مُمَهِدَاتْ... وحقيق أن تبادر المرأة المثقّفة الملتزمة الواعية فتمهد الطريق وتفتح الآفاق.

طليقك لا تردّيه وبالود والغفران قابليه

طليقك لا تردّيه وبالود والغفران قابليه

اضطر سيف محمد لإنهاء علاقته الزوجيّة التي استمرت 18 عاماً واللجوء إلى أبغض الحلال وهو الطلاق، فكلنا يعلم أنّ هذه الكلمة هي إعلان عن نهاية حياة كاملة بعد أن كانت تفيض بالسكن والمودة والرحمة، هذه الكلمة التي قد ينطق بها البعض في لحظة غضب أو بعد أن يفيض به الكيل، وأحياناً أخرى متوهماً أنّ الزواج بأخرى هو إعلان عن حياة جديدة وعودة بالعمر للوراء.
وفي بعض الأحيان تطلبها الزوجة بعد أن تصل العلاقة بينها وبين الزوج إلى طريق مسدود، وعندها لا مفرّ من النطق بحكم الطلاق، وبعد هذه الكلمة من المعروف أن الزوجين السابقين "المطلّقين حالياً" يكاد لا يطيق أحدهما أن ينظر في وجه الآخر وتنقطع كل العلاقات، وتعلن الحروب، وتفشل معاهدات السلام كافة، وتبدأ رحلة المطالبة بنفقة الأطفال ومؤخّر الصداق وما إلى ذلك من مفردات الطلاق.
لكن الغريب والمدهش في الأمر أنه وبعد وقوع الطلاق ومرور فترة من الوقت، وبعد أن تهدأ النفوس يبدأ الحنين بالعودة، تماماً كما حدث مع سيف، الذي على الرغم من مرور سنوات عدة من زواجه من فاطمة، إلا أنه انفصل عنها، ورفضا الإدلاء للمحيطين بهما بأي تصريحات حول أسباب طلاقهما، وفي الوقت ذاته بدأ سيف يفكّر مؤخراً في العودة إلى فاطمة مبرراً ذلك بالحنين إلى "أم عياله".
"كل الأسرة" قامت بهذه الجولة بين بعض المطلقين لسؤالهم عن أسباب الحنين للعودة إلى طليقته وماهية تفاصيل حياته الحاضرة والماضية، لتجد أنّ ثمة محورين يتجاذبان المسألة، وهما المسببات من وراء الحنين والقناعة بضرورة العودة إلى الشريكة السابقة مقابل آلية التطبيق التي قد تنجح في تجاوز الأخطاء السابقة حتى يتحقق فعل العودة عملياً.
تمثل حالة سيف "موظف، 43 عاماً" نموذجاً واقعيّاً للفكرة، والسبب هو أنه تزوج عن حب، وأنجب أربعة أبناء، الأول يعمل في شركة أجنبية بعد تخرجه من إحدى الجامعات المعروفة على مستوى الدولة، والثاني ما زال على مقاعد الدراسة في إحدى كليات التقنية، أما الثالث والرابع فهما في مرحلة الثانوية، وبعد كل هذه السنوات قام بتطليق زوجته، بعد أن تراكمت الخلافات بينهما في سنوات زواجهما الأخيرة، لأسباب يفضل عدم ذكرها.
وفي هذا السياق يقول سيف: "لم يكن أمامي في النهاية سوى الطلاق، فقد ظللت بعيداً عن بيتي وأبنائي لمدة أربعة أعوام، تعرفت خلالها على إحدى النساء وتزوجتها، إلا أن حياتي معها لم تكن كما تصورتها لحظة ارتباطي بها، فقد أوقعتني في غرامها بعد أن تعرفت عليها في عملي، وكانت هي السبب في هدم بيتي وحياتي".
ويضيف: إنّ بعدي عن أبنائي أثرّ كثيراً في حياتهم، ما دفعني إلى اتخاذ قرار العودة من أجلهم والذي نال قبول مطلقتي السابقة على الفور، في حين رفضت زوجتي الثانية، الأمر الذي دفعني إلى "تخييرها البقاء على ذمتي بوجود أم عيالي أو الانفصال"، إلا أنها أصرت على الطلاق الذي لم أتردد فيه لأجل العودة إلى حياتي السابقة، لقد ندمت كثيراً، ولكني حمدت الله، وقد أصبحت أكثر راحة واستقراراً بعد أن تراجعت عما فعلت.
حبيبتي وصديقتي:
حالة سالم هادي "رجل أعمال، 39 سنة" شبيهة بأحداث قصة سيف الذي وبمجرد سؤاله عن علاقته بزوجته التي طلقها في السابق، قال سالم: "حصة حبيبتي وصديقتي وأم أولادي، ولا أستطيع الاستغناء عنها مرة أخرى، فعلاقتنا الزوجيّة الآن قائمة بعد مرور ست سنوات من القطيعة والطلاق. ولا أنسى موقف "حصة" معي حينما زارتني قبل سنتين وأنا "راقد" في أحد المستشفيات للاطمئنان علي، الأمر الذي زاد من درجة شوقي وحناني لها، والإصرار على إعادتها إلى عصمتي ولم تتردد حصة". وقد سبق لسالم وصرح أن فشل زواجه في البداية مع "حصة" يرجع إلى عقليته العاشقة للسيطرة، الأمر الذي أدى إلى قتل الحب بينهما، خاصة وأنّ حصة كانت امرأة شديدة الاعتزاز بنفسها وشخصيتها.
نضج المطلقين:
ما يتلمسه جاسم محمد "موظف، أعزب" على أرض الواقع هو عدول بعض الرجال عن قرار الاستمرار في طريق الطلاق خير دليل على النضج والتحضر، قائلاً: "يعد حنين خالي وسعيه إلى إعادة زوجته السابقة بعد مرور ثلاثة أشهر على انفصاله، تصرفاً واعياً، لأنه لم يفكّر مطلقاً في "الخناقات" التي سبقت الطلاق، فهو ورغم انفصاله لفترة قصيرة، إلا أنه استغل هذه الفترة للتفكير ملياً في ظروف طلاقه الذي عدل عنه بعد ذلك بالعودة إلى طليقته "أم طفليه" والتي لم يعلم أحد منّا حتى الآن ما الذي حدث بينها وبين خالي! وتمّ الطلاق في صمت وهدوء، وعادا مرة أخرى لمتابعة حياتهما الزوجيّة في ظل وجود طفليهما اللذين لم يكن لهما ذنب في أن يكبرا في جو ملغم، فحتى الآن هو وزوجته شريكان جميلان، يتشاركان في حياتهما بحب ويقدم كل منهما للآخر الدعم النفسي دون الاكتراث لنظرات وأقاويل من يحيط بهما".
الحبيبة الأولى:
بدوره، يؤيّد صلاح المحمدي "موظف، أب لطفلين" قرار الرجال بالعودة إلى مطلقاتهم، قائلاً: "مهما كانت الأسباب التي تدفع الرجل إلى الانفصال، إلا أنّ الحنين إلى الحبيبة الأولى "الزوجة" في حياة الرجل يُعد من العوامل المؤثرة في قراره بالعودة إليها".
مشيراً إلى أنه لن يبقى للرجل في النهاية سوى طليقته لأنّ المتعارف عليه أنّ نساء هذا العصر يختلفن كثيراً عن نساء الماضي، ويتسمن بقسوة القلب، ولا يقدرن معاني العشرة الزوجية والمحافظة عليها.
وجهة نظر نسائيّة:
أما أم حمدان "موظفة، وأم لثلاثة أطفال"، فترى أنّ الأولاد في مقدمة الأولويات لدى الزوجة، فهي الأكثر حرصاً على مستقبلهم وتحقيق الأمان لهم، مع الأخذ في الاعتبار أنّ المرأة في وقتنا الحاضر تختلف عما كانت عليه في الماضي، فقد أصبحت تمارس أدوار متعددة في المجتمع، وفي حال قررت المطلقة العودة إلى زوجها يكون الأبناء هم السبب الأقوى في قرار العودة إلى طليقها، كما يبقى للعشرة والذكريات المشتركة دور في ذلك".
اعترافات نسائيّة:
يبدو أنّ رأي أم مصطفى "ربّة منزل" حول الدوافع التي تؤدي بالرجل إلى الانفصال، وقبول المرأة للعودة إليه مرة ثانية، فيه كثير من الرفض من وجهة نظرها، فهذه المرأة تزوجت في عام 1986 بعد انفصالها عن زوجها الأول الذي تزوجته وهي في عمر الـ (15) عاماً، واستمرت معه ثماني سنوات، تطرح رؤيتها حول الموضوع، مضيفة: أن حب التملك الذي يشعر به الرجل تجاه طليقته، هو من العوامل التي تجعله يرغب في العودة إليها، كما يلعب عامل العشرة دوراً في ذلك، فعلى سبيل المثال عندما انفصلت عن زوجي الأول لأسباب لا أستطيع البوح بها، وبمرور الوقت، بات يصرح لابنتي أنه افتقد الاحترام والالتزام والجوانب الطيبة التي كنت أتحلى بها تجاه أسرتي.
الأولى تحلى:
يعلّق أحمد عبيد "موظف" ضاحكاً: "عندما يطلق الزوج زوجته، ويبدأ حياته مع امرأة أخرى، فإنه يعيش في حالة مقارنة دائمة بين الاثنتين، وكثيراً ما تأتي المصلحة للمرأة الأولى تطبيقاً للمثلين الشعبيين "الأولى تحلى" و"ما بتعرف خيري إلا لما تجرب غيري". فعندما يتخذ الزوج قرار طلاق زوجته الأولى، تكون لديه غالباً رغبة في التجديد، ويتصور أنّ حياته الجديدة ستكون أكثر حيويّة وهدوءاً، ولكن بعد مرور الوقت سرعان ما يكتشف الأوهام التي عاش فيها، وأنّ الزوجة الأولى هي الأفضل بالنسبة إليه".
أعادها إلى عصمته بعد مرور 23 سنة من الانفصال:
بعد 23 سنة من طلاقه لزوجته، وتزوج من ثلاث نساء، عاد أحد الأزواج إلى زوجته الأولى، هذه القصة الواقعيّة يرويها جاسم محمد المكي "رئيس قسم التوجيه والإصلاح الأسري في محاكم رأس الخيمة"، قائلاً: استقبلت حالة لزوج طلق زوجته بعد تزايد حدة المشكلات بينهما، وبعد أن أنجب ثلاث بنات وولداً، قام بتطليقها، وبعد مرور 23 سنة على تطليقه إياها، فاجأنا برغبته في إعادتها إلى عصمته مرة ثانية على الرغم من زواجه بثلاث نساء، وتلاشت الخلافات التي اقتحمت حياتهما في فترة الزواج الأولى، وها هما يعيشان مع أولادهما في منزل واحد".
وفيما يتعلق بالأسباب التي تدفع الرجل إلى العودة لزوجته السابقة أهمها، كما يقول المكي: "إدراك الرجل بعد مرور وقت على انفصاله للأخطاء التي وقع فيها، إضافة إلى أنّ الإحساس بالشوق والحنين والذنب تجاه شريكة عاشت معه فترة زمنية "على الحلوة والمرة"، والخوف على الأبناء في حال كان لديه أبناء، كما يعد اكتشاف الرجل بعد تطليقه لزوجته السابقة عدم التوافق والسعادة مع امرأة أخرى رغبة في أن يجدد حيويته وشبابه لكنه وبمرور الوقت يكتشف أنّ هذا الأمر مجرد حلم يستحيل تحقيقه".
ويؤكّد: أن موافقة المرأة على العودة لطليقها ناجمة عن خوفها من أن تحمل لقب مطلقة في ظل مجتمع لا يرحم، والحرص على حماية أبنائها، فهي تقبل بكل ذلك حرصاً على إعادة التوازن في حياتها الأسرية.
ويستدرك فجأة حديثه، بالقول: في كل الحالات يكون الزوجان، قد تعلما شيئاً ما من تجربة انفصالهما السابقة، وهو ما يجعلهما أكثر وعياً في تجنب المشكلات التي تؤرق أحدهما، والحرص الشديد على عدم إعادة تلك التجربة "المرة".
مبادرة حنين:
لم يفت الجهات المجتمعيّة تداعيات الطلاق وأخطاره على أفراد المجتمع، وبالأخص مسألة رغبة أحد أطراف القضية في العودة إلى الحياة الزوجية، وإعادة ترسيخ الاستقرار فيها، إذ أطلقت جمعية النهضة النسائية في دبي مبادرة حملت اسم "حنين للعودة"، تقول عفراء الحاي "مدير مركز الاستشارات والتدريب في جمعية النهضة النسائيّة في دبي": إنّ الطلاق مشكلة تحمل طابع الخصوصيّة، وفي الوقت ذاته يتعدى تأثير الفرد ليشمل المجتمع ككل، فأطراف العلاقة المتضررة من الطلاق يلحقهم الأذى النفسي والمعنوي لفترات طويلة، مما يترتب عليه خلل في التركيبة الشخصية لبعض أفراد المجتمع، وقد أضحت ظاهرة الطلاق مشكلة واضحة في مجتمعاتنا العربية حتى وصلت نسبته في بعض الدول إلى 47% معظمها بين الشباب، وتتم خلال السنة الأولى من زواجهم.
وتضيف: "من هنا كان من الضروري التصدي لهذه المشكلة ومحاولة وضعها في إطارها العملي الصحيح تمهيداً لطرح حلول تخفيف نوعاً ما من نسبة الطلاق التي زادت في الآونة الأخيرة وإيجاد الحلول المناسبة لتفادي هذه المشكلة".
وتتابع: إنّ الجمعية طرحت مبادرة "حنين للعودة" والتي نهدف من خلالها إلى العمل جديّاً للتخفيف من مشكلة الطلاق والهجران وإيجاد الحلول المناسبة ومحاولة لمّ الشمل وإصلاح ذات البين، والعمل على استقرار الحياة الزوجيّة في المجتمع بشكل عام وفق الأسس والضوابط الشرعيّة، وامتثال الأسرة للقيم الإسلاميّة والاجتماعية الصحيحة التي تسهم في إيجاد بيئة صالحة لإعداد جيل صالح".
وتؤكّد: "لمعرفتنا بحساسية مناقشة أمور الحياة الزوجية ومشكلاتها في مجتمعنا، ونظراً لارتباطها بمفهوم العيب والخطأ، فإننا أردنا أن تكون هذه المبادرة ساحة للحوار والنقاش في إطار الحدود والضوابط الشرعية، لذلك وجدت هذه المبادرة كمساهمة في فتح الباب لمناقشة هذه القضايا، وإيجاد الحلول لها، وتفاديها بعد أن يكون قد مضى على الطلاق أو الهجران أو الفراق فترة من الزمن، وهدأت الأنفس وأصبح الزوجان قادرين على التبصر والاستيعاب لحياتهما الزوجية وما يعتريها من آثار سلبية عليهما وعلى أولادهما، نتيجة لهذا القرار الخاطئ الذي تم اتخاذه، وهنا يصبح من السهل فتح الحوار حول العودة لأنّ النفوس طيعة وهادئة ومشتاقة".
وتضيف: إنّ القائمين على المبادرة هم من المستشارين الأسريين ذوي خبرة وكفاءة عالية في مجال الإرشاد الأسري والزوجي.
وحول طموحات المبادرة، تقول: "تحقيق رؤية 2012 في إيجاد مجتمع متلاحم متمسك بهويته وينعم بأفضل مستويات العيش في بيئة معطاءة مستدامة، وتعتبر المبادرة الأولى على مستوى الدولة في محاولة لم شمل الأسرة وإعادة الحياة إليها من جديد بعد الإعلان الرسمي للطلاق، وزيادة الوعي الاجتماعي المتعلق بالحياة الزوجية ومعالجة بعض المفاهيم الخاطئة والمتعلقة بعدم الإلمام الكامل بالقواعد الشرعية والاجتماعية لهذا الرباط المقدّس، والتقليل من نسب الطلاق في المجتمع الإماراتي، وأن تتبنى المبادرة العديد من الجهات لمحاولة ترسيخ مفهوم الاستقرار الأسري في مجتمع الإمارات".
الأسباب النفسية:
ترصد الدكتورة أمينة الماجد "استشارية أسرية ونفسية"، الأسباب النفسية التي تدفع الرجل إلى اتخاذ قرار العودة إلى زوجته السابقة، بالقول: "بغض النظر عن المسببات التي دفعت الرجل إلى تطليق زوجته، إلا أنّ الأهميّة تكمن في النتيجة المتمثلة في العودة إلى طليقته، ومن أسباب هذه النتيجة اكتشاف الرجل لطيبة أخلاق زوجته السابقة وحنانها واتسامها بالزوجة الصالحة والمؤدية لواجباتها الزوجية والأسرية، حتى أنّ طريقة انفصالها عنه كانت راقية جداً، ولم تتسبب في جرح مشاعره وخدش كرامته وتشويه سمعته، ومن هنا يجد الرجل أنّ زوجته السابقة إنسانة مسالمة ولم تؤذه لذا نجده بدأ يحن إلى شخصيتها وحبها له والذكريات الجميلة التي جمعته بها".
وتؤكّد: "إنّ مسألة وجود أبناء بين الزوجين، ليست السبب وراء عودة الرجل إلى طليقته السابقة، فهنا قد تكون الزوجة سيئة الطباع ولن يعود الرجل إليها نتيجة كرهه لها، إذ توجد فئة من النساء لا تملك العاطفة وتتسم بقسوة القلب وسلاطة اللسان التي لا يتحملها أي رجل".
وتوضح: هناك فئة من الرجال قد تتزوج بعد طلاقها، ولكنها تكتشف بأنّ الزوجة الجديدة غير قادرة على احتمال طباعها السيئة، كما فعلت الزوجة السابقة، وهنا قد تطبق هذه الفئة المثل الشعبي في حياتها "ما بتعرف خيري إلا لما تجرب غيري".


المصدر: مجلة كل الأسرة، العدد: 1002.



 

التعليقات (0)

اترك تعليق