مُمَهِدَاتْ... وحقيق أن تبادر المرأة المثقّفة الملتزمة الواعية فتمهد الطريق وتفتح الآفاق.

الحركة النسوية العالمية دوافع وجودها ومراحل تطورها

الحركة النسوية العالمية دوافع وجودها ومراحل تطورها

الحركة النسوية كمصطلح:
يُعد مصطلح: "الحركة النسوية " مصطلحاً فضفاضاً رغم شيوعه واستخدامه أكاديمياً وإعلامياً وأدبياً، وقد أخذ هذا المصطلح في الانتشار خلال القرن الماضي بشكل ملحوظ؛ لحمله مجموعة من الدلالات:
المدلول الأول:
دعوة تحرير المرأة التي استندت إلى قيم ومبادئ الثورة الفرنسية (1798م)، وما رافقها وأعقبها من جدل فلسفي وزخم حركي. أتت هذه الدعوة نتيجة الظلم والحرمان والنظرة الممتهنة للمرأة باعتبارها "كائناً نجساً" و "مختلفاً في إنسانيته"، وبجعلها "مصدراً للخطيئة"  و "أصلاً للشرور". فجاءت المطالبة بتحرير المرأة ومساواتها بالرجل في الحقوق والأجور والملكية والعمل! وبدأ صوت النساء يعلو شيئاً فشيئاً لنيل هذه الحقوق وتحقيق المساواة من خلال العمل الميداني والمشاركة الفعلية في التغيير الذي اجتاح أوروبا خلال القرنين الثامن عشر والتاسع عشر الميلاديين.
ومن ثم فالحركة النسوية بهذا المفهوم [...] سلسلة من التطور التاريخي لدعوة التحرير والمساواة التي قامت في أوروبا، ثم انتقلت إلى العالم العربي والإسلامي. ولأن هذه الدعوة انطلقت من مبادئ الثورة الفرنسية، نابذة الدين والثقافة الاجتماعية السائدة؛ فقد تعددت مدارسها ومناهجها في تقديم رؤية فلسفية موحدة لشعار التحرير والمساواة، وفي تحديد أطر المعالجة وبرامج التنفيذ. ومع تعدد الأطروحات النسوية التي لم تكن في معزل عن الحراك السياسي في الغرب ، ومع قيام التحالفات السياسية والحروب العالمية والثورات الفكرية، فقد تحولت الحركة النسوية إلى أداة صراع بيد القوى المتنازعة ووسيلة تغيير بيد الثورات؛ فالحركة النسوية العمّالية، والحركة النسوية السوداء، والتحررية ضد الاستعمار، والليبرالية، والاشتراكية، إلى آخر ما هنالك من التصنيفات، كلها أوجه لعملة واحدة.
المدلول الثاني:
على خلاف المدلول التاريخي السابق ، فإن للحركة النسوية مدلولاً هو باختصار -كما يقول المفكر الإسلامي إبراهيم الناصر-: "الفلسفة الرافضة لربط الخبرة الإنسانية بخبرة الرجل، وإعطاء فلسفة وتصور عن الأشياء من خلال وجهة نظر المرأة".
وقد ظهرت الحركة النسوية مع نهاية القرن التاسع عشر في فرنسا وبريطانيا وأمريكا، حيث بدأت المدرسة الراديكالية المتطرفة داخل الحركات النسائية -والتي تتبنى نهجاً عدائياً تجاه الرجل، والمرأة من نسقها الاجتماعي-. وهي وإن كانت امتداداً طبيعياً لحركات تحرر المرأة ومساواتها بالرجل، إلا أنها تنطلق من مفاهيم "التحرر" و "المساواة" في سبيل القفز بالمرأة إلى واقع لا رصيد له من التاريخ البشري والفطرة الإنسانية، والتقاليد، والأعراف الاجتماعية الوضعية، والديانات السماوية والمنطق العلمي التجريبي.
إنها حركة تغييرية تهدف إلى تحطيم البديهيات العقلية، والمسلّمات الفطرية، والمشاهدات الحسية في جانب المرأة، بما يخدم انحلالها أخلاقياً، ومن ثم استغلالها جنسياً واقتصاديا، تحت أغطية وسائل مختلفة.
المدلول الثالث:
هو المدلول اللفظي، وهو بهذا الاعتبار مصطلح يطلق على الحراك النسائي في المجتمع أياً كانت منطلقاته ورؤاه، "والمتخصصون يفرّقون بين النسوية والنسائية، فالنسائية هي الفعاليات التي تقوم بها النساء دون اعتبار للبعد الفكري والفلسفي، وإنما لمجرد أنها فعاليات تقوم بها المرأة، بينما النسوية تعبّر عن مضمون فلسفي وفكري مقصود -حسب التعريف السابق-"!.

أسس ومنطلقات الحركة النسوية:
لم تعد النسوية اليوم مجرد مطالب ونشاط حقوقي ، بل أصبحت فكراً ورؤية وفلسفة يراد لها أن تمثل عقيدة عالمية ومنهجاً اجتماعياً ونظاماً فاعلاً في مناحي الحياة.
لقد كان أساس دعوة تحرير المرأة هو إنصافها مما لحق بها من ظلم وحرمان وإهانة، مع الحفاظ على التمييز بين خصائص الأنوثة والذكورة -غالباً-. غير أن عامل التغيير والتطور في المبدأ من حيث هو ظلّ متحركاً دون توقف؛ لانعدام  الإطار الفكري الذي تستقي منه الحركات النسوية مبادئها وقيمها، بحيث خضعت المجتمعات لتجربة النظريات والأقوال والآراء في أدق تجلياتها: (الأسرة)، وتجاوز الجدل الحديث عن العلاقة بين الرجل والمرأة وكيفية مساواتهما ببعض إلى الجدل حول حقيقة هوية كل منهما ! وتأسس فيما بعد شعاراتها.لواءه عالمة النفس (لوس إيريغاراي)، التي أثارت الجدل حول مفهوم الاختلاف والطابع البيولوجي والاجتماعي ، مستعيدة قول النسوية الفرنسية (سيمون دو بوفوار) في كتابها "الجنس الثاني": "لا نخلق نساء بل نصيّر نساء"! جاعلة منه أبرز شعاراتها.
وفي الستينات من القرن العشرين بدأت النزعة الأنثوية الراديكالية المتطرفة تتبلور كحركة فكرية سياسية اجتماعية تسعى إلى "تغيير بناء العلاقات بين الجنسين وصولاً إلى المساواة المطلقة كهدف استراتيجي، وتختلف نظرياتها وأهدافها وتحليلاتها تبعاً للمنطلقات المعرفية التي تتبناها، وتتسم أفكارها بالتطرف والشذوذ، وتتبنى صراع الجنسين وعداءهما، وتهدف إلى تقديم قراءات جديدة عن الدين اللغة والتاريخ والثقافة وعلاقات الجنسين".

نشأة الحركة النسوية العالمية:
أشرنا سابقاً إلى أن الحركة النسوية -الأنثوية- ظهرت مع نهاية القرن التاسع عشر في فرنسا وبريطانيا وأمريكا، حيث بدأت المدرسة الراديكالية المتطرفة -التي تتبنى نهجاً عدائياً تجاه الرجل- تتشكل، في حين تشكلت حركة تحرير المرأة والمطالبة بالمساواة قبلها بقرن، حين أعلنت (أولامب ده غوج) في باريس "حقوق المرأة والمواطنة" عام 1791م، وألفت (ماري والستونكرافت) كتابها "مطالب بشأن حقوق المرأة" في بريطانيا 1792م.
وقد مرت الحركة النسوية بمراحل تطور مختلفة، وتباينت بحسب اعتبار الجغرافيا والبيئة الاقتصادية والسياسية والثقافية والتكوين الاجتماعي؛ فالمرحلة الأولى ركزت على حقوق المرأة السياسية والاقتصادية والقانونية والمدنية، وذلك منذ أواخر القرن التاسع عشر وحتى مطلع القرن العشرين، ثم اتسعت مطالب المرحلة الثانية خلال الأربعينات وحتى مطلع السبعينات من القرن العشرين للوصول إلى المثالية المطلقة والمساواة الكاملة دون التفريق على أي أساس كان؛ جسدياً أو نفسياً أو عقلياً.
ومع نشوء الأمم المتحدة أخذت المرأة بعداً أممياً، وقد بدأ اهتمام الأمم المتحدة بالمرأة منذ عام 1946م حين أنشئت لجنة مركز المرأة. وقد عقد أول مؤتمر عالمي بشأن المرأة في عام 1975م في المكسيك، تحت عنوان (عقد الأمم المتحدة للمرأة: المساواة والتنمية والسلم)، واعتبر ذلك العام حينها "العام العالمي للمرأة"، وكان المؤتمر بمثابة انطلاق مشروع عولمة الحركة النسوية، حيث تتالت المؤتمرات فيما بعد:
- مؤتمر (القضاء على كافة أشكال التمييز ضد المرأة)، عام 1979 م.
- المؤتمر الثاني لعقد الأمم المتحدة للمرأة: المساواة والتنمية والسلم، عام 1980م.
- المؤتمر العالمي الرابع المعني بالمرأة في بكين، عام 1995م.
- المؤتمر الخامس في نيويورك بالولايات المتحدة الأمريكية، عام 2000م، والذي أعلن الأمين العام للأمم المتحدّة فيه بياناً يساوي "المتزوجين الشواذ بالتقليديين"!.
- وفي 2005م، عقد المؤتمر السادس في نيويورك أيضاً.
وفي هذا الإطار بدأت قضية المرأة -والحركة النسوية عامة- تأخذ بعدها العالمي وصيغتها الأممية، لتكون أداة من أدوات العولمة التي تسعى إلى فرض قيم الغرب وسلوكياته على شعوب الأرض!.

وقد أثر على مسار الحركة النسوية شيوع عدد من الأفكار والمذاهب في الحياة الغربية، فكانت الأنثوية جزءاً وليداً لهذه المنظومة الفكرية، ومن تلك الأفكار ما يلي:
1- العلمانية: بمعنى تغليب العقل البشري على النقل الإلهي ورفض الدين كمرجعية عليا للقطع في الأمور.
2- العقلانية: وهي صنو العلمانية وفلسفتها الجوهرية  ونتيجة طبيعية لها، لأنه بعد رفض الدين كمرجعية ومصدر للمعرفة والاعتقاد والتشريع، كان البديل متمثلاً في تأليه العقل الإنساني وتمجيده.
3- المادية: ومن مظاهرها رفض الغيب، وكل ما لا يدخل  في دائرة الحواس.
4- الفردانية: ويقصد بها تمجيد الفرد كحقيقة منفردة وحيدة تعتبر نفسها مركز جميع الأشياء.
5- النفعية ومذهب اللذة: وهي سمة من سمات الفرد والمجتمع الغربي، وهي نزعة قديمة في الفكر الفلسفي الغربي تعود إلى قرون ما قبل الميلاد، عند الفيلسوف اليوناني (أبيقور) الذي نادى بأن الخير هو اللذيذ، وأي فعل يعتبر خيّراً بمقدار ما يحقق لنا من لذة!
6- العبثية والتشكيكية: يقول (تشارلز فرانكل): "ففي الثقافة الحديثة كل شيء نسبي وليس ثمة شيء مطلق، فليس لنا مبادئ أولية، ولا قيم نهائية، ولا عقائد راسخة لا فكاك منها، ولا إيمان بوجود معنى غنائي للحياة".
7- الصراعية: لقد كان الفكر الغربي منذ نشأته الأولى زمن اليونان مبنياً على أساس مبدأ الصراع، وعدم الانسجام، وخلق التناقض بين الأشياء، بدل إدراك أوجه التكامل والتشابه، وقد بني على أن الثنائيات الموجودة في العالم لا مجال لتعايشها وتكاملها، بل لا بد من الصراع حتى  يكون البقاء للأصلح والأقوى.
8- الجنسانية: وتعني (جعل المتعة الجنسية غاية عليا)، وجذور الفكرة الجنسانية ترجع إلى زمن اليونان وتحديداً إلى أفكار "أفلاطون"، الذي دعا في جمهوريته إلى: "أنّ نساء محاربينا يجب أن يكنّ مشاعات للجميع، فليس لواحدة منهن أن تقيم تحت سقف واحد مع رجل بعينه منهم، وليكن الأطفال -أيضاً- مشاعين بحيث لا يعرف الأب ابنه، ولا الابن أباه".
وفي فترة الستينات من القرن الميلادي الماضي حدث ما سمي بالثورة الجنسية، وتغيرت المجتمعات الغربية تماماً، حيث أصبح الابن يسوق عشيقته إلى بيت أبيه، والبنت تصحب حبيبها إلى غرفة نومها أمام والديها، وتفككت الأسرة، وشاعت العلاقات الجنسية خارج الزواج، بل خارج النمط الطبيعي !
إذاً؛ هذه الحالة الفكرية والقيمية كانت وراء ظهور الحركة النسوية الراديكالية المتطرفة في الغرب، الغرب الذي عانت فيه المرأة حتى بعد تحررها من الاستغلال الجنسي والعنف الاجتماعي والتحرش والاغتصاب والمتاجرة بها، حتى بعد نيلها الحرية -زعموا- لتعود في حالة صراع مع المجتمع وتنكفئ على ذاتها الأنثوية، لذا  فإن الحركة الأنثوية عندما تحدث عن تمكين المرأة  فإنها تعني: تمكين المرأة في صراعها مع الرجل!
لقد كانت النزعة المادية ذات تأثير بالغ في الحركة الأنثوية، ولقد جاءت نوعية المطالب نابعة من واقع كهذا الذي سبق الحديث عنه، واقع قاس على المرأة، لا يؤمّن لها لقمة عيش إلا بعد إضاعة أنوثتها، وإنهاك طاقاتها، بل وفي الكثير من الأحيان استغلالها جنسياً من رب العمل واسترقاقها بشكل آخر، مما أدى إلى انتشار البغاء وتجارة الرقيق الأبيض، وبيع النساء والصبايا في سوق نخاسة الجنس والدعارة. غير أن هذا لم يكن هدف الجميع من الدعوة إلى تمكين المرأة من حقوقها، بل كان وراء الحركة النسوية كذلك الرغبة الجامحة في الاستمتاع الجنسي وقضاء الشهوة دون أي قيد كان.

أهداف الحركة النسوية العالمية:
استخدمت القيم الاجتماعية والفلسفة الإنسانية كأداة دعائية في النزاع بين المعسكرين الشرقي والغربي إبّان الحرب الباردة، في محاولة كل جهة تسويق النظريات السياسية والاقتصادية التي تتبناها، وتم في إطار ذلك تجنيد كافة قوى المجتمع بما فيهم المرأة.
فالحركة الأنثوية الشيوعية (الاشتراكية) تبنت مجموعة من الأفكار القائمة على أن المرأة جزء من المجتمع الاشتراكي الشيوعي، لكنها انتكست بعد سقوط الاتحاد السوفييتي لتنحاز مطالبها إلى مطالب الحركة النسوية الليبرالية!
أما مطالب وأهداف الحركة النسوية الغربية فقد اتجهت نحو: التركيز على المساواة المثلية بين الجنسين، وإطلاق الحرية الكاملة للمرأة، وتمكينها اقتصادياً وسياسياً، ومن خلال السياسات الدولية، والاهتمام بالدراسات النسوية لتكون تلك الدراسات خلال عقد التسعينات مجالا من مجالات العلوم الاجتماعية في الجامعات والمعاهد ومراكز الأبحاث الأكاديمية، والعمل على تفعيل المنظمات النسوية غير الحكومية، وإدراج مطالب الحركة ضمن مصطلح جديد هو "النوع الاجتماعي"، أو ما عُرف بالجندر والتمييز بينه وبين مفهوم الجنس، والمطالبة بإلغاء السلطة الذكورية بكافة أشكالها!، وهو ما ميز بين تيارين في الغرب: تيار الحركة الليبرالية، والتيار الراديكالي للحركة.
وفي العموم، فإن الحركة النسوية الأنثوية المتطرفة، أو الراديكالية بوصف آخر تسعى إلى تحقيق الأهداف التالية عبر الجهود الحكومية وغير الحكومية، وكذلك عبر المنظمات الدولية والأممية:
1- المناداة بالعداء بين الجنسين، والحرب ضد الرجال.
2- الدعوة إلى إعادة صياغة اللغة.
3- العمل على إلغاء دور الأب في الأسرة من خلال رفض (السلطة الأبوية).
4- رفض الأسرة والزواج.
5- زعم ملكية المرأة لجسدها.
6- تسهيل موانع الحمل وإباحة الإجهاض.
7- رفض الأمومة والإنجاب.
8- إباحة الشذوذ الجنسي وبناء الأسرة اللانمطية.
أما الحركة النسوية في العالم العربي والإسلامي فقد ركّزت على ضرورة مشاركتها في الكفاح ضد الاستعمار، وصناعة الاستقلال وقيام الثورة، وذلك بغرض فرض وجودها وإبراز دورها غير التقليدي في الحروب والصراعات وتغيير النظرة إليها، ومن ثم بدأت الدعوات لتعليم المرأة كالرجال تماماً، وإدماجها في التنمية والبناء والعمل، وبدأ التحرك ضد مظاهر الحجاب وتكريس مبدأ الاختلاط في التعليم والعمل، وتعديل القوانين المتصلة بالأحوال الشخصية وقضايا الزواج والطلاق.
وشيئاً فشيئاً حتى أصبحت الحركة النسوية في العالم العربي والإسلامي في ركاب الحركة النسوية العالمية.

اتجاهات الحركة النسوية وأطر عملها:
لا يوجد حركة نسوية واحدة تنتسب لها جميع الناشطات النسويات، فهناك مدارس ومذاهب متعددة نابعة عن اختلاف بيئة المنشأ والأوضاع الاجتماعية والاقتصادية والسياسية، لكن يمكن القول: أن الحركات النسوية وحتى السبعينات من القرن الميلادي  الماضي تمحورت حول ثلاثة تيارات رئيسية: النسوية الليبرالية، والنسوية الماركسية، والنسوية الراديكالية.
أولاً: النسوية الليبرالية:
وتنتسب إلى البعد الفكري والقيمي للثورة الفرنسية، وتستند إلى مبادئها التي أعلنت عنها: المساواة والحرية، والمطالبة بحقوق نسائية مساوية لحقوق الرجل. والأسس الفلسفية للنظرية الليبرالية التي تنطلق منها الحركة النسوية الليبرالية في فهمها لطبيعة المرأة؛ هي: مبدأ الفردانيّة ومبدأ الحرية ومبدأ العقلانية، وغالباً ما يطلق على أية حركة نسوية تسعى من أجل تحسين وضع المرأة في مجال التعليم والعمل، والصحة، والحماية القانونية، والحضور في مناشط الحياة المختلفة والمشاركة السياسية، من منطلق تحرري غير متطرف، بأنها: حركة نسوية ليبرالية!
ثانياً: النسوية الماركسية:
وهي تنطلق من رؤية وفلسفة (ماركس) للوجود والحياة والصراع، ويعتبر هذا التيار أن قمع المرأة وقهرها بدأ مع ظهور الملكية الخاصة، وعملية الإرث التي تسببت في قيام علاقات غير متوازنة، تجسدت في توزيع المهام والأعمال على أساس من التمييز الجنسي. ومع سقوط الاتحاد السوفييتي تبلور التيار النسوي الماركسي إلى تيارين رئيسيين:
- أولهما: مذهب (النسوية الشعبية): الذي يعتبر أن التمييز الجنسي ليس إلا عنصر القهر الأول للنساء، وأن النضال من أجل المساواة بين الجنسين يجب أن يترافق مع النضال ضد الفقر والتهميش والعنصرية.
- ثانيهما: مذهب (الأجر مقابل العمل المنزلي): الذي يعمل على تبيان حجم القطاع غير المرئي وغير المحسوب في الاقتصاد، منطلقاً من أن العمل المنزلي وعمل الولادة أو (إنتاج البشر) هو مكان لاستغلال النساء لترافقه مع الارتباط الاقتصادي بالرجل، ومجانية العمل، ومن ثم يشكل المنزل والحي والمجتمع الصغير بالنسبة للمرأة النصف الآخر من التنظيم الرأسمالي الذي يخدم النصف الأول، أي:  السوق.
ثالثاً: النسوية الراديكالية:
وهي ذات نزعة متطرفة، فهي تتسم بعدم الواقعية، والبعد عن التدرج، والانحياز المفرط للمرأة دون النظر إلى السياق الاجتماعي، ودون اعتبار المصالح التي هي فوق الرجل وفوق المرأة. وهذه الحركة تعادي السلطة الذكورية واللاحركات؛ ما يكرسها؛ دينياً كان أو تقليدياً أو قانونياً، وتسعى إلى استئصال تلك السلطة.
وفي العموم يظهر السياق التاريخي لهذه الحركات؛ سواء التحررية منها أو المدافعة عن الحقوق، أو المطالبة بتمكين النساء ومساواتهن بالرجال، أو الداعية إلى إلغاء الفروق بين الجنسين على أسس اجتماعية وثقافية.. يظهر من كل ذلك أنّ الحركة تنطلق من أرضية لا دينية، وتقفز على مشاكل الواقع دون أن تقدم لها حلولاً، نظرا لانقطاعها عن الثوابت الفطرية والعقلية والتاريخية! إلى الحد الذي ضاعف من مشكلات المرأة/ النساء، وفتح المجال أمام المناهج التجريبية لتضع المجتمعات في معمل اختبار دائم!
إنّ هذه الاتجاهات النسوية جميعاً أخفقت في تحقيق شعاراتها المعلنة حتى في الدول الديمقراطية، رغم وصولها إلى مواطن صنع القرار وصياغة الخطط والبرامج والسياسات الحكومية، فعوضاً عن تحقيق وجود عضوي للمرأة في الجسد الاجتماعي ينال كافة الحقوق ويقوم بأدواره الطبيعية كاملة بالتكامل مع غيره، إذا بها في حالة نفور واستقلال، بل وتصادم مع مجتمعها.

دعوة للمطالبة بتقديم رؤية إسلاميّة:
وهنا تأتي الدعوات الصادقة لتطالب بتقديم رؤية إسلامية وميثاق إسلامي بشأن المرأة (النساء) من حيث وجودها ككيان إنساني، ومن حيث أدوارها وحقوقها وضمانات هذه الحقوق، وهي قضية بدأت تأخذ اهتمام عدد من الكتّاب والباحثين والدارسين والهيئات، بشكل يمكن أن يقدم رؤية جديدة للعالم من منظور إسلامي أصيل يوجه لـ "حركة نسوية إسلامية".

أطر عمل الحركة النسوية:
اختلفت آليات عمل الحركة النسوية باختلاف مدارسها ومذاهبها الفكرية واختلاف النظم السياسية والاجتماعية التي سادت بيئاتها، ففي حين اعتمدت الحركة النسوية الاشتراكية على الحزب الحاكم في ظل الأنظمة الشمولية الشيوعية، فقد كان الحزب يصيغ الحياة الاجتماعية ويضع السياسات والخطط الحكومية؛ لتقوم اللجان والدوائر والمنظمات والنقابات العمالية للحزب بتنفيذها وتحقيقها على أرض الواقع، وتحويلها من أدبيات نظرية إلى مظهر سلوكي عام.
الحركات النسوية الليبرالية، في المعسكر الغربي المقابل، كانت تتمتع بحرية كاملة في تنظيم جهودها وصياغة أفكارها والنضال من أجل تحقيق رؤاها؛ عبر كافة السبل والهياكل الرسمية والحكومية والأهلية والشعبية، فكانت جزءاً من حراك المجتمع الرأسمالي، وتعبيراً عن مناهجه الديمقراطية التعددية التنافسية. وقد استغلت الحركة النسوية الليبرالية أجواء الحرية الديمقراطية لتشكيل منظماتها الخاصة، بينها والوصول إلى مواطن صنع القرار عبر المشاركات السياسية للمرأة و(الناشطات / الناشطين) النسويات، وتكوين جماعات الضغط (اللوبي) باتجاه تغيير الإرادات والقرارات السياسية لصالح الحركة. كما استغلت أجواء انفتاح السوق لتكريس وجود المرأة في الحياة العامة والتعليمية والعملية والقطاعات الخاصة، بل وظفت الحركة صناعة الإعلام والفن والأدب لبث أفكارها وتمرير رؤاها إلى أكبر شريحة في المجتمع.
من هنا تمكنت الحركة النسوية الليبرالية من تجذير حضورها وفاعليتها في الواقع الغربي إلى الحد الذي وصلت معه إلى المنظمات الدولية والأممية، لتكون أداة طيّعة لجهودها في محاولة عولمة قضاياها ورؤيتها وأفكارها*.


مصدر: موقع باحثات للدراسات.
مختصر عن: الحركة النسوية العالمية من كتاب "الحركة النسوية في اليمن.. تاريخها وواقعها" للكاتب: أنور قاسم الخضري.

*بتصرف

التعليقات (0)

اترك تعليق