مُمَهِدَاتْ... وحقيق أن تبادر المرأة المثقّفة الملتزمة الواعية فتمهد الطريق وتفتح الآفاق.

الوالدية مهمة صعبة.. لكنها ممتعة

الوالدية مهمة صعبة.. لكنها ممتعة: ما معنى أن تكوني أماً أو أباً؟


تعتبر الوالدية (أي أن يكون المرء أباً أو أماً) من أهم الوظائف والأدوار التي يقوم بها الفرد في حياته، لأنّها ترتبط بحياة أفراد آخرين، يقوم الوالدان على رعايتهم وتلبية احتياجاتهم النفسية والعاطفية والفكرية، واحتياجات النمو.
فالوالدية عملية فعّالة تتطلب استخدام الأفراد القائمين عليها لمهاراتهم ومعارفهم في حماية وتغذية وتوجيه الأطفال، ضمن سلسلة من التفاعلات بينهم وبين الأبوين خلال سنوات الطفولة.
يعتقد بعض الآباء أنّ من واجبه كأب أن يجلب لأبنائه الدخل ويدفع متطلبات الحياة كالسكن والنفقات والغذاء والكساء. وتعتقد بعض الأمهات أنّ واجبها هو الإنجاب وتنظيف البيت وترتيب الملابس وإعداد الطعام، وأحياناً الإكراه على أداء الواجبات المدرسية.. ولا يدرك هؤلاء الآباء أنّهم يشتركون في ذلك مع أغلب الكائنات التي تُنجب، وتجلب الطعام لصغارها، وتحميهم من الأخطار، وأنّ هناك أدواراً أساسية حقيقة أكثر أهمية وتأثيراً في بناء أطفال أسوياء، قادرين على مواجهة الحياة، وعلى تأسيس أسر سويّة في المستقبل.
الأنماط الوالدية:
يمكن تصنيف أساليب استجابات الوالدين والتفاعل مع أطفالهم إلى ثلاثة أنواع، يكتسبها الآباء من خلال الاطّلاع والمعرفة وتلقي الردود والتعليقات من الأطفال أو البالغين الآخرين المحيطين بالأسرة، وأساليب تربية الأطفال الثلاثة هي: المتساهل والاستبدادي والواثق.
1- الوالدية المتساهلة:
تتمثل الوالدية المتساهلة في إعطاء الطفل حرية مبالغاً فيها، ولا تضع حدوداً للسلوك، ولا توفر مبادىء توجيهية يستطيع الطفل تتبعها والالتزام بالمعايير المقبولة اجتماعياً. وغالباً ما يظهر هذا النمط لدى الآباء والأمهات، الذين لا يمتلكون مهارات كافية أو تنعدم لديهم المهارات لإشباع الأطفال نفسياً، والتعامل مع سلوكهم بطرق مناسبة، والقدرة على ضبط وإدارة هذا السلوك. ويتحجج هؤلاء الآباء والأمهات بالإنشغال ويقضون مع أولادهم وقتاً أقل ضبطاً لأنفسهم، كما يعمل على تنمية السلوك العدواني وعدم الإحساس بالمسؤولية، واخفاض تقدير الذات.
2- الاستبدادية أو السيطرة:
وتتمثل في مطالبة الآباء بالسلطة الكاملة على نمط حياة أطفالهم، وفرض رقابة صارمة على تواصلهم مع الآخرين، وعدم السماح للأطفال باللعب بالقدر الكافي والتعبير عن مشاعرهم وأفكارهم تجاه الأشياء التي يفكرون فيها أو يرغبون بالحصول عليها.
ويظهر هذا النمط لدى الآباء والأمهات الذين تنعدم لديهم أساليب الرعاية الصحية للأطفال، ويهتمون بحاجاتهم وصورتهم وصورة الأسرة والأطفال أمام المجتمع أكثر من اهتمامهم بحاجات الأطفال، كما ينخفض لديهم التعبير عن الحب والاهتمام بشكل كبير، ويتصفون بالعصبية الزائدة، وعدم القدرة على إدارة الخلاف، وعدم القدرة على تقبل الآخرين، والنقد الدائم لتصرفاتهم.
ويتذرع هؤلاء الآباء بعدم تعاون الشريك أو الآخرين في تربية الأبناء، كما يتحججون بسوء أخلاق الأطفال وصعوبة ضبطهم.
ويؤدي هذا النمط من الرعاية إلى بناء أطفال أقل استقلالية، ويفتقرون إلى الإبداع والثقة بأنفسهم، كما ينخفض لديهم ضبط النفس وتقدير الذات، ويظهرون صعوبة في اتخاذ القرارات ويظهرون توافقاً اجتماعياً أقلّ.
3- الوالدية الواثقة:
يعتبر مفهوم الوالدية الواثقة عن التوازن بين الثواب والعقاب في التعامل مع الأطفال، بالإضافة إلى التوازن بين ما يقدمه الوالدان من جهود في التربية والاهتمام والدعم والحب لأطفالهما، ومطالبتهم بعدها باتباع قواعد السلوك الصحيح، وتعزيز هذا السلوك. ويظهر هذا النمط من التربية، الذي يتمّ فيه إشباع الطفل عاطفياً وعقلياً وجسدياً لدى الآباء والأمهات الذين يتسمون بالنضج، والمعرفة، والحب الواضح للحياة، والتعامل مع التربية كرسالة وطريقة لبناء أبناء أصحاء نفسياً وفكرياً وجسدياً، وليس مجرد تلبية الاحتياجات المادية وضبط السلوك، وهم في العادة آباء واثقون بأنفسهم، وتربطهم علاقات صحية كأزواج، ويمتلكون المهارات اللازمة للتعامل مع الأطفال ومع الآخرين على حدّ سواء. وينتج نمط التربية الواثقة أطفالاً ناضجين، وأسوياء نفسياً، ومتكيفين بشكل جيد اجتماعياً.
الأدوار الوالدية:
لكلّ مرحلة من مراحل حياة الأطفال احتياجات وخصوصية يجب على الوالدين فهمها وفهم كيفية التعامل معها، وتلبية الاحتياجات الخاصة بها، وتتمثل الأدوار الأساسية للوالدين في كلّ مرحلة من مراحل نمو الطفل بما يلي:
بناء الصورة:
يتعلق دور بناء الصورة بالوالدين نفسهما وليس بالطفل، ويُقصد به أن يبدأ الوالدان في وضع الصورة المناسبة لهما كأبوين، وذلك منذ اتخاذهما قرار إنجاب الطفل، وبداية الحمل حتى الولادة، حيث يبدآن تهيئة نفسيهما للعب دور الأب والأم، والتجهيز لرعاية الاحتياجات المادية والمعنوية للطفل، وتدريب نفسهما على أن يكونا أباً وأماً لأول مرّة، ومناقشة الأدوار المطلوبة منهما، والتي يتوقعها كلّ منهما لنفسه والآخر، والاستعانة بالكتب والدورات التدريبية الخاصة بالاستعداد لأن يكون الشخص أباً أو أماً.
- تلبية احتياجات الطفل (منذ الولادة-18 شهراً):
لكلّ طفل احتياجاته الخاصة التي تتطلب الاهتمام والرعاية، وبتلبية هذه الاحتياجات يتمّ بناء العلاقة الإيجابية بين الطفل ووالديه، وتبدأ تلبية هذه الاحتياجات بتقديم رسائل الحب والدعم، والتعبير عن المشاعر تجاه الطفل وإظهار الرغبة في البقاء معه، والاستمتاع بذلك، وتعزيز شعور الطفل بأنّه فرد من أسرة تحبه، وتحرص على تلبية احتياجاته.
يبدأ في هذا العمر تطوير الطفل للشعور بالأمان، والذي يكون مصدره الرئيسي قربه من والدته، وبقاءها بجانبه، ونومه في غرفتها، فيشعر بأنّها بجانبه ويمكن أن تستجيب لبكائه وحاجته إليها في أي وقت، فلا يشعر بالخوف أو الحاجة للبكاء، ويعود هذا إلى القرب المكاني للطفل من الأم حيث يمكنها الاستجابة له فور حاجته إليها، ما يعزز شعوره بالثقة والأمان، وهو ما يخفف بالضرورة من نوبات بكائه وقلقه.
- مرحلة (18 شهراً- 5 سنوات):
يبدأ الطفل في هذه المرحلة بالقيام بوظائف المشي والكلام كمهارات أساسية، وفي هذه الفترة يكون دور الوالدين رعاية نمو وتشجيع هذه المهارات، ووضع قواعد السلوك للطفل بقولهما نعم ولا، حين يطلب الطفل الأشياء، وبداية الاستعداد لانفصال الطفل عنهما، حيث يكون الأمان والدفء الذي حصل عليه في المرحلة السابقة قد هيأه للعمر الطبيعي للانفصال في غرفته الخاصة، ومن ثم في عمر الخامسة أو السادسة الاستعداد للانفصال الأهم وهو الذهاب إلى المدرسة. وفي هذه المرحلة يلعب الوضوح في توجيه التعليمات للطفل وتقديم جمل وتعليمات محددة دوراً مهماً في بناء شخصية الطفل وتحديد مدى استجابته للتعليمات والتزامه بالأنظمة.
- المرحلة (5 سنوات إلى سنّ البلوغ):
تنمو في هذا العمر مهارات الطفل اللغوية والعقلية بشكل واضح، ويبدأ بالتحول من سؤال "ماذا" إلى طرح أسئلة "لماذا" و "كيف"؟ ويتمثل دور الآباء هنا في تقديم إجابات مُرضية ومُقنعة، وعدم إظهار الضجر والتأفف من سلوك الطفل وأسئلته. كما يبدأ الطفل بتجريب القواعد والمعايير الإجتماعية واختبار الحلول للمشكلات التي تواجهه، وتحدد طريقة تعامل الوالدين مع الطفل في هذا العمر، أي نوع من الشخصيات سيكون هذا الطفل حين يكبر.
ويلعب إظهار التقدير والحبّ والإهتمام للطفل في هذا العمر دوراً مهماً في تطوير الطفل لموقف واتجاه إيجابي نحو الحياة. وتعتبر القسوة في التربية في هذه المرحلة العمرية خطأً فادحاً قد يقع فيه الوالدان لضبط سلوك الطفل، حيث تؤثر بشكل كبير في فهم الطفل للعلاقات، وربط مشاعر الوالدين تجاهه بطريقة تعاملهما معه، فيشعر أنّ القسوة تعبير عن عدم الحب، فتشعر الفتاة مثلاً أنّ محاربة الوالدين لمحاولة تجريب الملابس والإكسسوارات وطلاء الأظافر نوع من القمع والحرمان من تكريس دورها في الحياة والاعتناء بمظهرها.
- سنوات المراهقة:
يواجه والدا المراهقين تحديات أكبر من أي عمر آخر يمرّ فيه أطفالهما، حيث يبدأ في هذا العمر صراع الرغبة في التجربة، والتدريب على اتخاذ القرارات، والتعبير عن الإستقلالية، ويعتقد المراهقون هنا أنّهم قادرون على التعامل مع المواقف الصعبة بأنفسهم، وأنّ تدخل آبائهم هو نوع من فرض السلطة، لذلك يعتبر الحب والاهتمام الحقيقي وبناء علاقة الصداقة مع المراهق، هي كلمة السرّ في بناء علاقة سوية معه، تخلو من الصراعات ومحاولات الضبط الفاشلة، ويتقبل فيها المراهق والديه، ويتعامل معهما كمصدر حب ورعاية ودعم، وليس مصدر فرض سلطة، أو رغبة في الحدّ من رغباته وفرض رغباتهم هم عليه. ويلعب الوالدان دوراً رئيسياً في هذا العمر في تقديم الثقافة الجنسية السليمة للطفل، وتقديم المشورة والنصح والمساعدة في الموضوعات التي تتعلق بالجسد والنمو الجنسي وتلبية الاحتياجات النفسية وتوجيه طاقات المراهق بالاهتمام بمواهبه ورعايتها ومشاركته في الأنشطة المختلفة وتعزيز استقلاليته ومساعدته على فهم ذاته.
إنّ تجنب بعض الآباء للقيام بدور الموجه والراعي لعملية نضج الأطفال الجنسية تحديداً بدافع الخجل وعدم المعرفة، يدلّ على عدم نضج الوالدين وعدم سوية علاقتهما بأنفسهما وبأطفالهما، ويؤثر بشكل سلبي على اتجاهات الأطفال نحو هذه الأمور، وبالتالي تعاملهم معها، كما أنّ الخجل من الحديث إلى الطفل في هذه الأمور ومنعه من الحديث فيها يرتبط بمستويات متدنية من تقدير الطفل لذاته ولعلاقته بوالديه.
شروط الوالدية الإيجابية:
إنّ الأبوة والأمومة الإيجابية هي الرعاية والمحبة والعلاقة الداعمة التي يقدمها كلا الوالدين، وتقوم أساساً على التحول من نموذج قائم على الخوف والمُساءلة في العلاقة الوالدية إلى النموذج القائم على الحب، وهي التي تهدف إلى تنمية الطفل روحياً ونفسياً وعقلياً على المدى البعيد، أي التي يفكر من خلالها الآباء في الكيفية التي سيكون عليها أطفالهم مدى الحياة، وكيفية إدارتهم لهذه الحياة والعلاقات.
ومما يساعد الوالدين على تحقيق ذلك:
- السعادة والإنسجام بين الأب والأم، وظهورها هذا الانسجام الحقيقي أمام الأطفال.
- السعي للحصول على المهارات الوالدية، وتلقي التدريب على المهارات التي يفتقر إليها الآباء في التعامل مع الأبناء. وعدم استخدام أساليب الأجداد أو التذرع بعدم المعرفة أو الخجل أو صعوبة المهمة.
- الحفاظ على الانسجام بين الآباء والأبناء، والتعبير الدائم لفظياً وجسدياً عن الحب والاهتمام ومتابعة مشكلاتهم وأحاديثهم والاستماع لها باهتمام، وقضاء الوقت النوعي معهم، وعدم التذرع أو الاعتقاد بأن الجلوس مع الأطفال في البيت طوال النهار مع الإنشغال عنهم هو وقت حقيقي يقضيه الآباء مع الأبناء.
- السماح للأطفال باستكشاف الجديد وتجريب أشياء  لتعزيز ثقتهم بأنفسهم، ما يساعدهم على تطوير مهارات اتخاذ القرارات.
- مراقبة الآباء سلوكياتهم  ومواقفهم ومعتقداتهم فهي تؤثر بشكل كبير في تطوير الطفل.
- الوضوح في التعليمات المطلوبة من الأطفال وتحديدها بشكل دقيق، ومساعدتهم على الالتزام بها، وجعلها بحدود المنطق والمقبول، من دون تعجيز أو تضييق.
- مساعدة الأطفال على أداء واجباتهم الدراسية وخصوصاً في مرحلة التأسيس وتقديم الدعم لهم.
الأبوة والأمومة ليست مهمة سهلة، ولكن الحب والوعي والإيجابية والنضج يجعلها مهمة ممتعة، ويزود الوالدين بالصبر والقدرة على فهم وتلبية احتياجات الأبناء، وبناء أطفال أسوياء وإيجابيين.


المصدر: مجلة المرأة اليوم، العدد 601.


 

التعليقات (0)

اترك تعليق