مُمَهِدَاتْ... وحقيق أن تبادر المرأة المثقّفة الملتزمة الواعية فتمهد الطريق وتفتح الآفاق.

"الوحدة" فراغ قد يوقع صاحبه بالأمراض الجسدية والنفسية

لا يُخفي العشريني مروان شعوره بالوحدة بشكل متكرر، بسبب عدم وجود أشخاص يفهمونه، ما يدفعه إلى الابتعاد عنهم وعدم مشاركتهم مجريات الحياة، وهو ما يؤدي في النهاية إلى "الوحدة الحقيقية".
ويضيف مروان أنه في الكثير من الأحيان يكون بحاجة للحديث مع بعض الأشخاص الذين يشعر بقربهم منه، إلا أن "انشغال الناس بأمور حياتهم هو الذي يجعلني لا أجد من يحادثني، فيكون ملجئي الأخير هو الانعزال والوحدة".
وكذلك هو حال ريماس منصور التي تراودها مشاعر الوحدة بين الحين والآخر، بالرغم من أنها تدرس في الجامعة ولديها العديد من الصديقات اللواتي لا يتوقفن عن الحديث فيما بينهن حتى بعد عودتهن من الجامعة، من خلال الهاتف "الواتسب"، والفيسبوك. غير أنها لا تجد في بعض الأوقات من يشعر بها، ما يجبرها على "تجنب الحديث لفترة من الوقت"، لتجد نفسها وحيدة، معزولة عن أصدقائها وأهلها.
وكشفت دراسة حديثة عن "تنامي ظاهرة الوحدة"، التي اعتبر معدوها أن هذه الظاهرة بمثابة "الوباء الذي يصيب جميع الأجيال ويصيبهم بأضرار صحية ونفسية".
ويقول واضع الدراسة طبيب الأعصاب الدكتور مارتين يان سترانسكي، إن "ظاهرة الوحدة لا تتعلق فقط بالشباب الذين يعيشون بدون شريك حياة، وإنما أيضا بالناس من العمر المتوسطي، والناس المتقاعدين"، إذ أظهرت الدراسة، وفق ما أورده موقع "ياهو مكتوب" أن "هؤلاء الناس لا ينقصهم التواصل مع المجتمع وإنما يصبحون تحت تأثير تغييرات نفسية محددة"، ويكون أبرز ما ينتج عندهم هو الانعزال الاجتماعي الذي تتبعه "تغييرات في أجسامهم يمكن أن تنتهي بالمرض".
وأضافت الدراسة: أن الناس الذين يعانون من الشعور بالوحدة يصابون في الأغلب بالجلطات القلبية، أو السكتات الدماغية، كما يعانون بشكل أكثر من الكآبة". بالإضافة إلى حدوث كثير من الأعراض المرضية في الجهاز الهضمي، وجزء كبير منهم قد يصاب مع مرور الزمن بـ "الخرف المرضي".
وتشدد الدراسة على أن الشخص الذي يشعر بالوحدة يتوجب عليه أن "يسعى إلى تعلم أساليب التواصل الاجتماعي، من خلال مراكز لديها القدرة على تعليم الناس ذلك التواصل، نظرياً وعملياً"، مشيرة إلى أنه وبالرغم من وجود الكثير من المعارف لدى الإنسان، إلا أن ذلك لا يعني بالضرورة أن هذا الإنسان لا يعاني من الوحدة.
وفي ذلك، يقول اختصاصي الطب النفسي الدكتور محمد الحباشنة إن وسائل التواصل الحديثة هي مسبب للوحدة، ولا تخفف منها، ويعلل ذلك بالقول "إنّها غيبت التواصل الإنساني الحميمي بين الناس، واقتصرت على علاقات سطحية، وغير عميقة، ولا تصب في مصلحة العلاقات العضوية، ولا تحمل مواصفات الصداقة العميقة"، إذ لا يوجد فيها لقاء وحوار وجهد مشترك. 
ويضيف الحباشنة، أن الناس الذين يشعرون بالوحدة ويلجأون إلى التواصل الإلكتروني كثيرا ما يقعون في "مطب" الفراغ والوحدة، وعلاقاتهم لا تثري، حيث لا يستطيع الأشخاص المتواصلون إلكترونياً أن يعبروا عن شكواهم لبعضهم بعضا، لأن الشكوى الحقيقية لا تكون إلا عن طريق تبادل المشاعر والانفعالات، ولا مكان للصديق الحميم على صفحات الإنترنت.
وترى بثينة موسى أنها تشعر فعلياً بالوحدة في الوقت الذي تشتاق فيه إلى أحد فلا تستطيع الوصول إليه والحديث معه، وهو ما تسميه بـ"الوحدة القاتلة". وتعلل زيادة الشعور بالوحدة بين الناس بحالة الشوق التي يشعر بها الناس ولا يستطيعون الوصول إلى من يشتاقون إليهم.
ومن الناحية الصحية الجسدية التي قد تتطور خلال شعور الإنسان بالوحدة، أكد استشاري الطب العام الدكتور زياد النسور أن ما يترتب على شعور الإنسان بالوحدة من آثار قد تؤدي فعلاً إلى حدوث أمراض جسمانية، وهي ما يُطلق عليه في الطب البشري بـ "المرض النفسي الجسدي"، ومنها ما يُسمى بـ"التوهم".
وبحسب النسور فإن العديد من الأمراض الجسدية يكون سببها نفسيا. وبناء على الدراسة السابقة فإن من يعيشون وحدهم أو يفقدون الأجواء العائلية نجدهم يفكرون بشكل دائم، وقد يخترعون الأمراض الجسدية لاستدراج العطف والاهتمام، ومع مرور الوقت يتولد لديهم شعور بأوجاع في مناطق مختلفة من الجسم.
ويؤكد النسور أن المشكلة قد تكمن في ارتباط الحالة النفسية بأنزيمات وهرمونات الجسم، والتي قد تؤثر بالتالي على الاسقلاب داخل الجسم، وتحدث نموا غير طبيعي في حرق الدهنيات والكولسترول، وهو ما يؤدي إلى حدوث الأمراض الجسدية، خاصة في "القلب"، إذ تجتمع عدة أعراض في الجسم تؤدي إلى حدوث مرض القلب، والضغط والسكري، والدهنيات، وغيرها من الأعراض التي تؤدي إلى حدوث خلل في الأعصاب والقلب.
من جانبه يرى الاستشاري الأسري أحمد عبد الله أن من يتحدث عن دور الأسرة في الوحدة التي يشعر بها الشخص "نخالفه في الرأي، إذ إن الدور ليس منوطا بالأسرة بالدرجة الأولى، وإنما هو منوط بالشخص نفسه"، وتحديدا من تجاوزوا حاجز الطفولة.
ويشير عبد الله إلى عدد من الأسباب التي قد تؤدي إلى الوحدة في مجتمعنا الأسري، ومنها ما يسمى بـ "عوامل الانفتاح عبر التواصل الإلكترونية، التي أدت إلى آثار مضادة": إنها في الحقيقة عوامل تعزز العزلة الاجتماعية بين أفراد العائلة الواحدة، لذا للخروج من هذه الحالة يجب على كل الأطراف العمل على تعزيز الروابط من خلال تكثيف اللقاءات نوعا وكمّاً.
ويطالب عبد الله الأشخاص بشكل عام عدم الاكتفاء باللقاءات عبر وسائل التواصل التقنية. فالوحدة -أو العزلة الاجتماعية- معناها أن هناك الكثير من الأنشطة الجماعية التي توقف الأطراف عن القيام بها، لهذا لا بد من العودة لهذه الأنشطة والقيام بها.
وفي السياق ذاته أشارت دراسة أميركية إلى أن الشخص الذي لا يحظى بعلاقات وثيقة مع أصدقاء وأفراد أسرته يكون أكثر عرضة لأمراض القلب، وأن الشخص الانعزالي لديه مؤشرات في الدم على وجود التهابات، تتمثل في ارتفاع معدل 4 مواد، منها مادة "إنترلوكين 6"، وتعد هذه المواد بمثابة مؤشرات على وجود الالتهابات تلعب دوراً رئيسياً في تصلب الشرايين.
وتقول كاثي روس، من مؤسسة القلب البريطانية "إن نتائج هذه الدراسة تؤيد نتائج دراسات سابقة أشارت إلى أن الانعزالي أكثر ميلا للتدخين، وأقل نشاطا، وهما عاملان يزيدان من خطر الإصابة بأمراض القلب"، وهذا ما أكدته دراسة أجرتها جامعة إيمورى في أطلانطا تقول إن المصابين بالاكتئاب قد يكونون أكثر عرضة للإصابة بعدم انتظام ضربات القلب، مما يجعلهم عرضة لخطر الموت فجأة.
ويشدد حباشنة على أن التواصل الإلكتروني ليس وحده هو السبب في "تراجع التواصل البشري الممتد"، بل يرى في أسلوب الحياة المعيشية، ومتطلبات الأسر، ومستلزماتها ما يجعل الأشخاص يعملون لفترات أطول، ويبذلون جهدا أكبر من أجل تحقيق أهدافهم، وبالتالي كانت الوحدة والتباعد أثرا ناتجا عن أسلوب الحياة المتسارع، بالإضافة إلى اختلاف الصداقة العضوية السليمة، واختلاف طرق التخاطب "وحتى مفهوم الصديق اختلف عن السابق".

المصدر: جريدة الغد.

التعليقات (0)

اترك تعليق