مُمَهِدَاتْ... وحقيق أن تبادر المرأة المثقّفة الملتزمة الواعية فتمهد الطريق وتفتح الآفاق.

آثار صلة الرحم

آثار صلة الرحم على الفرد والمجتمع

صلة الرحم هي ككل الواجبات التي تتعرض للعلاقات الإنسانية والاجتماعية، تؤدي إلى آثار إيجابية على الشخص القائم بها كما المجتمع الذي يعيش فيه، وأهم هذه الآثار الإيجابية هي:
1- صلة الأرحام تزكّي الأعمال:

من الأمور التي تنعكس إيجاباً على من يصل رحمه أنها تُساهم في تزكية أعماله، فقد ورد عن الإمام الباقر(ع) قوله: "صلة الأرحام تزكّي الأعمال وتنمي الأموال، وتدفع البلوى، وتيسّر الحساب، وتنسئ في الأجل"(1).
ومعنى تزكية الأعمال زيادتها وزيادة أجرها عند الله سبحانه وتعالى: فالزكاة معناها النماء والتزكية التنمية بمعنى الزيادة.
2- صلة الأرحام تنمي الأموال:
بالرجوع إلى حديث الإمام الباقر(ع) نجد أنه قال أيضاً: "... وتنمي الأموال.." وعليه فإنّ صلة الرحم تساعد في تنمية الأموال، فحيث إنّ الرزق من عند الله سبحانه وتعالى هو الذي يقدّره فإنه يمكن أن يزيد لنا في قدره عند قيامنا ببعض الأعمال، ومن هذه الأعمال التي تساهم في تنمية أعمالنا صلة الرحم، فلو قدر الله سبحانه وتعالى في علمه أن لنا من الرزق ألفاً ثم قمنا بصلة أحد أرحامنا فإنّ الله سبحانه وتعالى يمكن أن يجعل الألف ألفان جراء هذا العمل. وضمن هذه النظرية لا يعود لأحد أن يقول إنني لا أستطيع صلة رحمي لأن ذلك يكلفني مالاً ثمناً لهدية آخذها معي، أو أجرة طريق أغرمها لأصل إليه في المكان البعيد الذي هو فيه. بل إنّ ما تدفعه في هذا السبي سيعود إليك أضعافاً مضافاً إليه الأجر العظيم الذي وعد به الله سبحانه وتعالى.
3- صلة الأرحام تدفع البلوى:
بالرجوع إلى حديث الإمام الباقر(ع) نجد أنه قال أيضاً: "... وتدفع البلوى..." ومن المعروف أنّ هناك أعمالاً كثيرة تؤدي إلى رفع بلاء مقدّر على عبد نتيجة قيامه بعمل جيد طلبه الله سبحانه وتعالى من مثل الصدقة مثلاً التي ورد أنها تُطفئ غضب الرب وأنها تدفع البلوى، فكذلك فإنّ صلة الرحم إذا ما قمنا بها قربة إلى الله سبحانه وتعالى بنية مخلصة تؤدي إلى دفع البلاء المقدر والمحتوم علينا، ونحن ننصح في حالات البلاء أن يقوم الإنسان المبتلى بزيارة أرحامه فلعل ذلك يكون سبباً إما إلى رفع البلاء، أو على الأقل إلى اللطف فيه.
4- صلة الأرحام تيسر الحساب:
بالرجوع إلى حديث الإمام الباقر(ع) نجد أنه قال أيضاً: "... وتيسر الحساب..." ومن المعروف أنّ أصعب ما يمر على الإنسان في يوم القيامة هو الحساب الذي وصفه الله سبحانه وتعالى في كتابه الكريم بقوله: «يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ ۚ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ * يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَىٰ وَمَا هُمْ بِسُكَارَىٰ وَلَٰكِنَا عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ»(2). إنّ هكذا وضع وصفه الله سبحانه وتعالى بأنه مزلزل يحتاج إلى ما يساعد على تخطيه، أو يساهم في تيسيره علينا، وصلة الرحم من الأمور التي تساهم في تيسير الحساب علينا لذا يجب أن لا نتهاون في أداء هذا الواجب حتى لو كان أثره فقط هذا الأمر لكفى في بذل كل الجهد لتحصيله فكيف وهو واحد من أمور كثيرة.
5- صلة الأرحام تنسئ في الأجل:
بالرجوع إلى حديث الإمام الباقر(ع) نجد أنه قال أيضاً: "...وتنسئ في الأجل..." فبدل أن يكون عمرك خمسون سنة مثلاً فإنك من خلال المواظبة على صلة الرحم فإن ذلك سيؤدي إلى أن يمنّ الله عليك الأجل وبمعنى آخر زيادة العمر. وقد ورد في ذلك قول أمير المؤمنين علي(ع) أنه قال: قال رسول الله(ص): "إنّ الرجل ليصل رحمه وقد بقي من عمره ثلاث سنين، فيصيرها الله عز وجل ثلاثين سنة، ويقطعها وقد بقي من عمره ثلاثون سنة فيصيرها الله ثلاث سنين ثم تلا: «يَمْحُو اللّهُ مَا يَشَاء وَيُثْبِتُ وَعِندَهُ أُمُّ الْكِتَابِ»(3).
وهذا الحديث عن الرسول(ص) دليل واضح على أنّ الله يُطيل عمر واصل رحمه وقد أبرم حتفه، في حين أنه ينقص من عمر قاطع رحمه وقد كان قد أبرم أنه ما زال له بقية من عمر كانت له لو أنه كان واصلاً لرحمه قائماً بواجبه.
ومن المعروف من الناحية الشرعية أنّ الأجل كما الرزق مكتوب أيضاً عند الله سبحانه وتعالى وفي علمه وليس للإنسان دخالة في تطويل مدة عيشه، أو تقصيرها وقد نصّ القرآن الكريم على ذلك بقول الله سبحانه وتعالى: «قُل لاَّ أَمْلِكُ لِنَفْسِي ضَرًّا وَلاَ نَفْعًا إِلاَّ مَا شَاء اللَّهُ لِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ إِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ فَلاَ يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلاَ يَسْتَقْدِمُونَ»(4). فحيث إنّ الأجل بيد الله سبحانه وتعالى وهو وعد بأن يطيل عمر من يقوم بواجب صلة الرحم فعلينا أن لا نتوانى عن ذلك كي لا نفوت هذا الأجر علينا.
6- صلة الأرحام تهون سكرات الموت:
من الأمور التي تحدثت عنها الروايات مشعرة بصعوبتها وقسوة معاناتها ما ورد في العذاب الذي يحصل للإنسان عندما يواجه الموت، أو ما اصطلح على تسميته بسكرات الموت، فإنّ هذه الساعة عصيبة جداً لأنّ المحتضر يكون في حالة مواجهة مستقبل مجهول لا يعرف عنه شيء ويخاف أن يكون مصيره جهنم والعذاب، وهو في نفس الوقت يعاني من تركه للدنيا ولكل ما أحب وعاش معه طويلاً وعندما يواجه ملك الموت سيعاني من حالة رعب وخوف شدديدين ومهما حاولت أن أصف فلن أستطيع أن أصف تلك اللحظات المسماة سكرات الموت أعاننا الله سبحانه وتعالى على مواجهتها بقلب ونفس مطمئنين.
المهم أنّ هذه الحالة الصعبة ممكن أن تكون هينة على البعض، أو تسهل عليه بعض الشيء ويكون ذلك من خلال قيامه ببعض الأعمال الواجبة أو المستحبة، ومن الأعمال التي تساعد في تخفيف سكرات الموت صلة الرحم وقد ورد في ذلك ما رواه الإمام الصادق(ع) حيث قال: "فيما كلم الله تعالى به موسى(ع)، قال موسى: إلهي فما جزاء من وصل رحمه؟ قال: يا موسى أنسئ له أجله وأهون عليه سكرات الموت، ويناديه خزنة الجنة: هلم إلينا فادخل من أي أبوابها شئت"(5).
إنّ الأهوال التي نجا منها من وصل رحمه كبيرة ومهولة ومع ذلك لم يقف الأمر عند هذا الحد، بل إنّ الله سبحانه وتعالى قال له: إنه يستطيع الدخول من أي باب من أبواب الجنة يريد وهذا في حد ذاته مكافأة عظيمة وأجر كبير يستأهل أن يسعى له الإنسان المؤمن.
7- صلة الأرحام تقي ميتة السوء:
كما أنّ سكرات الموت صعبة جداً فكذلك هناك أنواع من الميتات تكون صعبة ومُذلة، فمن الناس من يموت ميتة لا يعاني فيها أبداً وتكون في حالة مشرفة في حين أن البعض الآخر يموت في حالة صعبة وبعد نزاع قاسٍ ومع ذلك تكون الميتة غير شريفة وسيئة كمن يموت مثلاً في مكان سيئ، أو ترمى جثته حتى تتعفن من دون أن تدفن، أو أي نوع من أنواع السوء في ظروف وحيثيات الموت المحيطة، في حين أن واصل رحمه كما تُبين الأحاديث ينجو من ميتة السوء، فقد ورد عن أمير المؤمنين علي(ع) أنه قال: قال رسول الله(ص): "صلة الرحم تهون الحساب وتقي ميتة السوء"(6).
كيف نصل أرحامنا:
بعد كل ما تحدثنا به حول موضوع صلة الرحم والأجر المترتب عليها يتبادر إلى الذهن سؤال طبيعي وهو: ما هي الحدود التي يكون معها الإنسان واصلاً لرحمه ولا يكون قاطعاً لها؟ والجواب أنّ صلة الرحم تكون بكل ما يؤدّي إلى إرضاء الرحم وعدم انزعاجه من قطيعته بحسب المتعارف أو ما اعتادا عليه.
وللتفسير نقول إنه قد يكون هناك طريقة اعتاد عليها الرحم مع رحمه كان يزوره مرة في الأسبوع على سبيل المثال، فيصبح التخلف عن هذه العادة إذا ما أزعج الآخر ولم يكن هناك مانع يمنعه من ذلك يعتبر بمثابة إساءة وقطيعة للرحم بشرط أن يصبح عادة جديدة لا أن يكون تغيراً طارئاً، وإذا لم يكن هناك طريقة من التواصل اعتاد عليها الطرفان، فإنّ المطلوب لصلة الرحم أن يصله ولو باتصال هاتفي إذا كان ذلك يرضيه ولا يسيء إليه، وإن كان يصله بشكل مقبول ولكنه لا يرضيه فهل يعتبر قاطعاً؟ الجواب إنّ العبرة هي في العرف القائم بحيث يصدق عليه عرفاً أنه واصل لرحمه، وإن كان الأحوط ويستحب أن يصل رحمه بشكل يرضيه ولا يؤذيه وإن اعتبر في العرف واصلاً.
وقد ورد في تحديد الحد الأدنى لصلة الرحم أحاديث كثيرة منها ما اعتبر أنّ مجرد حسن الكلام ورد الجواب يعتبر كافياً فيها كما روي عن الإمام الصادق(ع) أنه قال: "إنّ صلة الرحم والبر ليهونان الحساب ويعصمان من الذنوب، فصلوا أرحامكم وبروا إخوانكم ولو بحسن الكلاو ورد الجواب"(7).
ومنها روايات تعتبر أنّ المطلوب هو صلة الرحم ولو بتقديم شربة ماء للرحم إرواءً لظمئه، ومن استطاع أن يقدم أكثر من ذلك كأن يقدم مالاً لمن كان من أرحامه محتاجاً إليه، فمن لم يكن يملك مالاً فعلى الأقل أن لا يؤذي رحمه فمجرد كف الأذى يعتبر من موارد الحد الأدنى من صلة الرحم كما ورد في حديث عن رسول الله(ص) قوله: "صل رحمك ولو بشربة من ماء وأفضل ما يوصل به الرحم كف الأذى عنها"(8).

الهوامش:
1- بحار الأنوار، جزء 71، ص 111.
2- سورة الحج، الآيتان 1-2.
3- بحار الأنوار، جزء 71، ص 93.
4- سورة يونس، الآية: 49.
5- بحار الأنوار، جزء 66، ص 383.
6- بحار الأنوار، جزء 71، ص 94.
7- بحار الأنوار، جزء 71، ص 131.
8- بحار الأنوار، جزء 71، ص 103.


المصدر: مشاكل الأسرة بين الشرع والعُرف، الشيخ حسان محمود عبدالله. ط1، دار الهادي، 1428هـ- 2007م.



 

التعليقات (0)

اترك تعليق