مُمَهِدَاتْ... وحقيق أن تبادر المرأة المثقّفة الملتزمة الواعية فتمهد الطريق وتفتح الآفاق.

زوجات یعترفن: لم یعد أزواجنا یودّوننا

زوجات یعترفن: لم یعد أزواجنا یودّوننا


للأسف.. حیاتها الزوجیة لم تمشِ کما کانت تتمنى، فقبل الزواج، وحتى أثناء السنوات الأولى منه، کانا یعیشان إلى درجة کبیرة في سعادة، لکن بعد أقل من ثلاث سنوات فقط، أصبحت حیاتهما روتینیة جداً، فقد ذابت وتلاشت کل الکلمات الجمیلة، وحلّت مکانها النقاشات الحادة، والخلافات المستمرة. لم یعد هناك ذلك المناخ العاطفي الذی کانا یعیشان فیه، ولا تدري السبب، وتتساءل کثیراً في نفسها: هل هذا زوجها الذي عاشت معه أسعد أیام حیاتها؟ لماذا اختفى الحب؟ هل لم یعد یحبها کما کان في السابق؟ وهل الحب ینتهي بالتقادم مثل أي شيء آخر؟ هل للحب فترة صلاحیة بعدها یکون قد فقد لکل مقومات البقاء؟ إنها أسئلة مؤلمة تطاردها لیلاً نهاراً، ولا تجد لها أي إجابة مقنعة. إنّ زوجها بالمناسبة لیس رجلاً سیئاً، ولیس في أخلاقة ما یجعلها تندم على سنوات عمرها معه، لکن هي بالفعل حائرة من الأحوال التی آلت إلیها حیاتهما الزوجیة، فقد أصبحت جامدة، ولا طعم لها، وربما لولا وجود أربعة أولاد بینهما لکانا انفصلا منذ أعوام.
وامرأة أخرى، مشکلتها معقدة وغریبة، وبنفس درجة الدهشة من تغیر أحوال زوجها، فهی تشکو کثیراً وتقول إنها ربما لو کانت تزوجت بطریقة تقلیدیة، وبدون أن تعرف زوجها أو یعرفها،  کانت تقبّلت الأمر، وقالت إنّ هذا هو الطبیعی في زواج غیر مدروس، لکن المشکلة أنّ زوجها یعرفها جیداً، فهو ابن عمها ومنذ طفولتهما والکل یعلم أنها لهوانه لها، وقد تزوجا عن حب وتفاهم، والتکافؤ الاجتماعي والتعلیمي بینهما موجود، لا توجد بینهما أي مشکلة تجعل حیاتهما بهذا البرود، وهذه الرتابة، فبعد کل ذلك الحب الذي بنیا علیه حیاتهما الزوجیة، وصلا إلى طریق مسدود، فلم یعد یقبل منها کلاماً، ولا یطيق البقاء في المنزل، الحوار بینهما تلاشى، والجلسات الجملیة وسط أولادهما ذهبت إلى غیر رجعة، والأسباب غیر معروفة، لقد بحثَت في نفسها عن عیوب ولم تجد، فقد جلسَت في البیت بدون عمل لترضیه، عندما یأتي من عمله یجدها في انتظاره، وفي أجمل صورة، یجدها مبتسمة، ضحوکة، ملبیة ومطیعة له في کل شيء، لکن کل هذا لم ینفع، کأن جداراً أسمنتیاً أصبح یفصل بینهما، ولا تدري ماذا تفعل؟! زوجها عصبی وانفعالي.
من جانب آخر تروی إحداهما قصتها بنبرة من الأسى والندم أیضاً، فهي قد خُدعت في شخصیة زوجها، الذي تعترف بأنها کانت مخدوعة فیه، وتقول إن کل من کان یعرفه قبل زواجها منه، کان یشید به، ویتحدث عن أخلاقة، وذکائه، ونجاحه في العمل بالتدریس الجامعي، فهو المتفوق الذي تتمناه أي فتاة، وهذا ما جعلها توافق علیه بدون تفکیر، فالکل کان یحسدها علیه، حتى زمیلاتها وصدیقاتها کُنّ یحسدنها على أنه اختارها هي بالتحدید، وقد کانت سعیدة بذلك، کانت تشعر بأنها فازت برجل کل الفتیات یحلمن بمثله زوجا لهن، لکن بعد شهور قلیلة من الزواج، تبدد کل ذلك، فزوجها الهادىء الوقور، انقلبت موازینه، وظهر على حقیقته، فهو عصبي لأقصى درجة، وانفعالي بطریقة لا تطاق، وهکذا أصبح زواجهما کأنه تحصیل حاصل، کأنه دائرة مغلقة لا یمکن لأحدهما الخروج منها، مشاعرهما أصیبت بالجمود والبرود والکلام بینهما لیس له طعم، وحیاتهما کلها فقدت بریقها، منذ سنوات لم یقل لها جملة واحدة تذکّرها بأنه في یوم من الأیام کان یحبها، وأنه فضلها على طابور طویل من بنات الحي الذي عاشا وتربیا فیه، تتساءل ـأحیاناـ لماذا تزوجها؟ وهل هو ـأیضاًـ صدم في شخصیتها؟ وإذا کان الأمر کذلك، لماذا لم یفکر في الزواج مرة أخرى، أو لماذا لم یطلقها؟.. تعتقد أن الطلاق أفضل بکثیر من استمرارهما بهذا الشکل، لکن.. إنها لا یمکن أن تطلب منه ذلك، ولا یمکن أن تهدم بیتها، وتتسبب في تعاسة أولادها بیدها، لذلك استسلمت للأمر الواقع.
فقدان المبدأ الحواري من خلال هذه الاعترافات المؤلمة، یعکس لنا أنّ هذه الزیجات قامت على نوع من التفاهم، لکن الذي جرى أن الحیاة المشترکة تحولت تحولا واضحاً إلى جهة النقیض، وبالتأکید إن لهذا التبدل عوامله وأسبابه المنطقیة، یُحتمل أن تکون أسئلة الزوجات التي طرحت عبر هذه الاعترافات صعبة الإجابة، لأنهن لا یجدن لها أجوبة منطقیة لدیهن، غیر أننا إذا نظرنا إلى الأمر من الناحیة العلمیة، سنجد أسباباً أدت بالحیاة الزوجیة إلى هذا المنعطف العاطفي الخطیر. وهنا یؤکد الخبراء في علم الاجتماع أنّ سبب هذه الخلافات، هو انقطاع التواصل بین الأزواج، وهذا یعود لاختلاف أسالیبهم، ومدى استیعاب أحاديث بعضهما البعض، ویمکن تلخیص الفوارق الأساسیة في أنماط تبادل الأحاديث بین الأزواج في، الأمور التالیة:
- في الکلام المتبادل بین الزوجین، تطرح المرأة معظم الأسئلة، وتجد في الأسئلة طریقاً لتواصل حدیث ما،  بینما یعدّ الزوج، الأسئلة إلحاحاً في تقصي المعلومات، أما هو فلا یطرح أسئلة شخصیة تعتبرها المرأة نوعا من الاهتمام والألفة والتحبب.
- في أغلب الأحيان تستخدم النساء بعض الإیماءات والإشارات لحث الأزواج على الکلام، وقد یعتبر الزوج ذلك دلیلا على کلامه، ولکنه یشعر بعد قلیل من الاسترسال أنه خدع، حیث یکتشف أنها کانت ببساطة تساعده على متابعة حدیثه ففط، وفي المقابل تشعر الزوجة أنها مهملة لأن زوجها یقلل من استعمال هذه الإیماءات لکي تتکلم هي، ویصغي هو إلیها، الأمر الذي یزید إحساسها بتجاهله لها ولوجودها.
- یستخدم الأزواج -عادة- تعلیقات ثانویة أکثر من الزوجات، إلا أن هذه التعلیقات الهامشیة تزعج النساء وتتسبب في إغضابهن، حیث أنهن یعتبرنها استخفافاً بهن، فیکون رد فعلهن بهیئة احتجاج صامت یبدو على ملامح الوجه، بینما یعتبر الرجال هذه التعلیقات الجانبیة أسلوباً دارجاً لیس إلا، والواقع الذي لا بدّ منه إن إدراك الفوارق الأساسیة في عملیة الاتصال الحوراي، بین کل زوجین، یعلمهما حسن التفاهم وتجنب الخلافات، حیث إن قدرة الشخص على المحادثة بلغة خاصة ذات مدلول غامض، وتلمیح مبطن، ونظر مدرك، تمثل تقارباً خاصاً فی علاقة التحدث بین الزوجین.
وهنا یستعرض لنا علم العلاقات الاجتماعیة خمسة نقاط أساسیة تساعد الأزواج على معرفة أسس التقارب والتفاهم والحوار بینهما:
-
یجب أن یکونوا حساسین تجاه مشاعر شرکاء حیاتهم، خصوصا مشاعرهم العاطفیة.
- ینبغي أن یدعوا شریك الحیاة لیشعر بأنهم یصغون إلیه باهتمام.
- لا یقاطعون حدیث بعضهم البعض، لأن ذلك یُشعر الطرف الآخر بأنّ کلامه یجب أن یتوقف.
- علیهم أن یطرحوا أسئلتهم بینهم بذکاء.
- تعمّد الدبلوماسیة حتى لا یشعر أحدهم بالملل من الطرف الأخر.
الحب فی الحیاة الزوجیة:
أما أصحاب التخصص النفسي، فیؤکدون  أنّ الحیاة الزوجیة تقوم على معنى أشمل من الحب، إنه الود والشفقة والرحمة، ولذلك فإن هذه العلاقة تختلف في مضامینها وفي أشکال التواصل بین الزوجین عن علاقة الصداقة المحضة. وتکمن أکثر المشاکل الزوجیة فی عدم تحدید طبیعة وحقیقة المشکلة والاتجاه المناسب لعلاجها قبل تحدید الأسباب والعوامل، ولذا ینبغی على الزوجین أن یکونا على وعي ودرایة بفن التعامل مع المشاکل، وذلك لأنه لا توجد علاقات في حیاة الإنسان تعترضها المنعطفات کما یحدث في العلاقات الزوجیة. ولقد تفشت في العدید من الناس، مفاهیم مغلوطة عن هذه العلاقات، کما أنّ بعضهم ینطلق في نظرته لها مننظرات الآخرین وتجاربهم الشخصیة، دون أن یعیش ویتأمل حقیقة واقعه وطبیعة شریکه في الحیاة الزوجیة. فهذه العلاقات تهدف إلى تحقیق الغایة من الحیاة الزوجیة وهو السکن والطمأنینة لدى الفرد في هذه الحیاة، ولذا ینبغي أن یسعى کل طرف للتسامح مع الطرف الآخر في أفکاره ومشاعره، حتى یُحقق له الراحة والطمأنینة دون أن یضايقه ویزعجه، بل یدع له مساحة نفسیة معینة تشعره بالخصوصیة في إطار شعوره العام بأهمية الطرف الآخر. إن الحب لا یولد وینمو فجأة بل تتم رعایته وتوجیهه بشکل دائم، کما أنه لا ینمو بالعواطف فقط، بل بشعور الثقة والأمان الذی یحدث أساساً من خلال اهتمام کل طرف برعایة احتیاجات الطرف الآخر وتفهّم مشاعره.

المصدر: مجلة الطاهرة، العدد: 220.

التعليقات (0)

اترك تعليق