لا تسليم بفقدان المحاضن الأسرية الممتدة
[...] في مقال نُشر للكاتبة الفاضلة د. نورة السعد بعنوان "التأهيل لبناء الأسرة"، أشارت الكاتبة إلى فقدان المحاضن الأسرية الممتدة، تلك التي تؤهل الأولاد لحياة زوجية وأسرية مستقرة. حيث قالت ما نصه: "فالمحضن الأسري السابق لم يعد موجوداً وهو الذي كان يسهم في تلقين الأبناء أساليب التربية الجادة التي تبني ولا تهدم وتعزز ولا تقوّض".
"ومن الواقع أيضاً نجد أن الروابط العائلية المتماسكة وشبكة العلاقات القرابية التي كانت في السابق هي المناخ الدافئ الذي يتم من خلاله صياغة شخصية الأبناء ورعايتهم وتوفير التربية الجادة لهم وفي الوقت نفسه توفر لهم المصدر الأساس للحب شبه مفقودة".
حيال ذلك استعرضت الكاتبة حفظها الله، الجهود المبذولة من بعض نشطاء المجتمع لدرء النقص التربوي الناتج من غياب وفقدان المحاضن الأسرية الكبرى التي عهدتها مجتمعاتنا في تاريخ سابق، وانتقد بعضا من السياسات المبذولة في ذلك. وفي نهاية المقال عرضت وجهة نظرها الخاصة لحل معضلة ضعف التأهيل لدى شبابنا وشاباتنا لإقامة أسر زواجية جديدة.
الذي أود الإشارة إليه، أن لا نسلم التسليم المطلق بفقدان المحاضن الأسرية الممتدة أو المحاضن القرابية. وأن عودة قريبه لهذه المحاضن تلوح في الأفق، ويبشر بها العديد من علماء وعالمات الاجتماع المسلمون والغربيّون.
فهناك العديد من أستاذات علم الاجتماع وأساتذته، وقفوا على هذه المسألة، وهم يبشرون من خلال دراساتهم الاجتماعية بعودة المحضن الأسري الممتد بثوب عصري ويتناسب مع معطيات وأدوات وقتنا الحاضر. من هؤلاء، د. علياء شكري، د. سناء الخولى، د. آمال عبد الحميد. وهناك أساتذة اجتماع غربيين يشيرون إلى ذلك أيضا. فيما يلي أستعرض بعضا من أقوالهم:
من كتاب "الأسرة والحياة العائلية/ د. سناء الخولي"، دار النهضة العربية للطباعة والنشر1404 هـ – 1984م صفحة 340 – 341، اقتطف الفقرات التالية:
فصل بعنوان الأسرة الممتدة والروابط القرابية:
"من المحتمل أن تعود الأسرة الممتدة إلى الظهور مرة أخرى في المستقبل، كما انه من المحتمل أن تشارك مجموعة من الوحدات الأسرية نفس المسكن كما كان يحدث في الماضي، وقد لا يسكنون معا في نفس المسكن ولكنهم سوف يحتفظون بعلاقاتهم القرابية من حيث تبادل الزيارات والمساعدات المادية والمعنوية".
"وعلى الرغم من أن الاتجاه العام قد يكون نحو الأسرة النواة المنعزلة فإن الأسرة الممتدة المعدلة Modified Extended Family سوف توجد في المستقبل مع ذلك، دون أن يتطلب وجودها قربا مكانيا بالضرورة، أو اشتراكا مهينا، أو محاباة الأسرة النواة المنعزلة، فمن المحتمل أن تقدم لها مساعدات هامة.
وتقول مارجريت ميد Mead إن الأسرة النواة شكل ملائم للأسرة بغرض التغير، ولكنها لن تستمر في هذا الوضع إلى ما لا نهاية. لأن أسرة اليوم تدفع كل فرد إلى خارج المنزل ما عدا النساء اللائي يقمن بتنظيف المنزل أو تربية الأطفال، ولذلك فإن أسرة الغد سوف تحتاج إلى أفراد أكثر، لتربية الطفل وللمعاونة عندما يمرض الطفل أو تمرض الأم. إن وجود كثرة من الأطفال ربما يكون مفيدا للعب المشترك لأن إرسالهم إلى دور الحضانة سوف يتطلب مبالغ طائلة.
وهذا لن يحدث بسرعة أو في الحال لأنه يعني بناء مساكن جديدة. واستعدادات ضخمة ما زالت غير متاحة في الوقت الراهن ولكنها سوف تحدث بالتدرج". انتهى النقل.
ومن كتاب بعنوان "الاتجاهات المعاصرة في دراسة الأسرة/ د. علياء شكري" أستاذ علم الاجتماع -كلية البنات- جامعة عين شمس 1999م، اقتطف ما يلي:
1- من صفحة مقدمة الطبعة الثانية:
"والملاحظة التي تلفت النظر حقا أن أغلب الذين تصدوا لدراسة الأسرة في بحوثهم للماجستير والدكتوراه قد هجروا ميدان علم الاجتماع العائلي عقب حصولهم على اللقب العلمي. فلم تكن الأسرة بالنسبة لهم سوى مجال لإجراء الدراسة الإمبيريقية، دون أن يلتزم الباحث في حياته الأكاديمية بعد ذلك بمتابعة البحث في هذا الميدان الهام من ميادين علم الاجتماع المعاصر".
2- في خضم حديثها عن "العائلة الممتدة" تقول الدكتورة علياء في صفحة 197 "ولو أنّه ليس من المستبعد تماما أنها (العائلة الممتدة) ربما تعاود الظهور من جديد في يوم ما، فيما بعد تلقائيا إذا ما تغيرت الظروف الموضوعية".
3- في صفحة 199تقول د. عليا في خضم حديثها عن تحول وتفتت الأسرة الكبيرة إلى أسر صغيرة والعكس ما نصه: "نجد أن المؤرخين يستطيعون في بعض الأحيان التدليل على تحول الأسرة الكبيرة إلى أسر صغيرة والتدليل في أحيانا أخرى على التطور العكسي، وأعني التكون التلقائي لأسرة ممتدة جديدة".
4- في صفحة 198 تقول المؤلفة: "يحتمل في حالات معينة أن يحدث تطور مضاد لفكرة التقلص، وأعني أنه يرتفع مستوى الأسرة الاجتماعي وتتحول إلى أسرة ممتدة على نحو ما أوضح رينيه كونيج R. Konig في مقاله الهام "مشكلات قديمة و نظريات جديدة في علم الاجتماع العائلي" مجلة كولونيا لعلم الاجتماع وعلم النفس الاجتماعي 1966م. معنى هذا من الناحية البنائية أن التطور الذي حدث مضاد تماما لحركة التقلص، التي يعبر عنها قانون دوركايم".
5- نظرا للنقد الموجه لنظرية التقلص وغيرها من نظريات علم الاجتماع الكبرى فيما يتعلق بتغير الأسرة، تقول د. علياء "لذلك يتعين علينا أن نتجه بكل قوة نحو إجراء دراسات أمبيريقية عن واقع الأسرة العربية، تكشف لنا عن ملامح هذا التغير".
من هذا الباب فقد تعرضت المؤلفة لست دراسات في هذا المجال، وهي:
* التغير الاجتماعي والتكنولوجي وأثره في الأسرة المصرية بنائيا ووظيفيا/سناء الخولي 1972م، رسالة دكتوراه.
* التحضر و أثره في الأسرة الأردنية/ إدريس عزام، 1975، رسالة دكتوراه.
* الالتقاء الحضاري وأثره في تغير البناء الاجتماعي للأسرة في قطر/جهينة العيس، 1975م، رسالة ماجستير.
* الأسرة والبناء الاجتماعي في المجتمع الكويتي/ غنيمة المهين، رسالة ماجستير.
* صراع القيم وآثاره في بناء الأسرة ووظائفها/ عبد الباسط عبد المعطي، 1968، رسالة ماجستير.
* أثر التغير الاجتماعي في البناء الاجتماعي للأسرة المصرية/ صلاح عبد المتعال، 1971م، رسالة دكتوراه.
وجاء في رسالة الماجستير للدكتور آمال عبد الحميد "بعض أشكال الأسرة الممتدة في الحضر محدداتها ومصاحباتها الاجتماعية دراسة ميدانية على بعض الأسر المصرية" جامعة عين شمس 1986م.
تقول الباحثة في الفصل الحادي عشر عند مناقشتها لنتائج تلك الرسالة ما نصه:
"انطلقت هذه الدراسة من نقد الاتجاه التطوري و الاتجاه البنائي الوظيفي في تناولها قضية تغير الأسرة، حيث تناول الاتجاه الأول قضية مؤداها أن الأسرة تتطور من أشكالها الكبيرة الممتدة إلى أشكال أصغر فأصغر، حتى تصل إلى الأسرة النووية، وتعتبر الأخيرة ذروة التطور. وأكد الاتجاه الثاني على تقلص الأسرة وتحولها من ممتدة إلى نووية، فضلا عن تقلص وظائف الأسرة. وقد واجهت هذه القضايا كثيرا من الانتقادات منها:
أنها ظهرت في ظروف مغايرة، وأصبحت موضع شك حتى في المجتمعات التي ظهرت فيها. كما ظهرت شواهد ميدانية تناقض تلك الافتراضات النظرية، لذا يكون من الخطأ تعميم هذه الافتراضات على كافة المجتمعات خاصة في الظروف التي تشهدها الدول النامية التي لها سمات تميزها، مما يجعل التغير غير متسق أو مختل، وبالتالي لا يكون تغير الأسرة في بنائها، ووظائفها وفقاً لما يحدث في المجتمعات المتقدمة. ومن هنا جاءت مشكلة دراستنا، أنه بالرغم مما تؤكده بعض النظريات من تغير الأسرة وتحولها من ممتدة إلى نووية إلا أن الشواهد أوضحت أنه ما زالت توجد بعض أشكال الأسرة الممتدة في المجتمع المصري بل وفي قلب القاهرة.
ونظراً لأن المجتمع المصري يشهد تغيرات وتطورات اقتصادية واجتماعية فمن المتوقع أن تنعكس -بلا شك- على الأسرة، إذ أن الأسرة بناء مرن يتأثر بالتغيرات، فإنه يتخذ الشكل الذي يتلاءم وتلك التغيرات وبالتالي تكون الأسرة الممتدة قائمة جنبا إلى جنب مع الأنماط الأسرية الأخرى، وأن هذا النمط يتخذ شكلا متميزا في تنظيمه الداخلي والعلاقات بين أفراده." انتهى.
كلام د. سناء ود. علياء يبدو فيه من الوضوح ما يغني عن التعقيب. يبقى أن أعلّق على حديث د. آمال، فأقول وبالله التوفيق:
تؤكد الباحثة آمال في رسالتها تلك، أن الأسرة بناء مرن ويتشكل بحسب الظروف المحيطة به، وتنتقد الرأي القائل بتقلص Contraction الأسرة كنظرية دوركايم. فمن دراستها تلك نستنتج أن أي أسرة قد تحتاج إلى نمط الأسرة الممتدة والكبيرة جداً جداً (مثلا ترابط 7 أجيال أو ثمانية أجيال مع بعضها البعض)، و قد يكفيها ترابط ثلاثة أجيال متتالية أو جيلين متتاليين, وتتفاوت متانة و نوع تنظيم ذلك الترابط من أسرة لأخرى، تبعا للمتغيرات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والإعلامية والتربوية التعليمية والتقنية التكنولوجية.
نظرا لإيماننا بما ذهبت إليه الباحثة، تقدمنا بطرح أدواتنا الاجتماعية التي تساعد الناس على تنظيم وترتيب بيتهم الأسري الممتد بما يتناسب مع عصرنا الحاضر عصر الإدارة والمعلوماتية. وقد راعينا عند بنائنا لتلك الأدوات معظم المتغيرات التي تؤثر في تشكيل النمط الأسري الممتد تلك التي أشارت إليها الباحثة آمال. هذه الأدوات تم تناولها في موضوعٍ بعنوان "ذرية ضعافا – ذرية طيبة" في منتدى د. المقريزي.
أشير إلى ذلك حتى لا نيأس من فقدان محا ضننا الأسرية الكبرى. ونستعد ونُعد المجتمع لاستقبال هذه المواليد الاجتماعية التربوية الجديدة.
وأختم حديثي بكلام للأستاذ الشيخ محمد قطب من كلام له في ندوة "دعم الفكر الإسلامي لمواجهة الغزو الفكري" المنعقدة في الرياض، أبحاث ووقائع اللقاء الثاني للندوة العالمية للشباب.
"لقد اجتهد الكتاب المسلمون وبذلوا جهدهم لتوضيح بعض المفاهيم الإسلامية. ولكنا لا نستطيع أن نزعم أن كل ميدان البحث في الإسلام قد غُطِّي، حتى الآن موضوعات ما تزال بكراً تماما لم يكتب فيها شيء على الإطلاق وهناك موضوعات كتب فيها القليل تحتاج إلى كثير جدا من التوضيح والتحديد والتفصيل هذه الموضوعات ينبغي أن نبذل جهدنا فيها. أضرب أمثلة، ولقد أجور بعض الشيء على ندوة سابقة، أو أكرر بعض ما قيل فيها لا بأس، لأن الموضوعات متداخلة.
أننا حين نتحدث في الاجتماع لا نجد كتبا إسلامية تحدثنا عن الاجتماع فننقل آراء مفكري أوروبا، إما أن ننقلها بأسماء أصحابها أو ما هو أسوأ من ذلك أن نقوم بترجمتها ثم نضع أسمائنا عليها. وأنا أضرب مثلاً في علم الاجتماع بالذات، إن الذي يُدَرَّسْ والذي يُنشر على طالب العلم في معظم بلاد العالم الإسلامي هي نظريات "دوركايم" اليهودي ونحن نقدمها إما باسم دوركايم ونمتدحها، أو يحدث أحيانا أن يجئ مؤلف ينقل آراء دوركايم وينسبها إلى نفسه، وهو في نظري أسوأ؟ لأنه يقدم باسم إسلامي هذا الفكر المضاد للإسلام.
ينبغي أن تكون لدينا نظرية اجتماعية إسلامية، وليس هذا بالأمر العسير إذا توفرنا عليه. إنّ ابن خلدون وهو سابق لنا عدة قرون كان هو أول من وضع فلسفة للتاريخ, ومبادئ لعلم الاجتماع وكثير من مفكري الغرب يعودون إلى ابن خلدون، إما ذاكرين فضله أو مستولين على أفكاره وناسبين هذه الأفكار إلى أنفسهم، نحن اليوم أولى أن نقدم نظرية اجتماعية إسلامية متكاملة."
المصدر: موقع إسلاميات.
د. يوسف محمد السعيد
"ومن الواقع أيضاً نجد أن الروابط العائلية المتماسكة وشبكة العلاقات القرابية التي كانت في السابق هي المناخ الدافئ الذي يتم من خلاله صياغة شخصية الأبناء ورعايتهم وتوفير التربية الجادة لهم وفي الوقت نفسه توفر لهم المصدر الأساس للحب شبه مفقودة".
حيال ذلك استعرضت الكاتبة حفظها الله، الجهود المبذولة من بعض نشطاء المجتمع لدرء النقص التربوي الناتج من غياب وفقدان المحاضن الأسرية الكبرى التي عهدتها مجتمعاتنا في تاريخ سابق، وانتقد بعضا من السياسات المبذولة في ذلك. وفي نهاية المقال عرضت وجهة نظرها الخاصة لحل معضلة ضعف التأهيل لدى شبابنا وشاباتنا لإقامة أسر زواجية جديدة.
الذي أود الإشارة إليه، أن لا نسلم التسليم المطلق بفقدان المحاضن الأسرية الممتدة أو المحاضن القرابية. وأن عودة قريبه لهذه المحاضن تلوح في الأفق، ويبشر بها العديد من علماء وعالمات الاجتماع المسلمون والغربيّون.
فهناك العديد من أستاذات علم الاجتماع وأساتذته، وقفوا على هذه المسألة، وهم يبشرون من خلال دراساتهم الاجتماعية بعودة المحضن الأسري الممتد بثوب عصري ويتناسب مع معطيات وأدوات وقتنا الحاضر. من هؤلاء، د. علياء شكري، د. سناء الخولى، د. آمال عبد الحميد. وهناك أساتذة اجتماع غربيين يشيرون إلى ذلك أيضا. فيما يلي أستعرض بعضا من أقوالهم:
من كتاب "الأسرة والحياة العائلية/ د. سناء الخولي"، دار النهضة العربية للطباعة والنشر1404 هـ – 1984م صفحة 340 – 341، اقتطف الفقرات التالية:
فصل بعنوان الأسرة الممتدة والروابط القرابية:
"من المحتمل أن تعود الأسرة الممتدة إلى الظهور مرة أخرى في المستقبل، كما انه من المحتمل أن تشارك مجموعة من الوحدات الأسرية نفس المسكن كما كان يحدث في الماضي، وقد لا يسكنون معا في نفس المسكن ولكنهم سوف يحتفظون بعلاقاتهم القرابية من حيث تبادل الزيارات والمساعدات المادية والمعنوية".
"وعلى الرغم من أن الاتجاه العام قد يكون نحو الأسرة النواة المنعزلة فإن الأسرة الممتدة المعدلة Modified Extended Family سوف توجد في المستقبل مع ذلك، دون أن يتطلب وجودها قربا مكانيا بالضرورة، أو اشتراكا مهينا، أو محاباة الأسرة النواة المنعزلة، فمن المحتمل أن تقدم لها مساعدات هامة.
وتقول مارجريت ميد Mead إن الأسرة النواة شكل ملائم للأسرة بغرض التغير، ولكنها لن تستمر في هذا الوضع إلى ما لا نهاية. لأن أسرة اليوم تدفع كل فرد إلى خارج المنزل ما عدا النساء اللائي يقمن بتنظيف المنزل أو تربية الأطفال، ولذلك فإن أسرة الغد سوف تحتاج إلى أفراد أكثر، لتربية الطفل وللمعاونة عندما يمرض الطفل أو تمرض الأم. إن وجود كثرة من الأطفال ربما يكون مفيدا للعب المشترك لأن إرسالهم إلى دور الحضانة سوف يتطلب مبالغ طائلة.
وهذا لن يحدث بسرعة أو في الحال لأنه يعني بناء مساكن جديدة. واستعدادات ضخمة ما زالت غير متاحة في الوقت الراهن ولكنها سوف تحدث بالتدرج". انتهى النقل.
ومن كتاب بعنوان "الاتجاهات المعاصرة في دراسة الأسرة/ د. علياء شكري" أستاذ علم الاجتماع -كلية البنات- جامعة عين شمس 1999م، اقتطف ما يلي:
1- من صفحة مقدمة الطبعة الثانية:
"والملاحظة التي تلفت النظر حقا أن أغلب الذين تصدوا لدراسة الأسرة في بحوثهم للماجستير والدكتوراه قد هجروا ميدان علم الاجتماع العائلي عقب حصولهم على اللقب العلمي. فلم تكن الأسرة بالنسبة لهم سوى مجال لإجراء الدراسة الإمبيريقية، دون أن يلتزم الباحث في حياته الأكاديمية بعد ذلك بمتابعة البحث في هذا الميدان الهام من ميادين علم الاجتماع المعاصر".
2- في خضم حديثها عن "العائلة الممتدة" تقول الدكتورة علياء في صفحة 197 "ولو أنّه ليس من المستبعد تماما أنها (العائلة الممتدة) ربما تعاود الظهور من جديد في يوم ما، فيما بعد تلقائيا إذا ما تغيرت الظروف الموضوعية".
3- في صفحة 199تقول د. عليا في خضم حديثها عن تحول وتفتت الأسرة الكبيرة إلى أسر صغيرة والعكس ما نصه: "نجد أن المؤرخين يستطيعون في بعض الأحيان التدليل على تحول الأسرة الكبيرة إلى أسر صغيرة والتدليل في أحيانا أخرى على التطور العكسي، وأعني التكون التلقائي لأسرة ممتدة جديدة".
4- في صفحة 198 تقول المؤلفة: "يحتمل في حالات معينة أن يحدث تطور مضاد لفكرة التقلص، وأعني أنه يرتفع مستوى الأسرة الاجتماعي وتتحول إلى أسرة ممتدة على نحو ما أوضح رينيه كونيج R. Konig في مقاله الهام "مشكلات قديمة و نظريات جديدة في علم الاجتماع العائلي" مجلة كولونيا لعلم الاجتماع وعلم النفس الاجتماعي 1966م. معنى هذا من الناحية البنائية أن التطور الذي حدث مضاد تماما لحركة التقلص، التي يعبر عنها قانون دوركايم".
5- نظرا للنقد الموجه لنظرية التقلص وغيرها من نظريات علم الاجتماع الكبرى فيما يتعلق بتغير الأسرة، تقول د. علياء "لذلك يتعين علينا أن نتجه بكل قوة نحو إجراء دراسات أمبيريقية عن واقع الأسرة العربية، تكشف لنا عن ملامح هذا التغير".
من هذا الباب فقد تعرضت المؤلفة لست دراسات في هذا المجال، وهي:
* التغير الاجتماعي والتكنولوجي وأثره في الأسرة المصرية بنائيا ووظيفيا/سناء الخولي 1972م، رسالة دكتوراه.
* التحضر و أثره في الأسرة الأردنية/ إدريس عزام، 1975، رسالة دكتوراه.
* الالتقاء الحضاري وأثره في تغير البناء الاجتماعي للأسرة في قطر/جهينة العيس، 1975م، رسالة ماجستير.
* الأسرة والبناء الاجتماعي في المجتمع الكويتي/ غنيمة المهين، رسالة ماجستير.
* صراع القيم وآثاره في بناء الأسرة ووظائفها/ عبد الباسط عبد المعطي، 1968، رسالة ماجستير.
* أثر التغير الاجتماعي في البناء الاجتماعي للأسرة المصرية/ صلاح عبد المتعال، 1971م، رسالة دكتوراه.
وجاء في رسالة الماجستير للدكتور آمال عبد الحميد "بعض أشكال الأسرة الممتدة في الحضر محدداتها ومصاحباتها الاجتماعية دراسة ميدانية على بعض الأسر المصرية" جامعة عين شمس 1986م.
تقول الباحثة في الفصل الحادي عشر عند مناقشتها لنتائج تلك الرسالة ما نصه:
"انطلقت هذه الدراسة من نقد الاتجاه التطوري و الاتجاه البنائي الوظيفي في تناولها قضية تغير الأسرة، حيث تناول الاتجاه الأول قضية مؤداها أن الأسرة تتطور من أشكالها الكبيرة الممتدة إلى أشكال أصغر فأصغر، حتى تصل إلى الأسرة النووية، وتعتبر الأخيرة ذروة التطور. وأكد الاتجاه الثاني على تقلص الأسرة وتحولها من ممتدة إلى نووية، فضلا عن تقلص وظائف الأسرة. وقد واجهت هذه القضايا كثيرا من الانتقادات منها:
أنها ظهرت في ظروف مغايرة، وأصبحت موضع شك حتى في المجتمعات التي ظهرت فيها. كما ظهرت شواهد ميدانية تناقض تلك الافتراضات النظرية، لذا يكون من الخطأ تعميم هذه الافتراضات على كافة المجتمعات خاصة في الظروف التي تشهدها الدول النامية التي لها سمات تميزها، مما يجعل التغير غير متسق أو مختل، وبالتالي لا يكون تغير الأسرة في بنائها، ووظائفها وفقاً لما يحدث في المجتمعات المتقدمة. ومن هنا جاءت مشكلة دراستنا، أنه بالرغم مما تؤكده بعض النظريات من تغير الأسرة وتحولها من ممتدة إلى نووية إلا أن الشواهد أوضحت أنه ما زالت توجد بعض أشكال الأسرة الممتدة في المجتمع المصري بل وفي قلب القاهرة.
ونظراً لأن المجتمع المصري يشهد تغيرات وتطورات اقتصادية واجتماعية فمن المتوقع أن تنعكس -بلا شك- على الأسرة، إذ أن الأسرة بناء مرن يتأثر بالتغيرات، فإنه يتخذ الشكل الذي يتلاءم وتلك التغيرات وبالتالي تكون الأسرة الممتدة قائمة جنبا إلى جنب مع الأنماط الأسرية الأخرى، وأن هذا النمط يتخذ شكلا متميزا في تنظيمه الداخلي والعلاقات بين أفراده." انتهى.
كلام د. سناء ود. علياء يبدو فيه من الوضوح ما يغني عن التعقيب. يبقى أن أعلّق على حديث د. آمال، فأقول وبالله التوفيق:
تؤكد الباحثة آمال في رسالتها تلك، أن الأسرة بناء مرن ويتشكل بحسب الظروف المحيطة به، وتنتقد الرأي القائل بتقلص Contraction الأسرة كنظرية دوركايم. فمن دراستها تلك نستنتج أن أي أسرة قد تحتاج إلى نمط الأسرة الممتدة والكبيرة جداً جداً (مثلا ترابط 7 أجيال أو ثمانية أجيال مع بعضها البعض)، و قد يكفيها ترابط ثلاثة أجيال متتالية أو جيلين متتاليين, وتتفاوت متانة و نوع تنظيم ذلك الترابط من أسرة لأخرى، تبعا للمتغيرات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والإعلامية والتربوية التعليمية والتقنية التكنولوجية.
نظرا لإيماننا بما ذهبت إليه الباحثة، تقدمنا بطرح أدواتنا الاجتماعية التي تساعد الناس على تنظيم وترتيب بيتهم الأسري الممتد بما يتناسب مع عصرنا الحاضر عصر الإدارة والمعلوماتية. وقد راعينا عند بنائنا لتلك الأدوات معظم المتغيرات التي تؤثر في تشكيل النمط الأسري الممتد تلك التي أشارت إليها الباحثة آمال. هذه الأدوات تم تناولها في موضوعٍ بعنوان "ذرية ضعافا – ذرية طيبة" في منتدى د. المقريزي.
أشير إلى ذلك حتى لا نيأس من فقدان محا ضننا الأسرية الكبرى. ونستعد ونُعد المجتمع لاستقبال هذه المواليد الاجتماعية التربوية الجديدة.
وأختم حديثي بكلام للأستاذ الشيخ محمد قطب من كلام له في ندوة "دعم الفكر الإسلامي لمواجهة الغزو الفكري" المنعقدة في الرياض، أبحاث ووقائع اللقاء الثاني للندوة العالمية للشباب.
"لقد اجتهد الكتاب المسلمون وبذلوا جهدهم لتوضيح بعض المفاهيم الإسلامية. ولكنا لا نستطيع أن نزعم أن كل ميدان البحث في الإسلام قد غُطِّي، حتى الآن موضوعات ما تزال بكراً تماما لم يكتب فيها شيء على الإطلاق وهناك موضوعات كتب فيها القليل تحتاج إلى كثير جدا من التوضيح والتحديد والتفصيل هذه الموضوعات ينبغي أن نبذل جهدنا فيها. أضرب أمثلة، ولقد أجور بعض الشيء على ندوة سابقة، أو أكرر بعض ما قيل فيها لا بأس، لأن الموضوعات متداخلة.
أننا حين نتحدث في الاجتماع لا نجد كتبا إسلامية تحدثنا عن الاجتماع فننقل آراء مفكري أوروبا، إما أن ننقلها بأسماء أصحابها أو ما هو أسوأ من ذلك أن نقوم بترجمتها ثم نضع أسمائنا عليها. وأنا أضرب مثلاً في علم الاجتماع بالذات، إن الذي يُدَرَّسْ والذي يُنشر على طالب العلم في معظم بلاد العالم الإسلامي هي نظريات "دوركايم" اليهودي ونحن نقدمها إما باسم دوركايم ونمتدحها، أو يحدث أحيانا أن يجئ مؤلف ينقل آراء دوركايم وينسبها إلى نفسه، وهو في نظري أسوأ؟ لأنه يقدم باسم إسلامي هذا الفكر المضاد للإسلام.
ينبغي أن تكون لدينا نظرية اجتماعية إسلامية، وليس هذا بالأمر العسير إذا توفرنا عليه. إنّ ابن خلدون وهو سابق لنا عدة قرون كان هو أول من وضع فلسفة للتاريخ, ومبادئ لعلم الاجتماع وكثير من مفكري الغرب يعودون إلى ابن خلدون، إما ذاكرين فضله أو مستولين على أفكاره وناسبين هذه الأفكار إلى أنفسهم، نحن اليوم أولى أن نقدم نظرية اجتماعية إسلامية متكاملة."
المصدر: موقع إسلاميات.
د. يوسف محمد السعيد
اترك تعليق