النسوية وعلم السياسة من منظور مغاير: والخبرة الاسلامية الحضارية في حلّ المسألة
يحدّد المعنيون بتطور علم السياسية فترة نهاية الستينيات بوصفها شهدت بداية مرحلة تحول كبرى في العلم بالمعنى الذي تحدث عنه توماس كون. وقد كانت التيارات النسوية أحد أهم حاملي معاول الهدم لعلم السياسية في إهابه السلوكي الحداثي الذي يفصل بشكل حاسم بين المعياري والامبريقي وما بين الحقيقة والقيمة.
ففي عام 1969 ألقى ديفيد إيستون رئيس الجمعية الأمريكية لعلم السياسة خطابًا أعلن فيه انتهاء المرحلة السلوكية في علم السياسة، وبدء مرحلة "ما بعد السلوكية" نتيجة مجموعة متغيرات اجتماعية وأكاديمية منها ظهور التجمع من أجل علم سياسة جديد عام 1967 الذي حمّل علم السياسة مسئولية هزيمة الدولة في حروبها ضد الفقر، وضد العنصرية فضلا عن حرب فيتنام. وكذلك ظهور التجمع النسوي لعلم السياسة عام 1971 الذي ركز على دراسات المرأة والحركات النسوية. [1]
في تلك الفترة وما بعدها دأبت الاتجاهات النسوية في فلسفة العلم بوجه عام على التشكيك في المضمون المعرفي للعلم بوجه عام، هذا المضمون الذي تجاهل السياق الاجتماعي والسياسي للذات العارفة في إنتاج المعرفة العلمية. وعمد الاتجاه النسوي إلى توضيح أثر القيم والاهتمامات الثقافية والاجتماعية في عملية المعرفة؛ أي ارتباط المعرفة العلمية بالمحيط الثقافي والاجتماعي الذي تنشأ فيه[2] ، في ضوء ذلك تم استخدام علم اجتماع العلوم لإعادة قراءة تاريخ العلم والكشف عن البنية الاجتماعية والتسلطية وراء هذا التاريخ، وبيان تهافت النظرة الوضعية التي ترى أن التصورات العلمية والمفاهيم المعرفية تنفصل عن تاريخ صانعيها ومجتمعاتهم، وأن العلم ينفصل عن كل عملية اجتماعية لأنه موضوعي.[3]
من تجليات هذه الاتجاهات الفلسفية في مجال علم السياسة أن باتت الباحثات النسويات في الحقل يسعين نحو وضع تصور لنظرية سياسية تعتبر بالتجربة النسوية في الحياة، وتؤكد على كون المرأة مبدعًا ومنتجًا للمعرفة من ناحية أخرى.
في هذا السياق تعرض التعريف التقليدي للسياسة باعتبارها "التوزيع السلطوي للقيم" لجدل واسع من قبل تيارات الفكر النسوي.
فرغم التوافق المبدئي على كون السياسة تتصل بمحيط اجتماعي لا تنعزل عنه، وإنها تتعلق بحالات تكون فيها الموارد -بأوسع معاني الكلمة- محدودة بما يستدعي صراع مصالح أو آراء حول كيفية توزيعها، أي أن السياسة في الحد الأدنى تتعلق بكيف يؤثر الناس في عملية توزيع الموارد.. فقد اختلفت التفسيرات والنظرة إلى جوهر السياسة. فإلى جانب الاتجاه الذي يعتبر أن السياسة نشاط أو ممارسة activity ، ويعتبرها مشاركة واعية ومتعمدة في العملية التي توزع عبرها الموارد، ظهر اتجاه آخر يساوي بين السياسة وبين نتائج العلاقات داخل بنية قـوة قائمة بالفعل، بمعنى أن السياسة هي دينامية علاقات القوة داخل المجتمع، ومن ثمّ فهي لا تحتاج إلى أن تكون واعية أو متعمدة. [4]
ويرى أصحاب الاتجاه الأول أن هناك مجال عام متميز تحدث فيه السياسة، حيث إن السياسة هي عملية يتخذ أعضاء الجماعة من خلالها قرارات تخص الأمور العامة وذات الاهتمام المشترك، وأنه في مقابل هذا المجال العام هناك مجال خاص لا وجود فيه للسياسي. ومع تزايد تدخل الدولة واتساع نطاق مسئولياتها المباشرة، يتنوع المجال "العام" ويتسع بشكل كبير، ورغم ذلك، يبقى المجال الخاص قائمًا، لكنه ينحصر في نطاق الأسرة والعلاقات داخلها.
أما من يتبنون الاتجاه الثاني فهم لا يرون حدودا فاصلة بين السياسة وبين الحياة الاجتماعية ككل، وتبرز هنا التوجهات النسوية التي ترفض عزل علاقات القوة "الباترياركية" داخل الأسرة عن مجال السياسي انطلاقًا من أنها تشكل ركن أساس في بنيان القوة والقهر المجتمعي بشكل عام.[5]
في ضوء ذلك فإن كثيرا من الاتجاهات النسوية ترفض ما تقدمه بعض تيارات الفكر النسوي "الليبرالي" في هذا الخصوص، كون الليبراليات يعتبرن السياسة نشاطًا عامًا له علاقة بالأحزاب السياسية وجماعات الضغط والبرلمانات، وتقتصر السياسة لديهن على تمكين المرأة من الحقوق السياسية التي كافحت من أجلها الأجيال النسوية الأولى، وتدور أهدافهن حول العمل من أجل زيادة أعداد النساء في مواقع السلطة العامة.
هذا الاقتراب "الليبرالي" تعتبره كثيرات اقترابًا سطحيًا يفشل في فهم طبيعة سلطة الدولة ويستند على تفرقة مرفوضة من قبلهن بين العام والخاص، ولا يكشف الحاجة إلى أشكال جديدة من المقاومة السياسية للسلطة الباترياركية في تجلياتها الممتدة إلى الأسرة والعلاقات الشخصية.[6] وهن يؤكدن في هذا الإطار على أن التقسيم النوعي للعمل داخل المنزل، على سبيل المثال، يؤثر بشكل كبير على كل من الفرص الواقعية للمشاركة السياسية وطبيعة قيم وأولويات العاملين بالسياسة[7]، ويرون أن الاقتراب الليبرالي التقليدي، كونه يتجاهل مسألة العام والخاص، يظل عاجزًا عن رصد هذا التأثير .
وامتدادًا لهذا الموقف، تمد النظرية النسوية حدود مفهوم "المواطنة" إلى داخل المنزل، حيث توجد المسئولية الاجتماعية والمعنوية التي تتحملها المرأة، ولا يُعتد بها ضمن حدود الحقوق والالتزامات التي يقرها مفهوم المواطنة المتعارف عليه. وتؤكد هذه النظرية أن التزامات المرأة داخل المنزل تشكل جزءا رئيسيا من حياتها، وتجاهلها يعد من ثمّ تعميما للقيم والطبيعة "الذكورية" وحدها ، وإنكارا وحطا من شأن "النسوي".
وترى تيارات نسوية عديدة أن ما يحمله مفهوم المواطنة الذي تعرفه التقاليد الليبرالية من وعود بمعاملة متساوية بين المواطنين، يتجاهل الفروق بين الرجل والمرأة، ويطالب النساء بأن تتكيفن طبقا للمعايير التي يضعها الرجال.
فالمواطنة في ظل التقاليد الليبرالية هي صفة للفرد باعتباره مالك الحقوق والمسئوليات في مواجهة الدولة، ولا يفترض المفهوم نظريًا أن للمواطن الفرد أي هويات أو ولاءات لأي جماعات أخرى يمكن مقارنتها بالهوية والولاء للدولة القومية، وينظر في هذا الإطار للمواطنين الأفراد على اعتبار أن لهم حقوقا متساوية بالنسبة لدولة محايدة؛ أي دولة لا تفرق بين أفرادها على أساس العرق أو نوع الجنس أو الطبقة أو الاثنية أو الدين.[8] ونقدًا لهذا المفهوم السائد للمواطنة، تعتبر كثير من النسويات أن المفهوم يفشل في التعرف سواء على احتياجات المرأة، أو المهام الاجتماعية المهمة التي تؤديها، لأنه- رغم ادعاء الليبرالية الحداثية اشتمال النساء في المواطنة بنفس شروط الرجال- يظل المواطن الفرد في ارتباطه بالمجالين العام والخاص يتعامل كرجل أو كإمرأة وليس كفرد مجرد. وكنتيجة لذلك يستطيع الرجل أن يكون نفسه في المجال العام، لأن جنسه هو القاعدة، فيما تجبر المرأة على التخلي عن هويتها الأنثوية، فتصبح كالرجال لأن الشئون النسائية تعتبر دونية.[9]
وترى النسخة المعدلة من المواطنة حسب وجهة النظر النسوية أن العناية بالأطفال وغير القادرين على رعاية أنفسهم بشكل عام هي مسئولية مدنية مثلها مثل العمل بأجر، الأمر الذي يجب أن يرتب تغييرات حتمية في نظم العمل والمكافآت السائدة. وهم يرون أن هذه المهام –المهام والأعباء المنزلية - هي نفسها التي تتسبب في التبعية الاقتصادية لكثير من السيدات العاملات، وتمكّن في المقابل كثير من الرجال من تبني سبل حياة وتتبع مصالح سياسية طموحة نتيجة تحررهم من المسئوليات الخاصة.[10]
والحقيقة فإن قضايا العام والخاص غير محسومة في الفكر النسوي، فهناك من النسويات من اعتبر أن أي قضية خاصة بالمرأة في المجال الخاص هي قضية عامة سواء تعلق الأمر بالعنف ضد المرأة أو رعاية الأطفال والكبار في السن أو غيرها. وفي المقابل، هناك من اعتبر أنه يجب أن يكون هناك تمايز بين ما يحدث في المجال الخاص والمجال العام وإلا سيتم الإخلال بمبدأ العموم والشمولية المميز للمواطنة وفكرة المساواة في الحقوق والواجبات وهو ما سيشكل خطرا على حقوق النساء والأقليات خاصة في ظل تنامي خطر القوميات الشوفينية ونظم الحكم الاستبدادية، حيث إن جعل الخاص عاما، سيسمح لهذه القوى بالتحكم في الحياة الخاصة.
والحقيقة أن الاشكاليات المتعلقة بمفهوم السياسة من وجهة النظر النسوية تنطوي على تفاصيل كثيرة وتعكس الحاجة لإعادة بناء المفهوم بحيث يوازن بين اعتبارات مختلفة؛ انسانية وقيمية وواقعية.
الخبرة الإسلامية في حلّ المسألة
ويمكن القول إن نظرة سطحية لأطروحات الباحثات النسويات في علم السياسة، وبصدد حدود العلم ما بين العام والخاص، تتلاقى بشكل ما مع رؤى تراثية لمفهوم السياسة.
فنحن على سبيل المثال نقابل في المقدمة لابن خلدون مفهومًا طريفًا هو مفهوم "السياسة المدنية" الذي يعرفه بن خلدون على أنه "تدبير المنزل أو المدينة بما يجب بمقتضى الأخلاق والحكمة"[11]، وذلك تمييزًا له عن أنماط أخرى من السياسات [...].
كذلك يقول النبي (ص) في الحديث الشريف "كلكم راع ومسئول عن رعيته..والمرأة راعية في بيت زوجها ومسئولة عن رعيتها" ، ويمكننا أن نلمس في هذا الحديث عملية تحريك واضحة لحدود "السياسي" بين مستويات شتى تجمع العام والخاص.
لكننا، ورغم هذه التلاقي السطحي، لا نستطيع أن نقارب الرؤية النسوية بالرؤية الاسلامية لمفهوم السياسة، إنما نستطيع أن نقترح، ومن واقع أزمة العلم التي تعبر عنها النسويات، فكرة العمل على بناء مفهوم جديد يحل الأزمة ويفيد من الخبرة الاسلامية.
إن التيارات النسوية كثيرا ما تنجح في وصف أزمات المرأة مع واقعها ومع البنى الفكرية والعلمية الراهنة، لكنها تظل مراوحة مكانها دون الخروج بحلول لهذه الأزمات؛ ذلك أنها عندما تتحدث عن المرأة ، عادة ما تتحدث عنها كفرد مختزل إلى أبعاده المادية ومنسلخ عن سياقه الاجتماعي مقللة من أهمية الارتباط العضوي والوظيفي بين المرأة والسياق والبنية الاجتماعية التي تحتويها. وفوق هذا فإنها تقارب قضايا المرأة من بوابة الصراع بينها وبين الآخر (الرجل أو الجماعة)، وربما تأخذ نتائج هذا الصراع مداها فتكون احلالية أو انعزالية، وهو ما تروج له بعض أوساط الفكر النسوي الراديكالية، من حيث خلق مجتمعات قاصرة على النساء تحريًا للتخلص من القهر "الذكوري".
في المقابل، ومن داخل المنظور المعرفي الإسلامي يمكننا أن نتلمس أبعاد مغايرة لمفهوم "السياسي" يمكن أن تستوعب قلق النسويات.
في الخبرة الحضارية الإسلامية تترادف السياسة مع مفهوم الإصلاح ، إذ تُعرف السياسة في هذه الخبرة بأنها "القيام على الأمر بما يصلحه" ، وهي "صلاح الموجودات وبقاؤها على أفضل وأتم الغايات"، وهي "ما كان من الأفعال ما يكون الناس معه أقرب إلى الصلاح وأبعد عن الفساد، وإن لم يضعه الرسول ولا نزل به وحي"[12].
والسياسة بهذا المعنى الذي تتطابق فيه مع الإصلاح ترتبط بجملة من المفاهيم الإسلامية مثل العمران والإحسان والحكمة..وتتعدد أبعادها ومستوياته فمنها الأبعاد الذاتية والغيرية ، ومنها القيمية والمادية ومنها الغيبية والواقعية.
وإذا تاملنا الآيتين 58 و59 من سورة النساء «إنّ اللهَ يأمرُكُم أنْ تُؤدُّوا الأماناتِ إلى أهلِها وإذا حكَمْتُم بينَ النَّاسِ أنْ تحكُمُوا بالعدْلِ إنَّ اللهَ نِعِمَّا يعِظُكُم بِه إنّ اللهَ كانَ سميعًا بصيرًا● يا أيُّها الذينَ آمنوا أطيعوا اللهَ وأطيعوا الرَّسولَ وأُولي الأمرِ منكُمْ فإنْ تنازعتُم في شئٍ فردُّوه إلى اللهِ والرَّسولِ إنْ كنْتُم تؤمنُونَ باللهِ واليومِ الآخِرِ ذلكَ خيرٌ وأحسنُ تَأويلاً».
وكذا الحديث الشريف المذكور سنجد مفهومًا للسياسة يتضمن :
أولاً: إن للمفهوم مرجعية قيمية ترتبط بعلاقة التوحيد بين الخالق والمؤمنين.
ثانيًا: أنه يتسع ليشمل سائر الأبنية الاجتماعية : الأسرة، الأمة..
ثالثًا: يتضمن المفهوم قيمًا أخلاقية إيجابية (أداء الأمانة-العدل-المسئولية).
رابعًا: يرتب المفهوم مسئولية أخلاقية، ويجعل هذه المسئولية تجاه الخالق الواحد بما لذلك من دلالات ومآلات دنيوية/أخروية، وواقعية/غيبية معًا..
وكما يوضح أحد الأساتذة البارزين فإن السياسة وفق الرؤية الإسلامية "ليست فنا أو أسلوبًا أو صراعًا بل هي رعاية متكاملة من قبل الدولة لكل شأن من شئون الجماعة ؛ رعاية قائمة على العقيدة الإسلامية ومسيّرة بالتشريع الإسلامي في الداخل والخارج ..فالسياسة هي القيام على الأمر بما يصلحه أو هي إصلاح الخلق بإرشادهم إلى الطريق المنجي في الدنيا والآخرة..والسياسة وفق هذه الرؤية تتصف بالعموم والشمول فهي مفهوم يخاطب كل فرد مكلف في الرسالة الإسلامية"[13] وعليه فإن موضوع علم السياسة وفقًا لهذا المعنى يجب أن "يتجاوز البحث عن ظاهرة السلطة... كما أن هدف العلم يجب ألا يقتصر على الوصف أو التحليل والتفسير لما هو قائم بل يجب أن يتعدى ذلك إلى تقويم هذا الواقع ومحاولة إصلاحه" [14]
السياسة بهذا المعنى تتضمن تصور لإحداث تغيير إيجابي في إحدى البنى الاجتماعية استنادًا إلى مرجعية معرفية توحيدية (أي معنية بأبعاد الواقع/الغيب، الدنيوي/الأخروي..). وحين نتحدث عن السياسة –التي ترادف الاصلاح- فإننا نستحضر جملة من المفاهيم الدالة : العمران-التزكية-التوحيد ، العدل-الإحسان-العفو- المعروف..وكلها مفاهيم حاكمة داخل أبنية العلاقات كافة في المنظومة الإسلامية، سواء العلاقة بين العبد وربه، أو العلاقات الاجتماعية المختلفة، بين الحاكم والرعية، والرجل وزوجته، والوالدين وأبنائهما، وفيما بين الأخوة، وبين الجيران ..إلخ، وهو أمر يكشفه تأمل الآيات القرآنية الكريمة التي تتناول هذه القضايا وتتكامل فيها تلك المفاهيم.
وكما ترتبط السياسة/الاصلاح بمهذا المعني بالدين وبالجماعة ، فإنها ترتبط بالمرأة كعضو فاعل مسئول في الجماعة الإيمانية وكعماد للأسرة [15]. وليس بخافٍ أن الأسرة هي التنظيم الاجتماعي الوحيد الذي حرص القرآن الكريم على التفصيل في قضاياه وأسسه ، بدءا من مرحلة ماقبل التكوين (اختيار الزوج) ، ثم التكون (قضايا الزواج وعلاقات الأبناء والآباء) ، فضلا عن معالجة أزمات هذه الأسرة (الطلاق، الترمل، قضايا الإرث..).
والخلاصة أنه انطلاقًا من الاشكاليات النظرية التي يطرحها الفكر النسوي على علم السياسة، ربما تُقدَّم مراجعة لمفهوم السياسة من المنظور الاسلامي أفقًا معرفيًا جديدًا للمفهوم يساعده على استيعاب أزماته. يختلف المفهوم الجديد في أن له طبيعة غائية، فبدلاً من أن يكون هدف العلم هو مجرد رصد نتائج العلاقات داخل بنية قوة قائمة، يصير للعلم هدف تقويم هذا الواقع ومحاولة إصلاحه. كما أنه، وعلى صعيد الاهتمامات النسوية بشكل خاص، فإن المفهوم الجديد يرتكن إلى مرجعية معرفية تعتبر بالتجربة الأنثوية كذات فاعلة وكموضوع، وتنحسم داخلها نظريًا مسألة المساواة باعتبار أن الرجل والمرأة في ميزان الأفعال هما "نفس" واحدة مسئولة، تقف على أرضية أنطولوجية واحدة في مواجهة الإله الواحد المغاير بالكلية[16]، وتعتبر في الوقت نفسه باختلافات الأدوار بين النوعين بصفتها من مقتضيات مسألة "الزوجية" التي تعتبر أساساً في العمران البشري.
ولا شك أن هذه مجرد مقدمات نظرية تلقي الضوء حول أرضية معرفية بديلة يمكن أن يبدأ من داخلها عمل اجتهادي حثيث يستهدف بناء علم سياسة مختلف، لا يفيد منه المسلمون فحسب، بل يوجه للعاملين، ويكون إسهاما من الحوض الحضاري المسلم في التراكم العلمي العالمي.
--------------------------------------------------------------------------------
الهوامش:
[1] راجع: نصر محمد عارف ، "حالة علم السياسة في القرن العشرين:تاج العلوم هل يستطيع أن يكون علمًا؟ ، النهضة ، مجلة كلية الاقتصاد والعلوم السياسية (العدد الأول ، أكتوبر 1999) ص 24،25
[2] خالد قطب، "الاتجاه النسوي في فلسفة العلم"، مجلة كلية الآداب (جامعة القاهرة، مجلد 61، عدد4، أكتوبر2001) ص477
[3] المرجع السابق، ص482
[4] vicky Randall, Women and Politics (London: The Macmillan Press,1982) p7-9
[5] Ibid., p8
[6] Valerie Bryson, Feminist Debates: Issues of Theory and Political Practice (London Macmillan Press LTD,1999) p90-92.
[7] Ibid., p92
[8] سعاد جوزيف ، "نوع الجنس والمواطنة في دول الشرق الأوسط" ، رؤى مغايرة (القاهرة : مركز القاهرة لحقوق الإنسان، العدد الثامن) ص ص4-9
[9] valerie Bryson, Op.Cit.,p91
[10] Ibid.,p95
[11] المقدمة، ص62
[12] وهي المعاني التي ذكرها بن القيم انظر:
بن قيم الجوزيه ، الطرق الحكمية في السياسة الشرعية ، تحقيق: محمد حامد الفقي (القاهرة:مطبعة السنة المحمدية، 1372هـ-1953م) ص13 ، وفيه يقول "لاسياسة إلا ما وافق الشرع...فإذا أردت بقولك إلا ما وافق الشرع أي لم يخالف ما نطق به الشرع فصحيح، وإن أردت لا سياسة إلا ما نطق به الشرع فغلط" .
وانظر في ذلك أيضًا : محيي الدين محمود ، السياسة الشرعية في ضوء جوهر مفهوم السياسة في العصر الحديث، رسالة ماجستير غير منشورة ، القاهرة ، كلية الاقتصاد والعلوم السياسية،1990.
[13] سيف الدين عبد الفتاح، التجديد السياسي والواقع العربي المعاصر (رؤية إسلامية) (القاهرة: مكتبة النهضة العربية،1989) ص10
[14] المرجع السابق، ص11
[15] وهي فكرة ناقشتها تفصيلاً أ.د.منى أبو الفضل ، انظر :
Mona abul fadl, “Islam And Reform” op.cit
[16] في بيان موقع المرأة في المعرفية الإسلامية انظر: أماني صالح، "قضية النوع في القرآن:منظومة الزوجية بين قطبي الجندر والقوامة" المرأة والحضارة (القاهرة:جمعية دراسات المرأة والحضارة، العدد3، أكتوبر2002) ص ص17-53
مصدر: جمعية دراسات المرأة والحضارة
هند مصطفى
اترك تعليق