مُمَهِدَاتْ... وحقيق أن تبادر المرأة المثقّفة الملتزمة الواعية فتمهد الطريق وتفتح الآفاق.

مذكرات مناضلة: مظاهرة نسائية إلى معتقل أنصار...

مذكرات مناضلة: مظاهرة نسائية إلى معتقل أنصار زمن الاجتياح الاسرائيلي للبنان

تروي خديجة*:
 "جمعت 27 امرأة وذهبنا  في مظاهرة إلى معتقل انصار [في فترة الاجتياح الإسرائيلي للبنان عام 1982]**، كان اليهود قد جاؤوا  بالشباب من الجلمة إلى معتقل انصار، والذي كان مثل معتقلات هتلر (النازية).. كانوا  خمسة آلاف شاب، وكان المعتقلون يضع كلّ واحدٍ منهم الحذاء تحت رأسه  (كل واحد يضع حذاءه تحت راسه كالمخدة) وينام على الارض في مجرد خيم والبعض منهم ينامون بلا خيم.
كنا قد خطّطنا للذهاب إلى معتقل انصار، وكان اليهود يحرّضون من خلال الإذاعة  ضدّ الناس، حتى لا يخرج أحد مع النساء ضد جيش (الدفاع-كما يزعمون-) الإسرائيلي لأن هذا يؤثر على أوضاع الأسرى.
 طبعا نحن سرنا الى هناك لم نستطع الدخول بسبب الأسلاك الشائكة، لكنّ أقرب نقطة كانت على بعد مئة متر من الأسرى، وكان الذهاب إلى هناك بعنوان أنّه بمناسبة العيد نريد الإفر اج عن الأسرى (على هذا الاساس  كانت النساء قد ذهبن  إلى هناك). عادة عندما تكون مجموعة، الكل يتكلم، فطلب الضابط منا أن تتكلم واحدة نيابةً عن الجميع فاختاروني أنا، فسأل: لماذا اتيتم إلى هنا وماذا تريدون؟
فرددت عليه: أنت! لماذا أنت موجودٌ هنا؟ هذه البلدة أنصار وهي لبنانية، وأنت يهودي (فلسطين ليست لك) لكنك أتيت من هناك، ماذا تفعل عندنا؟
فنظر إلينا، وقال للجندي الذي معه: "اقبعها من هون" (أخرجها)، فحدث في المكان صراخ، ورمي رصاص، وصرت أركض  وهو ورائي يلحق بي، تسلقت تلة عالية  يضعون عليها "تنك" الماء لتصب على الخيم.
وعندما وصلت إلى أعلى التلة، رأيت المخيم أمامي والشباب المعتقلين أمامي فصرخت وقلت: "الله اكبر يا شباب نحنا هون (هنا)، مظاهرة نسائية  ضد وجود اليهود"، ورأيتهم وكأنّ أحداً نفضهم نفضاً من سهوتهم، وقد كانوا في تلك الفترة يعيشون الإذلال؛ بحيث كانوا يبقونهم في الخيم، ويعدّونهم صباحا وظهراً ومساءاً، وكل واحد منهم  واضعا رأسه بين رجليه، ويديه فوق رأسه. فخرج الشباب كلهم يكبّرون من الخيم، والنساء تصرخ: "يا أولادي!" وصار الشباب يطلعون ويقفون على أكتاف بعضهم البعض لمعرفة ما يجري خارجا، فأحدهم نادى: "عرفتك  يا امي عرفتك" وهي تصرخ: "تقبرني يا إمي". (بعدها عرفت أنّه عرفها من فستانها).
وبدأ رمي الرصاص وتفرقنا عن بعضنا البعض، لم يعد أحدنا يعلم أين الآخر ...
... لكن ما الذي حدث؟
[علمنا] أنّ الشباب في المعتقل تمرّدوا على السجانين وأصبحوا يدخلون الى الخيم ويخرجون (يتحركون بحرية داخل المعتقل)، أتوا لهم بـ "فرش وصوبيات للتدفأة" إلى أن وصل بهم الحال إلى مرحلة انهم هم الحاكمين وليس اليهود، وقد استقال 5 من اليهود والضباط حينها من معتقل انصار لعدم استطاعتهم  ضبط الأمور في المعتقل، وأُوقف العدّ صباحا وظهرا ومساء, ونظر الشباب إلى النساء في الخارج  بأنّهنّ يعملن عمل الرجال، وكلمة النساء " الله أكبر" دوّت في نفوسهم بشكل كبير، وحالة معنوياتهم مرتفعة..."


* أسيرة محررة ومناضلة من جنوب لبنان
** محرر الموقع

المصدر: - أرشيف مشروع التأريخ لدور المرأة في مقاومة الاحتلال الصهيوني.
           - تحرير وإعداد موقع ممهدات

التعليقات (0)

اترك تعليق