مُمَهِدَاتْ... وحقيق أن تبادر المرأة المثقّفة الملتزمة الواعية فتمهد الطريق وتفتح الآفاق.

صلة الرحم في الإسلام

صلة الرحم في الإسلام

أمر الإسلام بأن يصل كل مسلم رحمه وشجع على ذلك بعدة مُرغبات لها علاقة بجملة من الجوائز لمن يصل رحمه في الدنيا والمقام الرفيع في الآخرة، والإسلام عندما طلب منا أن نصل رحمنا إنما يفعل ذلك انطلاقاً من المنظومة الإسلاميّة التي تسعى لتأسيس مجتمع متكامل متضامن متكافل مجتمع الأمة الواحدة التي تدعو إلى العمل معاً في سبيل خير الإنسانية، وقد ورد في ذلك قول الله سبحانه وتعالى:
«أَفَمَنْ يَعْلَمُ أَنَّمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ الْحَقُّ كَمَنْ هُوَ أَعْمَى إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُواْ الْأَلْبَابِ * الَّذِينَ يُوفُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَلَا يَنْقُضُونَ الْمِيثَاقَ * وَالَّذِينَ يَصِلُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ وَيَخَافُونَ سُوءَ الْحِسَابِ»(1). لقد اعتبر الله عز وجل أنّ أولوا الألباب هم الذين يجهدون لصلة ما أمر الله سبحانه وتعالى به أن يوصل، ومن ما أمر الله به أن يوصل هو الرحم، فقد ورد عن الإمام الصادق(ع) في تفسير قوله: «وَالَّذِينَ يَصِلُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ وَيَخَافُونَ سُوءَ الْحِسَابِ» أنه قال: "من ذلك صلة الرحم وغاية تأويلها صلتك إيانا"(2).
فاعتبر الإمام الصادق(ع) أنّ ما أمر الله سبحانه وتعالى أن يوصل أمور كثيرة منها صلة الرحم وغايتها العظمى صلة أهل بيت النبوة(ع).
وفي مجال آخر اعتبر الله سبحانه وتعالى أنّ من تقوى الله أن نصل رحمنا فربطها فيه وقال في كتابه الكريم:
«يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً ۚ وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ ۚ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا»(3).
وقد ورد في تفسير هذه الآية عن الإمام الصادق(ع) قوله:
"هي أرحام الناس، إنّ الله عز وجل أمر بصلتها وعظّمها، ألا ترى أنه جعلها معه"(4).
وكثيرة هي الأحاديث التي حثّت على صلة الرحم وليس المجال واسعاً للحديث عنها بالتفصيل، ولكن يجب أن يعرف كل منا أن صلة الرحم من الأفعال التي يعجّل الله سبحانه وتعالى ثوابها في الحياة الدنيا فقد ورد عن الإمام الباقر(ع) قوله:
"قال رسول الله(ص): "إن أعجل الخير ثواباً صلة الرحم"(5).
من هم الرحم؟
الرحم هم كل من ارتبط بنا بعلاقة نسبية أصلها الرحم ولذا نُسبت إليه، وهم الآباء والأبناء والأجداد والإخوة وأولادهم والأخوات وأولادهم والأعمام وأولادهم والعمات وأولادهم والأخوال وأولادهم والخالات وأولادهم، فكل هؤلاء من الأرحام، وقد ورد في مجمع البحرين ما نصه: في الحديث: "صلوا أرحامكم، جمع رحم وهم القرابة، ويقال على من يجمع بينك وبينه نسب، وقيل من عرف بنسبه وإن بَعُد"(6).
كل هؤلاء يجب صلتهم ولا يجوز قطعهم وهم موضوع الآيات والروايات الواردة في مسألة صلة الرحم أو قطيعته.
صلة الرحم قوة للإنسان:
من المُسَلم به أن صلة الرحم تشكل عنصر قوة وتضامن في داخل العائلة الواحدة، وهذا ما يساعد على التكامل والتآزر والتعاون بين أفرادها ما يساهم في قوة المجتمع ككل مقدمة لقوة الأمة وتماسكها.
وقد ورد في ذلك ما رُوي عن أمير المؤمنين علي(ع) حيث قال: "وأكرم عشيرتك، فإنهم جناحك الذي به تطير، وأصلك الذي إليه تصير، ويدك التي بها تصول"(7).
إنّ أمير المؤمنين علي(ع) يدعونا لإكرام عشيرتنا لأنه بهم نحقق غاياتنا ونصل إلى أهدافنا، ومن دونهم نضيع ولا نصل إلى مكان.
تكبّد المشاق لأجل صلة الرحم:
صلة الرحم مثلها مثل كل الواجبات الشرعية التي قد لا يستطيع الإنسان القيام بها إلا من خلال تكبّد مشاق وتحمّل صعاب، فإذا احتاج قيامنا بأداء واجبنا تجاه أرحامنا أن نسير مسافات طويلة، أو السفر إلى بلاد بعيدة، فإنه يجب ذلك من الناحية الشرعية، ولا يجوز مع القدرة أن نتذرع بالمشقة غير المحتملة لترك أداء الواجب. فقد رود عن رسول الله(ص) قوله: "أُوصي الشاهد من أمتي والغائب منهم ومن في أصلاب الرجال وأرحام النساء إلى يوم القيامة، أن يصل الرحم وإن كان على مسيرة سنة، فإنّ ذلك من الدين"(8).
فصلة الرحم وصية الرسول إلينا إلى يوم القيامة والتي يجب أن لا تترك ولا تضيع حتى لو احتاج أداؤها إلى أن نسير مسافة سنة، وما ذلك إلا لأهميتها عند الله سبحانه وتعالى ولما فيها من مصلحة للمجتمع والأمة.

الهوامش:
1- سورة الرعد، الآيات: 19- 21.
2- بحار الأنوار، جزء 23، ص 268.
3- سورة النساء، الآية: 1.
4- بحار الأنوار، جزء 71، ص 97.
5- بحار الأنوار، جزء 71، ص 121.
6- مجمع البحرين، جزء 2، ص 160.
7- بحار الأنوار، جزء 71، ص 105.
8- بحار الأنوار، جزء 71، ص 105.

المصدر: مشاكل الأسرة بين الشرع والعُرف، الشيخ حسان محمود عبدالله. ط1، دار الهادي، 1428هـ- 2007م.

التعليقات (0)

اترك تعليق