتـى مـا تغش نـاديَهم    تَلْقـى الخضـارِمَةَ الشمّ العـرانينِ



الهوامش:
** التحرير
*أعلام النساء المؤمنات، محمد حسون وأم علي شكور، انتشارات أسوة ط1، 1411هـ. ق. ص99.
1-
انظر: الأربعون حديثاً لمنتجب الدين، الحكاية العاشرة: 89، وعنه: (احقاق الحق 8: 810، مقصد الراغب: 186 (مخطوط) مرسلاً، البحار 42: 118 مرسلاً عن قتادة)، أعيان الشيعة 3: 245، رياحين
الشريعة 3: 333، أعيان النساء: 24، الدر المنثور:25، بلاغات النساء: 7 ، العقد الفريد1: 357، الطبقات الكبرى 8: 50، الإصابة في تمييز الصحابة 4: 227، أعلام النساء 1: 29، الاعلام: 290.
2- الطبقات الكبرى 8: 50.
3- في العقد الفريد من غير دِين كان منك ولا من آبائك، ولا سابقة في الإسلام.
4- في العقد: فأتعس منكم الجدود ، وأضرع منكم الخدود.
5- الأعراف:50.
6- في العقد الفريد: النبّاغة. قال الطريحي في مجمع البحرين 5: 16(نبغ): نبغ الشيء ينبغ نبوغاً: أي ظهر. ومنه "ابن النابغة" لعمرو بن العاص، لظهورها وشهرتها في البغي. علماً بأنّ اسم اُم عمرو بن العاص 
هو النابغة من بني عنز، كما جاء في الاصابة 3 : 2.
7- أربع على ضلعك: افعل بقدر ما تُطيق.لسان العرب 8 : 244 « ظلع ».
8- في العقد الفريد: فسألت اُمك عنهم، فقالت: كلّهم أتاني، فانظروا أشبههم به فألحقوه، فغلب عليك شبه العاص بن وائل، فلحقتَ به.
9- في العقد الفريد: بعد.
10- في العقد الفريد: تَرِمّ. ورَمَّت عظامه وأرمَّت: اذا بليت.
11- أرض خوّارة: ليّنة سهلة. لسان العرب4: 262 (خَوَرَ). والخرّارة: عين الماء الجاريه.
12- الصَّفَدُ بالتحريك: العطاء. الصحاح 2: 498 (صفد)، تاج العروس 2: 400 (صفد)

التعليقات (0)

اترك تعليق