مُمَهِدَاتْ... وحقيق أن تبادر المرأة المثقّفة الملتزمة الواعية فتمهد الطريق وتفتح الآفاق.

ثورة على السجن والسجان رغم الألم

مذكرات أسيرة: ثورة على السجن والسجان رغم الألم

[...] وحتى عندما "كهربوني" بالكهرباء أوّل مرة غدروني غدر، فقد كنت أتكلّم  وفجأة "ضرب لي" (أوصل) الكهرباء إلى يديّ، قال حسين عبد النبي لرجل اسمه جورج الخمران، ضع الكمامة على فمها،  لا نريد ان يسمع صوتها أحدٌ من سوق التجار في الخارج. كان يضع لي الكمامة؛ في المرة الأولى، صرخت على وهلة على "نقزة"، لكن فيما بعد لم أعد أصرخ، فكان حسين عبد النبي يقول لجورج شدّ الكمامة على فمها جيداً، ويقول للجلبوط "قويّ لها الكهرباء! الظاهر مش عم تتأثر".
أنا في هذه اللحظات، سبحان الله! كان لديّ إحساس لا أقدر أن أعبّر عنه. كنت عندما أنادي السيدة زينب (ع) وأنادي أمير المؤمنين (ع) وأئمة أهل البيت(ع) الإثنا عشر، كنت أشعر من أعماق قلبي، روحي، وأنّ رأسي، فكري كلّه ليس معهم –أي العملاء- أحسّ أنّه مع أهل البيت (ع)،  لكن كيف وأين؟ لا أعرف؛ كنت "أتكهرب" بالكهرباء، لكن لم أصرخ، ولم أتوجّع، وفيما بعد تفاجأت عندما اكتشفت أنّ اصابعي "معملين" (أي أصابها القيح) وذلك في الموضع الذي يصلون إليه الكهرباء، لكنّي لم  أصرخ من  الكهرباء أو من أيّ شيء أبداً.
......
عانيت كثيراً من جرّاء المواقف التي كنت أتّخذها في المعتقل، عانيت مقابل المواقف التي كنت أتخذها والتحدي الذي كنت أقوم به اتجاه مسؤول السجن والمحققين والشرطة، فقد قضيت 7 أشهر و27 يوم (في السجن) افرادي, عقوبات أتعرّض لها مثلاً ويكون قد مرّ لخروجي من الزنزانة (الافرادية) بضعة أيام، أتحدث بأمرٍ في المعتقل، نتكلّم مع بعضنا –تقصد مع الأسيرات- "من شباك لشباك"، أحرّض عليهم –أي على السجانين- أتجادل مع الشرطة، أستنكر المواقف التي يقومون بها معنا، أرفض أن تكون واحدة من السجينات مظلومة، فنتّفق على  القيام بانتفاضات، نتفق على القيام بإضراب عن الطعام، نتفق... على أي شيء.
كان ممنوع علينا أن نعمل أشغالاً يدوية، وإن ضبطونا ونحن نقوم بصنع أشغالٍ يدوية يعاقبوننا، وقد وصل مسؤول السجن إلى مرحلة كان يقول فيها للصبايا –والتي تكون الواحدة منهنّ غير مرتاحة في غرفة وتريد أن تنتقل إلى غرفة ثانية-  يقول لها: "شو هل أنقلك إلى غرفة سكنة حتى تكوني مرتاحة!"، كان يتضايق من وجود الصبايا معي، فهو يقول أن هؤلاء  عاقلات لا يعملن  مشاغبات ولكن وجود سكنة في الزنزانة  معهنّ  يؤدي إلى أن يشاغبن.
 في إحدى أيام ذكرى عاشوراء عام 1989م، كتبت، بالخط العريض، وبالصابون، على الباب:  "كل أرض كربلاء،  كل شهر محرم،  لبيك يا أبا عبد الله!  لبيك  يا خميني!".  في اليوم الثاني، صباحاً، أتت الشرطيات وأمرننا بالخروج، نزلنا، لكني كنت أحاول أن أسترق النظر لأعرف ما الموضوع  فوجدت الشرطية والمحقق ومسؤول السجن  وشرطي وعسكري يركضون باتجاه غرفتنا. ناديت  الصبايا  وقلت لهنّ أن يتحضّرن كذلك أنا أحضّر نفسي للدخول إلى السجن الإنفرادي أو إلى غرفة الكهرباء، قلن: ما الموضوع؟ قلت: اكتشفوا ما كُتب على الباب.
وبالفعل بعد أن انتهوا من  تفتيش الغرفة،  أمروا بي إلى السجن الانفرادي، قلت للشرطية: إلى أين إلى السبعة؟
(السبعة  زنزانة صغيرة جداً، وإذا أراد مسؤول السجن  معاقبة أحدهم وضعه في السبعة) قالت:  جيد أنك عرفت.
وضّبت أغراضي وذهبت إلى الزنزانة، وبقيت 13 يوم فيها، وصادف أن ثاني يوم من دخولي إلى الزنزانة بداية ذكرى عاشوراء، وبهذا شعرت أنهم حرموني من إحياء عاشوراء والتي كنّا نحييها عبر مجالس حسينية نقرؤها من خلال نوافذ السجن، كلّ واحدة منّا تقرأ ما تحفظه من هذه المجالس والبقية تستمعن. لكنّي حُرمت منها، لذلك قررت أن أصوم هذه الأيام، فصمت 13 يوماً في السجن "الافرادي".


مذكرات أسيرة

المصدر:
مشروع التأريخ لدور المرأة في مقاومة الاحتلال الصهيوني
إعداد وتحرير
موقع ممهدات

التعليقات (0)

اترك تعليق