مُمَهِدَاتْ... وحقيق أن تبادر المرأة المثقّفة الملتزمة الواعية فتمهد الطريق وتفتح الآفاق.

خدمة الضيف... هدية من السماء

خدمة الضيف... هدية من السماء

«إِذَا دُعِيتُمْ فَادْخُلُوا فَإِذَا طَعِمْتُمْ فَانْتَشِرُوا» (الأحزاب: 53). 

لقد أولى الإسلام مسألة الضيافة أهمية خاصة، حتى أنه ورد في حديث عن النبي(ص): "الضيف دليل الجنة"(1).
إن أهمية الضيف ووجوب احترامه وتقديره، بلغ حداً اعتبر فيه هدية سماوية، فإن رسول الله(ص) يقول: "إذا أراد الله بقوم خيرا أهدى إليهم هدية، قالوا: وما تلك الهدية؟ قال: الضيف ينزل برزقه، ويرتحل بذنوب أهل البيت"(2). والطريف أن رجلا حضر عند النبي(ص) فقال: فداك أبي وأمي، إني أسبغ الوضوء، وأقيم الصلاة، وأؤتي الزكاة في حينها، وأرحب بالضيف وأقربه في الله، فقال(ص): "بخ بخ بخ! ما لجهنم عليك سبيل! إن الله قد برأك من الشح إن كنت كذلك".
إلا أن هذه السنة الإنسانية القديمة قد تقلصت وللأسف الشديد في عصرنا الحاضر.. عصر غلبة المادية وطغيانها في العالم، وهيمنتها عليه، بل إنها قد اجتثت تقريبا في بعض المجتمعات الغربية، وقد سمعنا أن بعض أولئك عندما يأتون إلى البلاد الإسلامية ويرون انتشار مسألة الضيافة التي لا زالت قائمة في البيوتات الأصيلة، ومدى العواطف التي تكتنفها، فإنهم يتعجبون كيف يمكن أن يقدم الناس أفضل الوسائل الموجودة في البيت، وأنفس الأطعمة وألذها للضيوف الذين ربما تربطهم بهم رابطة ضعيفة أحيانا، وربما كانوا قد تعارفوا في سفرة قصيرة؟! إلا أن ملاحظة الأحاديث الإسلامية تبين سبب هذه التضحية والإيثار، وتوضح الحسابات المعنوية في هذا المجال.. تلك الحسابات التي لا تعني شيئا لدى عباد المادة والغارقين في بحرها.
مراعاة البساطة في الضيافة:
مع كل الأهمية التي يتمتع بها الضيف، فإن الضيافة إذا اتسمت بالتكلف فإنها غير راجحة من وجهة نظر الإسلام، بل ونهى عنها، فإن الإسلام يوصي بأن تكون الضيافة بسيطة، وجعل معيارا عادلا بين الضيف والمضيف، وهو: أن لا يبخل المضيف بما عنده ويحضره، وأن لا يتوقع الضيف أكثر من ذلك! يقول الإمام الصادق(ع): "المؤمن لا يحتشم من أخيه، وما أدري أيهما أعجب؟! الذي يكلف أخاه إذا دخل عليه أن يتكلف له، أو المتكلف لأخيه؟"(3). ويروي سلمان الفارسي عن النبي الأكرم(ص) أنه قال: "أن لا نتكلف للضيف ما ليس عندنا، وأن نقدم إليه ما حضرنا"(4).
حق الضيف:
إن الضيف كالهدية السماوية من وجهة نظر الإسلام، ويجب أن يرحب به ويكرم غاية الإكرام، ويحترم أقصى ما يمكن، حتى أن أمير المؤمنين عليا(ع) يروي عن النبي الأكرم(ص) أنه قال: "من حق الضيف أن تمشي معه فتخرجه من حريمك إلى البر"(5). ويجب تهيئة مستلزمات راحته إلى الحد الذي لا يبلغ التكلف، حتى أنه ورد في حديث أن رسول الله(ص) قال: "إن من حق الضيف أن يعد له الخلال"(6). وقد يكون الضيوف خجولين أحيانا، ولذلك فقد صدر أمر بعدم سؤالهم عما إذا كانوا قد تناولوا الطعام أم لا، بل يمدّ لهم السماط فإن شاءوا وأكلوا، كما يقول الإمام الصادق(ع): "لا تقل لأخيك إذا دخل عليك أكلت اليوم شيئا؟ ولكن قرب إليه ما عندك، فإن الجواد كل الجواد من بذل ما عنده"(7).
ومن جملة واجبات المضيف أمام الله سبحانه أن لا يحقر الطعام الذي أعده، لأن نعمة الله سبحانه عزيزة ومحترمة مهما كانت، إلا أن المتعارف بين المترفين وأهل التكلف أنهم مهما نوعوا السماط وملؤوه بأنواع الأطعمة فإنهم يقولون: هذا شيء بسيط لا يليق بمقامكم! وفي المقابل يجب أن لا يحتقر الضيف ما قدم إليه، ففي حديث عن الإمام الصادق(ع) أنه قال: "هلك امرؤ احتقر لأخيه ما يحضره، وهلك امرؤ احتقر من أخيه ما قدم إليه"(8). إن الإسلام دقيق النظرة في إكرام الضيف، فهو يقول: استقبل الضيف وأعنه عندما يدخل إلى بيتك، أما إذا أراد الخروج فلا تعنه لئلا يتصور بأنك راغب في خروجه(9).
واجبات الضيف:
إن المسؤوليات تكون متقابلة دائما، فكما أن على المضيف واجبات تجاه الضيف، فكذلك توجد على الضيف واجبات ينبغي أن يراعيها. فعلاوة على ما ذكر في الأحاديث السابقة، فإن على الضيف أن ينفذ ما يطلبه منه صاحب البيت ويقترحه عليه في شأن منزله، فإذا طلب منه أن يجلس في مكان ما مثلا فليفعل، فإن الإمام الصادق(ع) يقول: "إذا دخل أحدكم على أخيه في رحله فليقعد حيث يأمر صاحب الرحل، فإن صاحب الرحل أعرف بعورة بيته من الداخل عليه"(10).
تقديم الأب على الإبن إذا جمعهما مكان واحد:
ورد على أمير المؤمنين(ع) أخوان له مؤمنان: أب وابن، فقام إليهما وأكرمهما، وأجلسهما في صدر مجلسه، وجلس بين أيديهما، ثم أمر بطعام، فاحضر فأكلا منه، ثم جاء قنبر بطست، وإبريق [من] خشب، ومنديل لليبس، وجاء ليصب على يد الرجل ماءا. فوثب أمير المؤمنين عليه السلام، فأخذ الإبريق ليصب على يد الرجل، فتمرغ الرجل في التراب وقال: يا أمير المؤمنين الله يراني(11) وأنت تصب الماء على يدي؟ قال: اقعد، واغسل يديك فان الله عز وجل يراك وأخاك(12) الذي لا يتميز منك ولا يتفضل عنك ويزيد بذلك في خدمه في الجنة مثل عشرة أضعاف عدد أهل الدنيا وعلى حسب ذلك في ممالكه(13) فيها. فقعد الرجل. فقال له علي(ع): أقسمت عليك بعظيم حقي الذي عرفته وبجلته، وتواضعك لله حتى جازاك عنه بأن ندبني لما شرفك به(14) من خدمتي لك لما غسلت مطمئنا كما كنت تغسل لو كان الصاب عليك قنبرا. ففعل الرجل [ذلك]. فلما فرغ، ناول الإبريق محمد بن الحنفية وقال: يا بني لو كان هذا الابن حضرني دون أبيه لصببت [الماء] على يده، ولكن الله عز وجل يأبى أن يسوّى بين ابن وأبيه إذا جمعهما مكان، لكن قد صب الأب على الأب، فليصب الابن على الابن. فصب محمد بن الحنفية على الابن. قال الحسن بن علي(ع): فمن أتبع عليا(ع) على ذلك فهو الشيعي حقا.(15)


الهوامش:
1- بحار الأنوار، المجلد 75، صفحة 460 باب 93 حديث 14.
2- المصدر السابق.
3- بحار الأنوار، المجلد 75، صفحة 453.
4- المحجة البيضاء، المجلد 3، صفحة 29 الباب الثالث.
5- بحار الأنوار، المجلد 75، صفحة 451.
6- بحار الأنوار، المجلد 75، صفحة 455.
7- المصدر السابق.
8- المحجة البيضاء، المجلد 3، صفحة 30.
9- بحار الأنوار، المجلد 75، صفحة 455 حديث 27.
10- بحار الأنوار، المجلد 75، صفحة 451.
11- "لا يراني الله" أ.
12- "يراني أخاك" المناقب والحلية.
13- "مماليكه" البحار.
14- "بما أشرفك" أ.
15- عنه تنبيه الخواطر: 2 / 107، وعنه في البحار: 75/ 117 ح 1 وعن الاحتجاج: 2/ 267 (بإسناده إلى أبي محمد العسكري(ع)). وأورده في مناقب آل أبي طالب لابن شهرآشوب: 2/ 105، وحلية الأبرار: 1/ 367 مرسلاً عن الحسن العسكري (ع).


المصادر:

1- لأمثل في تفسير كتاب الله المنزل، الشيخ ناصر مكارم الشيرازي، ج13.
2- تفسير الإمام العسكري(ع)، المنسوب إلى الإمام العسكري(ع). ط1 محققة، مدرسة الإمام المهدي(ع)، قم، إيران، ربيع الأول 1409.


 

التعليقات (0)

اترك تعليق