مُمَهِدَاتْ... وحقيق أن تبادر المرأة المثقّفة الملتزمة الواعية فتمهد الطريق وتفتح الآفاق.

الإفصاح عن الحب

الإفصاح عن الحب

قال لي صاحبي بخجل وعيناه محرجتان من لقاء عينيّ: إنني في أحيان كثيرة أشتاق إلى زوجتي، وأستشعر فقدها، وأتلمس لقياها، فسألته: أمن طول غياب؟ فأجابني بالنفي وقدّ زاد إطراقاً: والله إني لأفتقدها، مع أنّها تكون قدّ ودعتني إلى عملي في الصباح، بعد إفطار شهيّ وحوار دافئ، وأنّا أعبّر عن ذلك الفيض من المشاعر بأنّ أجري مكالمة هاتفية معها أبثها تحية سريعة أو كلمة حب خاطفة وسط نهار ازدحم بأعباء العمل.
تعجبت من سموّ عاطفته وتوهجها، خصوصاً أنّ هذا الصديق تعدى الستين من عمره ومضى على زواجه أكثر من خمسة وثلاثين عاماً، كما تعجبت لخجل الرجل وحرصه البالغ على إخفاء هذه الحقائق.
وجرّني ذلك للتفكير في طبيعة عقلياتنا المترددة أمام هذا الأمر، وهو ذكر الحبّ والإفصاح عنّه، فقدّ شاع عنّدنا أنّ الإفصاح عن الحب ضعف، وأنّ من الكبرياء والكرامة عدم ذكر هذه العاطفة للطرف الآخر، وإذا فهمنا دوافع الكتمان بين المحبين اللذين ليس ثمة رابط شرعي بينهما، فإننا لا نفهم أنّ يظل الزوجان يدوران في فلك الكتمان بدعوى الكبرياء والحفاظ على الصورة السامية لكل طرف في عين الآخر، لأنّه من العيب.
أرح قلبك وأفسح عمّا بداخلك:
إنّ الإفصاح عن الحب هو سمة الأزواج الذين يعيشون حياة سعيدة، بل هل جرّب كلاً من الزوجين أنّ يردد لشريك حياته: "الحياة جميلة لأنّك أنت موجود فيها".
فمشاعر الحبّ مشاعر سامية وهي معنويّة موطنها القلب، والقلب عالم مغيب لا يوصل على ما بداخله إلا ببريد، كاللسان مثلاً، فاللسان هو واحد من وسائل التعبير عن أحاسيس القلب ومشاعره، وهناك الأفعال السلوكية التي يمكن للمحبّ أنّ يُعبّر بها عن حبّه لغيره.
العشق الواجب:
إننا إنّ لم نسلك طريق الحب فقد تاهت بنّا الخطوات، فقد كان رسولنّا(ص) رحيم القلب، مرهف الحسّ، عذب المشاعر[...]، وها هو علي بن أبي طالب(ع) يسير على نفس الطريق، فنراه يدخل على زوجته السيدة فاطمة الزهراء(ع)، ويجدها تستاك بعود من الآراك، فيأخذ العود من فمها ويضعه أمام عينيه، ويلاطفها بالكلمات الرقيقة، وعبارات الحب اللطيفة، فيقول لفاطمة(ع):
حظيت يا عود الأراك بثغرها أمّا خفت يا عود الأراك أراك
لو كنت من أهل القتال قتلتك ما فاز مني يا سواك سواك


إنّ الحب في الزواج له طعم مختلف، له شكل مختلف، له جوهر مختلف، إنّه ذلك الحب الذي تداخل مع كل أنّسجة الجسد والروح والنفس واستقرّ في كل خليّة وأصبح يجري مع الدم، ويمكن أنّ نراه بالقلب وندركه بالعقل في الأزمات، وحين تتهدد حياتنا، وحين يلوح ما ينذر بانفصالنا، هنّا يفيض الحب من الداخل إلى الخارج فيملأ العيون وتنطقه الألسنة وتسمعه الآذان نشيداً سماوياً خالداً، يعبّر عنّ حكمة الله في الزواج، وأنّه ليس مثل أيّ علاقة، بل هو توحدّ، هو ضرورة حياة، وهو التعبير عن أسمى درجات الحبّ وأعمق درجات الإرتباط الإنساني.
في هذا الحب العميق يرى الإنسان نفسه جزءاً من إنسان آخر، ومن خلال هذا الإنسان الآخر، إنّه إحساس مختلف من الحبّ.
ـ أخي الزوج/ أختي الزوجة، أفصحا عمّا في قلبيكما بصدق، وليعبّر الزوج عنّ حبّه لزوجته إما بشراء هدية صغيرة، أو بكلمة طيبة، أو بربت على الكتف، أو مسحة حانية على الوجنات والخدود.
ـ وكذلك المرأة تحنو على زوجها، وتعبّر عنّ حبّها له، بتقدير لمجهوده، أو بمظهر حسن يحبّ أن يراها عليه، أو بطعام يحبّ أن يأكله وغير ذلك من الوسائل.
ـ إلى الأزواج الذين ذهب حبّهم بعد زواج الأولاد، فهذه وسائل عمليّة لكي يرجع الحبّ بينهما مرة أخرى:
ـ التقبّل: فعلى الزوجين أنّ يتقبلا الحياة الجديدة، ويعملا معاً على التحوّل من حياة زوجة كان التركيز والإهتمام الرئيسي فيّها على الأبناء، إلى حياة زوجية مركز اهتمامها الزوجان نفسهما، كل منهما بالآخر، الأمر الذي لم تكن له الأولوية الأولى من قبل.
وفي هذه المرحلة يبدأ الزوج يفكر بالتقاعد أو تخفيف أعباء العمل على الأقل، بينما يبدأ لدى الزوجة الرغّبة الجادة في تحقيق مشاريعها المؤجّلة.
وإذا كانت الرغبات الفردية مشتركة فإنّها تكون أكثر جدية، وأهمية وقابلية للتحقيق، وعليهما أن يسعيا معاً لأنّ يجعلا حياتهما الزوجية بعد كبر الأبناء ومغادرتهما للعش الذي درجوا فيه، أفضل من أيّ وقت مضى.
وليسافرا معاً وليذهبا وليفعلا ما يريدان تحقيقه بتعاون وتفاهم.
ـ أن يعيدا لحياتهما الزوجية روح الاهتمام المشترك، ويركزا على الودّ والرحمة بينهما بدلاً من التركيز على العشّ الخالي، والأيام الماضية ومآسيها وإساءاتها.
وعليهما التغيير إلى الأفضل، فيتسامحا إذا أساء أحدهما إلى الآخر، ويهتما بأعمال جديدة واهتمامات جديدة مثل الأعمال الخيريّة والتطوعيّة، ومساعدة الآخرين*.


المصدر: مجلة جنى، العدد 221.

*بتصرف.

التعليقات (0)

اترك تعليق