مُمَهِدَاتْ... وحقيق أن تبادر المرأة المثقّفة الملتزمة الواعية فتمهد الطريق وتفتح الآفاق.

عوامل تقوية العواطف في الأسرة عند أهل البيت(ع)

عوامل تقوية العواطف في الأسرة عند أهل البيت(ع)

موقع العائلة:
إن الهدف الأساس لدين الإسلام هو تربية البشر وتأمين سعادتهم في جميع أبعاد الوجود وكافة مراحل الحياة. ولم يُبعث الأنبياء على وجه العموم نبي الإسلام(ص) إلا لتحقيق هذا الهدف المقدس، وقد بذل جهده في هذا الخصوص وكان شديد الاهتمام والالتفات إلى حاجات وخصائص وعلائق البشر الفطرية والتي يساهم الاطلاع عليها في حسن أداء هذه المهمة. من هنا يمكن القول أن التعاليم التربوية للإسلام والثقافة الاحيائية لأهل البيت(ع) تأتي في اطار التربية الفطرية للبشر.
وقد جعل الله تعالى العائلة المكان الأفضل لتربية أفراد البشر وجعلها البيئة الأكثر تناسباً لتربية الإنسان فاعتبرها آية من آياته حيث جاء في القرآن الكريم: «وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ»1.
وبناءً على ما تقدم فالعائلة آية إلهية ومظهر من مظاهر عظمة الله تعالى. وأما تقوية هذه العائلة فيجري في خضم ثقافة الإسلام الغنية ومعارف أهل البيت(ع). ويتحقق الاستمرار على مستوى العلاقة القلبية بين الرجل وزوجته من خلال العمل بارشادات المعصومين عليهم السلام.
سنحاول في هذا المقال الاطلالة على طريق تقوية العواطف بين أعضاء العائلة بناءً على سيرة وكلام أهل البيت عليهم السلام.

طرق تقوية العواطف في العائلة:
1ـ الحوار العاطفي:
إن الالتفات إلى الارتباط الكلامي هو أحد طرق استحكام أساس العائلة. ويساهم الكلام العاطفي واستعمال الكلمات اللينة والخطابات اللائقة التي تنمّ عن المحبة، في جذب المخاطب. عندما يشعر المخاطب برضاه عن المتكلم عند ذلك يميل نحوه ويصبح أكثر محبة له.
عندما يتوجه الزوج أو الزوجة إلى الآخر بكلمات جميلة فإنهم بذلك يعلمون الأولاد كيفية التخاطب بالإضافة إلى ما يتركه هذا الكلام من أثر في قلب الآخر. يقول الإمام أمير المؤمنين عليه السلام: "اجملوا في الخِطاب تسمعوا جميل الجواب"2.

طبعاً لا يجب أن ننسي ما للكلمات الجميلة من أثر حيث لا ينساه الشخص الآخر إلى نهاية العمر. جاء عن الرسول الأكرم(ص) أنه قال: "قول الرجل للمرأة إني أحبك لا يذهب من قلبها أبداً"3.

من جهة أخرى ينبغي على المسلم والمسلمة أن يتخاطبا بلسان جميل لأن فطرة الإنسان تميل عادة إلى العبارات الجذابة والعاطفية ـ فيستقر في قلبه حب صاحب تلك العبارات. يقول الإمام أمير المؤمنين عليه السلام: "عَوِّد لسانك لين الكلام وبذل السّلام يكثر محبوك ويقلّ مبغضوك"4. وهنا ينبغي التأكيد على ضرورة أن يمتاز الكلام بين الرجل والمرأة بأدب خاص. لأن التحدث بعبارات جميلة وجذابة شيء والتلفظ بالعبارات الرقيقة الفاسدة شيء آخر. وقد نهت الروايات عن التحدث بالعبارات القبيحة. يقول الإمام أمير المؤمنين عليه السلام: "إياك ومستهجن الكلام فإنه يُوغر القلب"5.

وكما يترك الكلام الجميل آثاره على قلب المخاطب كذلك يترك الكلام القبيح آثاره أيضاً. يقول الشاعر:

جراحات السّنان لها التئام                   ولا يلتام ما جرح اللسان

2ـ التخاطب بأفضل الأسماء:
إن مناداة الزوجة بالاسم الذي تحبه يؤدي إلى وجود حالة من الإلفة والأنس بين الزوجين. يقول الرسول الأكرم(ص): "ثلاث يُصفين وُدَّ المرء لأخيه المسلم، يلقاه بالبشر إذا لقِيهِ ويوسع له في المجلس إذا جلس إليه، ويدعوه بأحب الأسماء إليه"6.

3 ـ إلقاء السلام:
علمنا الإسلام أن المبادرة إلى السلام بصوت واضح ولحن عاطفي جذاب يؤدي إلى تقوية العلاقة بين الرجل وزوجته. ويساهم هذا الأمر في إزالة الأحقاد ويقوي المعنويات ويقرب القلوب ويضفي على الحياة العائلية نوعاً من النشاط والسرور.

يقول الإمام الصادق عليه السلام: "يُسلّم الرجل إذا دخل على أهله"7.

4ـ الإعلان عن المحبة:
صحيح أن العلاقة بين الزوج والزوجة الشابين يقوم بشكل أساسي على العلاقة الداخلية والعاطفية إلا أن الإسلام يؤكد على اظهار واعلان هذه المحبة والعلاقة مما يترك آثاراً واضحة على بناء العائلة.

يقول الإمام الصادق عليه السلام: "إذا أحببت رجلاً فاخبره بذلك فإنّه أثبت للمودة بينكما"8.

من جهة أخرى فإن اظهار الزوجة حبها لزوجها من جملة خصوصيات العلاقة بينهما. وقد أوصى الإمام الصادق(ع) الزوجات بذلك: "ولا غنى بالزوجة فيما بينها وبين زوجها الموافق لها عن ثلاث خصال... واظهار العشق له بالخلابة والهيئة الحسنة لها في عينه"9.

5ـ المودة، الاستقبال، التوديع:
العائلة مكان يقدم للإنسان الهدوء والراحة، وإذا كانت العائلة على هذا النحو فإن الرجل الذي يواجه في الخارج الكثير من المشكلات والمنغصات ويتعرض في سبيل الحصول على الكسب الحلال لأنواع الآلام والمشقات بالأخص الروحية منها، فإنه يرغب عند عودته إلى المنزل في أن يجد شخصاً بانتظاره يتودد إليه ويخفف عنه عناء اليوم.

وهو يرغب أيضاً أن يدخل منزله فيجد شخصاً يستقبله بلطف وابتسامة وهذا الشخص ليس سوى الزوجة الصالحة التي يمكنها وحدها أن تزيل عنه تعب اليوم وآلامه. ويترتب على عملها هذا ثوابٌ كبيرٌ.

جاء رجل إلى رسول الله(ص) وقال له: "إن لي زوجة إذا دخلت تلقتني وإذا خرجت شيعتني وإذا رأتني مهموماً قالت لي: ما يهمك؟ إن كنت تهتم لرزقك فقد تكفل لك به غيرك وإن كنت تهتم لأمر آخرتك فزادك الله هماً، فقال رسول الله(ص): إن لله عمالاً وهذه من عماله، لها نصف أجر الشهيد"10.

ويتحدث الإمام أمير المؤمنين حول سيدة نساء العالمين: "فوالله ما أغضبتها ولا أكرهتها من بعد ذلك على أمرِ حتى قبضها الله عزَّ وجلَّ إليه، ولا أغضبتني ولا عصت لي أمراً، ولقد كنت أنظر إليها فتنكشف عني الغموم والأحزان بنظري إليها"11.

كانت السيدة الزهراء(ع) تعيش في بيت علي(ع) حياة ملؤها العشق والصفاء والمحبة وقد تحدثت في آخر لحظات حياتها مخاطبة زوجها، قالت(ع): "يا بن عم ما عهدتني كاذبة ولا خائنة ولا خالفتك منذ عاشرتني. عند ذلك خاطبها الإمام أمير المؤمنين(ع) قائلاً: معاذ الله أنت اعلم بالله وأبرّ وأتقى وأكرم وأشدّ خوفاً من الله من أن أوبخك بمخالفتي"12.
قصة معبّرة:

كان أبو طلحة الأنصاري يحب ابنه حباً شديداً، فمرض فخافت أم سليم على أبي طلحة الجزع، حين قرب موت الولد، فبعثته إلى النبي(ص) فلما خرج أبو طلحة من داره توفى الولد. فسجته أم سليم بثوب، وعزلته في ناحية البيت، ثم تقدمت إلى أهل بيتها وقالت لهم لا تخبروا أبا طلحة بشيء ثم أنها صنعت طعاماً. فجاء أبو طلحة من عند رسول الله(ص) فقال: ما فعل ابني؟ فقالت له: هدأت نفسه، ثم قال: هل لنا ما نأكل؟ فقامت فقربت إليه الطعام... فلما اطمأن قالت له: يا أبا طلحة أتغضب من وديعة كانت عندنا فرددناها إلى أهلها؟ فقال: سبحان الله لا، فقالت: ابنك كان عندنا وديعة فقبضه الله تعالى. فقال أبو طلحة فأنا أحق بالصبر منك، ثم قام من مكانه فاغتسل وصلى ركعتين ثم انطلق إلى النبي(ص) فأخبره بصنيعها فقال له رسول الله(ص): الحمد لله الذي جعل في أمتي مثل صابرة بني إسرائيل13.

6ـ التعاون في اختيار نوع الطعام:
إن التعاون والتفاهم في اختيار نوع الطعام من جملة العوامل التي تساهم في استحكام العلاقة بين الزوجين وتضفي على العائلة حالة من المتانة والثبات. لا بل يساهم هذا التفاهم في حل العديد من الاشكالات المحتمل وقوعها. والزوج المسلم يتناول الطعام الذي تقوم زوجته باعداده من دون نفرة أو غضب أو ما شابه ذلك. يقول الرسول(ص): "المؤمن يأكل بشهوة عياله والمنافق يأكل أهله بشهوته"14.

وجاء في سيرة الرسول(ص) أنه كان يأكل الطعام الذي يتم اعداده من دون أن يكون متطلباً: "كان رسول الله(ص) يأكل كل الأصناف من الطعام وكان يأكل ما أحلّ الله له مع أهله وخدمه إذا أكلوا"15.

وفي هذا المجال أيضاً لا بد من تذكير الزوجات المسلمات أن اعداد الطعام اللذيذ... يترك أثراً كبيراً على ميل الزوج القلبي نحوها، فهي تزرع بذور المحبة في قلبه. ويشار إلى أن الإمام الصادق(ع) كان يتحدث عن خاصتين في الزوجات تجعلان منهن زوجات لائقات، يقول الإمام(ع): "خير نسائكم الطيبة الريح الطيبة الطبيخ"16.
ويقول الرسول(ص): "خير نسائكم الطيبة الطعام"17.

7ـ تأمين مصاريف العائلة:
لعل تأمين مصاريف العائلة من الرزق الحلال والذي هو من وظائف الرجل المؤمن أهم من اعداد الطعام الطيب، فإذا بذل الرجل المؤمن جهوده في هذا الاطار فإنه سيحصل على مقام رفيع عند الله تعالى. وهؤلاء يردون على الله يوم القيامة بيض الوجوه.

يقول الإمام الباقر(ع): "من طلب الرزق في الدنيا استعفافاً عن الناس وسعياً على أهله وتعطّفاً على جاره، لقي الله عزَّ وجلَّ يوم القيامة ووجهه مثل القمر ليلة البدر"18.

ويقول الإمام الصادق(ع): "الكاد على عياله من حلال كالمجاهد في سبيل الله"19.

ويقول الإمام الرضا(ع): "الذي يطلب من فضل الله عزَّ وجلَّ ما يكف به عياله أعظم أجراً من المجاهد في سبيل الله عزَّ وجلَّ"20.

8 ـ التركيز على محبة علي(ع):
أثبتت التجربة أن الذين يكبرون مع الدين والشعائر الدينية ومحبة أهل البيت(ع)، هم أشخاص منضبطون وكاملون يراعون حقوق الآخرين عند التعامل معهم ويبتعدون عن الظلم، فهم يتحركون نحو الكمال لارتباطهم بأكمل البشر حيث جعلوا أهل البيت(ع) قدوتهم في حياتهم.

نقرأ في الزيارة الجامعة الكبيرة: "بموالاتكم عَلَّمَنا الله معالم ديننا وأصلح ما كان فَسَد من دنيانا وبموالاتكم أتلفت الفرقة".

9ـ تقديم الهدايا للزوجة:
إن احترام الآخرين يزرع في قلوبهم العشق والمحبة، والهدية نوع من الاحترام، والذي يتلقى الهدية فإنه يظهر حبه للطرف الآخر ولهذا الأمر أهمية خاصة على مستوى العلاقات الزوجية وللهدية أثر كبير في ايجاد حالة من الانس والالفة بين الزوجين. يقول الرسول الأكرم(ص): "من دخل السوق فاشترى تحفة فحملها على عياله كان كحامل صدقةٍ إلى قوم محاويج"21.

والهدايا تجعل القلوب صافية صادقة وتزيل عنها غبار الكدورات بالأخص إذا كانت الهدايا في مناسبات خاصة، لأن المناسبات الخاصة تجعل الهدايا خالدة وهذا يعني بقاء ودوام الأثر المطلوب منها.

يتحدث الإمام الصادق(ع) معدداً وظائف الرجل اتجاه زوجته ويقول: "ولا يكون فاكهة عامة إلا أطعم عياله منها، ولا يدَع أن يكون للعيدين من عيدهم فضلاً من الطعام ينيلهم من ذلك شيئاً لا ينيلهم في سائر الأيام"22.


 


الهوامش:
1- سورة الروم، الآية: 21.
2- غرر الحكم، ص436.
3- وسائل الشيعة، ج20، ص23؛ الكافي، ج5، ص569.
4- غرر الحكم، ص435؛ عيون الحكم والمواعظ، ص340.
5- المصدر نفسه، ص214.
6- أصول الكافي، ج2، ص643.
7- بحار الأنوار، ج76، ص2.
8- أصول الكافي، ج2، ص644.
9- بحار الأنوار، ج75، ص237، وتحف العقول، ص323.
10- وسائل الشيعة، ج20، ص32.
11- مناقب الخوارزمي، ص354.
12- بحار الأنوار، ج43، ص191.
13- بحار الأنوار، ج79، ص15.
14- جامع السعادات، ج2، ص145.
15- مكارم الأخلاق، الطبرسي، ص26.
16- المهذب البارع، ابن فهد الحلي، ج3، ص17.
17- الكافي، ج5، ص325.
18- التحفة السنية للجزائري، ص227.
19- من لا يحضره الفقيه، ج3، ص124؛ وسائل الشيعة، ج17، ص67.
20- الكافي، ج5، ص88.
21- أمالي الصدوق، ص672؛ وسائل الشيعة، ج21، ص514.
22- جامع المدارك، ج4، ص485؛ وسائل الشيعة، ج21، ص513.

المصدر: مجلة المحراب، الأعداد: 1027- 1028- 1029.
إعداد: عبد الكريم تبريزي كاتب وباحث إسلامي.

التعليقات (0)

اترك تعليق