مُمَهِدَاتْ... وحقيق أن تبادر المرأة المثقّفة الملتزمة الواعية فتمهد الطريق وتفتح الآفاق.

مراسيم الخطبة والزواج

مراسيم الخطبة والزواج: يضع الإسلام لكل خطوة واقعة في طريق تكوين الطفل ونشوئه نشأة سليمة أسساً واقعية

بعد عملية اختيار الزوج على أسس وموازين إسلامية نبيلة، يستمر الإسلام في التدرج مع الطفل خطوة خطوة، ويضع لكل خطوة واقعة في طريق تكوين الطفل ونشوئه أسسا وقواعد واقعية لينشأ نشأة سليمة، وما على الزوجين إلا العمل على ضوئها. قال سبحانه وتعالى: «ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجا لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة»(1). فجعل العلاقة بين الزوجين علاقة مودة وحب، وتبادل العواطف النبيلة والأحاسيس المرهفة، ومن أجل إدامة هذه العلاقة دعا الإسلام إلى ربط الزوجين بالقيم والموازين التي حددها المنهج الرباني في الحياة.
الأحكام المتعلقة بالخطبة:
الخطبة تعني مبادرة الرجل لطلب الزواج من امرأة، تبقى أجنبية عليه ما دام لم يعقد عليها عقد الزواج. وهي بداية للتعارف عن قرب ، يطلع من خلالها كل من الرجل والمرأة على خصوصيات الآخر، وخصوصا ما يتعلق بالجانب الجسدي والجمالي، لذا جوز الإسلام النظر في حدود مشروعة وقيود منسجمة مع قيمه وأسسه في العلاقة بين الرجل والمرأة. فيجوز للرجل أن ينظر إلى وجه المرأة، ويرى يديها بارزة من الثوب، وينظر إليها ماشية في ثيابها(2)، ويجوز لها كذلك، ولا يحل لهما ذلك من دون إرادة التزويج(3).
عن الإمام الصادق(ع) أنه قال: لا بأس بأن ينظر إلى وجهها ومعاصمها إذا أراد أن يتزوجها(4).
وقال أيضا: لا بأس بأن ينظر الرجل إلى المرأة إذا أراد أن يتزوجها، ينظر إلى خلفها وإلى وجهها(5).
وله أيضا جواز تكرار النظر، وأن ينظر إليها قائمة وماشية، وأن ينظر إلى شعرها ومحاسنها وجسدها من فوق الثياب(6).
وقيد الإمام الصادق(ع) ذلك بعدم التلذذ، فحينما سئل عن النظر إلى شعرها ومحاسنها قال عليه السلام: لا بأس بذلك إذا لم يكن متلذذا(7).
وخلاصة الأحكام المتعلقة بالخطبة هي جواز النظر بشرط إرادة التزويج، فمن لم ينو التزويج يكون نظره محرما، ويشترط عدم التلذذ لأنه حرام بأي حال من الأحوال.
استحباب الخطاب أثناء الخطبة:
يستحب ذكر الله تعالى أثناء الخطبة، ليحصل الارتباط به تعالى في جميع الأحوال، ويكون ذلك انطلاقا للالتزام بمفاهيم الإسلام وقيمه وتقريرها في واقع الحياة الزوجية، ليكون الوئام والحب والألفة والأنس هو الحاكم على العلاقات بعد الزواج، والخطبة المسنونة المروية عن رسول الله(ص) هي كالتالي: الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهدي الله فلا مضل له، ومن يضلل الله فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، واتقوا الله الذي تسائلون به والأرحام، إن الله كان عليكم رقيبا، اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون، اتقوا الله وقولوا قولا سديدا، يصلح لكم أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم، ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزا عظيما(8).
ليلة الزفاف:
من المتعارف عليه عند المسلمين هو إقامة مراسيم الزواج في اليوم الأول من أيام البدء الفعلي للعلاقات الزوجية بالدخول إلى بيت الزوجية، حيث يجتمع أهل الزوجين والأقارب والجيران والأصدقاء سوية، وبذلك تتهيأ الفرصة للتعارف وتمتين العلاقات الأسرية والاجتماعية، ومن السنة إقامة الوليمة في يوم الزفاف، وجمع الإخوان على الطعام وإظهار المسرة، والشكر لله تعالى، والحمد على نعمه(9). فحينما تزوج رسول الله(ص) ميمونة بنت الحارث، أولم عليها وأطعم الناس(10).
ويستحب أن يكون الزفاف ليلا، عن الإمام الرضا(ع) أنه قال: إن من السنة التزويج بالليل، لأن الله عز وجل جعل الليل سكنا، والنساء إنما هن سكن(11).
وقال الإمام جعفر الصادق(ع): زفوا عرائسكم ليلا، وأطعموا ضحى(12).
ويستحب للزوج أن يتجمل ويتنظف ويمس الطيب(13).
ويستحب تقديم شيء من المهر للزوجة، قبل الدخول(14)، فالعطاء يدخل السرور على المرأة في بداية حياتها الزوجية. ويستحب أن يكون الزوجان على طهارة، وأن يصليا ركعتين، ثم يحمدا الله تعالى، ويصليا على محمد وآله الطيبين الطاهرين(15).
وحث الإسلام على الابتداء بالدعاء ليكون أول اتصال بين الزوج والزوجة اتصالا معنويا روحيا، وليس مجرد اتصال بهيمي جسدي، فيستحب الدعاء بإدامة الحب والود: "اللهم ارزقني إلفها وودها ورضاها بي، وأرضني بها، واجمع بيننا بأحسن اجتماع وأيسر ائتلاف، فإنك تحب الحلال وتكره الحرام"(16).
ويستحب الأخذ بناصيتها، ويستقبل بها القبلة، ويخلع خفها، ويغسل رجلها إذا جلست، ويصب الماء في جوانب الدار(17).
والالتزام بذلك يخلق جوا من الاطمئنان والاستقرار والهدوء في أول خطوات اللقاء، ويدفع ما في نفس الزوجة من دواعي القلق والاضطراب، خصوصا وإن الزوجة تعيش في أول يوم من حياتها الزوجية حالة من الخوف والاضطراب النفسي، فإذا شاهدت مثل هذه الأعمال من صلاة ودعاء، فإنها ستعيش في جو روحي يبدد مخاوفها ويزيل اضطرابها، ويستحب للرجل حين الجماع أن يدعو: "اللهم ارزقني ولدا، واجعله تقيا زكيا، ليس في خلقه زيادة ولا نقصان، واجعل عاقبته إلى خير"(18).
وهذا إيحاء للمرأة وللرجل بأن العلاقة الجنسية ليست مجرد إشباع للغريزة، وإنما هي مقدمة للإنجاب والتوالد، حيث يبتدئ العلاقة «ببسم الله الرحمن الرحيم»(19)، فتكون ليلة الزفاف ليلة مباركة بذكر الله تعالى.

الهوامش:
1- الروم 30: 21.
2- المقنعة: 520: وجامع المقاصد 12: 26 - 27.
3- الكافي في الفقه: 296. وجواهر الكلام 29: 65.
4- الكافي 5: 365.
5- المصدر السابق.
6- شرائع الإسلام 4: 188. وجواهر الكلام 29: 66- 67.
7- الكافي 5 : 365 .
8- المبسوط 4: 195.
9- المقنعة: 515.
10- تهذيب الأحكام 7: 409.
11- تهذيب الأحكام 7: 418. وجامع المقاصد 12: 15 - 19.
12- تهذيب الأحكام 7: 418.
13- المقنعة: 515.
14- الوسيلة إلى نيل الفضيلة: 298.
15- تهذيب الأحكام 7: 410.
16- تهذيب الأحكام 7: 410، ومكارم الأخلاق: 208. وجواهر الكلام 29: 43.
17- الوسيلة إلى نيل الفضيلة: 313. وجواهر الكلام 29: 46.
18- تهذيب الأحكام 7: 411، ومكارم الأخلاق: 209.
19- مكارم الأخلاق: 209.


المصادر:
1- آداب الأسرة  في الإسلام: مركز الرسالة. الطبعة: الأولى، مركز الرسالة، قم، إيران، 1420.
2- تربية الطفل في الإسلام: مركز الرسالة. الطبعة: الأولى، مركز الرسالة، قم، إيران1418.


إعداد موقع ممهدات

التعليقات (0)

اترك تعليق